- بدأ مرهج الجرماني وغيره من الشعبويين الاهتمام بالشأن العام بدوافع فطرية أو حاجات يومية.
- انضم مرهج الجرماني إلى "الدفاع الوطني" التي أسسها النظام السوري وكانت هذه الميليشيا تتكون من أشخاص ذوي سوابق، مهمتهم قمع المتظاهرين.
- مقتل أخيه منعم في منطقة الميادين كان نقطة تحول في وعي مرهج، وأدرك أن النظام قد يضحي بأي فرد لتحقيق أهدافه، مما دفعه لإعادة النظر في ولائه.
- شكل مرهج الجرماني فصيلًا هدفه حماية السويداء ومواجهة التهديدات مثل هجمات داعش.
- حافظ على علاقات مع المشايخ في السويداء لضمان الدعم الاجتماعي والديني، شارك في الحراك السلمي وحمايته، مما أكسبه احتراماً من بعض المرجعيات الدينية.
- قتل مرهج الجرماني في ظروف غامضة وترك أثراً معقداً في المشهد السوري، مع وجود تساؤلات عن دوره.
- مرهج الجرماني كان ضحية من ضحايا التحولات العنيفة في سوريا ومثّل حالة من السوريين الذين اضطروا للانخراط في الشأن العام بسبب الظروف القاسية والتحولات الاجتماعية والسياسية.
لم يُعرف عن مرهج حسين الجرماني قبل مقتل شقيقه منعم، إبان عمله كمجند في جهاز الأمن السياسي في بدايات الثورة السورية عام 2012 أيّ اهتمام بالشأن العام. ليس هو وحده من لم يعرف عنه ذلك الاهتمام بالشأن العام، بل سوريون كثيرون كانوا قد تركوا الشأن العام للسلطة والمثقفين أو المتعلمين أو المتحزبين، وكانوا منشغلين بتحصيل لقمة العيش بأي طريقة كانت.
ووفقاً لمن جايله من قرية أم الزيتون الملاصقة لمدينة شهبا، فقد كان الرجل ينظر إلى المهتمين بالشأن العام نظرة لا تخلو من شفقة: ما هو هذا الشأن العام الذي تقرؤون لأجله، وتعقدون اجتماعات، وتفارقون خيارات مجتمعكم لأجله؟ الانشغال باليومي خير من الانشغال بالاستراتيجي، والحقوق لا تحصل إلا بقوة اليد أو اللسان!
إذاً؛ وجد سوريون كثيرون أنفسهم فجأة في خضم الحدث السوري الحار والمتقلب والموّار بالأحداث. دخل أولئك المتحمسون من الشعبويّين دائرة الشأن العام بدوافع عدة فيها من الفطري ما فيها، وفيها من إشباع الحاجات اليومية ما فيها، والرغبة في تغيير الأدوار، وقلب الطاولة أحياناً في تلك الغابة التي أطلقت السلطات السورية فيها يد القوي على الضعيف، كأنها تقول للشعب السوري: لم أهتم بالتنمية الاجتماعية والفكرية والسياسية خوفاً من تلك اللحظة، وها هو حذري في محله، سأترككم وشأنكم: القوي يأكل الضعيف، أو يقوده، أو يعرقله أو يجره إلى خيارات متداخلة أو إلى إيديولوجيات محددة، سأفشِل ثورتكم من الداخل، وأتركها تأكل نفسها بنفسها!
"القويُّ في المشهد السوري اليوم جاء نتيجة لتخطيط ممنهج من النظام السوري، ليصبح القويُّ القادر على التشبيح وجمع الزعران وقطاع الطرق."
والقويُّ في المشهد السوري اليوم، بعد كل هذا العمر الثوري، جاء نتيجة لتخطيط ممنهج من النظام السوري ومستشاريه، لأن القويَّ اليوم هو قويُّ العضلات، القادر على التشبيح، وجمع عدد من الزعران، وقطاع الطرق من العاطلين عن العمل، أو الراغبين في الثراء السريع، وهو ممن كان أبناء الحيّ أو القرية نفسها لا يزوجونه ابنتهم فيما لو تقدم لخطبتها حتى لو كان من العائلة نفسها، لأنه شخص غير صالح، ويمكننا أن نستذكر في هذا السياق مثالاً صارخاً، هو محمد أبو عمشة! وكم من أبي عمشة بات اليوم في سوريا، وكذلك نستحضر أسماء شبيحة كثيرين في الساحل السوري، أو المناطق التي تحكمها قسد، أو شبيحة النصرة، بحيث بات القويُّ يأكل الضعيف، أو يستقوي عليه، ويبلعه، ليبقى السؤال الصعب: من سيعيد هذه القوة المنفلتة التي تفرزها الحروب الأهلية إلى عقلهم أو حدودهم أو عقالهم أو إلى قوانين الدولة!
