مضى قرابة شهر على انطلاقة "اعتصام الكرامة" في ريف حلب الشمالي من قبل عدد من الناشطين والأكاديميين والمدنيين، وتحديداً في الأول من شهر تموز الجاري، بالتزامن مع الاحتجاجات التي شهدتها منطقة شمال غربي سوريا بسبب الأحداث العنصرية التي وقعت في ولاية قيصري وسط تركيا ضد اللاجئين السوريين.
ويعتقد مراقبون أن تلك الأحداث في قيصري كانت مجرد شرارة أشعلت فتيل الغضب بين السكان، انعكاساً لعدد من المشكلات المتراكمة والفشل الإداري وعدم إيجاد حلول منطقية للارتقاء بواقع المنطقة رغم المناشدات المتكررة.
وحدد القائمون على "اعتصام الكرامة" 6 مطالب، وهي كالآتي كما وردت في نص البيان الصادر عن الحراك: "فتح تحقيق قضائي بحوادث إطلاق النار على المتظاهرين ومحاسبة الفاعلين وتعويض ذوي الشهداء والجرحى والمتضررين (أحداث 1 تموز) - رفض خطوات التطبيع مع النظام المجرم ومنع فتح المعابر - نعتبر الجانب التركي حليفاً للشعب السوري على أن ينحصر وجوده في القواعد العسكرية وعدم التدخل والتحكم في إدارة المنطقة - وقف جميع الانتهاكات والممارسات التحريضية والعنصرية تجاه اللاجئين في تركيا ونطالب الحكومة التركية بتحمل مسؤولياتها تجاه اللاجئين وفقاً للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية ذات الصلة - إلغاء الائتلاف وجميع الهيئات والمؤسسات المنبثقة عنه من حكومة ولجنة دستورية وهيئة التفاوض".
وبدأ الاعتصام في مدينتي اعزاز وعفرين بريف حلب، ثم شهد مشاركة من عدة فعاليات ممثلة عن مناطق الباب ومارع ومنغ، وممثلين عن عشائر العجيل والعساسنة وآخرين، حيث يتجمع المعتصمون في أيام وساعات محددة في ساحتين داخل مدينتي اعزاز (ساحة فيوتشر) وعفرين (قرب دوار نيروز)، ويبدو أن الاعتصام آخذ في التوسع، بعد إعلان فعاليات في مدينة الباب تنظيم اعتصام هناك على خلفية اعتقال "الشرطة العسكرية" لاثنين شاركا في التظاهر بعد أحداث قيصري.
ما إنجازات الاعتصام؟
ذكر المنسق العام لـ "اعتصام الكرامة"، رشيد زعموط، أن "مستجدات اعتصام الكرامة تتمثل باتساع رقعة الاعتصام والحراك الشعبي، حيث انضمت كل من مدينتي الباب ومارع إلى الاعتصام وأعلنتا عن تجهيز الساحات للبدء بالاعتصام خلال هذا الأسبوع، ما يعني أن اعتصام الكرامة بمطالبه الستة قد لاقى قبولاً وتشجيعاً، ودعماً من الشعب السوري وهذا من أهم أهدافنا".
وعن إنجازات الاعتصام حتى الآن، قال زعموط في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إن من نتائج الاعتصام "تنظيم وتنسيق وإعلان الرفض الشعبي الكامل لأي خطوة تطبيعية مع نظام الإجرام الأسدي، وتحقيق إجماع جزئي في الشارع الثوري لضرورة فصل المسار السياسي التركي عن مسار الثورة السورية والفصل ما بين أهداف وتطلعات الإدارة التركية وبين أهداف وتطلعات الشعب السوري وثورته العظيمة".
ويضاف لذلك - حسب زعموط - تحقيق إجماع جزئي على "ضرورة رفع الوصاية التركية على إدارة المنطقة وإقناع الجميع أن الشعب السوري ليس شعباً قاصراً يحتاج إلى وصي، بل هو شعب واعٍ ومن أكثر الشعوب المبدعة، وهذا ما نراه من خلال النتائج والنجاحات التي يحققها أبناؤنا في كل دول العالم".
