بعد مرور نحو 4 أيام على اندلاع الاشتباكات بين أبناء عشائر محافظة دير الزور و"قوات سوريا الديمقراطية/ قسد"، وبعد مناشدتها من قبل شيوخ ووجهاء العشائر لوقف حملة "قسد" العسكرية ودعم تشكيل "إدارة مدنية" جديدة في دير الزور؛ خرجت أخيراً قوات التحالف الدولي ببيان أعلنت فيه استمرار دعمها لـ "حليفتها" في المنطقة، بحجة القضاء على تنظيم "داعش".
البيان أكّد على "التزام" قوات التحالف بدعم "قوات سوريا الديمقراطية" بهدف تحقيق ما وصفه بـ "الهزيمة الدائمة لداعش، دعماً للأمن والاستقرار الإقليميين". واعتبر "الانحراف عن هذا العمل المهم سيؤدي إلى عدم الاستقرار، ويزيد من خطر عودة ظهور داعش"، داعياً "جميع الأطراف" إلى إنهاء العنف في شمال شرقي سوريا.
بعدها بساعات قليلة، أصدرت الخارجية الأميركية بياناً هي الأخرى عبّرت فيه عن "قلقها العميق إزاء أعمال العنف الأخيرة بما في ذلك الخسائر في الأرواح في دير الزور". وشددت هي الأخرى على "ضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم داعش من خلال الشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية".
يتضح جلياً أن ردّ الخارجية الأميركية وقوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا، اقتصر على البيانات "الدبلوماسية" التي أكّدت بدورها على استمرار "الشراكة" مع حليفتها "قسد" بهدف إلحاق الهزيمة بـ "تنظيم الدولة"، بدون أي إشارة توحي إلى تقديم الدعم لشريكتها في حربها الأخيرة على العشائر، وذلك على الرغم من التقدم "العسكري" الكبير الذي تواصل إحرازه قوات العشائر عبر فرض سيطرتها على العديد من بلدات وقرى ريف دير الزور، وإخراجها "قوات سوريا الديمقراطية" منها وإغلاق مكاتب إدارتها "الذاتية".
"اختبار أميركي لقسد"
"لم يتدخل التحالف الدولي عسكرياً إلى جانب حليفته حتى اللحظة، علماً بأن أكثر المناطق قد تم انتزاعها من سيطرة (قسد) ولم يتبقّ سوى مراكز (قرى وبلدات) قليلة"، بحسب عبد العزيز الحمادة، شيخ عشيرة "البكيّر" بدير الزور.
ويرجّح الشيخ الحمادة في حديث خاص لـ موقع تلفزيون سوريا، أن تكون قوات التحالف "راضية نسبياً بالتطورات الأخيرة وتقدّم العشائر في المنطقة، وذلك لاختبار قسد وإهانتها"، على حد وصفه.
ويردف: "هذا لا يعني بأن قوات التحالف لم تشأ التدخل، ولكن قد تكون مناشدتنا لها في إعطاء فرصة إدارة المنطقة من قبل أبنائها قد أتت بنتيجة".
شرارة الاشتباكات بين العشائر وقسد
بدأت قصة الاشتباكات بين الطرفين قبل نحو أسبوع، وذلك على خلفية اعتقال "قسد" قائد مجلس دير الزور العسكري التابع لها، أحمد الخبيل (أبو خولة) مع عدد من القادة، ومحاصرة مقار المجلس في كل من الحسكة ودير الزور.
وأفاد مصدر من المجلس لـ موقع تلفزيون سوريا، بأن عملية اعتقال (أبو خولة) قد جرت بعد دعوته واستدراجه إلى اجتماع في مقر مظلوم عبدي بـ "استراحة الوزير" في الحسكة، حيث انقطع الاتصال معه منذ ذلك الحين.