بداية الرحلة مع "الدفاع الوطني"
لم يستوعب مرهج الجرماني في البداية أن يقف ضد النظام، فالرجل ضحية مثل سوريين كثيرين سواه، حين كان يظن أن النظام هو حامي الحمى والسلطة ديناً، والحمى لدى مرهج في هذا السياق، هم الدروز ومحافظة السويداء، لذلك كان من الطبيعي أن ينضم إلى ما يسمى قوات الدفاع الوطني في السنوات الأولى من عمر الثورة، وهي ميليشيا أسسها النظام في كل المحافظات كقوة أهلية محلية مهمتها قمع المتظاهرين المطالبين بالعدالة والديمقراطية والمساواة والحرية، وإخبار الدولة عما يحدث، والسيطرة على كل حراك، مقابل منحهم أموالاً وصلاحيات في أجهزة الدولة السورية ومخابراتها. وغالباً ما تم اختيار المنتسبين إليها أو قادتها من "الفتوات المحلية" بلغة نجيب محفوظ، أو أصحاب السوابق، أو مفتولي العضلات أو ممن يدعون بـ المشكلجية.
غير أن الأخبار التي وصلت إلى مرهج الجرماني حول ما حدث في منطقة الميادين بمحافظة دير الزور، إبان مقتل شقيقه "منعم" يوم مداهمة مفرزة الأمن السياسي عام 2012 الواقعة بالقرب منها (ضمن قرية الطيبة) كانت مفصلية في إعادة تشكيل وعيه، بل إحداث صدمة عنيفة وتحول شديد في رأسه، وقد ترافق ذلك مع تغيرات عدة في المشهد السوري واهتزاز هيبة الدولة، وإدراك كثير من أبناء الشعب السوري أن النظام يقودهم إلى معركة طويلة قد ينتصر فيها عسكرياً لكنها ستدمر سوريا ومواردها لعقود.
مرهج الجرماني ليس نموذجاً للمثقف الذي تغيره الكتابات واتساع الرؤية، إذ لا يعرف الرجل إلى القراءة سبيلاً. بل هو السوريُّ ابن التجربة، خاصة بعد أن تأكد أن شقيقه تم الإيقاع به، حين قام مجموعة من زملائه في السياسية بتركه يقاتل برفقة عسكريَّين آخرَين مجموعة من مجموعات الجيش الحر، وفقاً لشهادة صوتية من أحد القادة آنئذ، وصلت إلى مرهج نفسه لاحقاً. زملاء منعم من "فريق الحكم السوري" ذهبوا لتأمين السلاح من مركز المحافظة، تركوه أياماً يقاتل، ولم يعودوا: إما لأنهم رغبوا في التخلص منه وما يعرفه، أو أنهم لم يستطيعوا أن يعودوا لأن الجيش الحر سيطر على الطرق، أو لأنهم ضحوا به ولم يستطيعوا العودة إليه خاصة أن انتماءه الطائفي بالنسبة للعقلية المخابراتية يجعل منه أداة فحسب وهذا ما حصل مع سوريين كثيرين في ساحات معارك عدة.
"كان مرهج الجرماني، العضو الفاعل في ميليشيات الدفاع الوطني، باحثاً عن الحقيقة فيما يخص وفاة شقيقه، وعندما أدركها وسمع شهادات الشهود، وقف مذهولاً، متسائلاً عن صدقيّة كل شيء حوله."
تعاطف مقاتلو الجيش الحر، وفقاً لتصريحات أحد قادتهم ممن يعيشون في أوروبا، مع حالة (منعم شقيق مرهج) حين تم القبض عليه، مبدين إعجابهم بشجاعته، متسائلين عن دوافعه لمقاومة الجيش الحر، في معركة غير متكافئة، غير أن جروح المعركة كانت أقوى من حرصهم على معالجته فرحل ودفن هناك في منطقة الميادين!
وبات مرهج الجرماني، العضو الفاعل في ميليشيات الدفاع الوطني التي موّلتها بطريقة غير مباشرة جمعية البستان (يوم كان رامي مخلوف شريكاً في الحكم) والمخابرات السورية، باحثاً عن الحقيقة فيما يخص وفاة شقيقه، وحين أدركها وسمع شهادات الشهود مسجّلة عبر رسائل صوتية، وقف مذهولاً، متسائلاً عن صدقيّة كل شيء حوله، بما ذلك فرع حزب التوحيد الذي افتتحه وئام وهاب في تلك القرى، حيث بحث عن مناصرين شعبويين محليين له، بالتنسيق مع المخابرات، قبل أن تغضب عليه وتدفعه لإغلاق مكاتبه هناك، يوم شعرت المخابرات ذاتها أنها قادرة على خلق قوى وعصابات وألوية محلية تتبع لها مباشرة، ولم تعد بحاجة إلى وساطة وئام وهاب ومحاولته استغلال انتمائه الطائفي للبحث عن أدوار قيادية قد تصل إلى لبنان، وتأكيد ولائه للنظام السوري، وتعبئة رصيده الولائي؛ مما يجعله صالحاً لاستهلاكٍ قيادي أو وزاري في لبنان، خاصة أن وليد جنبلاط القائد الدرزي الآخر في لبنان، قد أخذ موقفاً أخلاقياً وإنسانياً واضحاً حين أعلن بلا تردد وقوفه إلى جانب الثورة السورية.
حماية الأرض والعرض
لم يعد مرهج الجرماني قادراً على العودة إلى حياته اليومية كشخص يكسب قوته يوماً بيوم نتيجة لقيامه بعمل ما، كما يقول ناشطون محليون، مثلما كان يفعل معظم ما انصرم من عمره، بل قام بتشكيل فصيل خاص به تحت إطار "حماية الأرض والعرض" هذه المرة، تدفعه خلطة من المغامرة الفطرية، والقساوة التي فرضها التهميش على طبقة الفقراء، وفقاً لأدبيات المجتمع السوري، وعدم التعلم، وكذلك البحث عن دور، والحاجة المعاشية.
