icon
التغطية الحية

ظاهرة تثير الجدل في مدارس سوريا.. هل يعمق "اللانش بوكس" التمييز بين الطلاب؟

2024.09.17 | 06:47 دمشق

5683
هناك آراء متباينة حول اللانش بوك، حيث يشعر بعض الأهالي بالضغط لتلبية متطلبات أطفالهم بسبب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي
إسطنبول - خالد حمزة
+A
حجم الخط
-A

ملخص:

  • ظاهرة "اللانش بوكس" في المدارس السورية: أصبحت علبة الطعام (اللانش بوكس) موضوعًا جدليًا في المدارس السورية، حيث يرى البعض أنها وسيلة عملية لتنظيم طعام الأطفال، بينما يرى آخرون أنها تعمق الفجوة الاجتماعية بين الطلاب، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.

  • الآراء المختلفة: هناك آراء متباينة حول هذه الظاهرة، حيث يشعر بعض الأهالي بالضغط لتلبية متطلبات أطفالهم بسبب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، بينما يشدد آخرون على ضرورة تقديم وجبات صحية دون التباهي.

  • التداعيات النفسية والاجتماعية: يرى بعض المرشدين التربويين أن هذه الظاهرة قد تؤدي إلى مشاعر التمييز والحرمان بين الطلاب، مما يؤثر سلبًا على نفسية الأطفال، في حين أن البعض الآخر يقترح تعزيز روح المشاركة والتضامن بين الطلاب لتخفيف هذا الأثر.


مع دقّ الجرس إيذانا ببدء الاستراحة الأولى، يفتح سامي حقيبته بعناية ليخرج منها صندوق طعامه المزيّن (اللانش بوكس)، ويبدأ فطوره بشغف؛ قضمة من شطيرة المرتديلا، يتبعها رشفة من علبة عصير الفواكه. معلمته التي كانت ما تزال تجمع أوراقها من على الطاولة، لم يكن ما لفت نظرها وجبة سامي المنظمة بدقة، بل كانت تلك النظرات الشاردة الآتية من زميله أحمد، الذي لم يكن يحمل معه سوى سندويشة بسيطة من الزيت والزعتر.

في السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة "اللانش بوكس" في المدارس السورية كموضوع جدلي يثير نقاشا واسعا بين الأهالي والمعلمين. فبينما يعتبرها البعض وسيلة عملية لتنظيم طعام الأطفال وضمان تغذيتهم الصحية، يرى آخرون أنها تعمق الفجوة الاجتماعية بين الطلاب، مما يخلق مشاعر التمييز والحرمان لدى الأطفال الذين لا تستطيع أسرهم تزويدهم بنفس مستوى الطعام. ومع تزايد الجدل حول هذه القضية، أصبح "اللانش بوكس" رمزا يعكس التحديات الاقتصادية والنفسية التي يواجهها المجتمع السوري في ظل الظروف المعيشية الصعبة.

ما هو اللانش بوكس؟

"اللانش بوكس" هو حاوية مخصصة لحفظ الطعام، تُستخدم لنقل الوجبات الجاهزة من المنزل إلى أماكن أخرى مثل المدارس أو العمل. تأتي بأشكال وأحجام مختلفة، وغالبا ما تكون مصممة للحفاظ على درجة حرارة الطعام، سواء باردة أو ساخنة، لضمان نضارة وسلامة الوجبة لفترة زمنية معينة. وعادة ما يكون مقسما إلى عدة أقسام تسمح بفصل الأطعمة المختلفة. يحتوي عادة على قسم رئيسي لوجبة مثل ساندويش أو طبق من الأرز مع الخضار والبروتين، وقسم جانبي لحفظ الخضراوات المقطعة أو الفواكه، وقسم صغير للأطعمة الخفيفة مثل المكسرات أو الجبن. وفي بعض الأحيان، يتضمن مساحة لحفظ المشروبات كالماء أو العصير.