وبحسب المصدر، فقد جاءت الدعوة بعد يوم من اجتماع عُقد بين "قسد" و(أبو خولة) توصّلا فيه إلى تسوية تقضي بإنهاء التوتر في دير الزور، سبقه لقاء جمع الطرفان تحت إشراف القوات الأميركية. وأضاف المصدر أنّه بعد انقطاع الاتصال بــ (أبو خولة)، دهمت "قسد" مساء الأحد مواقع ومنازل لـ قادة مجلس دير الزور العسكري في أحياء "العزيزة وخشمان والنشوة" بمدينة الحسكة، كما دهمت منازل أفراد من عائلة (أبو خولة)، لتعتقل أكثر من 20 قيادياً في المجلس وأفراداً من عائلاتهم، بالتزامن مع فرض حظر تجوّل في المدينة.
أثار نبأ احتجاز (أبو خولة) وقياديي المجلس، مشاعر الغضب لدى أبناء العشائر المنتشرين بريفي دير الزور الشرقي والشمالي، معتبرين أن الهدف من العملية هو إهانة المكون "العشائري/ العربي" ابن المنطقة، وإضعاف دوره، سياسياً وعسكرياً، تمهيداً لإحكام القبضة عليه من قبل "قسد" (ذات الأكثرية الكردية).
"خطة معدّة سلفاً"
يؤكّد الحمادة، وهو شيخ العشيرة التي ينحدر منها (أبو خولة)، على أن خطة اعتقال الأخير مع قادة المجلس، كانت "معدّة مسبقاً"، وبأن قرار القبض عليه كان صادراً قبل مدة وجيزة "بسبب الخلافات التي حدثت بين الخبيل وقيادات قسد حول كثير من الأمور، يأتي في مقدمتها الخلاف على المسائل المتعلقة بالنفط والمعابر، وبتهريبه باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري".
ويوضّح أن خلافات الخبيل مع قسد "أصبحت واضحة للعيان، فالخبيل يتصف بالجرأة والجسارة وهذا لا يليق لـ قسد. ومع بدء تمرّد الخبيل على مشغليه، قدحت الشرارة الأولى عندما تمت محاصرته من قبل قسد قبل نحو شهرين، ولكنه استطاع الهروب من أيديهم وأصبح يعد العدة لمقاتلتهم. إلا أن قسد استطاعت تهدئة الموقف إلى أن تمكنت من استدراجه واعتقاله مع كثير من قيادات المجلس العسكري، بالإضافة إلى إخوته ووالده وبعض النساء".
"القضية أبعد من حلّ مجلس دير الزور العسكري"
من جانبه، يكشف الإعلامي والمهتم بشؤون عشائر محافظة دير الزور، معاذ الناصر، أن احتجاز (أبو خولة) وحلّ مجلس دير الزور العسكري "لم يكن السبب الوحيد أو الرئيس للاقتتال بين الطرفين".
ويوضح الناصر في اتصال مع موقع تلفزيون سوريا، أن "القسم الأعظم من أبناء العشائر شعر بأن حملة قسد تهدف إلى تشديد إحكام القبضة على المنطقة ومقدراتها، وتحجيم نفوذ أهلها الذين ينتمون بغالبهم إلى نسق قرابي واحد، علاوة على التحشيد الافتراضي والواقعي الذي أخد منحى (صراع عربي- كردي) للأسف، وخاصة بعد أن أوغلت قسد في دماء المدنيين، ونفذت إعدامات ميدانية، أحدها بحق طفل في قرية ضمان".
ويرى أن الخطوة الأهم حالياً لتأمين استقرار المنطقة هو "توقف قسد عن الاقتحام، قبل أي دعوة للحوار، لأن الاستمرار في الاقتتال سيدخل المنطقة في دوامة عنف لا تنتهي، والجميع يدرك طبيعة المنطقة وتداخلاتها، إلا إذا كانت قسد تخطط فعلياً لإثارة الفوضى فيها".
قسد: الخبيل أعاد نشاط (داعش) ونسّق مع جهات خارجية
ردّاً على تحرك العشائر، أصدرت "قسد" بياناً رسمياً بررت فيه احتجازها لـ الخبيل. وقالت إنّ "مجلس دير الزور العسكري وبموافقة المجلس العسكري لـ قسد، قرّر عزل أحمد الخبيل من مهامه في قيادة مجلس دير الزور، بالإضافة إلى إنهاء مهام أربعة أشخاص ضمن المجلس، لعلاقتهم المباشرة بجرائم وتجاوزات ارتكبها (أبو خولة)".