وقد تتحول تلك المؤثرات إلى شجاعة وحالة من المغامرة؛ فيها محاولة استحضار شخصية مرسّخة تاريخياً وشعبياً، تحمل الانتماء ذاته كشخصية سلطان باشا الأطرش، الذي نهض يوماً لحماية الأرض والعرض، ولئن انتقل دور الأطرش إلى مرحلة الوطنية السورية، نتيجة لوعي ذاتي وظروف موضوعية سورية. فإن الظروف في السنوات الأخيرة غير الظروف قبل نحو مئة عام، والوعي غير الوعي؛ لذلك فإن رؤية مرهج بقيت تدور في إطار محلي ضيق، حيث تم ما يشبه الاتفاق المبطن لدى كل عائلة درزية أو مجموعة من القرى المتلاصقة إذ شكلت فصائلها أو "حُماتها"، ممن وقع عليهم وقت تأدية الخدمة العسكرية، أو ليس لديهم فرص عمل، حيث يسهرون على حماية قراهم أو أحيائهم، وفي المقابل تقدم لهم إتاوات وهدايا و"خوّات" بإطار ودّي وامتناني حماية للمحافظة وساكنيها مما يحدث حولهم.
وهم في حالتهم هذه لا يختلفون عن شرائح اجتماعية سورية عدة اعتمدت على المجتمع الأهلي في حماية ذاتها وتسيير شؤون يومياتها لدى كل المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام السوري أو تخفف هو من أحمال إدارتها. ووفقاً للمشهد السوري، والمشهد الدرزي جزء منه، فقد أخذت تلك الفصائل الأهلية المسلحة، أو إنْ شئتَ الألوية، تقوم بدور أقرب إلى دور شركات "السكيورتي والحماية الشخصية" بما فيه حماية الشخصيات القادمة من الخليج أو أوروبا مقابل هدايا محددة أو أعطيات أو تقضية مصالح يومية ومتطلبات تموينية مما هو مفقود من الأسواق أو متاجرات بسيطة.
"أدرك مرهج الجرماني، نتيجة نشأة صعبة ومهمشة في قرية أم الزيتون، أن ما لديه من حدة وشجاعة يمكن صرفه في سوق التحولات السورية."
أدرك مرهج الجرماني، وفقاً لمصادر عدة، أن ما لديه من حدة وشجاعة، نتيجة نشأة صعبة ومهمشة في قرية أم الزيتون، بات يمكن صرفه في سوق التحولات السورية، يضاف إليه رغبة في المغامرة، والبحث عن دور في مجتمع متحول، مدفوعاً برغبة عارمة للانتقام ممن تسببوا بمقتل أخيه وإن بشكل غير مباشر، وسعي لزعامة تشجع عليها السرديات الشعبية المحلية، مصحوبة بنبذ سابق مؤلم من مجتمعه الأهلي، اضطره ذات يوم لكي يترك قريته ويعيش في حي شعبي بالسويداء مجاور لحي المقوس الذي يقطنه البدو.
وقد أفرزت تلك التحولات الشخصية والاجتماعية المحلية والسورية عامة اعتقاداً لدى مرهج الجرماني، انسجاماً مع حالة وعيه وتحولاته الفطرية أن طائفته مستهدفة بالدرجة الأولى، معتمداً على تفسيرات دينية وأحداث تقع في القرى المجاورة للسويداء. وبالتالي ترسّخت لديه قناعة أنه لا بد أولاً من حماية العائلة، من أجل ذلك علينا أن نبذل الغالي والرخيص لحماية جغرافيتنا من فلول تنظيم الدولة "داعش" التي سمح لها النظام بالاقتراب من السويداء، ومداهمة عدد من القرى وخطف النساء والأطفال عام 2018 وهذا اللعب على الخط الطائفي هو ما عمل على بثه النظام السوري في عقلية السوريين منذ اليوم الأول للثورة السورية، وهذا وسواه دفع مرهج الجرماني للدعوة إلى مهاجمة داعش وتغليب الحل العسكري، حتى لو قتلت النساء، بعد مهاجمتهم السويداء وعدم اتباع الحلول السلمية، مسلحاً بحالة من الشجاعة أقرب ما تكون إلى اضطراب الشخصية الحدّي كما كان يرى مشاركون بالتفاوض يومذاك. ورغبته في الحلول العنفية تنسجم مع مختلف مسارات حياته، محكوماً في هذا السياق بوعي طائفي ديني مع أن الرجل (لم يستلم دينه) بعد وفقاً لتقاليد الطائفة الدرزية، غير أن سيرة جده الذي كان "سايس مدفن قرية أم الزيتون" لم تغب عن باله. وكان مرهج الجرماني ممن يحرصون على إبقاء صلة وصل مع المشايخ في السويداء وتقديرهم كجزء من القوة الاجتماعية الناعمة لفصيله "لواء الجبل" فيما لا يمانع المشايخ من جهتهم في ذلك كنوع من مدّ الأيادي نحو مختلف فصائل المجتمع المحلي، وكذلك فإن وجود صلة مع أولئك المسلحين يضمن حداً أدنى من الخجل الاجتماعي والديني كي لا يخرجوا عن مسارات تزعج الآخرين.
