يقود الشيخ أسامة الرفاعي الذي اختير ليكون مفتياً لسوريا في 20 من تشرين الثاني، المساعي التي بدأها المجلس الإسلامي السوري منذ بداية العام 2021 لتوحيد الفصائل المعارضة وتصفير خلافاتها، والعمل على تمكين قيادة "الجيش الوطني" ووزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة لتكون مظلة جامعة للفصائل والممثل الرسمي والوحيد في الملف العسكري السوري المعارض.
لا تبدو مهمة الشيخ الرفاعي سهلة برغم الحديث عن وجود رغبة حقيقية وجدية من قبل الفصائل الكبيرة الداعمة لمساعي الشيخ والعاملين معه في هذا الاتجاه، وفي حال تحققت الأهداف المنشودة فلن يكون الإنجاز مكتملاً إذا لم يتم إيجاد حل للوضع في إدلب الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام وحكومة الإنقاذ التابعة لها، لذا من المفترض أن تتضمن المبادرة مرحلة ثانية من الجهود لدمج المنطقتين المحررتين في إدلب وحلب تحت مظلة إدارة واحدة، مدنية وعسكرية.
الظهور الأول للمفتي
زار الشيخ أسامة الرفاعي منطقة ريف حلب أواخر شهر تشرين الثاني بعد أيام قليلة من شغله منصب المفتي، وبدت زيارته لمقر وزارة الدفاع في الحكومة المؤقتة المحطة الأهم، حيث التقى خلالها بوزير الدفاع العميد حسن حمادة، وقائد "الجبهة السورية للتحرير" معتصم عباس، وقائد غرفة القيادة الموحدة "عزم" أبي أحمد نور، وكان اللقاء بداية الترجمة العملية وبشكل علني لدعوات الشيخ ومساعي المجلس الإسلامي السوري.
وقال مسؤول العلاقات في غرفة القيادة الموحدة "عزم" عبد الله الشيباني لموقع "تلفزيون سوريا" إن "الجهود التي يبذلها المجلس الإسلامي السوري وفي مقدمته المفتي العام للجمهورية العربية السورية الشيخ أسامة الرفاعي في توحيد الصف وجمع الكلمة كبيرة؛ وهي مستمرة ومن أولوياته".
وأضاف الشيباني "اللقاء الذي حصل مؤخراً في مقر وزارة الدفاع كان في سياق الزيارات الدورية للمجلس الإسلامي السوري للمؤسسات العاملة في الداخل السوري، ولعل في الأيام القادمة تنضم الجبهة السورية للتحرير لغرفة القيادة الموحدة عزم".
وقال عضو حملة "ارم معهم بسهم" وسام القسوم لموقع "تلفزيون سوريا" إن "الشيخ الرفاعي وأعضاء في المجلس الإسلامي السوري التقوا بقائد غرفة عزم وقائد الجبهة السورية للتحرير، وهذه اللقاءات ليست الأولى فقد سبق للمجلس أن التقى بعدد كبير من قادة الفصائل الثورية خلال الأشهر القليلة الماضية".
وأضاف القسوم "المجلس الإسلامي يقود منذ مدة جهوداً كبيرة للعمل على تقريب الفصائل من بعضها وإنهاء خلافاتها بهدف الوصول إلى حالة الاندماج الكاملة فيما بينها وهو الهدف الكبير للمساعي القائمة في هذا الاتجاه، وقد عزز هذه الخطوات التغيير الذي حصل على أرض الواقع خلال الفترة القريبة الماضية، والذي سهّل المهمة على المجلس، وذلك من ناحية التحالفات التي أُسست حديثاً، وعمليات الاندماج التي شهدتها المنطقة بين عدة فصائل".
وتابع القسوم قائلا "حتى الآن لم يحصل اندماج بين التحالفين الكبيرين، عزم والجبهة السورية، ولكن من الواضح أن هناك خطوات تقارب كبيرة ولقاءات دورية بين الطرفين، قد لا نشهد اندماجاً في المدى المنظور، ولكن لا شك أنّ هناك زيادةً في التعاون واللقاءات والتنسيق، وستصل القوى العسكرية الفاعلة إلى أهدافها في نهاية المطاف".
