تشهد محافظة حمص، وخاصة المناطق التي كانت معقلاً للحراك الثوري المناهض للنظام السوري، تدهوراً حاداً في قطاع التعليم، وسط العديد من التحديات والصعوبات التي تفاقمت مع مرور الوقت.
وباتت هذه التحديات أكثر وضوحاً مع دخول العام الدراسي الجديد، إذ يعاني الأهالي من ضغوط اقتصادية كبيرة تعيق قدرتهم على تلبية احتياجات أطفالهم الأساسية من ملابس مدرسية وقرطاسية وغيرها.
وتُعَدُّ الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها معظم سكان حمص إحدى العقبات الأساسية التي تواجه التعليم، فمع غلاء المعيشة وارتفاع أسعار المستلزمات الدراسية، يجد الأهالي أنفسهم عاجزين عن توفير ما يلزم لأطفالهم، وبات تأمين الملابس المدرسية والكتب والقرطاسية عبئاً كبيراً على العائلات، خاصة مع تدهور دخلها وضعف قدرتها الشرائية.
من ناحية أخرى، يعاني قطاع التعليم في حمص من دمار هائل أصاب العديد من المدارس، نتيجة للقصف السابق من قبل قوات النظام وروسيا، ورغم مضي عدة سنوات على فرض السيطرة على هذه المحافظة، فإن معظم المدارس المتضررة لم تُرمَّم بشكل كامل.
وانعكس هذا النقص في المرافق المدرسية الصالحة للاستخدام سلباً على جودة التعليم، إذ تكتظ الشعب الصفية بالطلاب في المباني القليلة التي ما زالت قادرة على استيعابهم، ما يؤثر على العملية التعليمية.
ويزيد نقص الكوادر التدريسية من حدة هذه الأزمة، إذ فضّل العديد من المعلمين الانتقال إلى المدارس الخاصة حيث تتوفر رواتب أعلى نسبياً، كما لجأ آخرون إلى الاستقالة من التعليم بشكل نهائي، وتوجهوا إلى مهن أخرى لتأمين احتياجات أسرهم، فضلاً عن هجرة وتهجير آلاف منهم خلال السنوات الماضية.
ورغم هذه الظروف، يبدو واضحاً إهمال النظام السوري لقطاع التعليم في حمص، حيث لم تُقدَّم أي خطط حقيقية لدعم الكوادر التدريسية وتحسين أوضاعها، أو لترميم المدارس المتضررة باستثناء ما تقوم به الأمم المتحدة، وبدلاً من توفير البيئة التعليمية الملائمة للأطفال والشباب، تُركت المدارس الحكومية تعاني من نقص التمويل والدعم، الأمر الذي زاد من الأعباء على الأهالي.
وفي ظل هذا الواقع، تتضاءل فرص التعليم الجيد أمام الأطفال خاصة في المناطق التي شهدت حراكاً ثورياً ضد النظام في حمص، ومع استمرار تجاهل النظام لهذه المشكلات، تتفاقم التحديات التي تواجه هذا القطاع، مما يضع مستقبل جيل بكامله على المحك.
عائلات تضحي بالأساسيات لتأمين مستلزمات الدراسة
تواجه العائلات في ريف حمص الشمالي معاناة متجددة مع كل عام دراسي جديد، حيث يتعين عليها توفير مستلزمات الدراسة لأبنائها في ظل ظروف اقتصادية صعبة، تتسم بارتفاع الأسعار وانخفاض الدخل.
وفي حين يعاني الأهالي من تدني الرواتب التي لا تكفي لسد احتياجاتهم الأساسية، يضطرون إلى التضحية بكثير من الضروريات لتأمين المستلزمات المدرسية.
ويقول أحمد حسن، وهو رب أسرة في ريف حمص الشمالي، إنه مع كل عام دراسي جديد يبدأ، تبدأ معه معاناة الأهالي في تأمين متطلبات أبنائهم الدراسية، لا سيما في ظل ارتفاع الأسعار بشكل كبير وانخفاض الرواتب وعدم كفايتها لسد رمق العائلة، وأكد أن عائلته باتت تضطر للتضحية بكثير من الأساسيات لتوفير القرطاسية والكتب اللازمة للدراسة.
وأعرب حسن في حديثه لموقع تلفزيون سوريا عن استيائه لأن الدعم الذي تقدمه حكومة النظام لا يرقى للمستوى المطلوب، قائلاً: "الكتب المدرسية قديمة ومتهالكة، والمباني المدرسية في حالة يرثى لها، لا يوجد اهتمام حقيقي بمستقبل أبنائنا".
كما أكد أن الشعب الصفية في مدارس المنطقة التي يقيم فيها مكتظة بشكل لا يُصدّق، حيث يجلس العديد من الطلاب على مقاعد مكسورة، مشيراً إلى أن المعلمين غالباً ما يغيبون عن المدرسة بسبب ضعف الرواتب وظروف العمل السيئة، مما يؤثر سلباً على تعليم الأطفال.
وأضاف: "تحدثت مراراً مع المسؤولين في إدارة المدرسة، لكن دائماً تُقابل شكاوانا بالوعود الفارغة أو التجاهل، ويبدو أن لا أحد يأبه لما نمر به من صعوبات أو يشعر بأهمية التعليم كما ينبغي".
وأقر حسن بأنه بات يخشى على مستقبل أبنائه في سوريا، بعد أن فُقد الاهتمام بالتعليم، مؤكداً أنه في ظل عدم قدرته على تسجيل أطفاله في مدارس خاصة بسبب ارتفاع التكاليف، فإنه يفكر جدياً ببيع ممتلكاته والهجرة إلى أي دولة يمكن أن تضمن لهم تعليماً يساعدهم على بناء مستقبل أفضل.
