تصدر تقارير سنوية من منظمة اليونيسيف العالمية حول وضع الأطفال في سوريا سواء في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام أم الخاضعة لسيطرته، ولكنها تكون تقريبية في مناطق النظام لانعدام الشفافية والمصداقية في التعامل، إضافة للتضييق الأمني الممارس على مقدمي الخدمات الاجتماعية العاملين في المنظمات الإنسانية.
وحسب التقارير فإن أعداد المتسربين سنوياً من المدارس في سوريا يزيد عاماً بعد عام، فوفق تقرير لوزارة التربية في حكومة النظام كانت نسبة المتسربين من المدارس تصل لـ22٪ من عدد التلاميذ الإجمالي وذلك في عام 2032 وهو مايمثل زيادة 50 في المئة عن العام الذي سبقه، مع توقعات بازدياد هذه النسبة عاماً تلو آخر.
ونتيجة لهذا التسرب يزداد عدد أطفال الشوارع، وعدد الأطفال المتجهين لسوق العمل، وحسب تصنيف اليونيسيف فإن الأطفال هم الفئات العمرية التي لم تتجاوز 15 عاماً.
التسرب من التعليم والفقر
يقول محامٍ وعامل في مجال حقوق الإنسان (طلب عدم ذكر هويته) لموقع تلفزيون سوريا، إن عمالة الأطفال شيء قديم في سوريا وليس بحديث العهد، ولكن كانت نسبته قليلة لعدة أسباب منها أن التعليم كان "مجانيا" والوضع الاقتصادي في البلاد كان أفضل، وكانت نسبة من يرسل أطفاله لسوق العمل قليلة إما للفقر أو من أصحاب المهن الذين يدربون أطفالهم على مهنهم ليورثوهم إياها وهذا كان يتم حصراً في فترات العطل (عطلة مابين فصلي الدراسة وعطلة الصيف).
ويتابع "التعليم بات مكلفاً حقيقةً، ولم يعد بوسع الأهالي تحمل أعباء تعليم أطفالهم، كلفة القرطاسية ولوازم التعليم أجبرت كثيرين على سحب أطفالهم من المدارس"،يضيف المحامي.
وحسب المحامي فإن حكومة النظام السوري عاجزة عن منع تسرب الأطفال من المدارس وبالتالي منع عمالة الأطفال، إضافة للوضع المعيشي المزري الذي وصل له الشعب السوري اليوم.
عملت الوزارة العام المنصرم على اتخاذ عدة إجراءات، منها اختصار كل سنتين بسنة واحدة وتقديم سلة غذائية شهرية بنحو 75 ألف ليرة وذلك بهدف إعادة نحو مليون متسرب إلى مقاعد الدراسة، لكنها في الواقع لم تستطع إعادة سوى 160 ألف تلميذ، وبينما قدر عدد المتسربين من المدارس خلال فترة الحرب بأكثر من مليون ومئة ألف متسرب، علماً أن أرقام منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) تشير إلى وجود أكثر من 2.4 مليون طفل سوري غير ملتحقين بالمدرسة، منهم 40 في المئة من الإناث.
"أطفال الشوارع" لا يحصلون على العلاج
يصل يومياً لإسعاف المشافي الحكومية في اللاذقية أطفال يعانون من أمراض عديدة، تتراوح بين الإنتانات التنفسية والبولية وصولاً لسوء التغذية وحتى سوء المعاملة الجسدية. وهذا كله يعود لعمل هؤلاء الأطفال في الشوارع وتسربهم من المدارس وانعدام الأمن الصحي والغذائي لدى هؤلاء.
"مجيد" طبيب أطفال (طلب عدم ذكر اسمه كاملا) يعاين يومياً العديد من الأطفال وخاصة أطفال الشوارع الذين لا يأتون للمشافي إلا بعد وصول المرض لمرحلة متقدمة أو بعد أن يتعب الأطفال كثيراً. ومعظم هؤلاء لا يلتزمون بالخطة العلاجية ولا يعودون للمشافي لمتابعة الحالة فضلا عن عدم التزامهم بالأدوية الموصوفة لهم.
يقول الطبيب لموقع تلفزيون سوريا إنه يعاني كثيراً مع الأطفال العاملين في الشوارع الذين يأتون بشكل متكرر للإسعاف والعيادات الصباحية داخل المشفى، وتتمثل معاناته في صعوبة علاج الأطفال، وليس لصعوبة تشخيص مرضهم وإنما لأنهم يحضرون للمشافي لمجرد أخذ "دواء سحري" باعتقادهم سيجعلهم يكملون عملهم في اليوم التالي أو هذا مايريده ذووهم.