وبحسب البيان، فإن اعتقال (أبو خولة) وعزله، كان بسبب "ارتكابه العديد من التجاوزات المتعلّقة بتواصله والتنسيق مع جهات خارجية معادية للثورة، وجرائم جنائية بحق الأهالي، والاتجار بالمخدرات، فضلاً عن سوء إدارته للوضع الأمني ودوره السلبي في زيادة نشاط خلايا تنظيم الدولة (داعش)، واستغلال منصبه في مصالحه الخاصة والعائلية بما يخالف النظام الداخلي لـ قسد".
عقب ذلك، عيّنت قسد "أبو الليث خشام" قائداً مؤقّتاً لـ"مجلس دير الزور العسكري"، ولكنّه تعرّض للإصابة خلال الاشتباكات التي اندلعت في بلدة العزبة، صباح الأربعاء الفائت.
"ثورة العشائر ضد قسد والخبيل"
وفي تعليقه على بيان "قسد"، يقول الحمادة إن "ثورة العشائر ضد قسد هي ثورة خلاص وليست من أجل إطلاق سراح الخبيل من السجن كما تسوّق بعض الأصوات المغرضة، وهذا كلام عار عن الصحة".
وأكد على أن غالبية أبناء عشائر دير الزور يرون بأن "قسد شريكة للخبيل، وقد ارتكبت جرائم عدة بحق العشائر، من قتل لأبنائهم وتشريد ونهب لثرواتهم... هي ثورة للخلاص من قسد لأن العشائر لا تسكت على ضيم"، وفق وصفه.
ويفيد بأن "بداية حراك العشائر كان من قبل بعض المرتزقة التابعين للخبيل، وخاصة في منطقة (العزبة) التي يكثر فيها أنصاره من (العنابزة- عشيرة البكيّر)، وكذلك في منطقة (الصور) التي تتبع لها قرية الخبيل (الربيضة)".
ويستطرد قائلاً: "لكن ما حدث هناك (في العزبة والصور) كان مفاجئاً، فأبناء العشائر في المنطقة، من قبيلة العقيدات، كانوا يمتلكون فرصة التخلص من قسد والخبيل بآن واحد، نتيجة الحراك العشائري الكبير هناك. قتال قسد أصبح واجباً للخلاص من جرائمها وجرائم الخبيل، حيث اذاقوا الناس الجوع والذل ونهبوا ثرواتهم".
من المستفيد؟
يكاد غالبية المتابعين لتطورات الأحداث بريف دير الزور، يجمعون على أن أكثر المستفيدين من فوضى الاقتتال هو النظام السوري بالدرجة الأولى. ويعتقد الناصر أن "الصراع الدائر لن يفيد أحد الطرفين على الأرض، وإنما سيصب في مصلحة النظام وحلفائه... قسد تتحمل كامل التبعات بسبب تعنتها والمضي بالحل العسكري وتجاوزها للزعامات التقليدية لعشائر المنطقة، في ظل غياب مقصود للتحالف".
ويؤكد حمادة ذلك الرأي بالقول إن أكثر المستفيدين من هذه الحرب هو نظام الأسد "الذي يشجّع دائماً اندلاع حروب في منطقة شرق الفرات، وخاصة في دير الزور التي تتركز فيها الثروات".
ويكشف شيخ عشيرة البكيّر عن علاقة تجمع بين الخبيل والنظام، فيقول: "لا بد من التنويه بأن الخبيل له علاقة مباشرة مع نظام الأسد، وهناك كثير من الاجتماعات التي عقدت معه في مدينة دير الزور، وذلك في مقر أمن الدولة"، مضيفاً أن "عراب اللقاءات هناك هو المستخدم عواد الحسون، قريب أبو خولة، وكان مرافقاً لدى (ذو الهمة شاليش)... ما عبرت عنه قسد بأن الخبيل على تواصل مع أطراف خارجية هو صحيح من حيث المبدأ، ولكنه حجة للقضاء عليه وإنهائه".
#عاجل | مقاتلو العشائر يشنون هجوما على مواقع قسد قرب قرية محسلي في ريف مدينة منبج#تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/muuiD8LbM2
— تلفزيون سوريا (@syr_television) September 1, 2023