icon
التغطية الحية

"عمّو هي الأمانة".. عصابات في اللاذقية تستغل الأطفال لتوزيع الممنوعات

2024.10.04 | 06:04 دمشق

كراجات جبلة
كراجات جبلة في ريف اللاذقية (تويتر)
اللاذقية - خاص
+A
حجم الخط
-A

بكلمات تشوبها براءة الأطفال مرفقة بعبارة: "عمّو هي الأمانة"، يُخرج أحمد -وهو طفل لم يتجاوز الـ11 عاماً- من حقيبته كيساً أسود يحوي على دخان مهرّب لصاحب متجر اكتظ بالمشترين، ثم يغادر مسرعاً إلى جهة مجهولة.

عمل الطفل الصغير أحمد ليس حالة استثنائية في مدينة جبلة بريف اللاذقية، إذ بات استغلال الأطفال في أعمال الممنوعات والتهريب شائعاً، خلال السنوات الأخيرة، مستغلين حاجة أهاليهم المادية ولكون هؤلاء الأطفال تقريباً خارج دائرة الملاحقة الأمنية.

بحسب الناشط الإعلامي في جبلة "أبو يوسف جبلاوي"، فإنّ كثيراً من المهربين يستخدمون الأطفال في توزيع البضائع مقابل أجور مادية ضئيلة، والأخطر هو استغلال أطفال المدارس والمراهقين في بيع الحبوب المخدّرة ونقلها للراغبين.

ويوضح "جبلاوي" في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ آلية استغلال هؤلاء الأطفال تبدأ من الحي الذي يعيشون فيه، إذ يَعرض عليهم مَن يسمّى "مندوب المنطقة"، إيصال أغراض إلى عناوين معيّنة مقابل أجور مالية وأحياناً من دون علم أهاليهم، مضيفاً أنّ الأمر يتطور غالباً لمرات متعددة، وبعض الأطفال يُجنّدون بشكل يومي لتنفيذ مهمات التوزيع.

وأكّد "جبلاوي" أن تفاقم أزمة المعيشة ساعد العصابات المتمرسة على استمالة تلاميذ المدارس أحياناً، عبر المال أو عبر شراء وجبات الطعام الجاهز والهدايا، ثم إعدادهم وتدريبهم على إدارة توزيع المخدرات داخل المدينة.

عبد الهادي -طفل لم يتجاوز 12 عاماً- يعمل في المدينة الصناعية بمدينة جبلة ليتعلّم مهنة كهرباء السيارات، وخلال عمله يُوزّع يومياً -داخل المدينة- أكياساً قال إنّه "لا يعرف ما بداخلها"، وذلك عبر دراجته الهوائية بناء على طلب معلمه الذي اتفق مع أحد الزبائن قبل عدة أشهر.

وعند سؤالنا عن معرفته لخطورة هذا الأمر، قال عبد الهادي إنّه لا يعلم، لكنه لا يستطيع رفض الأمر لأنّ معلمه في العمل "عصبي"، ويمكن أن يتعرّض للضرب في حال رفضه، كما أن عائلته لا تريده أن يترك العمل، وفقاً لقوله.

استغلال ظروف الأطفال

من جانبه قال أحمد صباغ -مدرّس في مدينة جبلة- لـ موقع تلفزيون سوريا، إن كثيراً من العائلات لا تعرف حقيقة ما يفعله أطفالهم، يلقونهم إلى الشارع ليقضوا معظم وقتهم، وبعض العائلات باتت لا تستطيع تحمّل تكاليف المدرسة.

وتابع: "الأطفال يعانون البرد في الشوارع، ويشتهي بعضهم الطعام أو حذاء رياضي جذَّاب، وهنا يأتي دور تجّار الممنوعات فيعرضون عليهم وجبات الطعام الجاهزة أو ثياباً ومالاً.. هذه هي الطريقة التي يُجنّد بها هؤلاء الأطفال في كثير من الأحيان".

ويؤكّد أن غياب البيئة الآمنة للأطفال، خلال السنوات الأخيرة، أسهم في زيادة عمالة الأطفال واستغلالهم، ومعظم الأهالي باتوا يسحبون أطفالهم من المدرسة بعد المرحلة الابتدائية سواء لمساعدتهم في المصروف أو لتخفيف النفقات، لكن الأمر الأكثر سوءاً هو أنّ تلك العائلات لا تعلم مقدار الاستغلال التي يعاني منه أطفالهم، ولا ماذا يعانون وكيف تتأثر نفسياتهم.

في وسط مدينة جبلة وقرب "جامع أبو بكر الصديق"، يقف عدة أطفال عند مفترق طريق، أحدهم لم يتجاوز العاشرة من عمره، بجانبهم عبوات بنزين ومازوت (مهرّب) لبيعه للدرّاجات النارية والسيارات.

المشهد المألوف لمعظم سكّان مدينة جبلة، يقف خلفه تجّار محروقات يستغلون الأطفال للبيع في مناطق مختلفة، من دون أي ملاحقة من أجهزة الأمن أو الشرطة التابعة للنظام السوري.

ما هي الحلول؟

ترى أخصائية علم الاجتماع زينب كلاوي، أنّ اختلال توازن المجتمع بسبب سنوات الحرب والأزمة الاقتصادية الخانقة وما يلحق بها من مشاكل أُسرية تنعكس بشكل كبير على الأطفال، الذين لا يعيشون ظروفاً صحية ويبقون معرضين بشكل كبير للاستغلال والانحراف.

وأضافت -في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا- أنّ معالجة هذا الأمر لا يكون أمنياً بملاحقة هؤلاء الأطفال المتورطين في عمليات توزيع وبيع الممنوعات، بل من خلال متابعتهم من قبل عائلاتهم أولاً ومن خلال المدرسة والمؤسسات الاجتماعية المختصة ثانياً.

وتابعت: "هذه مشكلة لا يمكن التهاون بها، لأنّها ستحوّل هؤلاء الأطفال مستقبلاً إلى مجرمين ومتعاطين أو تجار ممنوعات في أفضل الأحوال"، مردفةً: "عائلات كثيرة ومدارس لا تريد الاعتراف بأن لديها مشكلة تتعلق بتعرّض العصابات لهؤلاء الأطفال واستغلالهم، أو أن بعضهم يتاجرون بالمخدرات.. يجب إلزام المدارس بإجراء تدريبات لتوعية جميع المعلمين، لا سيما في ظل فداحة المخاطر التي يتعرض لها الأطفال حالياً".

تشير تقارير صادرة عن منظمة العمل الدولية (ILO)، إلى أنّ أكثر من 250 ألف طفل في سوريا تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاماً، يعملون في ظروف صعبة ومؤذية، وتتركّز عمالة الأطفال بشكل كبير في مناطق النزوح والفقر، حيث يُجبرون على العمل لإعالة عائلاتهم وتأمين قوت يومهم.