ويضيف "يأتي طفل تجد ثيابه متسخة ونظافته قليلة، عندما تستفسر عن وضعه تعرف أنه يعمل في بيع القهوة أو لدى محال الصناعة أو أي حرفة أخرى، ويعاني من سوء تغذية وقلة النظافة، ويعدك الأهل بالاهتمام به ولكن عبثاً تحاول".
ووفق الطبيب فالأطفال العاملون سيتعرضون بشكل مستمر لمشكلات صحية، فبيئة العمل غير مناسبة وغير صحية وهم غير قادرون على تحمل هذا الجهد الكبير نسبة لأعمارهم وأحجامهم.
دعم نفسي وتدهور مستمر
وفق تقرير لمنظمة صندوق الطوارئ للطفولة التابع للأمم المتحدة (اليونيسيف)، فإن 90 في المئة من الأطفال السوريين يحتاجون إلى دعم، ويرزح 90 في المئة من السوريين تحت خط الفقر أيضا.
تركز كثير من المنظمات الإنسانية في عملها على محاربة عمالة الأطفال ومحاولة دعم المجتمع المحلي والعوائل قدر الإمكان للحد من هذه الظاهرة، والعمل على علاجها.
ومنذ بداية الحرب في سوريا وبدء موجة النزوح من المدن التي تشهد قصفا وأعمالا عسكرية إلى مناطق سيطرة النظام، ركزت المنظمات الإنسانية على وضع حلول ومشاريع لمنع الأطفال من الدخول في سوق العمل مبكراً. ورصدت ميزانيات كبيرة لدعم قطاع التعليم تحديداً وذلك لتعويض المتسربين من المدارس عن الفاقد التعليمي، ووضعت مناهج خاصة للفئات المتسربة لدعمهم ومحاولة دمجهم ضمن صفوفهم العمرية الأساسية قدر الإمكان في محاولة للحد من عمالة الأطفال من خلال إشغال الأطفال بالتعلم ومحاولة دعم أهاليهم ولكن مثل هذه المشاريع تحتاج لدعم مادي كبير وتضافر جهود حكومية وشعبية كبيرة، فضلا عن وجود وعي اجتماعي، في حين أن انتشار الفقر يعد سببا رئيسيا في عمالة الأطفال وانتشار التسرب من المدارس.
"رزان" عاملة في الشأن الاجتماعي وناشطة في مجال مساعدة المتسربين من المدارس، تقول لموقع تلفزيون سوريا إن "وزارة التربية نظمت برامج بالتعاون مع اليونيسيف لتعويض الفاقد التعليمي، وعملت كثير من المنظمات الإنسانية علي تنظيم مشاريع تعنى بموضوع التعليم وفي نفس الوقت تقدم توعية للأهالي فيما يخص عمالة الأطفال وأثرها التراكمي على تطور المجتمع".
وتوضح متحدثة عن أحد المشاريع العاملة فيها "كنا نبحث عن أسباب عمل الطفل في الشارع، في حال كان السبب مادياً نقدم دعماً في القرطاسية والمصروف، وفي حال كان السبب تأخر الطفل عن أقرانه ندمجه في أحد البرامج التعليمية المكثفة، ولكن في أحيانٍ كثيرة الأمور تكون خارج السيطرة".
عند سؤالنا رزان عن دور المنظمات العاملة حالياً في مناطق سيطرة النظام في الحد من ظاهرة عمالة الأطفال أكدت أن واجبهم تسيير مشاريع لدعم قطاع التعليم ومحاولة دعم الأهل بمشاريع تدر عليهم دخلا ماديا ولا يوجد أكثر من ذلك، بينما العمل الأساسي محصور بالحكومة التي من شأنها منع هذه الظاهرة وتجريمها.
بعد زلزال شباط المدمر، خسرت كثير من العائلات أماكن سكنها وأعمالها، وتردت الأوضاع الاقتصادية فزادت عمالة الأطفال وحتى اليوم قلة من مشاريع المنظمات تستهدف هذا الأمر، بحسب رزان، حصلت سوريا خلال العام الفائت على تمويل كبير جداً ولكنه لم يستثمر بشكل صحيح. على حد قولها.
وتضيف "حتى يومنا هذا نشاهد أطفالاً متسولين بكثرة، نشاهد أطفالاً يعملون في محال تصليح السيارات.. في الكازيات وفي الحقول، من دون أدنى شعور بالذنب من قبل الأهالي أو أصحاب العمل أو حتى الجهات المسؤولة".