"اللانش بوكس"، أو علبة الطعام على الرغم من أنها قد تبدو في ظاهرها ممارسة طبيعية من قبل الأهالي لإطعام أطفالهم، إلا أن اختلاف مستوى الوجبات التي يتم إحضارها هو ما يمكن أن يعزز بشكل صارخ الفجوة الاقتصادية بين الفئات المختلفة من المجتمع السوري. 

سابقا، كان الطلاب يحضرون إلى المدرسة ما يعرف بـ "اللفة" أو "العروسة" وهي رغيف من الخبز يحتوي على الجبن أو الزيت والزعتر، أو أي مكونات أخرى متوفرة في المنزل توضع في كيس بلاستيكي شفاف، وقد يحمل معه زجاجة بلاستيكية صغيرة للماء (قنينة)، وذلك الأمر كان يطبقه ذوي الطلاب مهما كانت إمكانياتهم المادية جيدة.

أما اليوم، تحوّل كثير من الأهالي إلى إعطاء أطفالهم مجموعة متنوعة الأصناف من الأطعمة توضع في "اللانش بوكس" وترفق بها أنواع من الحلويات والفواكه المجففة والمكسرات وأنواع من علب العصير الصغيرة.

ما رأي الأهل والمعلمين باللانش بوكس؟

مع بدء العام الدراسي الجديد، 2024 - 2025، أثار موضوع "اللانش بوكس" نقاشا واسعا في سوريا حيث عبر الكثير من المعلمين والأهالي عن استيائهم من هذه الظاهرة، مشيرين إلى أنها تسهم في تعميق الفجوة بين الطلاب وتخلق شعورا بالظلم بين الأطفال.

فادية، أم لطفلين في المرحلة الابتدائية، ترى أن حمل اللانش بوكس إلى المدرسة بحد ذاته ليس أمرًا خاطئا، فهو يحمي الوجبات من التلف خلال النقل ويحافظ على نظافة الكتب والدفاتر من السندويشات التي توضع عادة في أكياس بلاستيكية.

لكنها تعتقد في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن المشكلة تكمن في الإفراط بكميات الطعام التي يحملها الأطفال، معتبرة أن الأمر يتحول إلى نوع من "المظاهر والأوفرة"، وهو ما ترى أنه غير ضروري.

من جانبها، أشارت زهيرة، وهي أم لأربعة أطفال في مراحل تعليمية مختلفة، إلى أن ظاهرة اللانش بوكس انتشرت بشكل كبير في المدارس مؤخرا وأصبحت نوعا من الموضة.

وأكدت زهيرة لموقع تلفزيون سوريا أن أطفالها طلبوا الحصول على لانش بوكس لتقليد زملائهم، مشيرة إلى أن الدافع الأساسي كان الألوان والرسومات الجذابة وعدد الطبقات في العلب، وليس لأسباب عملية تتعلق بالطعام.

كما شددت على ضرورة أن يكون الطعام المخصص داخل اللانش بوكس صحيا ومغذيا، ومع ذلك، أشارت إلى أن اختيارات الطعام قد تتأثر بمطالب الطفل الذي يتأثر بما يراه من زملائه ومن المجتمع المحيط.

فيما يتعلق بالجوانب العملية، أوضحت زهيرة أن اللانش بوكس قد يكون مفيدا في حالة دوام الأطفال الطويل في المدرسة، إلا أن الأطفال غالبا لا يستطيعون تناول كميات كبيرة من الطعام خارج المنزل، وبالتالي يعتمدون بشكل رئيسي على وجباتهم في البيت.

من الناحية الاقتصادية، تعتقد زهيرة أن هناك جهات تجارية تستفيد من انتشار هذه الظاهرة من خلال ترويج منتجاتها التي تجذب الأطفال بأشكالها وألوانها.

وأكدت أن شراء مستلزمات اللانش بوكس يمكن أن يمثل عبئا ماليا على الأسر، خصوصا إذا خرجت عن حدود الميزانية المخصصة. وترى أن هذه الظاهرة قد تكون مجرد موضة ستختفي مع مرور الوقت، لكن "السوشال ميديا" تلعب دورا كبيرا في انتشارها.