الزعامة على مستوى المحافظة
كان حضور فلول داعش وهجومها على السويداء عام 2018 وعملية الاختطاف فرصة لدى كثير من القادة المحليين على مستوى القرى أو الحارات في محافظة السويداء لتقديم أنفسهم كحماة للطائفة كلها، وشدّ عضد الهوية المحلية، وبالتالي مداعبة حلم الانتقال من الزعامة على مستوى القرية أو الحي إلى الزعامة على مستوى المحافظة كلها، ليغدو هذا الفصيل أو ذاك، أو هذا القائد أو ذاك رقماً صعباً وجزءاً من الحلول التي تخص المحافظة ككل وكذلك تضفي عليه شرعية محلية للتجاوز عن أخطائه أو غسلها ونسيان أفعاله السابقة وفق مبدأ "الجبُّ"، وهذا شأن كثير من الميليشيات إبان النزاعات الأهلية في سوريا أو سواها.
يؤكد أحد الخبراء المحليين أن حالة مرهج الجرماني النفسية وسلوكاته عامة، قد تسمى عند الأصدقاء شجاعة وشهامة وغيرة ابن بلد و"سبع الرجال" بلغة الشيخ الحناوي، إبان دفنه في مقام قرية أم الزيتون، لكنها قد تسمّى كذلك حدة واندفاعاً وتهوراً ورغبة في الزعامة وغسل التاريخ الشخصي. من هنا فقد تلقّف "مالك أبو الخير" وتياره السياسي، في إطار البحث عن دور ما، رغبة مرهج الجرماني في الحصول على دور عسكري أكبر على مستوى الطائفة، وكذلك البحث عن مصدر دخل لمن انتمى لما دعاه بـ لواء الجبل. حيث حمل مرهج الجرماني ذاته شعارات حزب مالك أبو الخير فترة من الزمن وراسل شخصيات من صفحته على فيسبوك، كما يؤكد أحد ممّن وصلتهم رسالة عتب من مرهج نتيجة إبدائه رأياً يخص حزب مالك أبو الخير، رافضاً أي نقد لذلك التيار السياسي، الذي استطاع الجرماني بدوره، من خلال مساعدات مالية، قدمها أبو الخير تقديم العون لعدد من المحتاجين، أو المتظاهرين، أو النساء المقاطيع، أو ملء رغبته لأن يكون وجيهاً وفاعلاً اجتماعياً يقدم المساعدات للمحتاجين التي كان هو أولى بها ربما.
لكن الجرماني، دائم التقلب والتحول، ضاق ذرعاً في السنوات الأخيرة، من حياته، بخيارات ذلك التيار السياسي الذي "عشَّم" كثيرين بانتصارات وسلطات ومساعدات وفيدرالية، فانقلب عليه وأنكر جهوده وخياراته السياسية، نتيجة لدخول عدد من معارضي السويداء ممن يقيمون خارج سوريا على الخط، وشرحهم مخاطر تيار مالك أبو الخير ومصادر تمويله الخارجية أو الإسرائيلية، بعد دعوته إلى الفيدرالية والتحالف مع الكرد، ومحاولة اتخاذ نموذجهم في الإدارة مثالاً، حيث قاموا بتمويل جزء من أنشطته وفروعه الخدمية في قرى السويداء وفقاً لتسريبات صحفية.
أمَّن الحلفاء والممولون الجدد لمرهج الجرماني التمويل البديل لدفع رواتب أعضاء لواء الجبل وتأمين المعاش اليومي لعدد من النساء المقاطيع أو المشردات، أو المحتاجين، وترافق ذلك مع رضا ديني من الشيخ الهجري عنه، الذي لم يكن يوافق من قبل أن يدخل مضافته عسكريون أو قادة جماعات مسلحة، ليس متأكداً من سيرتهم الذاتية وأفعالهم كي لا يكون غطاء لأفعال لا يعرف ما وراءها، لذلك وافق الشيخ الهجري بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وفقاً لمصادر صحفية متابعة للحراك، على أن يكون الجرماني جزءاً من الحراك السلمي وحمايته، غاضّاً النظر عن السيف الذي حمله بيده يوماً، لأن الشيخ الهجري ممن يدعون إلى سلمية الحراك وممن يغلّبون لغة الحوار وبوصلتهم الوطنية واضحة لا لبس فيها.
موت غامض
مات مرهج الجرماني، كما يؤكد أحد جيرانه، فقيراً معدماً وكانت حالته المادية متعبة جداً ولا يملك إلا قوت يومه. بل إنه نظراً لتفرغه للمناوشات العسكرية، دون وجود رؤية معينة، فقد وصل التفكك إلى عائلته، سواء أكان أشقاؤه، أو أولاده حيث اتضحت كثير من تفاصيلها بعد رحيله من مثل قتل شقيقه صادق الجرماني لزوجة مرهج كاميليا أبو فخر (الذي تثار حوله أسئلة عدة وتحولاته الدينية في الفترة الأخيرة ودخوله المذهب السني الأصولي، وهل كان مدفوعاً من جهة ما أم تغير ذاتي شخصي).
