"أعوام مهدورة" أمضاها موظفون في عدد من القطاعات العامة في مدينة اللاذقية، تراوحت لدى بعضهم بين 20 - 25 عاما، انتهت بتوقيع على ورقة الاستقالة، إذ أصبحت ساعات الدوام الطويلة في قطاعات الدولة عبئا على العمال الباحثين عن أعمال إضافية تعينهم لمواجهة الأزمة المعيشية.
وكان رئيس اتحاد عمال اللاذقية منعم عثمان صرح لصحيفة تشرين التابعة للنظام في أيلول الماضي، أن عدد العمال المتقدمين بطلبات استقالة في المحافظة بلغ منذ بداية العام وحتى تاريخ التصريح 516 عاملا، وتابع أن 149 عاملا استقالوا من المؤسسة العامة للتبغ، و 58 عاملا من الزراعة، و230 عاملا من شركات الغزل، ومن مديرية الصحة 31 عاملا، ومن البلديات 21 عاملا.
الأمن السياسي يحقق مع المستقيلين
وبحسب ما ذكر المصدر فإن أغلبية الطلبات المقدمة هي لعمال تتراوح سنوات الخدمة لديهم بين 20 و25 عاما، وتم رفضها بذريعة حاجة الجهة العامة لخدمات العمال الموجودين لديها، لكن كما جاء أيضا أن تمت الموافقة على طلب 91 عاملا في مؤسسة التبغ.
وجاء أيضا في الصحيفة: "أكد عثمان أن صدور المرسوم الرئاسي رقم 252 المتضمن النظام النموذجي للتحفيز الوظيفي للعاملين في الجهات العامة، من شأنه أن يؤدي إلى اختفاء ظاهرة التقدم بطلبات الاستقالة، لأن زيادة الحوافز للعمال بنسب مرتفعة، تعوض النفقات التي يدفعها العامل وتساعده على تحسين دخله المعيشي، مبيناً أن عمله في الجهة العامة سيكون أكثر عائدية من عمله في القطاع الخاص".
وحول هذا الموضوع أجرى موقع تلفزيون سوريا مقابلة مع السيد أحمد حسين (اسم مستعار) وهو موظف أربعيني في مديرية الزراعة، متزوج وأب لطفلين يقول: "أتمنى أن أستقيل اليوم قبل الغد"، لكن "ما متنا شفنا يلي ماتوا" ويضيف "تجربة زملائي الذين تقدموا بطلب استقالة مبكرة منعتني من فعل ذلك، فقد تم التحقيق معهم من قبل فرع الأمن السياسي وفرع الأمن العسكري، وتم تبليغهم بطريقتين إما عبر اتصال هاتفي أو عن طريق مختار الحي الذي يسكنون به، ولم ينته الأمر بالتحقيق، وبعدها تم نقلهم إلى أرياف بعيدة وتعاني من مشكلة السير أكثر من غيرها ولم يكن التعامل مع الجميع بسوية واحدة، فقد تعرض زملاؤنا التركمان للضغوط والتخوين أكثر من العرب على اختلاف طوائفهم، وقد تم اتهامهم علانية بأنهم أتراك أكثر من كونهم سوريين".
ويضيف السيد أحمد أن الموافقة على طلب الاستقالة يأتي بالموافقة من قبل المديرية لكن أمنيا الاستقالة ممنوعة.
سوريون يشتغلون أعمالا إضافية
وعند سؤال السيد أحمد عن سبب رغبته بالاستقالة أجاب: "جهاز البصمة هو السبب"، قبيل عيد الأضحى بعدة أيام، أصبح الدوام على البصمة، وبالتالي مضطرين للوجود بداية ونهاية الدوام الرسمي.
"كان الراتب ينقص منه 20 ألف لمراقب الدوام وأعمل في محل لبيع الفروج، بمعدل، دخل 250 ألف ليرة، تضاف إلى الراتب".
أما الأستاذ أبو هاني وهو مدرس في مدرسة ابتدائية يقول لموقع تلفزيون سوريا: "أعمل بعد دوامي المدرسي محاسبا في أحد المطاعم أي لدينا ثلاثة مصادر دخل مع راتب زوجتي، لكن هذا لا يكفينا، قررت بيع منزلي وشراء منزل أرخص منه في الضواحي بالإضافة لسيارة أجرة في محاولة لتحسين ظروف حياتنا، بعد أن نصحني بذلك أحد الأصدقاء، لكن ما حدث أنه وبعد يومين من شرائي للسيارة وقبل أن أختار سائقا للعمل عليها قررت الذهاب إلى المدرسة بسيارتي التاكسي، أشار لي أحد الأشخاص ومن ثم شخص آخر وهكذا خلال ساعة واحدة جمعت ربع راتبي لمدة شهر، يضحك ويتابع: في ذلك اليوم لم أذهب للمدرسة، وقررت أن أستقيل وأعمل 3 أو 4 ساعات يوميا على السيارة وفي المساء أتابع عملي كمحاسب، لكن ما حصل أن اتصالا هاتفيا من رجل أمن أراد التحقيق معي وكان يريد أن يعرف لماذا أريد ترك الوظيفة، لم يقتنع بأسبابي وقال لي "وضعك أحسن من وضعي شو رأيك أنشق؟" وطبعا تم رفض الطلب.