المعلمون في حمص بين التمييز والإهمال
يخوض بعض المعلمين من أبناء حمص صراعاً خفياً مع مديرية التربية التي تحاول عقابهم بفرض ظروف وظيفية صعبة عليهم لمجرد انتمائهم إلى عوائل أو مناطق شاركت في الحراك الثوري ضد النظام، وعلى الرغم من أن عدد المعلمين الذين لم تشملهم قرارات الفصل الانتقامية محدوداً، فإن التمييز ما زال يمارس عليهم.
وتقول المعلمة رهف إنها تواجه تحديات باتت جزءاً أساسياً من حياتها اليومية، تبدأ من تأمين المواصلات للانتقال من مكان إقامتها في مدينة حمص إلى مكان عملها في إحدى مدارس منطقة الحولة بالريف الشمالي الغربي، إضافة إلى اكتظاظ القاعات، وعدم قدرتها في بعض الأحيان على السيطرة على الطلاب الذين يتجاوز عددهم الأربعين طالباً، إضافة إلى صعوبة تحضير الدروس في المنزل بسبب انقطاع الكهرباء.
وبحسب المعلمة التي تحدثت لموقع تلفزيون سوريا شريطة عدم كشف هويتها، فإنه يبرز تحدٍ آخر لا يقل وطأة عن سابقيه، ألا وهو التجاهل الممنهج للمعلمين من مديرية التربية في حكومة النظام، والتمييز بينهم على أساس مناطقي وطائفي، إذ تقوم بتعيين بعض المعلمين في مدارس قريبة من أماكن سكنهم، في حين يتم إرسال آخرين إلى مناطق بعيدة من دون الأخذ بعين الاعتبار تقدمهم في السن وسنوات الخدمة.
وأضافت: "بصفتي معلمة خبرت مرارة هذه السياسات، أشعر بثقل الإهمال والتمييز الذي يتعرض له المعلمون، خاصةً الذين كان لهم أو لأحد من أفراد أسرتهم موقف معارض للنظام خلال السنوات الأخيرة".
وأشارت إلى أن الرواتب التي يتقاضاها المعلمون لا تكفي لتغطية أبسط متطلبات الحياة، مما يضطر الكثيرين منهم للبحث عن أعمال أخرى لتأمين لقمة العيش، معتبرة أن "الأدهى من ذلك، هو تعمد إهمال مطالبنا وشكاوانا التي نرفعها باستمرار للجهات المعنية، خاصة فيما يتعلق ببُعد المدارس عن مكان الإقامة، دون أي استجابة تُذكر".
وترى رهف أن السياسات الحالية "تبدو كأنها متعمدة لتجهيل جيل بكامله، من خلال حرمانه من تعليم جيد ومن معلمين متحفزين وقادرين على العطاء"، وأضافت أن المعلمين الذين يبنون الأجيال، باتوا يجدون أنفسهم محرومين من حقوقهم الأساسية ومن فرص التطوير، مما يؤثر سلباً على قدرتهم على تقديم التعليم الفعال للطلاب.
وشددت على أن "التمييز الذي نتعرض له بسبب مواقفنا السياسية السابقة يزيد من صعوبة الوضع، فكثير من المعلمين الذين يشتبه بأنه كان لهم دورٌ في الحراك المعارض للنظام، يجدون أنفسهم الآن تحت مراقبة مستمرة وضغط كبير، مما يحد من قدرتهم على التعبير عن أنفسهم أو حتى المطالبة بحقوقهم".
وأكدت أن إهمال المعلمين وتجاهل حقوقهم ليس فقط ظلماً لهم، بل هو تقصير في حق جيل بكامله، إذ من الصعب على المعلم أو المعلمة تقديم أفضل ما لديه للطلاب في ظل الظروف الاقتصادية والنفسية الصعبة التي يواجهها.
وضربت مثالاً على ذلك، حيث قالت إنها تخرج من المنزل في السادسة صباحاً وتخوض صراعاً من أجل تأمين مقعد في وسيلة نقل عامة للوصول إلى المدرسة البعيدة نحو 35 كيلومتراً، وتضطر إلى المغادرة قبل انتهاء الدوام الرسمي خشية توقف المواصلات، ورغم ذلك تجد نفسها مع نهاية الشهر قد دفعت غالبية الراتب كأجور مواصلات.
وفي ظل هذه الظروف القاسية، يمكن القول إن النظام يلعب دوراً جوهرياً في الأزمة التعليمية الراهنة في حمص، إذ إن التدهور الحاد في قطاع التعليم هو نتيجة مباشرة لسياسات الإهمال والتقصير المتعمد من قبل "الحكومة"، التي فشلت في تحمل مسؤولياتها تجاه المواطنين.
كما أن الإهمال ليس فقط في ترميم المدارس المدمرة أو في توفير الموارد الكافية، بل يمتد إلى عدم دعم المعلمين وتحسين ظروفهم المعيشية والوظيفية، مما ينعكس سلباً على العملية التعليمية برمتها.
ويُعَدُّ تجاهل النظام لمشكلات التعليم واستمراره في تجاهل الدعوات المحلية والدولية لتحسين الوضع العام في سوريا تقصيراً يهدد مستقبل البلاد، ومن دون تغيير جذري في مقاربة النظام للقضايا السياسية والأمنية والاقتصادية، ستستمر الأجيال القادمة في مواجهة عقبات تعيق تطورها وتقدمها.