وكذلك ما أشارت إليه التحقيقات داخل لواء الجبل ذاته، الذي كان يقوده بإقرار ابنته دلع بقتل والدها بالتعاون مع سقراط أبو حمدان. ووجود رسالة صوتية منسوبة لابنه المقيم في ألمانيا "غيث" في أنه سيقوم بقتل شقيقته، رداً على ما قامت به، التي باتت بعهدة أجهزة النظام السوري حيث سلّمها قسم من عائلة الجرماني كي تأخذ العدالة مجراها وفقاً لما ورد في الإعلام، وفي أثناء التحقيقات والتراشق الإعلامي قد تم تداول أسماء عدة ضمن دائرة مرهج الجرماني ناصبَته العداء من مثل شام حمدان ونور عريج. بل إن اللواء نفسه الذي كان يقوده أعلن نتيجة تحقيقاته على الملأ، رغم ما فيها من تكسير لصورة قائدهم الراحل، من خلال الاستشهاد بشيخ محسوب على النظام بالمفهوم الاجتماعي، وهو الشيخ يوسف جربوع الذي لم يشارك بمراسم دفن مرهج الجرماني الخارج عن خيارات النظام في هذه المرحلة من عمله الفصائلي، ولم يتم ذلك التحقيق أو الإعلان من خلال مضافة الشيخ الهجري الذي حضر دفن مرهج وقال عنه " شهيد الواجب وفقيد الشرف والكرامة"، الذي كان بصورة أو بأخرى ممن يحسب عليه، بخاصة بعد مشاركة مرهج الجرماني بالحراك السلمي، فهل هذا انشقاق في لواء الجبل؟ أم تغيير للمسار أم انقلاب؟ هذه أسئلة قد تتكشف أجوبتها في الأيام المقبلة أو قد تبقى في إطار الأسئلة المعلقة لأنه لم يتم تعيين قائد جديد للواء الجبل ولا يوجد ناطق إعلامي باسمه غير صفحته على فيسبوك، تأمل المشهد يكشف أن تحولات متسارعة قد أصابت ما حدث، خاصة أن مقتل الجرماني ودفنه تم تحت إطار أنه شهيد الواجب حيث كانت التهم تتوجه إلى النظام أو خصومه المحليين لذلك حظي بجنازة استثنائية دينية واجتماعية، غير أن مقتل زوجته واعتراف ابنته أعاد خلط الأوراق بطريقة غير متوقعة.
اكتشف سوريون كثيرون بعد ثورة عام 2011 أن العمل السياسي في إطار نظام سياسي فاشل ليس أفضل الأشياء الممكنة، بل هناك ممكنات أخرى، لذلك بات لاعبون سياسيون في الخارج يبحثون عن قوى على الأرض.
لو كان "لواء الجبل" يهوى اللعب السياسي لحصل على كثير من الأموال أسوة بفصائل عسكرية سورية كانت بين الفينة والأخرى تغيّر أسماءها أو انتماءاتها ولباسها وتبث فيديوهات عن أنشطتها، لكن ألا يكون لواء الجبل قد استفاد من ذلك بشكل كبير لا يعني أنه لم يتم التلاعب به من قبل الآخرين سياسياً، كما يؤكد ناشطون من السويداء، علماً أن تسمية "لواء" في المشهد السوري تختلف عن كلمة لواء في الجيش النظامي حيث يتكون اللواء من عدد من الكتائب وربما الأفواج بما لا يقل عن ثلاثة آلاف عسكري، وعتاد محدد ورتب عسكرية معينة. وبحسب معلومات محلية فإن لواء الجبل قد تشكل من مجموعة من الذين رفضوا الانضمام إلى الخدمة العسكرية أو الباحثين عن عمل محلي وهي حالة مألوفة في الدول ذات النزاعات الأهلية، التي تفتقد لحكم الدولة المركزية وتغدو الحماية حماية محلية وشخصية ممن لا يقتربون من البسطاء. وكذلك الذين يعتقدون أن من حقهم أن يسنّوا قانونهم الخاص كما هو الحال مع فصائل سوريّة موجودة على الأرض في كل المناطق السورية الموالية والمعارضة.
اكتشف سوريون كثيرون بعد ثورة عام 2011 أن العمل السياسي في إطار نظام سياسي فاشل ليس أفضل الأشياء الممكنة، بل هناك ممكنات أخرى، لذلك بات لاعبون سياسيون في الخارج يبحثون عن قوى على الأرض. حدث هذا في دير الزور وإدلب والسويداء والرقة والحسكة وريف حلب ومعظم المحافظات وفي مختلف مراحل الثورة السورية، وقد وجدت دولٌ وكذلك تيارات سورية معارضة مقيمة في الخارج وشخصيات معارضة أن الترحيب الدولي بدورك كمعارض، أو إعطاءك الفرص لكي تمثل الشعب السوري في الخارج يقتضي أحياناً وجود قوة لك على الأرض، كي تحظى بدعم من هذه الدولة أو تلك. في هذا السياق تشير شهادات سوريين قادمين من الداخل إلى أن المستوى الأخلاقي لكثير من الفصائل المسلحة تناسب طرداً مع التمويل الخارجي وانقطاعه، حيث كلما انقطع ذلك التمويل باتت تحاول أن تحصل على تمويل عبر الإتاوات والحواجز أو الزكاة أو المساعدة الإكراهية وبالتالي ثمة انحدار أخلاقي ما.
