مادلين أولبرايت.. الوزيرة الأميركية التي أسهمت في تثبيت حكم بشار الأسد على سوريا

توفيت مادلين أولبرايت أول امرأة تتولى وزارة الخارجية الأميركية أمس الأربعاء، وهي الشخصية الأبرز أميركياً التي التقت بشار الأسد بعد وفاة والده حافظ الأسد بثلاثة أيام عام 2000.

يعتقد كثيرون أن أولبرايت أسهمت في وصول بشار الأسد إلى رأس السلطة بعد وفاة حافظ الأسد كولي للعهد لأول مرة في جمهورية عربية يتحكم فيها العسكر منذ انقلاب حزب البعث عام 1963 ثم إمساك الأسد الأب بالحكم بعد انقلاب 1970.

مع بشار الأسد على انفراد

وفي 13 من حزيران عام 2000 حضرت مادلين أولبرايت مع وفد رسمي ضم جيسي جاكسون نائباً عن الحزب الديمقراطي والسناتور أرلين سبيكتر عن الحزب الجمهوري، مراسم جنازة حافظ الأسد بعد 3 أيام من إعلان وفاته، ووقفت نحو نصف دقيقة أمام نعشه.

وعلى هامش العزاء أمضت أولبرايت مع بشار الأسد 15 دقيقة، كان جزءاً منها على انفراد بعيداً عن الكاميرات، والآخر بحضور مترجمته بثينة شعبان كما تظهر الصور.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن أولبرايت قولها حينها: إنها وجدت طبيب العيون البالغ من العمر 34 عاماً (لم يكن رئيساً للنظام السوري رسمياً بعد) على أهبة الاستعداد و"جاهزاً لتولي مهامه".

أمضت أولبرايت أقل من ست ساعات في دمشق إلى جانب بشار الأسد، وكانت لقاءاتها الجانبية الوحيدة مع وزير خارجية النظام حينها فاروق الشرع والملك الأردني عبد الله الثاني.

وذكر موقع "بي بي سي أونلاين" حينها أن المراسلين يقولون إن الحضور الدولي في جنازة حافظ الأسد يعكس نوعاً من التأييد لبشار، الذي رشحه حزب البعث الحاكم للرئاسة ومن المنتظر أن يقر مجلس الشعب السوري هذا الترشيح لاحقاً.

وقال بشار الأسد للوزيرة أولبرايت بعد وعده بالاستمرارية، إن سوريا ستمضي قدماً في ظل قيادته مع مسار المفاوضات الإسرائيلي الذي ورثه عن والده.

وأضاف "الوريث السوري" (كما أطلقت عليه وكالة الصحافة الفرنسية) على ما يبدو أن أولبرايت تدرك جيداً حقائق سوريا، مضيفاً من خلال مترجم: "هذه أخبار جيدة جداً لبلدنا وشعبنا لسماع أنك تفهمينه".

زيارة أميركية لدولة "راعية للإرهاب"

وبالعودة إلى أرشيف وزارة الخارجية الأميركية جاء في الإحاطة الصحفية المنشورة في 12 من حزيران عام 2000، قبيل ساعات من إقلاع الطائرة إلى دمشق سأل الصحفيون أولبرايت بما أن وزارة الخارجية تدرج سوريا كدولة تروج للإرهاب وإرهاب الدولة، فهل من المناسب حقا أن تزوري هذا البلد؟

قالت ألبرايت: "حسناً، أولاً وقبل كل شيء، لم أزر سوريا أنا وحدي، بل عدد من وزراء الخارجية قبلي فعلوا ذلك، نحن منخرطون في المساعدة في عملية سلام شامل. سنواصل القيام بذلك. أعتقد أنه من الضروري أن نواصل هذه الأنواع من الاتصالات".