وبمتابعة للتفاعل الذي شهدته مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا حول موضوع "اللانشبوكس". رصد موقع تلفزيون سوريا العديد من المنشورات والصفحات التي تناولت هذه القضية، ومن أبرزها منشور لاقى انتشارا واسعا، حيث حصد أكثر من 4 آلاف تعليق حول الموضوع. وتم تحليل الآراء المختلفة الواردة فيه لفهم العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تسهم في تشكيل هذا الجدل.

أحد أكثر التعليقات التي لاقت تفاعلا كان ما أشار إليه الدكتور هاشم دويدري بتعليقه على انتشار اللانش بوكس إذ لفت إلى حادثة حدثت في الثمانينات، حيث كانت الموزة نادرة ومكلفة، مما دفعه لمنع شقيقته الصغيرة من وضعها في حقيبة ابنها خوفاً من أن يُحرج الأطفال الذين لا يستطيعون الحصول عليها.

واعتبر الدكتور أن إعطاء الأطفال أطعمة فاخرة في المدارس يمكن أن يشكّل ضغطا نفسيا على زملائهم الذين لا يستطيعون تأمين نفس المستوى من الطعام. هذا الرأي دعمه العديد من الأهل والمعلمين الذين أشاروا إلى ضرورة مراعاة مشاعر الطلاب الأقل "حظا".

بدورها، دعمت حنان جزماتي هذه النقطة بوضوح قائلة: "عندك حق، يجب مراعاة شعور التلاميذ". وأضافت راما محمد: "كل أم بترتب اللانش بوكس بطريقة خيالية تتذكر أن هناك أطفالا محرومين".

وهناك فئة من الأهالي، خاصة أولئك الذين يعانون من صعوبات مادية، يشعرون بالضغط الكبير لتلبية متطلبات أطفالهم في المدرسة. إحدى الأمهات كانت صريحة في مشاعرها قائلة: "مجرد قراءة البوست أشعرتني بالانزعاج؛ لأنني أتخيل الأطفال الذين قد يشعرون بالحسرة". 

أحمد حداد، من جانبه، دعا إلى الرحمة والتعاطف مع الطلاب الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف "اللّانش بوكس"، مشيرا إلى أن "النظر لمن لا قدرة له على تزويد ابنه بما يقدر عليه غيره، نوع من أنواع الرحمة".

يجتمع العديد من الأهل على فكرة أن "اللّانش بوكس" يمكن أن يسبب شعورا بالظلم والتهميش لدى الطلاب الذين لا يمكنهم الحصول على نفس المستوى من الطعام.

عدد من الآراء عبرت عن قلقها من أن هذا التركيز على "اللّانش بوكس" يؤثر سلبا على قيم التواضع والبساطة التي اعتاد عليها الأجيال السابقة. مثل "ثناء ربيع" التي انتقدت هذه الظاهرة قائلة: "جيلنا كان يحمل سندويشة الزعتر، ولم نكن نحتاج إلى مثل هذه المظاهر".

وأشارت ربيع إلى أن جيل اليوم أصبح أكثر اهتماما بالمظاهر والتباهي بالأطعمة الفاخرة بدلاً من التركيز على التعليم والتربية.

أما عبد الله أبو بكر سخر قائلاً: "سندويشة المكدوس خرّجت دكاترة ومهندسين!"، في إشارة إلى أن البساطة لم تمنع الجيل السابق من تحقيق النجاح في حياتهم الأكاديمية والمهنية.

رغم الانتقادات الموجهة للظاهرة، هناك من يرى أن "اللّانش بوكس" يمكن أن يكون وسيلة فعالة لضمان تغذية الأطفال بشكل صحي ومنظم. مثل لارا محمد التي بررت استخدامها له بقولها: "اللّانش بوكس يساعدني في اختيار الأطعمة الصحية لأولادي"، في محاولة منها لتجنب إغراء الأطفال بشراء الأطعمة الجاهزة أو الضارة من السوق.