لذلك تواصل عدد من المعارضين، وفقاً لشخصيات قريبة، مع مرهج الجرماني، واستثمروا فيه وأفاد هو منهم. وبالتالي فإن هذا الاستثمار السياسي هو حصيلة مصالح متبادلة: هم يقدمون أنفسهم أنهم أقوياء على الأرض. ومن هم في الداخل يستفيدون من مكافآت الخارج وخدماتهم ومساعداتهم وسفرياتهم؛ لأنه من البديهي أن يسأل أي متابع: من أين يعيش المقاتلون المحليون في ظل انخفاض قيمة الليرة والوضع الاقتصادي البائس والإفقار المتعمّد، وضعف دور الحواجز وانخفاض قيمة إتاواتها، وفقاً لمتابعين للحراك السوري: لا يمكن القول إن كثيراً من الفصائل المسلحة في الداخل أدوات للخارج، يتمّ التحكم بها، بل إنه نوع من تبادل المصالح والاستثمار بين الداخل والخارج، وقد أثبتت الأحداث أن كثيرين في الخارج لديهم من يتظاهر من أجلهم، ويرفع اللافتات بشعارات مكتوبة قادمة من خارج سوريا، هذا شأن النزاعات الأهلية وتبعاتها.
مرهج الجرماني والعلاقات مع الفصائل الأخرى في السويداء
تقدم الفصائل المحلية المسلحة بالسويداء وتحولاتها وتغيير ولاءاتها وأنشطتها وانشقاقاتها عينة من الحراك السوري الذي بدأ عام 2011، سواء حول علاقتها بعضها ببعض أو بالسلطات الحاكمة، أو المشايخ، أو الفاعلين الاجتماعيين، وكذلك مفهومها للعمل الوطني والمحلي، وتمويلها، وأنشطتها، وحواجزها، وإتاواتها، وقوانينها التي تحكمها، وحالتها التنظيمية ومدى فاعليتها وأهدافها، كوننا أمام شريحة اجتماعية تتسم باحترام المرجعية الدينية والاجتماعية عادة، وليس من الصعب على المتابع أن يتعرف إلى خلفيات تلك المجموعات وارتباطاتها الدينية والاجتماعية أو مع سلطات الدولة والمخابرات أو معارضي الخارج أو المغتربين ممن يريدون الحفاظ على منظومات المجتمع الدرزي بغض النظر عن الموقف السياسي.
المؤكد حول الفصائل المسلحة الأهلية في السويداء، وفقاً لتصريحات وبيانات تطلقها الفصائل حول أنشطة بعضها بعض منذ عام 2011 حتى الآن، أنها ليست على علاقة انفصال كلي عن أجهزة النظام السوري المختلفة الأمنية أو الخدمية والإدارية، وليست معارضة بالمفهوم الذي يريد ويتمنى سوريون كثيرون في محافظات أخرى. حالة كثير من هذه الفصائل، ليس بالإمكان أكثر مما كان، فنحن مستضعفون وليس لدينا دعم خارجي وليس لدينا منافذ حدودية ولا تعني المشاركة في الثورة أو المعارضة القطيعةَ النهائية مع سلطات الدولة بما أنها سلطات أمر واقع!
المانيفست السياسي للواء
إذا أردنا التعرف إلى فصيل مرهج الجرماني (لواء الجبل) أو إلى المانفيست السياسي أو الوطني الخاص به، سواء من خلال أنشطته الواقعية الواردة في الإعلام، أو عبر صفحته على فيسبوك "لواء الجبل" أو الصفحات المتخصصة بأنشطة السويداء أو صفحات التيارات والفصائل الأخرى؛ أو شهادات بعض عارفيه عبر السوشيال ميديا أو ممن جندوه يوماً أو عملوا معه كشركاء سياسيين أو "مختصي التسريب" السوريين وما أكثرهم، مما نشر إبان حياته أو بعد وفاته على ما في لحظة الوفاة من شحنة عاطفية، تستدعي استحضار الإيجابي وتغييب السلبي. فإننا يمكن أن نشير إلى أن هناك إرادة شخصية غالبة لمؤسسه مرهج الجرماني وفتوته وشجاعته وميله للمغامرة، وكذلك افتقاد فصيله لنظام داخلي ما، أو معايير موضوعية ما، وهذا مألوف ومتعارف عليه في الميليشيات والفصائل التي تتأسس إبان النزاعات الأهلية، نتيجة لانسحاب الدولة عن القيام بأدوارها، خاصة أننا أمام وضع سوري رملي، حمال للمفاجآت.
ويمكن أن نشير على سبيل المثال، إلى علاقته بتيار رجال الكرامة، حيث استقبل أحد المنشقين عنه ممن حوله نقاط تخص الذمة المالية وتُهم بالتواصل مع النظام عام 2019 وفقاً لبيان صادر من رجال الكرامة ذاته، نتيجة صلة عائلية أو مصلحية بين ذلك المنشق ومرهج الجرماني، وكذلك ما يقوم به مرهج من اعتقالات وإفراجات وتحقيقات أدت إلى حالة من عدم الرضا المرة تلو الأخرى، والتحذير تلو التحذير سواء ما تعلق بـ سليم حميد أو راجي فلحوط.