مهمة صعبة
ظهر قائدا "الجبهة السورية" و"عزم" في عدة صور تم تداولها مؤخراً والتقطت خلال لقاءات جمعتهما في مناسبات شهدتها مناطق ريف حلب، والترويج للعلاقة الودية التي تجمع بينهما لا تعكس بالضرورة تطور العلاقة بين التحالفين، أو في ما بين الفصائل عموماً والتي كانت قائمة على أساس من الندية والتنافس والصراع على النفوذ والمصالح، وهي حالة لم تنته بشكل كلي على ما يبدو برغم نشوء تحالفات تقضي بنود تأسيسها على صهر القوى المنضمة بشكل كامل أو على الأقل تمنع خروجها بطريقة عشوائية كما جرت العادة دائماً عبر إجراءات عقابية رادعة.
وقالت مصادر عسكرية متطابقة لموقع "تلفزيون سوريا" إن "الفصائل قطعت شوطاً طويلاً في طريق التأسيس لمرحلة جديدة يتم فيها تمكين مؤسسة عسكرية قوية وجامعة تنهي حالة الفصائلية والتشتت المستمرة منذ 10 سنوات تقريباً، وهناك رغبة حقيقية لدى القائمين على التحالفات العسكرية الثلاثة، الجبهة السورية وعزم والجبهة الوطنية للتحرير للوصول للأهداف المنشودة وتوحيد القرار العسكري للمعارضة".
وأضافت المصادر "وعلى الرغم من وجود بعض العقبات والعراقيل التقليدية كالخلافات على تقاسم السلطات والمناصب، لكن رغبة الفصائل ومساعيها ومسعى المجلس الإسلامي والمفتي لا تكفي، ولا بد من دعم مباشر وتأييد تركي، وهو العامل الأهم ومن خلاله يمكن لمساعي التوحيد أن تخرج بنتائج مرضية".
وأشارت المصادر إلى أنه كان من المقرر أن يحضر اللقاء مع الشيخ الرفاعي في مقر وزارة دفاع المؤقتة عدد أكبر من قادة الفصائل، ويبدو أن التغيب المفترض له علاقة مباشرة بعدم رضا المسؤولين الأمنيين الأتراك المعنيين بملف الفصائل بخصوص مساعي التوحيد التي تتم غالباً بدون تنسيق معهم".
وأضافت المصادر "ربما يتوجب على الشيخ الرفاعي فتح قنوات اتصال والتنسيق مع المسؤولين الأتراك المشرفين على ملف الفصائل من أجل إتمام المهمة الصعبة، نصيحة نقلها له عدد من القادة، وهناك احتمال كبير بأن لا يحصل الشيخ الرفاعي على الدعم التركي المطلوب لعدة اعتبارات، أهمها وجود رغبة تركية بأن يكون الإصلاح شاملاً لمنطقتي إدلب وحلب ودمج المنطقتين، والتأسيس لإدارة عسكرية واحدة وجامعة لمختلف القوى المسلحة المعارضة، وخلق إدارة مدنية موحدة".
من جهته، قال الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان لموقع "تلفزيون سوريا" إن "مبادرة المجلس الإسلامي ومساعي المفتي الشيخ الرفاعي بخصوص توحيد الفصائل في الغالب ستبقى مبادرة نظرية أو على الأقل هناك عوائق كثيرة وصعوبات قد تعترض هذه الجهود، ولكنها مفيدة من ناحية تخفيف الأزمات والتوتر بين الفصائل".
تحرير الشام تراقب
تراقب تحرير الشام عن كثب وباهتمام كبير تطورات ملف دمج وتوحيد الفصائل في ريف حلب، وبدت متفاجئة من قطع الفصائل لشوط طويل في مساعي التقارب وإنهاء الخلافات البينية، كما بدت غير راضية عن اختيار الشيخ أسامة الرفاعي لمنصب المفتي، علماً بأنها لم توضح موقفها بشكل رسمي وعلني من اختيار الشيخ مفتياً.