وأشار أحد الصحفيين إلى أن الرئيس الأميركي (السابق) بيل كلينتون أثنى بشكل كبير على حافظ الأسد، وقد فعلتِ ذلك أيضاً، وتذهبين الآن على رأس وفد رفيع المستوى جداً، ألا تجدين بعض الانفصال عن الواقع إلى حد التنافر بين سياسة الولايات المتحدة بشأن حقوق الإنسان وسياستها بشأن الإرهاب، وكل هذا الاحترام الذي توليه إدارة كلينتون لحافظ الأسد؟

أجابت ألبرايت على السؤال قائلة: "أعتقد أنه من المناسب تماماً أن نقدم احترامنا لشخصية تاريخية وأن نعرب عن تعازينا لشعب سوريا، لا شك في أننا بحاجة إلى العمل مع القيادة السورية من أجل تحقيق سلام شامل".

وأضافت "أعتقد، كما قال الرئيس كلينتون، بينما اختلفنا مع حافظ الأسد في عدد من القضايا، إلا أن الرئيس يحترمه. لقد تفاوضت معه في عدد من الاجتماعات، وأعتقد أنه من المناسب للولايات المتحدة أن تمثلها وزيرة الخارجية في هذا الشأن".

وبالطبع كان العنوان العريض الذي استخدمته واشنطن للذهاب إلى سوريا، رغم أنها دولة "راعية للإرهاب" وفق تصنيف الولايات المتحدة بذلك الوقت، هو "محادثات السلام بين سوريا وإسرائيل" التي وافق عليها حافظ الأسد في محادثات مدريد عام 1991.

حقوق الإنسان والقبول بالتوريث

ورغم أن الولايات المتحدة كانت راعية الديمقراطية والداعية لها خلال العقود الطويلة الماضية إلى جانب انتقادها المستمر لانتهاكات حقوق الإنسان، إلا أنها في سوريا كانت لديها وجهة نظر مختلفة، فعندما سأل الصحفيون "أولبرايت" عن تقييم واشنطن لفرص انتقال سلس للسلطة في سوريا؟ قالت: "أعتقد أنه من خلال ما رأيناه في الساعات الأربع والعشرين الماضية، يبدو أنه سلس ونأمل أن يستمر في هذا السياق. لكني أعتقد أن كل شيء رأيناه حتى الآن هو أنه يبدو وكأنه انتقال سلمي. من المهم أن تكون سلمية.

وأكّدت الوزيرة أن "واشنطن تتابع ما يحدث في سوريا، تم تعيين بشار الأسد قائداً للقوات المسلحة، وسيكون هناك اجتماع للبرلمان، الأمر متروك لهم لكيفية فعلها".

وفي سؤال لأحد الصحفيين عما إن كانت وزير الخارجية ستبحث ملف الحقوق المدنية والديمقراطية مع بشار الأسد؟ أجابت: "أفعل ذلك كلما استطعت. لست متأكدة من أنني سأفعل الآن سأقدم التعازي، وهو الغرض من الجنازة والتأبين الآن، لا أرى أن هذا هو الوقت المناسب لإجراء تلك المناقشة".

كيف كان يرى الغرب بشار الأسد عام 2000؟

قالت صحيفة "نيويورك تايمز" بعد وفاة حافظ الأسد، إن نجله بشار الأسد "مبتدئٌ في السياسة، تمت ترقيته من رتبة عقيد إلى رتبة فريق بفترة وجيزة، وعين قائداً للقوات المسلحة. وسرعان ما رشحه حزبه لمنصب الرئيس الذي يبدو أنه متأكد من فوزه".

لكن يجب أن يعتمد بشار الأسد على دعم القادة العسكريين، الذين لا يتمتع بمكانة حقيقية بينهم. خلافاً لوالده الذي كان طياراً مقاتلاً ووزيراً للدفاع، بشار الأسد لديه خبرة عسكرية ضئيلة، بحسب الصحيفة.