وبدا أننا في حالات كثيرة أمام خطاب، (خطاب الجرماني) يستند إلى العرف أو الثقة بالنفس وقيم الرجولة، وخطاب آخر يأخذ السياقات بعين الاعتبار ويترك للعدالة أن تأخذ مجراها. ووفقاً لذلك فإن طيبة قلب الرجل، على الرغم من شراسته الظاهرية، جعلته يدفع روحه ثمناً لها، حيث تشير تحليلات إلى أن عملية القتل وقتل زوجته خلفها جهات حاولت استغلال عائلته وتأليب بعضها على بعض بغض النظر عن نمط شخصياتهم، هناك الكثير خلف الأكمة قد يتكشف وقد لا يتكشف.
المانيفست السياسي لمجموعة لواء الجبل وفقاً لمتابعين، يتضمن الخطف مقابل الخطف، ولن يفلّ الخطف إلا الخطف، لذلك فإن اعتقال أبناء السويداء من قبل النظام لا يتم حله إلا من خلال الخطف المضاد لضباط للنظام ومن ثم التفاوض معه عبر مجموعات أهلية متعاونة مع المخابرات، هناك رغبة في العودة إلى تفكير حمورابي يعيد الأشياء سيرتها الفطرية: العين بالعين والسن بالسن، بعيداً عن فكرة الدولة وقوانينها وحيثياتها وتفريعاتها.
"السوريون اليوم يحتاجون إلى حراك السويداء، يحتاجون إلى من يقول كلمة : لا! في وضح النهار لذلك النظام الغاشم على الجغرافيا التي يحكمها، ويعبر عن ألمهم ووجعهم ومطالبهم وآمالهم."
وهذه الطريقة تختلف مثلاً عن طريقة تيار "رجال الكرامة" التي كانت ذات يوم على خلاف معه كونه استقبل أكثر من منشق عنها، التي رأت في مقتل الجرماني، "رغبة في جر السويداء إلى مستنقع الدم ودوامة العنف"، على الرغم من عدم رضاها عن الإفراج عن سليم حميد، حيث لم يتشاور معها الجرماني بحجة أنه أعطاه وعداً، إن أثبتت التحقيقات عدم مسؤوليته في أثناء عملية راجي فلحوط الشهيرة ونتيجة لخلاف مع المشايخ وما حدث في قنوات، فإنه سيفرج عنه، ونظراً لقناعته بالبراءة لأسباب لا يعرفها المتابعون ولا تعرفها حركة رجال الكرامة فإنه قد أفرج عنه.
صناعة الرموز الشعبية محلياً ووطنياً
يحرص مثقفون سوريون كثيرون على أن يعطوا للحراك في السويداء، الذي مر عليه أكثر من عام بعداً وطنياً سورياً، ليتساوق بطريقة أو بأخرى مع الحراك الثوري السوري عامة، مع محاولة التخفيف من بعده الطائفي المحلي، في ظل الحرص على تشكيل هيئة سياسية له بمطالب وطنية، وقد سبقه تغييرات لافتة في الأعلام المرفوعة في ساحة الكرامة والشعارات، ومحاولة لفت النظر إلى صنع تقاطعات وشعارات تتماشى مع مطالب السوريين في مختلف المناطق، انسجاماً مع دور تاريخي وطني لمحافظة السويداء في تاريخ تشكل الدولة الوطنية السورية ومقاومة المحتلين.
على الرغم من محاولات أبواق النظام السوري وأجهزة إعلامه تأكيد فكرة أنه لو بقي أولئك العشرات من المتظاهرين يتظاهرون خمسين عاماً فإنه لا أثر لهم! مع أن السوريين اليوم يحتاجون إلى مثل هذا الحراك، يحتاجون إلى من يقول كلمة : لا! في وضح النهار لذلك النظام الغاشم على الجغرافيا التي يحكمها، ويعبر عن ألمهم ووجعهم ومطالبهم وآمالهم! ولعلنا نكون قد تعلمنا من التجربة، إذ لا مانع أن تبقى أجهزة الدولة تعمل، والمدارس والخدمات العامة إلى جوار المظاهرات المطالبة بالتغيير السلمي.
وعادة ما تحتاج صناعة الرموز الوطنية إلى أرضية مناسبة، وسرديات ملائمة، ربما لم تتهيأ لمرهج الجرماني أو أن دوره وتاريخه لا يسمح بها، غير أن التاريخ، أي تاريخ، فيه دائماً سرديات، ووقوف الرجل مع الحراك الشعبي المستمر ومشاركته به منذ نحو عام وتولي حمايته ولو بالسيف، وفقاً لصورة موجودة على الإنترنت تجعل العمل السياسي والدعوة إلى الحوار موضع نقاش وتساؤل، مع الإيمان بأن التجربة في المسار السوري باتت لها قيمة قد تقارب الأرضية الفكرية والعمل السياسي، ولو نظرنا إلى السيرة الذاتية لمرهج الجرماني قبل ثورة عام 2011 والآن، وما بين البداية والنهاية فإنها تحمل لوناً من ألوان التحولات السورية الشخصية والعامة، ومما منع ترسيخ السردية البطولية الشهاداتية للجرماني الأحداث التالية لمقتله حيث قتل شقيقه زوجته بتهمة أنها قتلت زوجها وكذلك اعتراف ابنته لاحقاً أنها قتلت أباها.