وظهر الموقف المفترض لتحرير الشام في تصريحات وكتابات متفرقة لعدد من قادتها ومنظريها خلال الأسابيع القليلة الماضية، وبدا من التصريحات أن المجلس الأعلى للإفتاء التابع لتحرير الشام كان يتحضر للإعلان عن مفتي لكن المجلس الإسلامي كان أسرع وهو ما أثار سخط تحرير الشام.
وقال الجهادي المصري في صفوف تحرير الشام، ويلقب بالذهبي في تيلغرام: "يخدعون أنفسهم ويجعلون تعيين مفتي لسوريا فتحاً عظيماً كفتح القسطنطينية، وما هو إلا مجرد إقرار بأن حسون كان على ثغر أهل السُنة بدمشق، المناصب لا تحافظ على دين، فلو كان الدين بالمناصب والأسماء ورسائل الدكتوراه لفتح الأزهر واشنطن، ولكان المجلس الإسلامي السوري يصدر فتوى بضرب بشار على مؤخرته...".
في سياق متصل، قال الجهادي التونسي في صفوف تحرير الشام عبد الرحمن الإدريسي في تيلغرام "الأجدر بأن يُسمَّى عالما ويتصدر الفتوى هو الملازم للساحة القريب من جبهاتها الذي يعيش نوازلها بجوارحه وأركانه، ومن إسقاط هيبة العلم وامتهان الجهاد أن يقلد المجاهدون من لم يكلف نفسه أن يعيش في المناطق المحررة، فضلا عن أن يكون قريبا منهم".
وقال مسؤول العلاقات في "عزم" إن "خطوة اختيار الشيخ أسامة الرفاعي مفتيا عاما للجمهورية العربية السورية قد حظيت بدعم عموم أبناء المؤسسة الدينيّة في سوريا حتّى أولئك الذين لا يجرؤون على الإعلان عن مواقفهم، ولا نعتقد أن أي جهة في المناطق المحررة قادرة على مواجهة هذه الخطوة التي حظيت بدعم على المستوى المحلي والإقليمي والدولي".
نجاح مبادرة المجلس الإسلامي والمفتي في جمع الفصائل وتمكين وزارة الدفاع، وذلك يعني بالضرورة تفعيل دور الحكومة المؤقتة في مناطق الفصائل يزعج تحرير الشام التي لطالما استثمرت في خلافات الفصائل وتشتتها وأجرى قادتها وزعيمها أبو محمد الجولاني مقارنات عديدة معها في النواحي الأمنية والخدمية والتنظيم في الإدارتين المدنية والعسكرية.
النجاح المفترض يخلق منافسة لتحرير الشام التي تمد يدها للفصائل منذ مدة على أساس أنها الأجدر في قيادة مناطق سيطرة المعارضة. لذا فإن المرحلة الثانية من الجهود التي سيقودها الإسلامي السوري والمفتي في حال نجاح المرحلة الأولى لن تكون مرضية ولا على مقاس طموحات تحرير الشام التي تطمح للهيمنة على السلطات العسكرية والمدنية في أي مشروع اندماجي متوقع.
وقال الباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان "إلى الآن لا يبدو موقف تحرير الشام من خطوات المجلس الإسلامي واختيار الشيخ الرفاعي لمنصب المفتي واضحاً، مبادرات المجلس والمفتي حتى وإن بقيت في الإطار النظري فإنها مقلقة وغير مرضية بالنسبة لتحرير الشام، ولن تصب في مصلحتها، وهي التي كانت تستغل تشتت الفصائل وفقدانها البوصلة وتعمل على حالة الاستقطاب لكي تروج لنفسها".
وأضاف علوان "تحرير الشام لديها رغبة خجولة في التعاطي مع المجلس الإسلامي السوري، والتعاون معه ولكن المجلس ليس لديه رغبة بذلك والمجلس يدار من خلال مجموعة من المشايخ والعلماء وبعضهم يعارض أي توجه للتقارب مع تحرير الشام في الوقت الحالي".
وتابع علوان "الشيخ أسامة الرفاعي الأجدر في شغل منصب المفتي العام للجمهورية العربية السورية دون منازع، وليس بديلا لحسون، ولا يمكن مقارنته به، ويتمتع بمكانة علمية وجهوية أسرية، وهو محل توافق سوري، وحتى في مناطق النظام".