قال المفكر العربي والمدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور عزمي بشارة إن الهجوم الذي قامت به حركة حماس في 7 تشرين الأول الماضي على معسكرات للجيش الإسرائيلي ومستوطنات ما يعرف بغلاف غزة كان صاعقاً بالنسبة لإسرائيل والأطراف الدولية والإقليمية التي راهنت على انحلال القضية الفلسطينية بدلاً من حلّها وذلك بتحقيق اتفاقيات سلام عربية - إسرائيلية منفصلة.
وأشار الدكتور بشارة إلى أن تلك الأجواء قادت إلى نوع من "الاسترخاء" في إسرائيل إلى درجة رفض التفاوض حتى مع السلطة الفلسطينية والتحلل حتى من مسار أوسلو.
وأكد أن هجوم حماس لم يكن وليد لحظته بل كان نتاج تخطيط وتدريب استمرا نحو عامين، وخلال هذين العامين تواصل توسيع الاستيطان الإسرائيلي في المناطق المحتلة على نحو غير مسبوق إذ صنّف عام 2022 على أنه من أسوأ السنوات على صعيد الاستيطان منذ احتلال الضفة الغربية والقدس عام 1967.
أثر عملية 7 أكتوبر على إسرائيل
وأشار في محاضرة بمقر "المركز العربي" أقيمت اليوم الثلاثاء بعنوان: (الحرب على غزة.. السياسة والأخلاق والقانون الدولي)، إلى أنّ عملية 7 أكتوبر أثارت غضباً وصل إلى حد فقدان التوازن في المجتمع الإسرائيلي لأنها جمعت بين عنصرين وهما حجم الضحايا وتنفيذ عمليات هجومية متزامنة في مناطق تقع ضمن حدود الرابع من حزيران عام 1967.
كما كانت بنية هذه العمليات أقرب إلى الحملات الحربية الهجومية، فهي لم تقتصر على عملية تفجير منفردة أو كمائن أو غيرها بل شملت عدة عناصر بما في ذلك التخطيط والرصد والهجمات المتعددة والمداهمة والسيطرة والأسر وغيرها. ما ينسي المراقب أن من قام بها هو فصيل مسلح يخضع لمراقبة شديدة على مدار الساعة منذ ما يقارب العقدين وما زالت غزة تعد دولياً منطقة محتلة رغم الانسحاب الإسرائيلي من طرف واحد عام 2005.
ولفت إلى أن الحكومة الإسرائيلية اختلط لديها الغضب الشديد مع الخوف الوجودي لدى السكان وساد شعور إسرائيلي أن هذه العملية إذا مرت من دون رد يمنع تكرارها مستقبلاً فسوف تصبح إسرائيل في خطر وجودي فعلاً وذلك بسبب تآكل هيبة الردع لديها.
كما شاركت - بحسب بشارة - الولايات المتحدة إسرائيل بغضبها وانصعاقها إلى درجة عدم الاكتفاء بتكرار الرواية الإسرائيلية عن أحداث 7 أكتوبر وإنما من خلال المشاركة أيضاً بالاستنتاجات المتعلقة بضرورة التخلص من حركة حماس على الرغم من معرفتها أن هذا يعني تدمير قطاع غزة وقتل أعداد يصعب حصرها من المدنيين.
موقف الدول العربية من الحرب الإسرائيلية على غزة
وعن موقف الدول العربية من الهجوم وما تبعه من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، قال بشارة إن الدول العربية تنقسم إلى دول مشاركة وأخرى غير مشاركة في المحور (الغربي) ولكنها أيضاً غير قادرة على مواجهته والقيام بخطوات عملية بشأن قضية فلسطين وبعض الدول تعاملت مع قضية فلسطين أداتياً فأفقدها مصداقيتها في هذا المجال تحديداً. في حين أن دولاً عربية أخرى منشغلة بصراعات داخلية ارتكبت فيها الأنظمة جرائم تقلل من مصداقيتها عند تناول جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
وتطرق إلى حال الإعلام العربي إزاء ما يجري في غزة وفلسطين عموما منذ 7 أكتوبر لو لم يتوفر المتنفس الذي توفره دولة قطر إعلامياً.
أما الدول العربية المطبعة فقد تشاركت الغضب مع إسرائيل والولايات المتحدة في البداية وربما أملت أن تقضي الحرب على حماس، متحملة ضرورة تغيير الخطاب السياسي مؤقتاً إلى خطاب تضامني مع قطاع غزة مع نقد حماس ومواصلة مقاطعتها إلى حين تنهي إسرائيل هذه العملية.
وأوضح أن أثر العملية العسكرية الإسرائيلية المباشرة على المجتمع الإسرائيلي هو انغلاقه وشعوره بعزلة إقليمية وعودة المقاربات العسكريتارية وعدم تحميل المسؤولية عما جرى يوم 7 أكتوبر للاحتلال ولا لسياسات إسرائيل؛ بل جرى عزو الكارثة التي وقعت إلى إخفاق استخباري وعسكري.
وقال إن الانزياح الإسرائيلي نحو العسكرة مجدداً لا يعني تراجع خطاب الصهيونية الدينية في قضية فلسطين والذين يتصدرون السياسة الإسرائيلية هم القوميون المتطرفون ومنهم متدينون مثل نفتالي بينيت. وآخرون غير متدينين، لكن المشترك بينهم هو النزعة الأمنية ورفض عناصر الحل العادل لقضية فلسطين.
وبشأن مصطلح الإبادة الجماعية، ذكر الدكتور عزمي بشارة أن مصطلح الإبادة الجماعية لم ينحت بناء على كارثة الهولوكوست بل بناء على تصرف قوات الاحتلال الألمانية في الدول الأوروبية عموماً أي بما في ذلك وصف جرائم أقل من المحرقة النازية ليهود أوروبا على أنها جينوسايد/إبادة جماعية.
ولفت إلى ما أورده المحامي البولندي رفائيل ليمكن (1900-1959) عن تعبير الإبادة الجماعية في كتابه "حكم المحور في أوروبا المحتلة عام 1944". حيث جاء في الكتاب: "جريمة الإبادة لا تعني بالضرورة التدمير الفوري والمباشر لأمة.. وإنما القصد من هذا المصطلح الدلالة على خطة منسقة من أفعال مختلفة تهدف إلى تدمير الأسس الجوهرية لحياة الجماعات القومية بهدف إبادة الجماعات نفسها. قد تكون غايات مثل هذه الخطة حل المؤسسات السياسية والاجتماعية والثقافية واللغوية والمشاعر القومية والدين".
وتطرق بشارة إلى ما قاله "ليمكن" بأنّ "الإبادة الجماعية تنفذ في مرحلتين الأولى تدمير النمط الوطني أو القومي للجماعة المضطهدة والأخرى فرض النمط الوطني للمضطهِد"، مشيراً إلى تشابه تعريف الإبادة الجماعية هذا مع تعريف الاستعمار الاستيطاني وما حدث في فلسطين.
وتابع بما ورد في الكتاب أنه "يمكن أن يتعرض السكان المضطهَدون الذين يسمح لهم بالبقاء لهذا الإملاء أو الإرغام. كما يمكن أن يفرض على الأرض وحدها بعد إبعاد السكان واستعمار المنطقة من المنتمين قومياً إلى جماعة المضطهِدين. نزع الصفة القومية Denationalization هي الكلمة التي استخدمت في الماضي لوصف تدمير النمط الوطني"، مؤكداً أن ذلك ينطبق تماماً على نكبة الشعب الفلسطيني وكأنه صمم خصوصاً للدلالة عليه وفقاً لما يراه الدكتور عزمي بشارة.