دور الشيخة بتلى
وهناك من يرى أن التأكيد على الحضور الطاغي للمرجعيات الدينية التي باتت لافتة في السويداء غير ملائم لمجتمع حاول أن يسم نفسه فترة طويلة بالعلماني، مع أنه مجتمع محافظ وهذا لا يخفى على أحد،. بل إن هناك بروزاً في السنوات الأخيرة للتيارات الدينية، المكتفية بأعضائها، الداعية إلى صحوة دينية نسوية وذكورية انغلاقية، تقود جانباً منها "الشيخة بتلى" بجهودها السرية والمعلنة، وتقديم ألوان من المساعدات المالية للأتباع فقط، يشيع النظام السوري، أو ربما حقيقة، أنها ممولة من الشيخ موفق طريف، شيخ عقل الطائفة الدرزية في إسرائيل، أو كما يحلو للعرب (في فلسطين)، وهدفه الرئيس من تمويل هذه الأنشطة الدينية محاولة استعادة الكتلة الصلبة للمذهب الدرزي
ويبدو أن المشهد الديني في السويداء جزء من المشهد السوري الديني العام حيث هناك ما يشبه الردة الدينية الانطوائية لدى معظم الطوائف قد تنمُّ عن وعي بشري فطري يبرز إبان الأزمات يرى أن الديني هو الحل وأحد أساليب الحماية.
يتألم يساريون وعلمانيون أحياء وأموات على الوضع السوري عامة، والوضع في السويداء، بسبب تلك الارتدادات، وهم الذين عاشوا حلم أن تكون السويداء مرتع اليسارية والتفكير العلماني ومكاناً أثيراً للوطنية السورية.
ضاقت صدور كثير من السوريين نتيجة ما آلت إليه أحوال بلدهم، والأوجاع السورية التي لا نهاية لها حتى إن والدة مرهج الجرماني صرخت إبان دفنه: " خليه يموت أريح له" تقول بلغة الأم: ابني تعب!!! وما الأحداث التالية لمقتله والجرائم والتحقيقات إلا دليل على ما صرخت به وقد عاد مسجى ليودعها.
"مرهج الجرماني كان صادقاً ومخلصاً لما اعتقده، وكان ضحية من الضحايا السوريين على طريق الوعي السوري، أو إنْ شئت الجلجلة السورية."
قرية مرهج والنضال الفلسطيني
قرية أم الزيتون، المطلة على جبل شيحان ومقام العجمي قبل مدينة شهبا، التي تسكنها عوائل من آل عـامــر وأبو مديـن وشنـان وكرباج وعربي والجرماني والهـادي والزيلع والزرعوني ومـراد وحاطـوم وحيـدر ومهنا والصفدي وحمْيــد.
القرية التي تضم رفات عدد من الدروز الذين شاركوا في النضال الفلسطيني، ولهم مقام هناك تزوره الفصائل الفلسطينية كل عام قبل الثورة، وكان يرعاه الرجل المعارض المعتق اليساري عابد الجرماني الذي رحل قبل سنوات ألماً وحزناً وكمداً على الوضع السوري، وحسرة على عدم تحقق الأحلام، فقد طال حلمه بأن يستيقظ صباحاً ولا يجد بشار الأسد على كرسي الحكم، تتساءل القرية ذاتها إبان الجنازات القديمة والحديثة عن تغير الأدوار ومفاهيم الرموز، وكيف يرحل رموز العمل السياسي بالقرية بهدوء، وهم الذين أفنوا شطراً من عمرهم بالشأن العام، رحلوا دون أن يفرحوا بالتغيير السياسي المأمول للسوريين عامة.
المؤكد، اليوم، أن مرهج الجرماني كان صادقاً ومخلصاً لما اعتقده، والمؤكد أن الرجل، كان ضحية من الضحايا السوريين على طريق الوعي السوري أو إنْ شئت الجلجلة السورية. لكنها الغابة التي تركها النظام الأسدي، القمقم المظلم، حيث يحتاج الوصول إلى الهدف إلى أدلاء طرق ومرشدين مثلما كان في تخطي الأثر السوري، قد ينجحون وقد يفشلون، وقد يقودون أنفسهم أو شريحة من السوريين إلى مسارات خاطئة أو مصيبة، حسبهم المحاولة.
لقد تعلم الجرماني وسوريون كثيرون التمسك بالأمل والحياة والحلم بمستقبل أفضل، وأن في هذا العالم ما يستحق الحياة وفقاً لمحمود درويش، ولو لم يكن ذلك كذلك: لماذا أرسل ابنه إلى ألمانيا لاجئاً؟ وعلى الرغم من مغامراته ورحيله مقتولاً وكذلك شقيقه من قبل وزوجته؟ مؤكدُ أنه كان متمسكاً بالمستقبل، وحاول العبور نحو الأمان والاستقرار كأي إنسان، وتمنى السلامة لابنه ومستقبلاً أفضل له أجود مما عاش الأب.
ربما هذه إحدى وصايا الآباء والأمهات السوريين والسوريات وهم يتابعون أولادهم، ومرهج الجرماني منهم مخاطباً ابنه غيث: لقد عشنا في ظروف مختلفة، وخيارات مؤلمة وقاتلة أحياناً. غير أننا نتمنى لكم مستقبلاً واعداً أيها الأبناء. ولعلكم حين تغدون مواطنين أوروبيين ستعودون يوماً ما إلى سوريا، محاولين بناءها بطرق مختلفة عما قمنا به، ولعلنا بإرسالكم إلى منطقة آمنة نكون قد نجحنا بوضعكم على خطوة من خطوات النجاح الذي طال انتظاره.