وأضاف: "في الحقيقة لا يمكن أن نتحدث عن نسبة مئوية لتحقيق مطالب الاعتصام، فمطالب الاعتصام هي مطالب مرتبطة فيما بينها، فمثلاً وقف التطبيع لا يمكن إلا من خلال رفع الوصاية السياسية التركية عن الثورة، ورفع الوصاية السياسية عن الثورة لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إلغاء الائتلاف والحكومة المؤقتة".
وأردف: "بالتالي فإننا في إدارة اعتصام الكرامة نعمل في كافة الاتجاهات دفعة واحدة لقناعتنا بارتباط كافة المطالب مع بعضها البعض وقد أنجزنا أهم الخطوات المبدئية كتشكيل لجنة تحقيق لمتابعة قضية شهداء عفرين الذين سقطوا في الأول من تموز الجاري وتشكيل اللجنة التحضيرية للتحضير لانتخابات وتشكيل الهيئة العامة لقيادة الثورة، والتي باتت تعتبر مطلباً شعبياً إضافة إلى أنها ستكون الممثل الحقيقي للشعب السوري وستلغي نهائياً وجود الائتلاف وتوابعه كاللجنة الدستورية وهيئة التفاوض".
وتابع: "كما أننا قمنا بتوجيه رسالة علنية للأمين العام للأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها لوقف التعامل نهائياً مع ائتلاف قوى الثورة والمعارضة والحكومة المؤقتة وقد بدأنا بالتجهيز لحملة توقيعات شعبية على هذه الرسالة".
من جهته، أشار الناشط السياسي المشارك في الاعتصام بشير عليطو، إلى أن "المطالب ليست بمعنى احتياجات معيشية حتى نحصي ما تحقق، العنوان الرئيسي لاعتصام الكرامة بساحاته الأربعة حتى الآن هو استعادة القرار الثوري وإسقاط الأجسام الهلامية التي كانت سداً في وجه الثورة وتنفذ أجندات مشغليها ولا تمتُّ للثورة بصلة".
وأكمل عليطو في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "لا نعتبر أن تحقيق عودة الشاحنات السورية للعمل أو قبول تدريب خريجي الطب في مشافي المحرر أو إعادة النظر في مهام المنسقين في كافة الدوائر والمجالس والمؤسسات هي أهداف رئيسية، لأن ما كان وراء هذه الأخطاء فساد وتبعية عمياء ومصالح شخصية نتج عنها سلب قرار الثورة".
وبحسب المتحدث، فإن "الهدف الأول هو استعادة القرار من خلال إنتاج هيئة تمثيلية يختارها الشعب الحر تقوم على اختيار الهيئة العليا لقيادة الثورة، ويتم العمل على ذلك على التوازي مع استمرار اعتصام الكرامة في الساحات"، مضيفاً: "اللجنة التحضيرية التي تم الإعلان عنها منذ أسبوعين شارفت على الانتهاء من الورقيات والمبادئ والآلية وسيتم خلال أيام البدء بالتنفيذ الميداني لإنتاج الهيئة التمثيلية التي سيكون عددها بالمئات".
رفض اللقاء بالائتلاف والحكومة المؤقتة
وفيما إذا كان القائمون على الاعتصام قد أجروا لقاءات مع المؤسسات الرسمية بكل مسمياتها، قال زعموط: "إذا كان المقصود بالمؤسسات الرسمية الائتلاف والحكومة المؤقتة فنحن لم ولن نجتمع معهم أبداً لأننا أساساً نطالب بإلغاء هاتين المؤسستين، أما إن كان المقصود المؤسسات الخدمية فلقاءاتنا معهم مستمرة في إطار استمرار عمل هذه المؤسسات لتأمين الخدمات المطلوبة لشعبنا وبما يتناسب مع سياسة اعتصام الكرامة والمطالب الشعبية".
