تعيش محافظة درعا في جنوبي سوريا، منذ سنوات، واقعاً معقداً من الصراعات على النفوذ بين مختلف الأجهزة الأمنية والعسكرية في المحافظة والتي بات يتداخل فيها النفوذ العسكري مع المصالح الاقتصادية.
في قلب هذه الصراعات باتت تنقسم درعا إلى مناطق سيطرة مختلفة، أبرزها المناطق الواقعة شرق وغرب الأوتوستراد الدولي، الذي يمثل خطاً فاصلاً بين نفوذ فرعي الأمن العسكري والمخابرات الجوية
صراع النفوذ بين الأمن العسكري والمخابرات الجوية
تشهد درعا حالة من الانقسام الجغرافي والنفوذ العسكري، حيث يسيطر فرع الأمن العسكري بقيادة العميد لؤي العلي على المناطق الواقعة شرقي الأوتوستراد الدولي، في حين تسيطر المخابرات الجوية على المناطق الواقعة غربي الأوتوستراد. هذا الانقسام ليس فقط جغرافياً، بل هو أيضاً انعكاس لصراع قوى مستمر بين هاتين الجهتين.
من جهة، يسعى العميد لؤي العلي إلى تعزيز نفوذ فرع الأمن العسكري في درعا، ومحاولة تحجيم دور المخابرات الجوية في المناطق الحيوية القريبة من الأوتوستراد.
مساعي العلي في تحجيم الجوية المحسوبة على إيران في المنطقة، تأتي في سياق محاولاته لكسب الرأي الدولي لصالحه، حيث يسعى إلى تصدير نفسه كلاعب رئيسي في محاربة التوسع الإيراني في المنطقة الجنوبية من سوريا.
تحركات العلي تتماشى مع جهود أوسع من قبل النظام السوري لإظهار نوع من الاستقلالية عن النفوذ الإيراني المتزايد في البلاد، وذلك بهدف الحفاظ على توازن القوى في المنطقة وكسب دعم دولي يُمكّن النظام من الاستمرار في السلطة، واستخدام ملف النفوذ الإيراني كورقة رابحة لتحسين صورته على الساحة الدولية.
ومن جهة أخرى، تسعى المخابرات الجوية إلى الحفاظ على نفوذها في هذه المناطق، وذلك من خلال تكثيف وجودها العسكري من خلال محاولة إنشاء حواجز ونقاط عسكرية قريبة من مدينة داعل، والقيام بعمليات متكررة لفرض إتاوات على المزارعين ومصادرة المعدات الزراعية، كوسيلة لضمان تدفق العوائد المالية التي تمثل جزءاً مهماً من استراتيجية السيطرة على المنطقة.
إلى جانب احتكار طرقات بهدف تهريب المخدرات التي تعود بعوائد مالية ضخمة سواء للمخابرات الجوية والأمن العسكري، وهذا يمثل جزءاً مهماً من محاولة بسط النفوذ والسيطرة على المناطق في محافظة درعا.
دوريات المخابرات الجوية وفرض الإتاوات
وشهدت مدينة داعل يوم أمس الإثنين 25 من آب، تصاعداً في التوترات بين مجموعة محلية ودورية تابعة للمخابرات الجوية خرجت من مجمع الغزالي بالقرب من بلدة قرفا، متوجهة إلى المنطقة الواصلة بين بلدة إبطع ومدينة داعل، تهدف إلى مصادرة حفارات آبار مياه من أصحابها المزارعين بسبب عدم دفعهم إتاوات مالية تصل إلى 5000 دولار أميركي مقابل حفر البئر الواحد.
وأفاد موقع "تجمع أحرار حوران" المحلي بحدوث اشتباكات عنيفة بين مجموعة محلية ودورية المخابرات الجوية في محيط مدينة داعل، أسفرت تلك الاشتباكات عن مقتل عنصر من المخابرات الجوية يدعى فادي العلي، وهو من منطقة العلا في ريف حماه، كما أصيب ثلاثة عناصر آخرين بجروح متفاوتة تم نقلهم إلى مشفى الصنمين العسكري.
وأدت المواجهات أيضاً إلى عطب سيارتين عسكريتين واستيلاء المجموعة المحلية على مضاد "دوشكا" كان مثبتاً على إحدى السيارتين، الأمر الذي زاد من حدة التوترات في المنطقة، بحسب التجمع.
وفي ذات السياق، استهدفت الكتيبة المهجورة المتمركزة شرقي بلدة إبطع، منازل المدنيين بعربات الشيلكا ما أسفر عن تسجيل 3 إصابات في صفوف المدنيين بينهم سيدة وطفل، واحتراق العديد من المنازل، وتسجيل أضرار مادية كبيرة في ممتلكات المدنيين.
هذه العمليات ليست بالجديدة، إذ تعمد المخابرات الجوية منذ فترة إلى استغلال الوضع الاقتصادي الصعب الذي يعيشه المزارعون في درعا لفرض سيطرتها عليهم وضمان حصول ضباط النظام على عوائد مالية.
وبالرغم من التوترات القائمة بين المزارعين وعناصر المخابرات الجوية، إلا أن هذه العمليات مستمرة، الأمر الذي يفاقم الوضع المتوتر في درعا.
