لم تمض ثلاثة أشهر حتى تفاقمت أزمة علاج المرضى السوريين في المشافي التركية ووصلت إلى ما يمكن وصفه بالكارثة التي تهدد حياة المئات منهم، واستدعت إطلاق صرخات النجدة في كل وادٍ علها تلقى آذاناً مصغية.
ناشطون سوريون في الشمال السوري وفي دور المهجر شرعوا بتنظيم حملة دعم ومناصرة لقضية المرضى السوريين المحرومين من العلاج في المشافي التركية، وحملت الحملة اسم "عالجوا مرضى إدلب" ونظم القائمون على الحملة حسابات باسم الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبدؤوا بحشد المناصرين على تويتر للتغريد تحت وسم #عالجوا_مرضى_إدلب بثلاث لغات هي العربية والإنجليزية والتركية، ويتم إرفاق صور المرضى ومقاطع الفيديو التي تشرح معاناتهم مع وسوم وهاشتاغات الحملة المعتمدة.
#عالجوا_مرضى_إدلب
#İdlib_hastalarını_tedavi_edin
#Treat_Idlib_patients
ويأمل القائمون على حملة "عالجوا مرضى إدلب" أن يوصلوا أصوات معاناة المرضى السوريين إلى آذان المسؤولين الأتراك ويتم حل مشكلة دخول المرضى إلى المشافي التركية وإعادة العمل بنظام العلاج المجاني القديم، مما يسهم في إنقاذ أرواح المرضى.
فالكثير من الحالات المرضية لا يتوفر لها العلاج في مشافي الشمال السوري، مما يستدعي نقل هذه الحالات المرضية إلى الأراضي التركية لتلقي العلاج بشكل مجاني، وهكذا كانت تسير الأمور منذ سنوات، إلا أن الجانب التركي في معبر جلفاكوزا الحدودي مع سوريا والمقابل لمعبر باب الهوى في إدلب أوقف منتصف آب الماضي منح وصل "وثيقة الحماية المؤقتة" (كملك) للمرضى السوريين الداخلين إلى تركيا للعلاج.
وكان يستفيد حامل وصل الكملك من خدمة تلقي العلاج بشكل مجاني في المستشفيات الحكومية التركية، إلا أن إدارة معبر جلفاكوزا استعاضت عن وصل الكيملك بوثيقة جديدة أطلق عليها اسم "وثيقة سياحية علاجية"، وحملت الوثيقة الجديدة الكثير من السلبيات التي تزيد من معاناة المرضى السوريين، وأبرزها حرمانهم من تلقي العلاج مجاناً، وعدم اعتراف المشافي التركية بهذه الوثيقة.
لا حل تركي للأزمة التي وصلت للمسؤولين الكبار
مئات المرضى السوريين تضاعفت معاناتهم من قرار الاستعاضة عن وصل الكملك بالوثيقة العلاجية السياحية وأصبحت حياتهم في خطر، مما استدعى تدخل المكتب الطبي في معبر باب الهوى وإدارة المعبر والتي قامت بعدة جلسات مع إدارة معبر جلفاكوزا التركي والتي وعدت مراراً بحل المشكلة لكنها شيئاً لم يحدث، مما استدعى نقل المشكلة وعرضها على ولاية هاتاي وإدارة الهجرة فيها، بالإضافة لإدارة مشفى الدولة الجديد في أنطاكيا التابعة لولاية هاتاي لكنها لم تحل أيضاً.
وصلت جهود المسؤولين السوريين إلى أنقرة وعقدوا اجتماعات مع مسؤولين في الحكومة التركية انتهت بعدم حل المشكلة بسبب العجز في ميزانية مديرية الصحة في ولاية هاتاي، بحسب ما صرح به مدير المكتب الطبي في معبر باب الهوى الطبيب بشير الإسماعيل.
وأشار إلى أن أساس المشكلة بين وزارة الصحة التركية وولاية هاتاي، حيث يترتب على الأخيرة دفع مبالغ متراكمة للوزارة، ولذلك توقفت عن منح وصل الكملك للمرضى الذين يتم تحويلهم من الداخل السوري، لتخفيف أعباء العلاج.
وبحسب إحصائيات المكتب الطبي في معبر باب الهوى فإن قرابة ألف مريض بحاجة لدخول تركيا حالياً لتلقي العلاج، 350 منهم من مرضى السرطان و 400 مريض آخرين من مرضى الجراحات القلبية (مجازات – تشوهات ولادية - أطفال)، و 250 مريضاً مصابون بأمراض مختلفة (عينية وعصبية وغيرها).
