قال المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة، إن إسرائيل تدرك أنها عاجزة عن البقاء في قطاع غزة، مؤكداً أنها ستواجه مزيدا من المقاومة المسلحة، وأكّد أنه ليس لدى إسرائيل أي خطة لـ "اليوم التالي" لما بعد حماس في غزة.
وأوضح المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في حديثه الثالث مع التلفزيون العربي منذ بدء العدوان على غزة أمس السبت، أن القمة العربية - الإسلامية لديها بعض الإيجابيات رغم مستوى التوقعات المتدني الذي سبق قمة الرياض التي عقدت السبت الماضي.
ورجح بشارة أنّ إسرائيل "لم تواجه بعد كل ما هو مجهز لمقاومتها"، ذلك أن "هناك آلاف الشباب ينتظرون لحظة المعركة البرية".
لا خيار سوى المقاومة
وبعدما ذكّر بمدى صعوبة إنجاز المقاومة ما أنجزته بالفعل وهي قابعة تحت الحصار الشامل، شدد على أن أحد أسباب البطولات التي يظهرها المقاتلون حالياً، أنه "لا خيارات أمامهم سوى المقاومة".
غير أنه اعتبر أن الخطاب الإعلامي الرسمي للمقاومة ولغتها ومصطلحاتها لا ترتقي إلى درجة الأداء العسكري الذي يُظهرونه ومعاناة الشعب في غزة، ذلك أنه "يجب تبني لغة العدالة التي تمثلها قضيتهم".
وبينما رأى أن القيادات الفلسطينية أضاعت فرصاً متكررة للوحدة، وأنه لا يمكن حكم الضفة أو غزة من دون وحدة فلسطينية، جزم بشارة أن الإسرائيليين يدركون أنه لا يمكنهم البقاء في غزة "مع ضرورة التذكر أن من انسحب من غزة شخص حربي بمستوى أرييل شارون".
البحث عن شريك عربي
وبحسب قراءته ومعلوماته، يبحث الإسرائيليون حالياً "عن شريك عربي يقبل أن يدير شؤون سكان غزة بعد تخفيف عددهم" وأن يرسي لهم نظام تنسيق أمني على غرار ما هو حاصل في الضفة بشكل فاشل.
وبرأي بشارة، هذا سيناريو من ضمن ما لا يراعيه، ردة فعل الناس التي خسرت كل شيء، "ثم يجدر عدم نسيان أن إسرائيل لم تكن يوماً جاهزة لدفع ثمن الاحتلال مادياً كنفقات واستثمارات، لذلك ستطلب من بلدان عربية لاستثمار أموال لإعادة إعمار غزة، مثلما سبق أن طلبت في الماضي".
وعن مجرى الأحداث الحالية، قال إنه "مثلما لم تكن لدى القيادة الإسرائيلية خطة لاحتلال غزة، فلم تكن لديها خطة لـ"اليوم التالي"، أي لما بعد انتهاء الحرب والقضاء على حركة حماس بحكمها وقوتها العسكرية".
في الوقت نفسه قلل بشارة من أهمية الكلام الأميركي عن ضرورة عقد مؤتمر سلام جديد، ذلك أن العالم العربي مرّ "بهكذا سيناريو بعد احتلال الكويت ومؤتمر مدريد وما تلاه من مؤتمرات فاشلة تحت عنوان الدولتين والتفاوض الطويل، كذلك فإن الأميركيين يعرفون أن إسرائيل ترفض تقديم أي شيء للعرب وخصوصاً اليوم" بعد فشلهم في إنقاذ مستشفى وإدخال مساعدات إلى قطاع غزة على حد تعبير بشارة.
ضرب المشافي
ورداً على سؤال حول أسباب استهداف الاحتلال المستشفيات بهذا الشكل الممنهج، أجاب بشارة بأن هذا يعود بشكل أساسي إلى قناعة إسرائيلية بأنه يستحيل تهجير شعب من دون هدم مستشفياته ومدارسه بوصفها ملاذات آمنة.
أما بالنسبة لتبدل الأولويات العسكرية الإسرائيلية من التركيز على شمالي القطاع ثم الانتقال إلى الجنوب، أوضح بشارة أنه بعد ما حصل في 7 تشرين الأول/أكتوبر كان المسؤولون الإسرائيليون مضطرين لوضع خطة عسكرية وراحوا يلائمون الوقائع لتتوافق مع الخطة التي وُضعت على عجل.
على سبيل المثال، يتابع: "التركيز على الشمال سببه أنهم قرروا في البداية أن يباشروا الحرب في الشمال، ربما اليوم يكونون قد اكتشفوا أن قيادة حماس والأسرى هم في الجنوب لا في الشمال".
وخلص إلى أنه "إما أن هناك مخططاً لتهجير سكان غزة من الشمال إلى الجنوب ومن هناك إلى سيناء، أو أن هذا انعكاس للارتباك الإسرائيلي وهذا أمر وارد جداً".
عقدة الأسرى
على صعيد متصل بجديد المفاوضات حول الهدنة والأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، لاحظ بشارة أن الأمر بالنسبة لبنيامين نتنياهو "عسكري بحت وربما في عقله الباطني يتمنى التخلص من الأسرى في قطاع غزة" ومن الضغط الذي يتسببون به وما سيقولونه بعدما يخرجون إن حصل ذلك بموجب اتفاق.