وقال مصدر محلي لموقع تلفزيون سوريا إن ضباط النظام السوري طالبوا عبر اللواء الثامن واللجان المركزية وشخصيات مقربة من النظام في مدينة داعل، بتسليم السلاح الذي استولت عليه مجموعة محلية في المدينة بعد اشتباكها مع دورية المخابرات الجوية يوم أمس.
وتأتي هذه المطالب في ظل تصاعد التوترات بين القوى الأمنية والمجموعات المحلية في درعا، حيث يسعى النظام إلى فرض سيطرته من خلال التهديدات التي يطلقها باقتحام المناطق وقصفها كما حصل مؤخراً في بلدة محجة، وذلك لضمان استمرارية نفوذه في المنطقة التي تشهد اضطرابات متزايدة.
الأمن العسكري يهدد باقتحام محجة
وهدد العميد لؤي العلي، قبل أسبوع، باقتحام وقصف بلدة محجة شمالي درعا، مانحاً المجموعات المحلية هناك مهلة لتسليم أنفسهم وأسلحتهم، بما في ذلك مجموعة اللجان الشعبية المدعومة من فرع الأمن العسكري نفسه، هذا التهديد قوبل بالرفض من قبل المجموعة المحلية في البلدة، التي رفضت الاستسلام رغم الضغوط المتزايدة.
وفي محاولة لتجنب المواجهة المباشرة، طالبت المجموعة المحلية ومجموعة اللجان الشعبية بأن يتولى اللواء الثامن حل الخلافات بين أبناء البلدة، ومع ذلك، قوبل هذا الطلب برفض قاطع من فرع الأمن العسكري وقيادة النظام، اللذين ضغطا على اللواء الثامن لعدم التدخل في حل الأوضاع في محجة.
ويعكس رفض قيادة النظام بتدخل اللواء الثامن تصميم النظام على فرض سيطرته المباشرة دون وساطات خارجية، مما يزيد من تعقيد الوضع الأمني في بلدة محجة ويثير المخاوف من تصاعد العنف في المنطقة.
محاولات لؤي العلي لتوسيع نفوذ الأمن العسكري
قيادي سابق في فصائل المعارضة بدرعا، قال لموقع تلفزيون سوريا إن لؤي العلي يسعى إلى استغلال هذه التوترات لتعزيز نفوذ الأمن العسكري على حساب المخابرات الجوية، فبالإضافة إلى عمله على تحجيم دور المخابرات الجوية في المناطق القريبة من الأوتوستراد، يحاول العلي أن تكون عوائد الإتاوات من المزارعين لصالح فرع الأمن العسكري فقط.
وأضاف القيادي أن العلي يعمد إلى تقديم وعود للمزارعين بتخفيف الأعباء المالية المفروضة عليهم من قبل المخابرات الجوية، هذه الوعود تهدف إلى كسب تأييد السكان المحليين وتوسيع قاعدة النفوذ العسكري في هذه المناطق الحيوية.
في خضم التوترات المستمرة بين الأمن العسكري والمخابرات الجوية في درعا، لجأ العميد لؤي العلي إلى استراتيجية جديدة لتعزيز نفوذ فرعه، إذ عمل خلال السنوات الماضية على تجنيد مجموعات محلية تعمل تحت إمرته، مكلفاً إياها بمهمة تصفية المجموعات التي تنشأ وتعمل لصالح المخابرات الجوية، وفقاً للمصدر ذاته.
هذه التحركات تأتي في إطار محاولات "العلي" المتواصلة لتحجيم دور المخابرات الجوية وتقليص نفوذها خاصة ضمن المناطق المحيطة بالأوتوستراد الدولي دمشق - درعا.
وفي هذا السياق، يحاول العلي تعزيز موقعه داخل هرم النظام السوري من خلال استهداف مجموعات تابعة للمخابرات الجوية مرتبطة بإيران، مما يفتح الباب أمام تحالفات جديدة قد تساعد النظام على البقاء في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية.
التداعيات على الوضع الأمني في درعا
لا يقتصر الصراع المستمر بين الأمن العسكري والمخابرات الجوية على المناطق الواقعة شرق وغرب الأوتوستراد، بل يمتد تأثيره إلى الوضع الأمني العام في محافظة درعا، فالتنافس بين هاتين الجهتين يعزز من حالة الفوضى ويزيد من تعقيد الأوضاع الأمنية، الأمر الذي ينعكس سلباً على حياة الأهالي في المحافظة.
إذ إن تجنيد المجموعات المحلية يشير إلى تصاعد حدة الصراع الداخلي بين الأجهزة الأمنية السورية، حيث يسعى كل طرف إلى تعزيز قبضته على المنطقة وتأمين تدفق العوائد المالية لصالحه، ويرى مراقبون أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى مزيد من التعقيد في المشهد الأمني، مع احتمالية تصاعد الاشتباكات بين المجموعات المتنافسة وزيادة المعاناة بين أهالي المنطقة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة جراء سنوات الحرب.
ويعد الصراع بين فرع الأمن العسكري بقيادة لؤي العلي والمخابرات الجوية في محافظة درعا جزءاً من مشهد أوسع للصراعات الداخلية في سوريا، بينما يسعى كل طرف إلى تعزيز نفوذه والسيطرة على الموارد الاقتصادية، يبقى السكان المحليون هم الضحية الأكبر لهذا الصراع، في ظل غياب أي حل سياسي يظل مستقبل درعا محاطاً بالغموض، مع احتمالية استمرار التصعيد وتفاقم الأوضاع الأمنية بشكل أكبر.