"لا أملك تكاليف إكمال العلاج، لذلك سأعيش الأشهر المتبقية من حياتي مع أطفالي بانتظار الموت".. هذا ما قالته سارة نيال البالغة من العمر 35 عاماً، بعد أن علمت بتغير الإجراءات التركية في استقبال المرضى من شمال غربي سوريا، والتي تخلت بموجبها عن مجانية العلاج.
أثارت الإجراءات التركية التي بدأت في شهر أيلول الماضي خوف وقلق المرضى السوريين الذين ترتفع لديهم نسبة الفقر، ورغم الوعود التركية الصادرة بداية شهر تشرين الأول الحالي بإصلاح ما سمّوه بـ"الخطأ المؤقت" فإن هشاشة صحة المرضى وشدة الآلام التي يعانونها تجعل من تأجيل علاجهم واختلاله مسألة حياة أو موت، في حين تخلو المنطقة من علاجاتهم المطلوبة.
علاج مفقود وجرعة الكيماوي بـ 400 دولار
منذ ثمانية أعوام سمحت تركيا بمرور المرضى السوريين لتلقي العلاج بمستشفياتها، مقدّمة لهم وثيقة تتيح لهم الحصول عليه بالمجان، لكن منذ ذلك الحين لم تتمكن المشافي في شمال غربي سوريا من سد حاجة المرضى وكفايتهم عن الانتقال فرادى، أو دون الدعم العائلي الكافي، إلى بلد آخر لتلقي الجرعات الكيماوية، وفقاً للشروط التركية.
سارة، المصابة بسرطان الثدي، فقدت الأمل في إكمال علاجها، بعد إيقافِ المعابر التركية شمالي سوريا ومن بينها معبر "جلفاكوزو" التركي المقابل لمعبر باب الهوى من الجانب السوري؛ إدخالَ المرضى السوريين إلى المشافي التركية، حيث استعاض الجانب التركي في أيلول الفائت عن الوثيقة العلاجية المجانية بأخرى سياحية يجب من خلالها على المريض دفع تكاليف علاجه.
وأكد مازن علوش مدير المكتب الإعلامي في معبر باب الهوى لموقع تلفزيون سوريا أنه لم يطرأ أي جديد فيما يخصّ دخول السوريين لتلقي العلاج في تركيا، وأن الجانب التركي لم يعدل عن قرار "وثيقة العلاج السياحية".
يعدّ مرضى السرطان من أبرز الحالات التي تدخل تركيا بقصد العلاج وذلك بنسبة 22.6% من المرضى، وعانوا خلال العامَين الماضيين من إغلاق المعابر وتأجيل مرورهم مراراً بسبب إجراءات الحد من انتشار فيروس "كورونا" (كوفيد 19).
تحتاج سارة لـ 21 جلسة علاج كيماوية، تختلف ما بين جرعات إشعاعية وأخرى مناعية، وتكلف الجرعة الواحدة قرابة 420 دولاراً، وهو ما "يستحيل" عليها تأمينه.
قالت سارة لموقع تلفزيون سوريا ساخرة من الحال الذي وصلت إليه، "عندما كان العلاج مجانياً كنت مرهقة مادياً بسبب مصاريف التنقل والإقامة في تركيا، فكيف الآن؟".
فاطمة الضاهر سيدة أخرى مصابة بسرطان الثدي، تحدثت لموقع تلفزيون سوريا عن عجزها مواصلة العلاج بعد أن أصبح مأجوراً، فضيق حالها كان يجعلها تقف حائرة في تأمين أجور تنقلها من عفرين إلى ريف إدلب ثم تركيا.
تأمين مئات الدولارات لأي جلسة علاجية ليس أكبر التحديات التي يعانيها المرضى، إذ إن غياب مراحل علاجية كاملة ضمن مشافي شمال غربي سوريا هو ما يتركهم بانتظار رحمة القرارات التركية بإتاحة سبيل العلاج أو حجبه.
كيف يكون حال المرضى بلا علاج؟
إذا لم يستطع مرضى السرطان أخذ الجرعات الإشعاعية أو المناعية، غير المتوفرة في شمال غربي سوريا، فإن المرض يعود للانتشار ، ما يؤثر على حياتهم، حسبما أوضح رئيس قسم الأورام في مشفى إدلب المركزي، أيهم جمو، لموقع تلفزيون سوريا.
ويحتاج مرضى السرطان، وخصوصاً المصابات بسرطان الثدي، للعلاج الإشعاعي والمناعي بعد العلاج الكيماوي، ويضطر الأطباء لتحويل مرضاهم إلى تركيا لاستكمال العلاج، كما قال الطبيب جمو.
وأشار جمو إلى أن المصابين بسرطان الرئة والمعدة والبروستات، لا علاج مجانياً لهم في إدلب، إضافة إلى عدم توفر الجرعات المناعية الحديثة، وهي جرعات ذات كلفة باهظة الثمن.