مرضى السرطان في الشمال السوري
وبحسب إحصاءات طبية غير رسمية فإن زيادة طردية تطرأ على أعداد المرضى السوريين الذين يعجزون عن تلقي العلاج في المشافي التركية بمعدل 300 مريض كل شهر، النسبة الكبرى منها من مرضى السرطان وذلك بنسبة 22.6% من المرضى، حيث بات ينتشر السرطان بشكل كبير في الشمال السوري ويتم تشخيص 10 إصابات به يومياً، ولا يتوفر علاجه في الشمال السوري.
ويبلغ متوسط أعداد مرضى السرطان الذين يدخلون إلى تركيا ما بين 1800 إلى ألفي حالة سنوياً.
وعانوا مرضى السرطان وغيرهم خلال العامَين الماضيين من إغلاق المعابر وتأجيل مرورهم مراراً بسبب إجراءات الحد من انتشار فيروس "كورونا" (كوفيد 19).
ويحتاج مريض السرطان لعشرات الجرعات العلاجية من بينها الكيماوية بكلفة علاجية تصل لآلاف الدولارات وهو ما يعجز عنه جل المرضى السوريين الذين يعيشون واقعاً صعباً جداً.
ويبلغ سعر الجرعة اليكماوية في حال تمكن المريض من الحصول عليها أكثر من 400 دولار أميركي. في حين لا يوجد أي وسائل علاج لمرضى بأمراض أخرى.
وأوضح رئيس قسم الأورام في مشفى إدلب المركزي، أيهم جمو، لموقع تلفزيون سوريا أن المصابين بسرطان الرئة والمعدة والبروستات، لا علاج مجانياً لهم في إدلب، إضافة إلى عدم توفر الجرعات المناعية الحديثة، وهي جرعات ذات كلفة باهظة الثمن.
وبالنسبة للعلاجات المتاحة، قال جمو، الطبيب المختص بأمراض الدم والأورام، إن قسم الأورام في مشفى إدلب المركزي، هو الوحيد في شمال غربي سوريا، الذي يقدم خدمات استشارات مجانية لجميع مرضى أمراض الدم والسرطان إضافة إلى العلاج الكيماوي المجاني لأربعة أنواع من السرطان، هي الثدي والقولون وسرطان الدم بنوعيه (هوشكن ولا هوشكن).
حالة طوارئ والدعم لا يشمل مراكز السرطان
بعد عشر سنوات من الحرب، وتشكل عشرات المنظمات في شمال غربي سوريا، ما زالت المنطقة تعامل وفق بروتوكولات حالة الطوارئ، ويتوجه الدعم فيها إلى الحالات القابلة للإنقاذ سريعاً وبأقل كلفة، وهذا ما يترك مرضى السرطان وغيرهم من المصابين بالأمراض المزمنة مضطرين لتحمل تكاليف العلاج والبحث عن المساعدة عبر الحدود.
وأوضح اختصاصي تشريح المرضى الدكتور يحيى رحال لتلفزيون سوريا أن المنظمات الإغاثية تحصل على الدعم من منظمات دولية أو منظمات الأمم المتحدة، وعلى اعتبار أن الوضع في سوريا ما زال يعتبر في حالة الطوارئ، فلذلك يتم التركيز على الحالات المنقذة للحياة بأقل كلفة وأكبر عدد، موضحاً أن مرض السرطان ليس من أساسيات حالة الطوارئ كون علاجه بحاجة لكلفة مرتفعة وعدد المستفيدين منه محدود.
وضرب رحال مثالاً عن آلية تحديد الأولويات في الطوارئ، إذ إن كلفة علاج مريض سرطان واحد يمكن الاستعاضة عنها بدفعة من دواء "سيتامول" تكفي 600 طفل، موضحاً أن معظم مرضى السرطان يفقدون حياتهم بعد دفع تكاليف عالية بالعلاج وهذا السبب الرئيسي لعدم تقديم المانحين الدوليين الدعم في الوقت الحالي.
من جهتها، قالت مسؤولة الصحة الإنجابية في منظمة "سيما"، الدكتورة صبا جدعان، إن الجهات المانحة يقتصر دعمها على مستويات الصحة الأول والثاني، بينما يعتبر مرض السرطان ضمن المستوى الثالث، ولا يعتبر من أولويات الاستجابة بالأزمة رغم طول الفترة الزمنية.
وأكد رئيس دائرة الرعاية الثانوية وشعبة المشافي في مديرية صحة إدلب، الدكتور يحيى نعمة، أن سبب عدم وجود مشافٍ مختصة بعلاج السرطان هو الكلفة المرتفعة.