وأضاف: "لم ولن نلتقي أو نجتمع مع الائتلاف أو الحكومة المؤقتة لأننا في كل تصرفاتنا نلتزم بالقرار الشعبي الذي تم تحديده في قائمة المطالب الستة، وأهمها إلغاء الائتلاف والحكومة المؤقتة، وبالتالي لقاؤنا بإحدى هاتين المؤسستين يعني انقلاباً من طرفنا على المطالب الشعبية التي تم تكليفنا بالعمل على تحقيقها من قبل شعبنا الثائر وهذا لن يكون أبداً".
ما خطط "اعتصام الكرامة" المستقبلية؟
أفاد زعموط بأن الخطط تشمل "العمل على تحقيق كافة مطالب اعتصام الكرامة وتوسيع رقعة الاعتصام والعمل على ضبط تصرفات المعتصمين فيما يتناسب مع حماية الممتلكات العامة والخاصة وعدم الانجرار إلى أي صدام حتى وإن كانت هناك خطوات استفزازية من بعض الأطراف".
وعن الاستفسارات حول طريقة إدارة المنطقة في حال جرى إسقاط الحكومة المؤقتة وغيرها وآلية تأمين الموارد المالية والبشرية، أضاف زعموط: "هذه الاستفسارات تعني أن الشعب السوري قاصر وليس لديه من الكفاءات والنخب والشخصيات الأكاديمية القادرة على إدارة المناطق المحررة بأعلى مستويات المهنية والخبرة، وهذا السؤال يكرره بعض المرتبطين بمصالح شخصية مع الائتلاف والحكومة ولا يجرؤون على الإفصاح بارتباطهم مع هاتين المؤسستين، فيذهبون باتجاه الترويج على أننا لا يمكن أن نعيش بدون الائتلاف والحكومة، وبنفس منطق وخطاب أتباع الأسد الذين كانوا يقولون إن سقط الأسد فمن هو البديل"، حسب وصفه.
وبحسب قول زعموط: "نحن نرفض الخطاب الذي يقلل من شأن قدرة السوريين على إدارة أنفسهم، أضف إلى ذلك أن تركيا لا تدفع رواتب من خزينتها بل هي تستفيد من جزء من الأموال المخصصة لدعم الشعب السوري سواء دعم الدول الغربية أو العربية أو الأمم المتحدة".
وختم: "نحن لم نضع خططاً لإدارة المنطقة ولم ننصب أنفسنا كمديرين للمنطقة، بل وضعنا خططاً لتمكين الشعب السوري في المحرر من اختيار ممثليه وقادته بشكل سليم وصحيح وديمقراطي وتشكيل مجلس يقود المنطقة ويدير شؤونها بأعلى مستويات التمثيل الشعبي الصحيح والشرعية الشعبية والمهنية واستخدام كافة الخبرات والكفاءات المتوفرة في المنطقة المحررة".
أحداث الأول من تموز
شهدت منطقة شمال غربي سوريا، في الأول من شهر تموز الجاري، توترات كبيرة نتيجة لخروج مظاهرات منددة بالاعتداءات العنصرية ضد اللاجئين السوريين في ولاية قيصري وسط تركيا، وقد جاءت هذه الاحتجاجات أيضاً كرفض لتصريحات التقارب بين تركيا والنظام السوري.
وفي ريف حلب، تطورت هذه الاحتجاجات بسرعة إلى أحداث عنف، شملت تكسير شاحنات تركية، ثم الاشتباك مع الجيش التركي في مدينة عفرين، ما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة نحو أربعين آخرين، مما زاد من حدة التوتر في المنطقة.
رداً على هذه الأحداث، اتخذت السلطات التركية إجراءات، من بينها إغلاق المعابر الحدودية التي تربطها بشمال غربي سوريا بشكل مؤقت، شملت هذه المعابر باب الهوى وباب السلامة والراعي وجرابلس والحمام وقد تعرض بعضها لمحاولات اقتحام من قبل المتظاهرين الغاضبين، قبل أن تعود للعمل بشكل طبيعي.