ملخص:
- تدني الرواتب وارتفاع تكاليف المعيشة اليومية، بما في ذلك مصاريف الطعام والخدمات، يجعل الأطباء يلجؤون إلى بيع وشراء المناوبات لتغطية نفقاتهم.
- الظروف القاسية، مثل نقص المستلزمات الطبية وسوء الخدمات، تجعل الأطباء يعملون في بيئة مليئة بالتلوث الجرثومي، مما يفاقم من صعوبة العمل.
- منع الأطباء من التعاقد مع مشافٍ خاصة يحرمهم من تحسين أوضاعهم المعيشية، ما يدفع بعضهم للبحث عن بدائل مثل الهجرة أو العمل المؤقت خارج أوقات مناوباتهم.
- تواطؤ إدارات المشافي وغياب الرقابة يسهم في استغلال الأطباء وإجبارهم على تحمل ظروف عمل قاسية برواتب لا تتجاوز 35 دولاراً شهرياً في أفضل الأحوال.
نعم قد يبدو الأمر غريباً بعض الشيء! إلا أنه وعلى أرض الواقع حقيقة لا يمكن نكرانها، مهما حاول أصحاب الشأن تجاهلها، حيث يبيع عدد من الأطباء المقيمين في المشافي الحكومية التابعة للنظام، مناوباتهم لزملاء لهم مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين 125 إلى 150 ألف ليرة، أي ما يعادل نحو عشرة دولارات للمناوبة الواحدة، كل ذلك هرباً من ساعات العمل الطويلة والضغط الكبير الذي يعاني منه معظم الأطباء.
ضغوط يعيشها الأطباء.. مناوبات طويلة وأجور متدنية
أحد الأطباء المقيمين في مشفى الأطفال والذي تحفظ على ذكر اسمه، تحدث لموقع تلفزيون سوريا، قائلا إن الوضع هناك "خيار وفقوس"، فمن لديه واسطة أكبر يمكنه وضع جدول لمناوباته بالشكل الذي يناسبه ويحقق له الراحة، قائلاً "نحن كأطباء مقيمين وجودنا في المشافي ضروري لحصولنا على الخبرة المطلوبة وهو أمر مفيد، إلا أن الأوضاع الحالية تجبر عدداً كبيراً من الأطباء للعمل ساعات طويلة ضمن مناوبات تتجاوز 15 مناوبة شهرياً، وبرواتب متدنية جدا، مع حاجة الطبيب لمصروف يومي لا يقل عن 100 ألف ليرة، واضطراره لشراء الطعام من خارج المشفى، بسبب نوعية الطعام الرديئة المقدمة في المشفى، وسوء الخدمات مع غياب المرافق اللازمة من حمامات وغيرها".
ويضيف "كل هذا مع عدم سماح القانون للأطباء بالتعاقد مع مشافٍ خاصة، التي وفي حال تم السماح لهم بالعمل فيها قد تُحسن من ظروفهم بعض الشيء، ما دفع بعدد من الأطباء المقيمين الذين تجبرهم ظروفهم المادية السيئة إلى شراء مناوبات زملائهم "المريشين"، والعمل عوضا عنهم لساعات طويلة يتعرض فيها الأطباء لظروف عملٍ بالغة الصعوبة مع ارتفاع أعداد المرضى الأطفال بسبب توجه معظم السوريين من مختلف المناطق وتحديداً الشرقية منها إلى المشفى لعدم وجود مشافٍ متخصصة للأطفال هناك، كون مشفى الأطفال هو المشفى الأكبر والأكثر تخصصاً في كل مناطق النظام".
بيع المناوبات في مشافي دمشق
إحدى الطبيبات المقيمات والتي أيضاً تحفظت عن ذكر اسمها، تحدثت بدورها لموقع تلفزيون سوريا عن صعوبة العمل والتدريب في المشافي، ما دفعها إلى بيع مناوباتها لزملاء لها في المشفى الذي تخضع للتدريب فيه أو"الاستاج" كما يطلق عليه، قائلةً "عوضاً عن البقاء في المشفى لساعات طويلة والعمل في ظروف صعبة خاصة مع نقص الكثير من المستلزمات الطبية، بما فيها المستلزمات الخاصة بحماية الأطباء، والتي يؤدي نقصها إلى جعلنا كأطباء أكثر عرضة لأجواء ملوثة ومليئة بالجراثيم، أضف إلى ذلك الأجور المثيرة للسخرية، قررت الالتفات لتعلم اللغة الألمانية والتعاقد مع إحدى المشافي الخاصة لساعات عمل محددة، مقابل تغطية وضعي في المشفى حيث يفترض أن أكون متابعةً ورغم عدم قناعتي بالراتب الذي أتقاضاه في المشفى الخاص، لأن استغلال الأطباء وتحديداً الشباب، يتم من قبل الجميع سواء الخاص أو الحكومي، إلا أنه يبقى ضمن حدود المقبول إذا ما قارناه مع العذاب والضغط في المشافي التي يجب أن نتلقى تدريبنا فيها".
يعاني الواقع الطبي والصحي في مناطق النظام من أوضاع متردية، ونقصٍ كبير في الأطباء خاصةً مع هجرة الآلافٍ منهم، يتعرض من بقي لظروف عملٍ قاسية ورواتب متدنية لا تتجاوز في أحسن الأحو 35 دولاراً شهرياً خاصةً للأطباء الشباب، ما يضطر شريحة واسعة منهم للتفكير بأساليب وطرق مثل شراء مناوبات زملائهم لتغطية مصاريفهم، في ظل مرأى ومسمع وتجاهل إدارات مشافيهم.