قال المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، الدكتور عزمي بشارة، إن الاحتلال الإسرائيلي في سباق مع الزمن لتكثيف عمليات القصف وتدمير قطاع غزة، قبيل الانتقال إلى المرحلة الجديدة الشهر المقبل، والتي ستكون مرحلة معارك برية بشكل أساسي، استباقاً لانتهاء المهلة الأميركية التي حدّدها وزير الخارجية أنتوني بلينكن بأسابيع وليس بأشهر.
ورأى المفكر العربي في مقابلة مع "التلفزيون العربي" أن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة قائم كخطة، وكشف أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو فاتح مسؤولين غربيين بالموضوع، وشدد على أن ما يوقف مشروع التهجير، إعلان مصري لإسرائيل بأنه سيكون بمنزلة إعلان حرب، وهو ما لم يحصل بعد.
وأضاف أن الأهم اليوم هو التوصل إلى وقف إطلاق النار بالكامل أكثر من الهدن الإنسانية. وفي حين اعتبر أن التظاهرات في الشوارع الغربية أكثر تأثيراً من القمم العربية حالياً، ووصف الخلافات الحاصلة حالياً بين القيادات الإسرائيلية بأنها "مهمة لكنها لا تخصنا".
ما الخطط الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين؟
واستبعد بشارة أن تكون خريطة المربعات (البلوكات) التي عمّمها الاحتلال أخيراً لجنوبي غزة، مرتبطة بمخطط التهجير، واضعاً إياها في خانة المناورات الكلامية وذر الرماد في العيون. لكنه حذر من أن التهجير يحصل حين يجري حشر غالبية الغزيين وحصارهم وتجويعهم في الجنوب قرب الحدود مع مصر، وفجأة يفتح لهم ممر إلى الخارج، حينها ستدفع غريزة البقاء بالناس إلى الخروج بالفعل. وشدد على أن ما يوقف التهجير ليس عزيمة الناس، بل "إعلان مصري واضح لإسرائيل مفاده أن التهجير إعلان حرب بالنسبة لمصر".
وذكّر بأن مخططات التهجير الإسرائيلية للفلسطينيين سابقة لنكبة 1948، لافتاً في هذا السياق إلى "خطة داليت"، لكنه استدرك بأن "التهجير لا يحصل بموجب الخطط، فعلى قادة مسؤولي البلدان المعنية بالتهجير أن يجيبوا إسرائيل عبر خطوات واضحة، بأنها لا تحكم المنطقة، وليست سيدة على المنطقة".
ورداً على سؤال، وجد بشارة أن من بين أسباب عدم قيام العرب باتخاذ هذا النوع من المواقف، خشية مسؤولين عرب على علاقاتهم بواشنطن كما يتصورونها هم، وخشية البعض الآخر من أن يشي بهم مسؤولو بلدان عربية أخرى بهم أمام البيت الأبيض، بالتالي فإنّ "ما يجري حالياً هو موقف المتفرج". واختصر الموقف العربي الرسمي بالقول إن "التظاهرات في الشوارع الغربية حالياً، أكثر تأثيراً من القمم العربية". حتى على مستوى الشارع العربي، فبرأي بشارة كان يُتوقع أكثر من الحاصل حالياً من تظاهرات وتعبئة شعبية.
إسرائيل توسّع عدوانها
وعن مجريات العدوان، أوضح بشارة أن خطة إسرائيل الكبرى لا تزال تقوم على تدمير غزة، والانتقام القبلي البدائي من المحيط الاجتماعي لـ"حماس"، وتقليل عدد سكان غزة بالتهجير والقتل، واستعادة الهيبة والانتقام، وقَسم ظهر حماس العسكري، لكيلا تكون قادرة على حكم غزة مستقبلاً. ولاحظ المفكر العربي أنه في تنفيذ هذه الخطط "هناك تعثّر كبير وفوضى كثيرة ومقاومة كبيرة"، ذلك أن الإسرائيليين "يستسهلون القصف لأنهم يستصعبون القتال البري".