وأشارت إلى أن شخصيات عسكرية وبعض أعضاء حزب البعث جلسوا على جانب واحد من القاعة حيث استقبل بشار الأسد الزوار. في العامين الماضيين، كما طرد والده كبار السن من الجيش والحزب الذين كان من المحتمل أن يشكلوا تهديداً لابنه.

ولفتت إلى أنه من المفترض أن تكون الطبقة الجديدة من القادة أكثر ولاءً، لكن البعض منهم مرتبط بأولئك الذين أطيح بهم، ويقول الخبراء إن "الحرس القديم والحرس الجديد سينتظران ويراقبان أخطاء الرجل الجديد".

من جهته قال إيال زيسر، الأستاذ في قسم تاريخ الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب: "لن ينجو بشار إلا إذا أظهر التصميم والقدرات القيادية والكاريزما، وأخيراً الدرجة اللازمة من الوحشية تجاه أعدائه في الداخل". وهل لدى بشار غريزة القاتل؟ سيخبرنا الوقت فقط، لكن قدرة بشار على التمسك بالسلطة تعتمد عليها (أي الوحشية)".

كيف تسلم بشار الأسد السلطة؟

وبعد إعلان وفاة حافظ الأسد اجتمع مجلس الشعب (البرلمان) لتخفيض عمر المرشح للرئاسة من أربعين عاماً إلى 34 عاماً، لتمكين بشار الأسد من الترشح للمنصب خلفاً لوالده. وفي 27 من حزيران 2000 صدّق المجلس على ترشيحه رسمياً. 

وكان 109 من أعضاء مجلس الشعب تعاقبوا على إلقاء كلمات التأييد لبشار الأسد وكان من المقرر الاستماع إلى 91 مداخلة أخرى غير أن رئيس المجلس عبد القادر قدورة قطع هذه المداخلات على أساس أنها تصب كلها في الاتجاه ذاته وقرأ ملخصاً لها قبل أن يعلن بدء التصويت. 

ووقف النواب البالغ عددهم 250 تقريباً فورا في إشارة إلى موافقتهم عندما طرح قدورة الترشيح للتصويت. معلناً في أقل من ثوانٍ التصديق بـ "الإجماع" على الترشيح وسط موجة من التصفيق من جانب النواب. 

من هي مادلين أولبرايت؟

ومادلين أولبرايت كانت أول امرأة تتسلم منصب وزير الخارجية في الولايات المتحدة بعد أن سماها الرئيس بيل كلينتون في 5 من كانون الثاني 1996 وظلت في منصبها حتى 20 من كانون الثاني 2001.

وهي من مواليد مدينة براغ عاصمة التشيك، نشأت على المذهب الروماني الكاثوليكي في المسيحية حيث كان والداها يهوديين بالأصل إلا أنهما تحولا إلى المسيحية الكاثوليكية وتحولت لاحقاً إلى الكنيسة الأسقفية البروتستانتية، لديها شقيق وهو اقتصادي اسمه "جون". 

تخرجت أولبرايت في "كينت دينفر سكوول" عام 1955، وحصلت على الشهادة الجامعية مع مرتبة الشرف من كلية "ويلزلي كوليدج" في مجال العلوم السياسية.

وقبل منصب الخارجية الأميركية شغلت منصب مندوبة الولايات المتحدة الدائمة في الأمم المتحدة بين 1993 - 1997.

ويشتهر عن أولبرايت أنها بررت حصار العراق بعد سؤال وُجه لها في برنامج 60 دقيقة، حيث سئلت "سمعنا أن نحو نصف مليون طفل ماتوا وهذا عدد أطفال أكثر من الذين ماتوا في هيروشيما، هل الثمن يستحق؟" لتجيب أولبرايت قائلة: "أعتقد أن ذلك خيار صعب جداً ولكن نعتقد أن الثمن مستحق..".

ومن الجدير بالذكر أن أولبرايت اعتذرت عام 2016 عن تصريحاتها بخصوص حصار العراق قائلة: "كان تصريحاً غبياً، وأنا اعتذر عنه".