أبو هاني موظف كمدرس منذ عشرين سنة ولو كان أتم 25 سنة في العمل كان طلبه مقبولا وهذا ما وجدناه عند المدرسة لينا: التي قالت إنه وبعد التحقيق معها والسؤال عن أسباب استقالتها التي تتلخص بالتعب والملل تمت الموافقة، وبسؤال أكثر من شخص تبين أن مديرية التربية تقبل الاستقالات أو التقاعد المبكر على عكس مديرية الزراعة.
أما مؤسسة الإسكان العسكري بفرعها الأشهر 202 الذي كان يرأسه هلال الأسد لفترة طويلة فهو كما جاء على لسان أبو فاتن "صورة مصغرة عن سوريا"، فقد أوضح لموقع تلفزيون سوريا: "الفرع 202 بعد انتشار فيروس كورونا فصل قرابة 300 موظف ولم يتم تجديد عقودهم التي كانت تتجدد كل ستة أشهر، مع العلم أن معظمهم لا مصدر دخل لهم ولا يعملون أي شيء غير هذه الوظيفة، فقد كانت العقود لذوي قتلى الجيش والقوات الرديفة ومعظمهم أرامل لديهم أطفال لا حول ولا قوة ولا معيل أو معين غير الله سبحانه وتعالى".
انهيار الليرة السورية حول الوظيفة لـ عائق
في عام 2022 ومع الهبوط الحاد في الليرة وثبات الراتب أصبحت الوظيفة قيدا وعقبة في سبيل تأمين الخبز وأدنى مقومات المعيشة، و"لتخلي الفرع عن هذا العدد من الموظفين توقعنا قبول الاستقالات، فقدمت استقالتي وقررت أن أتفرغ لعملي كمعلم كهرباء ولدي خبرة بأعمال الصحية أيضا"، يقول أبو فاتن لموقع تلفزيون سوريا.
لكن الرفض جاء مباشرة من الفرع نفسه، لم أكن وحدي الذي يرغب بالاستقالة وبالوقت نفسه لم يكن هناك تنسيق بيني وبين زملاء آخرين وهذا ما لم يقتنع به أمن الفرع.
ويتابع "تعرضنا لتهديد واضح بأننا حركة احتجاجية". ويضيف بسخرية: ولكن ومن شدة سماحة وكرم أولي الأمر تمت مسامحتنا، ومن المضحك اعتبار البقاء في الوظيفة حلقة من حلقات الصمود في وجه المخططات الدنيئة التي تحاك على سوريا، يقول هذا الكلام أحد أزلام رئيس الفرع الذي يقدر دخله اليومي براتبي على مدار الشهر".
ويؤكد أبو ليلى "أن الوظيفة ليعيش منها الإنسان في سوريا يجب أن يكون فاسدا ومدعوما كشرطين لازمين" وهو من البداية كان ضد الوظيفة لكن كما قال: "كل الحق على أمي كانت تقلي الوظيفة أمان وحلمها إني أتوظف" ويعلل كلامها بالفقر والجوع ضمن البيئة المنحدر منها.
أجرة المواصلات أكبر من الراتب
السيدة (وفاء س) موظفة تابعة لمديرية الصحة وتسكن في قرية شمالي اللاذقية تبعد نحو 12 كم عن المدينة تشرح لموقع تلفزيون سوريا تشرح سبب استقالتها "قررت الاستقالة منذ عدة أشهر بعد أزمة مازوت شديدة لكنها أقل من الأزمة الحالية"، وتوضح أنها خرجت من منزلها في الساعة السابعة صباحا لتصل قرب منتصف النهار.
وعندما اتصل مديرها ليسألها عن سبب استقالتها أجابته بأن أجرة التاكسي 50 ألفا ومرتبها 125 ألفا وبالسرفيس لا يمكن أن تصل قبل ساعتين أو ثلاثة من الانتظار.
تتابع السيدة وفاء أن الرجل حاول أن يقنعها بإجازة بلا راتب على أن تتحسن ظروف البلد وقال لها هي أيام قلائل وستفرج بإذن الله، لكنها رفضت.
كان انطباع السيدة أن الرجل متعاطف معها لكن "الموضوع ما من عندو" وهكذا توصلوا لاتفاق وسط أن تقدم طلب إجازة بلا راتب لثلاثة أشهر، وبعدها إن أصرت على الاستقالة سيوافق عليها لتأخد الإجراءات اللاحقة.