نصبت "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) مدافع وقاذفات هاون وسط قرية أم وغفة، وبالقرب من كنائس قرية تل طويل الآشوريتين في الحسكة، في ظل معارضة الأهالي لاستخدام قريتهم الواقعة على تخوم خط التماس الفاصل ما بين مناطق سيطرة "قسد" من جهة، والجيش الوطني السوري، مما يعرضها للقصف من قبل فصائل المعارضة المدعومة من تركيا، حيث كانت آخرها يوم الأربعاء الفائت المصادف لـ 1 أيلول الجاري، وقد اقتصرت الأضرار على الماديات.
وناشد سكان تلك القرى المجتمع الدولي لفرض نوع من الحماية الدولية على ما تبقى من الكلدان السريان الآشوريين/ المسيحيين في سوريا، لحمايتهم من الصراعات التي تؤدي في نهاية المطاف إلى الإبادة الجماعية بحقهم من خلال إنهاء وجودهم وحضورهم على أراضيهم.
"قسد" تستخدم القرى الآشورية لشن هجمات ضد "الوطني"
وفي السياق يقول أحد سكان قرية تل الطويل لموقع تلفزيون سوريا بشرط عدم الكشف عن هويته: "في أول يوم من الشهر الجاري، تم استهداف القرية بقذائف من قبل الفصائل المدعومة من تركيا، وللمصادفة خرجت مع عائلتي قبل دقائق من قصف المنزل، ولو تأخرت لكنت قتلت مع عائلتي. استهداف القرية جاء بعد قيام قوات قسد بحفر خنادق في أحياء القرية بين منازل الأهالي وبالقرب من كنيسة القرية لتثبيت مدافع وقاذفات، يستخدمونها لاستهداف المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. جميع العائلات الموجودة في المنطقة عارضت ما تقوم به قسد، لكنها لم تستطع منعهم من ممارسة تلك الانتهاكات، وهذا ما يعرض القرية وما تبقى من سكانها لخطر الإبادة، في ظل عدم القدرة على الخروج من المنطقة، فمعظم سكانها من المسنين".
من جهتها أخبرت سيدة ستينية تعيش في القرية ذاتها -فضلت عدم ذكر اسمها لمخاوف أمنية- موقع تلفزيون سوريا أنه: "بعد قيام قوات قسد بتثبيت مدافع في قرية تل الطويل لقصف مناطق سيطرة المعارضة، وتعرض من تبقى من سكانها للخطر، في ظل انعدام مقومات الحياة، قمنا بالتواصل مع الإدارة الذاتية لمنع القوات العسكرية من استمرار الأعمال التي تقوم بها في المنطقة، لكنها لم تستطع منعهم، لأنها غير قادرة على التصدي لهم، بسبب سطوة السلطة العسكرية على السلطة المدنية. وبعد ذلك لم يعد لدينا خيار سوى انتظار الموت أو انتهاء الحرب، في ظل تخوف المدنيين من تعرض المنطقة لعملية عسكرية تقوم بها فصائل الجيش الوطني، للسيطرة عليها".
وتواصل موقع تلفزيون سوريا مع الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية إلا أنها رفضت التعليق على الموضوع ويحتفظ موقع تلفزيون سوريا بحق الرد لكل من "قوات سوريا الديمقراطية" و"الإدارة الذاتية" حين طلبهم.
الجيش الوطني ينفي استهداف المدنيين
أفاد الناطق الرسمي باسم الجيش الوطني السوري الرائد يوسف خالد الحمود لموقع تلفزيون سوريا أن "الفصائل لا تقوم باستهداف المدنيين في أي منطقة كانت، بل ترد على مصادر النيران التي تستهدف نقاطها ومواقعها العسكرية ومناطق سيطرتها، لكن "قسد" تقوم باستخدام المدنيين كدروع بشرية، وتضع مدافعها بين منازل المدنيين لتقوم بقصف مناطق سيطرتنا، ولأن الهدف الذي تقوم الفصائل باستهدافه للرد على مصادر النيران لا يمكن استهدافه بدقة عالية، يجعل من تلك المناطق ومن منازل المدنيين عرضة للخطر. والجيش الوطني حتى في عمليات تحرير المناطق استخدمت القوة الناعمة، وهدفنا تحرير المنطقة وبسط الأمن في المنطقة، ولا مشكلة لدينا مع المدنيين".
سوء الحالة الإنسانية في قرية أم وغفة / تل طويل
بدوره، حذر المرصد الآشوري لحقوق الإنسان من تحويل القرى والبلدات الآشورية في ريف الحسكة والمناطق الأخرى إلى ساحة صراع بين "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، والجيش الوطني السوري.
وأعرب المرصد عن القلق الشديد إزاء تفاقم الأوضاع الإنسانية في قرية أم وغفة/ تل طويل وباقي البلدات والقرى الآشورية، والتي تعاني أساسا من أوضاع اقتصادية وحياتية متدهورة. وطالب الأطراف المتصارعة بتحييد المدنيين وقراهم وبلداتهم عن الصراع الدائر في المنطقة، والالتزام بما ورد في اتفاقيات جنيف الأربعة والتي تتمحور حول حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في الأعمال العدائية، وعدم استعمالهم كأدوات في صراعاتهم وحروبهم.
وفي السياق أوضح المدير التنفيذي للمرصد الآشوري لحقوق الإنسان جميل دياربكرلي لموقع تلفزيون سوريا أن: "المسيحيين يدفعون ثمن الصراعات في المنطقة عبر وجودهم، فمن أصل 25,000 ألف آشوري في منطقة الخابور لم يعد هناك أكثر من 500 شخص معظمهم من الشيوخ، وهذا بسبب سياسات خاطئة من قبل القوى المسيطرة على المنطقة؛ كالنظام السوري ومن بعده الإدارة الذاتية، عبر عمليات التغيير الديمغرافي بحق الآشوريين، من خلال قيام الأخيرة بمصادرة أملاك ومنازل الأهالي ومنحها للنازحين الكرد، وقبلها احتلال تنظيم داعش للمنطقة وما لحقه من إرهاصات وتضييق على عملية عودة المدنيين إلى قراهم".
وتابع: "ما يحدث اليوم في شمال شرقي سوريا هي حرب تركية كردية يدفع ثمنها الآشوريون. فبينما يحاولون العودة إلى قراهم، تقوم قسد باستعمالهم كأداة في حربها مع القوات المدعومة من تركيا وتتحمل قسد مسؤولية تهجير مَن تبقى من المسيحيين في المنطقة، كونهم يقعون تحت سيطرتهم، ويتم استعمالهم كدروع بشرية، في حين يجب عليهم الدفاع عنهم وحمايتهم. كما يجب على أطراف النزاع الالتزام بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية المدنيين في أثناء الصراعات".
يذكر أنه يوجد قرابة 33 قرية آشورية في المنطقة متوزعة على شريط نهر الخابور، يقطنها قرابة 500 شخص، وهم ما تبقى من سكان القرية الذين نزح سكانها على يد تنظيم الدولة في شباط 2015، قبل أن تسيطر "قوات سوريا الديمقراطية" عليها، وتمنع الأهالي من العودة إلى قراهم بحجة العمليات العسكرية.