وبالنسبة للعلاجات المتاحة، قال جمو، الطبيب المختص بأمراض الدم والأورام، إن قسم الأورام في مشفى إدلب المركزي، هو الوحيد في شمال غربي سوريا، الذي يقدم خدمات استشارات مجانية لجميع مرضى أمراض الدم والسرطان إضافة إلى العلاج الكيماوي المجاني لأربعة أنواع من السرطان، هي الثدي والقولون وسرطان الدم بنوعيه (هوشكن ولا هوشكن).
كلفة علاج مريض السرطان تصل إلى 20 ألف دولار
تكلفت الحكومة التركية بالعلاج المجاني للحالات الباردة والإسعافية للمرضى السوريين، خلال السنوات الثمانية الماضية، حسبما أوضح الطبيب بشير الإسماعيل، مدير مكتب التنسيق الطبي في معبر "باب الهوى" لموقع تلفزيون سوريا، مقدراً وصول كلفة علاج المريض إلى نحو 20 ألف دولار، بحسب وضعه الصحي.
السلطات التركية لم تصرح عن النظام الصحي الجديد الذي ألغى منح وثيقة العلاج المتعارف عليها بين المرضى والمشافي التركية، وقدم وثيقة جديدة لم يفعل فيها العلاج المجاني، والتي تحدد عادة بفترة شهر واحد، ما يجبر المريض على العودة إلى سوريا ليتمكن من الدخول من جديد بوثيقة صالحة لاستكمال علاجه.
ولكن وبعد اجتماع أعضاء من مجلس إدارة الجالية السورية وأعضاء الهيئة الاستشارية وممثلي المنظمات في ولاية غازي عنتاب التركية عبر الفيديو مع والي مدينة غازي عنتاب، داوود غول، بحضور نائب الوالي المنسّق العامّ لمناطق جرابلس والباب ومدير الهجرة في الولاية فاتح آينا، أوضح الوالي أن هناك آلية جديدة سوف يتم التعامل بها بين وزارة الصحة وإدارة الهجرة بالنسبة للمرضى المحالين من مناطق المعارضة للعلاج في تركيا، لكن لن يتم طلب أي مبالغ للعلاج، و"هناك حالياً خطأ في النظام وسيتم حله بأسرع وقت".
ويبلغ متوسط أعداد مرضى السرطان الذين يدخلون إلى تركيا ما بين 1800 إلى ألفي حالة سنوياً، ومنذ إصدار الوثيقة الجديدة، لاحظ المسؤولون في المعبر عن تراجع أعداد مرضى السرطان العابرين إلى تركيا، حيث عمل مكتب التنسيق الطبي في معبر "باب الهوى" على إيقاف الحالات الباردة بشكل نهائي ريثما يتم تفعيل النظام الصحي الجديد.
حالة طوارئ والدعم لا يشمل مراكز السرطان
بعد عشر سنوات من الحرب، وتشكل عشرات المنظمات في شمال غربي سوريا، ما زالت المنطقة تعامل وفق بروتوكولات حالة الطوارئ، ويتوجه الدعم فيها إلى الحالات القابلة للإنقاذ سريعاً وبأقل كلفة، وهذا ما يترك مرضى السرطان وغيرهم من المصابين بالأمراض المزمنة مضطرين لتحمل تكاليف العلاج والبحث عن المساعدة عبر الحدود.
وأوضح اختصاصي تشريح المرضى الدكتور يحيى رحال لتلفزيون سوريا أن المنظمات الإغاثية تحصل على الدعم من منظمات دولية أو منظمات الأمم المتحدة، وعلى اعتبار أن الوضع في سوريا ما زال يعتبر في حالة الطوارئ، فلذلك يتم التركيز على الحالات المنقذة للحياة بأقل كلفة وأكبر عدد، موضحاً أن مرض السرطان ليس من أساسيات حالة الطوارئ كون علاجه بحاجة لكلفة مرتفعة وعدد المستفيدين منه محدود.
وضرب رحال مثالاً عن آلية تحديد الأولويات في الطوارئ، إذ إن كلفة علاج مريض سرطان واحد يمكن الاستعاضة عنها بدفعة من دواء "سيتامول" تكفي 600 طفل، موضحاً أن معظم مرضى السرطان يفقدون حياتهم بعد دفع تكاليف عالية بالعلاج وهذا السبب الرئيسي لعدم تقديم المانحين الدوليين الدعم في الوقت الحالي.
من جهتها، قالت مسؤولة الصحة الإنجابية في منظمة "سيما"، الدكتورة صبا جدعان، إن الجهات المانحة يقتصر دعمها على مستويات الصحة الأول والثاني، بينما يعتبر مرض السرطان ضمن المستوى الثالث، ولا يعتبر من أولويات الاستجابة بالأزمة رغم طول الفترة الزمنية.
وأكد رئيس دائرة الرعاية الثانوية وشعبة المشافي في مديرية صحة إدلب، الدكتور يحيى نعمة، أن سبب عدم وجود مشافٍ مختصة بعلاج السرطان هو الكلفة المرتفعة.