وحثّ بشارة الفلسطينيين على ضرورة توقع أصعب السيناريوهات، لأن الاحتلال لديه نية اختراق خان يونس، والوصول إلى منازل محددة، والدخول إليها "وكأن قيادات حماس تنتظرهم في البيوت". ولفت إلى أن المقاومة المسلحة للاحتلال "بهذه القدرات والشجاعة حصلت على شرعية في الشارع العربي، ويخطئ من يعيدها إلى خانتها الأيديولوجية، لأن من يقاوم الاحتلال في هذه الظروف يكتسب شرعية". وعاد لينبّه من أنه "لا توجد ضمانات عسكرية، وكل شيء يتوقف على قدرات المقاومة وصمودها وعلى رصانتها وتوقعها الأسوأ وتخطيطها".
ورداً على سؤال حول مستوى الوحشية التي استأنفت به إسرائيل حربها على غزة بعد هدنة الأيام السبعة، علّق بشارة قائلاً إن ذلك كان متوقعاً "لأنه بمنطق الإسرائيليين، يجب زيادة الضغط على حركة حماس، هذا تكتيكياً، لكن استراتيجياً هم في سباق مع الزمن وسط الرسالة الأميركية بأن الوقت ينفد، وأن لدى إسرائيل أسابيع وليس أشهراً لإنهاء القصف واستهداف المدنيين، بموجب ما أبلغه وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن للقيادات الإسرائيلية الأسبوع الماضي".
وبحسب بشارة، أخطأ من اعتقد من كلام بلينكن أن إسرائيل ستكون أكثر تساهلاً، وجزم بأن الأميركيين لا يزالون يتفقون مع تل أبيب على أهداف الحرب، لكنهم بدؤوا يضيقون ذرعاً من القتل بهذه الوتيرة، "لكن كل ذلك لم يصل إلى درجة توجيه إنذارات أميركية لإسرائيل بما يخص استهداف المدنيين، بل نصائح بمحاولة تفادي قتلهم، والجواب الإسرائيلي يأتي بصيغة سنحاول فعل ذلك". إذاً، لا شيء ملزماً في النصائح، وفق ما يوضح بشارة، حتى إن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، يظهر في إطلالاته كأنه متحدث باسم الحكومة الإسرائيلية.
انطلاقاً من ذلك، توقع أن تكون المرحلة التي ستلي هذا الشهر، مرحلة معارك برية بشكل أساسي، وعندها ستكون الأيام كفيلة بإظهار الموقف الأميركي. وتابع أنه مع مرور الوقت، ستكون الإدارة منخرطة أكثر فأكثر في الشأن الداخلي المتصل بالتحضير لانتخابات العام المقبل، ووصف أزمة الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه "أصبح أسير دعم (رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين) نتنياهو، فإذا استمر بدعمه سيخسر أصواتاً (في الانتخابات)، وإذا تخلى عن دعمه سيخسر أصواتاً من فئات أخرى في المجتمع الأميركي".
وعن مواقف بايدن، وضعها بشارة في خانة عدم اختلافها حيال الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية عن سياسات عهد سلفه دونالد ترامب، مع أن كل سياساته الخارجية الأخرى شديدة الاختلاف عما فعله الرئيس الجمهوري السابق. وتوقف بشارة عند اسم بريت مكغورك، وهو منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا داخل مجلس الأمن القومي، وهو حاضر في إدارات 4 رؤساء أميركيين وصولاً إلى بايدن اليوم، واصفاً إياه بأنه صاحب النصائح الأكثر عدائية للعرب داخل الإدارة الأميركية عموماً.
