تلقيت صدمة حياتي لم أستوعب ما حدث بداية حتى شاهدت ضحكته المستفزة وهو ينظر بعيني ويلوح بيديه من على دراجته النارية، رغم أن الشارع لم يكن فارغا لكن لم يحرك أي أحد ساكنا لما حصل أو حتى يتجه لمساعدتي.
تعرضت علا 21 عاما للتحرش الجسدي على الكورنيش البحري في مدينة جبلة من دون أن تتمكن من الدفاع عن نفسها، في حادثة باتت تتكرر بشكل لافت بهذه الطريقة دون أي حلول أو تحرك فعلي لمواجهة هذه التعديات.
تقول الشابة العشرينية في حديث لموقع تلفزيون سوريا: "عندما رويت لصديقاتي ما حصل لم تستغرب أي منهن، معظمهن تعرضن لحوادث مشابهة أو تحرش من نوع آخر لكن الجميع يصمت في مثل هذه الحوادث خوفا من المشكلات".
وتختم علا:" كنت أتعرض سابقا لبعض التحرشات اللفظية من بعضهم، لكن لم أتخيل أبدا أن يتجرأ أحد على التعرض لي بهذه الطريقة أمام الناس بطريقة مستفزة ولا يتحرك أحد لمساعدتي".
وسائل النقل بيئة مناسبة
ريم طالبة جامعية في اللاذقية تضطر لقطع مسافة 25 كيلومترا من جبلة للوصول إلى جامعتها عبر سرافيس المدينة التي تشهد ازدحاما يوميا وصعوبة لتأمين مقعد.
تقول ريم لموقع تلفزيون سوريا:" السرفيس هو المكان الأكثر ملائمة للمتحرشين لممارسة أفعالهم اللاأخلاقية، ففي حين يتسع الصف الواحد لثلاثة ركاب، لا يتحرك السائق قبل أن يملأ الصف بأربعة ركاب وفي هذه الحالة تكون الأجساد متلاصقة ولا يكاد يجلس الركاب.. نعم هو استغلال علني لكن أي رفض للأمر سينتهي بك المجال خارج السرفيس على مبدأ (ما عجبك لا تطلع)".
وتضيف ريم:" لا توجد خصوصية للنساء في مثل هذه الحالات أو مقاعد مخصصة لهن، غالبهن يقعن ضحية سائق طماع ومتحرش مفترس. بداية كنت أخجل عندما يحاول أحد ما التعدي على حرمة جسدي لكن مع الأيام أصبحت أكثر جرأة ولا أقبل بهذا الأمر بتاتا رغم أني تعرضت لبعض المشكلات".
لا تنكر الشابة العشرينية أن التحرش أصبح أكثر انتشارا وتطورا في اللاذقية لا سيما خلال السنوات الأخيرة، وتعزو الأمر إلى أسباب عدة من أبرزها زيادة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وانتشار الفقر والمخدرات وتأخر الزواج وانتشار العنوسة بين الجنسين.
استغلال للظروف
قصة فدوى (اسم مستعار) مختلفة نوعاً ما عن القصص الأخيرة. تعمل الشابة التي اشترطت تماما عدم ذكر اسمها في شركة صغيرة للمقاولات بمدينة اللاذقية تعيل والديها وأختها.
تحدثت فدوى عن تعرضها للتحرش من قبل صاحب العمل ومحاولة استغلال ظروفها المادية.
وأردفت: "بدأ الأمر بإيحاءات وبعض الكلمات الخارجة عن إطار العمل وكنت أتجاهل الأمر تماماً، لكنه مع الوقت كان يتطور حتى جاء اليوم الذي حاول التهجم علي وتحرش بي ركضت خائفة وغادرت مقر الشركة كنت أصمت لأنني المعيلة الوحيدة لأسرتي ولم أكن أتخيل أن يتطور الأمر إلى هذا الحد".
وقبل أشهر قليلة نشرت صفحات إعلامية في مدينة اللاذقية على وسائل التواصل الاجتماعي مقطعا مصورا قالت إنه لعراك استخدم فيه عصي وسكاكين بعد أن تحرش شخص بفتاتين خلال عودتهما مساء إلى منزلهما.
ما أسباب التحرش؟
ويؤكد الناشط الإعلامي في مدينة جبلة أبو يوسف جبلاوي لموقع تلفزيون سوريا، أن حوادث التحرش زادت بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة وباتت هذه الأفعال اللا أخلاقية لا تقف عند حد الكلام فحسب بل تطورت في كثير من الأحيان إلى الاعتداء الجسدي.
ويعزو الناشط السبب الأساسي إلى غياب الأمن وانعدام المحاسبة والثقافة الاجتماعية التي تضع اللوم أولا على الفتاة، وعدم اهتمام الأجهزة الأمنية بملاحقة هذه الحوادث.
في حين يرى المحامي نزار يحيى في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أن من أهم أسباب التحرش هو غياب تطبيق النصوص القانونية، موضحاً أن القانون السوري ينص على أن عقوبة التحرش اللفظي هي الحبس من يوم إلى عشرة أيام. وإذا كان تحرّشاً جسدياً فتكون العقوبة الحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات أي عقوبة الجنحة.
ويضيف يحيى: "رغم ارتفاع معدلات هذه الحوادث لكن لا تؤخذ على محمل الجد ولا تتم ملاحقتها سواء من قبل أجهزة الشرطة أو حتى الضحايا الذين يتعرضون لهذه الاعتداءات وفي غالب الأمر لا يتم تقديم شكوى قانونية".
من جانبها ترى يارا يحيى وهي اختصاصية في علم الاجتماع تقيم في مدينة أنطاكيا التركية، أن التحرش يزداد في المجتمعات التي تعاني من تفكك أخلاقي وتعيش أزمات نفسية وأخلاقية وهي تتفاوت بحسب شدة القوانين ونظرة المجتمع للمتحرش عليه.
وتؤكد "يحيى" أن منح الثقة للأبناء ليتحدثوا عن كل ما يتعرضون له أمر ضروري لحمايتهم، كما نبهت إلى ضرورة عدم السكوت عن هذه الحوادث والسماح للمتحرش بالتمادي، وشددت على ضرورة التوعية والإرشاد للفتيات والأطفال من قبل الأهل وفي المدارس للتقليل من هذه الحوادث.