وعلى حد تعبير بشارة، إحدى الأزمات في المفاوضات تتعلق بعدد الأسرى الذين يطالبون بالإفراج عنهم، وهنا تطرأ مشكلة أن الإسرائيليين يفترضون أعداداً أكبر من الأسرى مما هو موجود لدى حركتي حماس أو الجهاد الإسلامي.
النقطة الثانية وفق بشارة، المقايضة الإسرائيلية بين عدد الأيام الذي يعرض المفاوض الإسرائيلي أن يوقف خلالها القتل، مع عدد الأسرى الذين يطالب باستردادهم، من أجانب ومزدوجي الجنسية في المرحلة الأولى.
ويتابع بشارة أن جواب المقاومة يفيد بأنهم يرغبون بالإفراج عن هذه الفئة من الأسرى لديهم، لكن مع التوقف عند أن لدى الفلسطينيين أيضاً مرضى ونساء.
وعن مطلب "تحرير الجميع مقابل الجميع"، يختصر بشارة الوضع بأن الإسرائيليين يواجهونه بانعدام جدية، وليس لديهم جواب واقعي واحد يقدمونه لجمهورهم ولذوي أسرى في قطاع غزة. وختم مذكّراً بأن العالم كله مشغول ببضعة أسرى إسرائيليين بينما هناك آلاف الأسرى الفلسطينيين في المعتقلات.
قمة بعضها مقبول
في غضون ذلك، وصف بشارة مخرجات القمة العربية ــ الإسلامية المشتركة الطارئة الخاصة بغزة والتي عقدت في الرياض يوم السبت الماضي، بأن بعضها مقبول قياساً على مستوى التوقعات المتدني ومقارنة مع الواقع العربي الضعيف وكم الخلافات الموجودة بين مسؤولي الدول المجتمعين.
وبرأي عزمي بشارة، ترجمت المقررات عودة قضية فلسطين إلى مركز الاهتمام، مع توقفه عند تكرار القرارات التي تنتقد علاقات التطبيع مع إسرائيل بمعزل عن القضية الفلسطينية والحلّ العادل لها.
وعن هذا الموضوع، قال بشارة إن هناك قراراً واحداً عملياً وهو الوقوف مع مصر لكي تكسر الحصار الذي يتمثل بأن يكون فتح المعبر وإغلاقه على الأقل للمساعدات والإغاثة، رهن موافقة إسرائيل، "وبالتالي الآن يجب أن يفكروا بكيفية ترجمة ذلك القرار الذي اتخذوه".
كذلك أثنى بشارة على رفض الزعماء في مقرراتهم لخطاب إسرائيل حول "الدفاع عن النفس" ورفضهم إدانة حركة حماس.
أما خطاب الرئيس محمود عباس في القمة، فكان مخيباً للآمال على حد وصف بشارة، الذي استدرك بالقول: "ربما هذا هو محمود عباس ويصعب أن يتغير الآن على الأرجح".
تأييد أميركي مستمر
وبخصوص الموقف الأميركي، أكّد بشارة أن الأميركيين لا يزالون يؤيدون إسرائيل ويشتركون معها في أهدافها من الحرب، أي القضاء على حكم حركة حماس وقدرتها العسكرية.
ووافق بشارة على أن الإدارة الأميركية باتت تواجه مشكلات داخلية وارتفاعاً في الأصوات الرافضة للموقف الرسمي داخل التيار اليساري للحزب الديمقراطي وفي أوساط يهود أميركا "وهذا أمر مهم" بتقدير الدكتور بشارة الذي يفترض أن هؤلاء أثروا بالفعل على الإدارة في الخطاب العلني، وأصبح نتنياهو مضطراً للرد على استفسارات أميركية عن حدود الحرب والخطط المستقبلية.
لكن بتقدير بشارة، الضغط الأميركي الرسمي لا يزال غير حقيقي ويتعلق بـ"إسداء النصح" وهذا ليس ضغطاً يتحقق "عندما يطرأ موقف عربي مؤثر على أميركا فعلاً، يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل وبالتنسيق الأمني وغيرها، وهذا لم يحصل بعد".
وأوضح بشارة أن استمرار التظاهر ضد العدوان الإسرائيلي في أميركا هو الأهم وهو ما يمكن أن يؤثر في الموقف الأميركي الرسمي لأسباب انتخابية، "ويبدو أن بايدن بدأ يدرك ذلك، لكن للرجل قناعات إيديولوجية من إسرائيل ومن الصهيونية".
ورجّح بشارة أن تكون "الفرصة أمام إسرائيل لتنفيذ المهمة لا تتجاوز الشهر". وفي سياق موازٍ، لفت إلى أن الرئيس الفرنسي حاول التمايز قليلاً أخيراً عندما أيّد وقفاً لإطلاق النار، "فأجابه المستشار الألماني أولاف شولتز مباشرة برفض وقف إسرائيل حربها لكي لا يُفهم أن كلام ماكرون يعبّر عن موقف الاتحاد الأوروبي، لكن في المجمل لا تزال أميركا تفرض موقفها على أوروبا" على حد تعبير بشارة.
ولخًص مشكلة العرب مع أوروبا، بالإضافة إلى عقدة الذنب التاريخية الخاصة بالهولوكوست وتدفيعها العرب ثمن المحرقة، أنها "تعطي إسرائيل امتيازات وكأنها تكاد تكون دولة أوروبية، بينما نحن كفلسطينيين يكفينا أن تتوقف الامتيازات المعطاة لإسرائيل تجارياً وأكاديمياً واقتصادياً".