الهدنة ووقف إطلاق النار
وعن احتمالات إبرام هدنة جديدة من عدمها في غزة بموجب الوساطة القطرية، ذكّر بشارة بأن إسرائيل "ولا يوم كانت معنية بالهدنة، وكانت هناك رغبة من الجيش الإسرائيلي بمواصلة المعركة"، لكن ضغط أسر الرهائن فرض على القيادة العسكرية والسياسية التخلص من هذا الملف، وعند أول فرصة اختلقت إسرائيل حججاً ومبررات لاستئناف القتل، وراحت تفاوض على هدن بالساعة وليس باليوم، فاعتبرت حينها "حماس" أن لا شيء تكسب منه في هذا النوع من الهدن، على حد تعبير الدكتور بشارة، الذي جزم بأن "اليوم الأهم هو التوصل إلى صيغة لوقف إطلاق النار بالكامل أكثر من الهدن، وقيادة حماس لا بد أن تساهم في طرح أفكار لوقف إطلاق النار مقابل أمور يجري التفاوض عليها".
ووافق بشارة على فكرة أن ضغط ذوي الرهائن الإسرائيليين على القيادتين العسكرية والإسرائيلية مهم، ذلك أن هؤلاء هم التيار الوحيد المسموح له بالتظاهر حالياً في إسرائيل، وهم بدؤوا يقتنعون بأن دولتهم تكذب في موضوع الرهائن، بعد ظهور طريقة التعامل الجيدة معهم في غزة، وأنه ليس كما يُصوّر من قبل نتنياهو وزمرته. كذلك، فإنهم يخشون على أبنائهم من القصف الإسرائيلي أكثر من أي أمر آخر.
وأشار بشارة إلى أن هناك أوامر ضمنية غير معلنة في إسرائيل تفيد بقتل الفدائي لتوفير عناء أسره، وما حصل في القدس المحتلة قبل أيام عندما قتل عناصر أمن إسرائيليون الرجل الإسرائيلي الذي قتل منفذ العملية الفلسطيني، ظناً منهم بأنه هو أيضاً فلسطيني، رغم أنه رفع يديه ووجه نداءاته لهم، أحدث صدمة في المجتمع الإسرائيلي، وجعل كثيرين يفكرون بسيناريوهات غير تلك المعلنة من الحكومة حول ما حصل في عملية السابع من تشرين الأول.
ما تأثير الخلافات بين القيادات الإسرائيلية على الحرب؟
ووصف بشارة الخلافات الحاصلة حالياً بين القيادات الإسرائيلية بأنها "مهمة لكنها لا تخصنا"، ذلك أنها لا تتعلق بوقف القتل مثلاً، بل بخلافاتهم القديمة والمستجدة الخاصة بتكتيكات الحرب، وهي لا توثر في الفلسطينيين وبحرب غزة.
ورداً على سؤال حول من يقود الحرب اليوم في إسرائيل، أجاب بشارة بأن من يفعل ذلك في العادة هو المستوى السياسي الذي يخضع له السلك العسكري، لكن فقدان الثقة اليوم من المجتمع الإسرائيلي بقيادة نتنياهو أجبر الأخير على تشكيل حكومة الحرب وإدخال خصومه إليها، ومن يضغط باتجاه مواصلة التصعيد الحربي هذه الأيام هم الجنرالات.
المقاطعة والرأي العام
وفي حين أعرب بشارة عن تقديره لأهمية حملات مقاطعة إسرائيل، إلا أنه قال إنها تصبح أكثر جدوى عندما تتبناها الدول، كما تذكرنا التجارب التاريخية، مثل مقاطعة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.
ونصح الفلسطينيين بالبناء مستقبلاً على الموقف المؤيد لقضيتهم من قبل الرأي العام العالمي لعدم خسارته. وكرر رأيه بالدعوات لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين أمام محكمة العدل الدولية، واعتبر أنها "أساساً موقف، وهذا إيجابي، لكن التجربة تفيد بأن المهزوم فقط يُحاكم وليس المنتصر، وهذا بعيد المنال حالياً، نظراً إلى التعاطي الأميركي والأوروبي مع إسرائيل الذي يحول دون جعلها مهزومة". وخلص إلى أنه "لا نستطيع التعويل على المحاكم الدولية، بل على المقاومة والموقف الشعبي والاتكال على أنفسنا".