في السياق ذاته، ترى بعض الأمهات أن تقديم الأطعمة الصحية في "اللّانش بوكس" لا يعني التباهي، بل هو ضرورة لضمان صحة الأطفال خلال اليوم الدراسي. ومع ذلك، شددت على أهمية عدم المبالغة في تحضير الأطعمة الفاخرة، مؤكدةً أن الاعتدال هو الحل الأفضل.

من الأفكار التي طرحتها بعض الأمهات لتخفيف أثر الفجوة الاجتماعية بين الطلاب هي فكرة تشجيع الأطفال على المشاركة مع زملائهم. إحدى الأمهات على سبيل المثال، قالت إنها تعلّم ابنتها مشاركة ما في "اللّانش بوكس" مع زميلاتها، وأضافت أن هذا السلوك يساعد على تعزيز روح التضامن بين الأطفال.

وأيضا "مايا غانم" دعمت هذه الفكرة قائلة: "إذا كل أم مقتدرة تغرس بابنها فكرة مشاركة محتويات اللّانش بوكس مع رفقائه، سيكون هذا شيئاً رائعاً".

اقترح بعض الأهل والمعلمين أن يتم اتخاذ إجراءات تنظيمية لتوحيد معايير الأطعمة المسموح بإحضارها إلى المدرسة. محمد المحمد دعا إلى حظر استخدام "اللّانش بوكس" تماما، والاستعاضة عنه بالسندويشات فقط، قائلاً: "يجب على إدارة المدرسة أن تمنع اللّانش بوكس احتراما لمشاعر الطلاب الفقراء".

ما رأي المرشدين التربويين؟

حاور موقع تلفزيون سوريا عددا من المرشدين التربويين وصرّح كثير منهم على أن ظاهرة اصطحاب "اللانش بوكس" يمكن أن تؤدي  إلى آثار نفسية سلبية على الأطفال الذين لا يستطيعون إحضار وجبات مماثلة، فقد يشعر العديد من الطلاب بالحرمان أو بالنقص مقارنة بزملائهم "الأكثر حظا".

من جانبها، ترى الاختصاصية التربوية ندى حوا أن لهذه الظاهرة آثاراً سلبية وأخرى إيجابية. فعلى الجانب السلبي، يشعر بعض الأطفال بالحرمان والنقص عندما لا يتمكنون من إحضار نفس مستوى الطعام الذي يأتي به زملاؤهم في صناديق الطعام، مثل الفواكه والخضار والحلويات والشوكولا.. هذا الشعور يمكن أن يخلق لديهم حالة من العصبية والإحباط. وقد يتطور هذا الشعور إلى عدائية تجاه زملائهم أو حتى محاولة التحايل للحصول على الطعام منهم. يمكن أن يؤدي هذا أيضا إلى عدم الرضا عن أسرهم، حيث يشعرون بالتذمر والإحباط لعدم قدرتهم على تأمين نفس مستوى الطعام.

من الجانب الإيجابي، لفتت حوا في تصريحات لموقع تلفزيون سوريا إلى أن بعض الأطفال قد يتشاركون الطعام فيما بينهم، مما يعزز روح الأخوة والتعاون. إلا أن هذا الشعور بالتعاون قد لا يستمر على المدى الطويل، حيث يعود الأطفال في النهاية إلى الشعور بالتفاوت والفرق بينهم وبين الآخرين.

دور المدارس والمعلمين

أشارت حوا إلى أن بعض المدارس الخاصة تحدد وجبات طعام يومية لجميع الطلاب، وهي فكرة ناجحة تحد من الفجوة بين الطلاب. ولكن هذا الحل ليس مناسبا للجميع، خاصةً للأطفال الذين لديهم احتياجات غذائية خاصة بسبب أمراض أو حساسية.

توصي الاختصاصية التربوية أيضا بنشر التوعية بين الأهل والمدارس بأهمية عدم التباهي بالمحتويات الغذائية في صناديق الطعام، والتركيز بدلاً من ذلك على تقديم وجبات صحية وغير مبالغ فيها. كما تشير إلى أهمية دور المعلمين في توجيه الأهالي ليكون الطعام بسيطا ولا يجذب شهية باقي الأطفال.