تصدر حكومة النظام السوري الكثير من التشريعات والقوانين ولكن من دون تطبيقها، وفي حال طبقت تجد المؤسسات الحكومية ثغرات أو نقاطاً في القوانين تجيُّرها لصالحها كي لا تصب في مصلحة المواطن السوري.
العام الفائت، أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد عدة مراسيم لتحسين الأجر الشهري لموظفي القطاع العام، وخص موظفي القطاع الصحي وقسماً من المهندسين بهذه المراسيم. حيث نص المرسوم الأول على منح الأطباء المتعاقدين طبيعة عمل تبلغ قيمتها 100٪ من الأجر الشهري المقطوع، والمرسوم الثاني خص به فنيي التخدير والأشعة بمقدار 50٪ من قيمة الأجر الشهري المقطوع على أن يتقاضاها المعنيون بالمرسومين بشكل شهري، وبذلك تضاعفت أجور هؤلاء الشهرية. وأردفه بمرسوم خص به قسماً من المهندسين والأطباء البيطريين ليمنحهم ما قيمته 50٪ من الأجر الشهري المقطوع.
المراسيم السابقة تجاهلت قسماً كبيراً من المهندسين والعاملين في الدولة، إضافة إلى طاقم التمريض الكبير الذين يعملون بأجور زهيدة شهرية، مما خلق حالة من الاستياء بين من لم يشملهم المرسوم. حسب ما قالت "سمر" (طلبت عدم ذكر اسمها) وهي ممرضة لم يشملها هذا المرسوم، مشيرة إلى ظلم كبير يقع على طاقم التمريض في سوريا، فهم يبذلون جهوداً مضاعفة ومع ذلك بقيت أجورهم زهيدة ومخزية صراحة.
ما زالت سمر وغيرها من الممرضات والممرضين يعاملون على أساس قانون طبيعة العمل القديم الذي ينص على منح حوالي 3 إلى 5٪ من قيمة الأجر الشهري المقطوع شهرياً للموظفين في القطاعات الحكومية.
وتضيف الممرضة قائلة"نتعب مثلنا مثل فنيي التخدير والأشعة، فلم تم منحهم هذه الزيادة ونحن حرمنا منها؟"
ليس التمريض وحده من لم يشمله المرسوم، فالصيادلة وأطباء الأسنان المتعاقدون مع المؤسسات الحكومية لم يشملهم نص القرار. "رفيدة"، صيدلانية تعمل في أحد المشافي الحكومية بدوام طويل ومتعب، تجد أنه "من المعيب ألا يشملها القرار هي وزملاؤها الصيادلة". وحسب قولها أيضاً، فنيو المخبر لم يشملهم رغم دوامهم الطويل والمتعب.
مرسوم دون تطبيق
رغم صدور المرسوم في شهر آب من عام 2023، إلا أنه لم ينفذ بحذافيره على كل القطاعات. فبداية تم تخصيصه للأطباء الاختصاصيين وحرم المقيمون المتعاقدون خلال الاختصاص منه بحجة عدم صدور تعليمات تنفيذية واضحة للمرسوم. وبعد صد ورد ومطالبات كثيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، تم العمل به في شهر شباط من العام الحجاري وتم صرف أربعة أشهر فقط في بعض المؤسسات الحكومية.
يقول "علي"، (طلب عدم ذكر اسمه) طبيب مقيم للاختصاص في أحد مشافي اللاذقية، إنه بداية لم يتم شملهم بهذا المرسوم في المشافي بحجة أنه لم يتم ذكر أطباء مقيمين وأنهم متعاقدون عقود مؤقتة. والمشافي الوحيدة التي صرفت طبيعة عمل للأطباء هي المشافي العسكرية وبعض مديريات الصحة، لكن المشافي التي تعتبر هيئات مستقلة لم تصرف لأي مقيم.
ويتابع "قيمة الأجر الشهري مخزية جداً، وعند صدور المرسوم توقعنا أن نتنفس الصعداء قليلاً، ولكن أصبحنا نتسول مطالبين بحقنا".
وحسب علي، فإن المشافي التابعة لوزارة التعليم العالي، لم تطبق المرسوم حتى تم تعديل صيغة عقود الأطباء وبعد صدور كتاب من وزارة المالية يؤكد أحقية هؤلاء الأطباء بقيمة طبيعة العمل.
يضيف علي أن هناك إجحافاً بحق موظفي القطاع الحكومي. رواتب قليلة ورغم ذلك يجد المسؤولون وسائل لحرمانهم من أي تحسين لواقعهم الاقتصادي، ومؤخراً أصدرت وزارة المالية بياناً ينص على صرف طبيعة العمل لكل مستحقيها دون تأخير، ولكن منذ تاريخ البيان وحتى اليوم لم يتم صرفها والحجة هي عدم وجود ميزانية كافية!.
قانون حوافز دون تطبيق
لم يكن مرسوم طبيعة العمل وحده من بقي بدون تطبيق، فبعد تعديل قانون الحوافز والمكافآت، توقف منذ نهاية العام الفائت نظام الحوافز ريثما يتم تعديله ووضع شروط جديدة لمن يستحقه أو لا يستحقه. وقامت وزيرة الشؤون الاجتماعية بإيقاف نظام الحوافز ومنع صرفها حتى إشعار آخر.
حسب "مي"، موظفة في أحد القطاعات الحكومية، فبعد أن نص قرار الحوافز على تعويض نسبة جيدة من الراتب الشهري كحوافز شهرية ومكافآت حسب عدد ساعات العمل، توقف محاسب مديريتها عن صرف الحوافز، والحجة كانت أن قراراً بهذا الخصوص صدر لإيقاف صرفها.
مي التي تعمل يومياً بدوام كامل ومهام جسيمة تجد نفسها عملت بشكل مجاني السنة الفائتة، وذلك لأن الحوافز القديمة كانت مقبولة ولكن بعد زيادتها توقف حتى صرف الحوافز كلها، الأمر الذي يستنزف طاقتها وطاقة غيرها من العمال والموظفين. خاصة وأنه بعد عدة أشهر من إيقاف العمل بنظام الحوافز الجديد، تم العودة لتطبيق نظام الحوافز القديم.
ويتبع النظام سياسة إصدار قوانين يمتص غضب الشارع فيها، ثم يتم إيقاف القوانين من قبل الحكومة لتوجيه اللوم لها وتبرئة ساحته.