قبل قرابة أسبوعين، أصدرت وزارة الداخلية الباكستانية في 29 من آذار قراراً رسمياً داخلياً، على ما يبدو تم تسريبه حديثاً على يد بعض الصحفيين الباكستانيين، جاء فيه أن لواء زينبيون يشكل تهديدا للقانون والنظام وأمنه، ويعكر صفو السلام والأمن في باكستان.
فيما بعد، أظهر الموقع الرسمي للهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب الباكستانية اسم لواء زينبيون في قائمة المنظمات الإرهابية المحظورة، ليرتفع عدد المنظمات المصنفة كمنظمات إرهابية في باكستان إلى 79 منظمة.
ونقل موقع ديلي أوردو الباكستاني عن مسؤولين باكستانيين أن زينبيون التابع لسباه محمد (فيلق محمد) لديه تمويل أجنبي، وتصرفاته تشكل تهديداً خطيراً للأمن القومي الباكستاني.
ويخضع لواء فاطميون، الذي يعتبر أكبر ميليشيا أجنبية موالية لإيران في سوريا، إلى جانب مجموعة المقاتلين الباكستانيين زينبيون في سوريا، لعقوبات أميركية منذ عام 2019، حينما فرضت عقوبات جديدة على كلا الكيانيين مع شركة فارس قشم الإيرانية.
ويأتي التصنيف الباكستاني لزينبيون بالتزامن مع زيارة قريبة مرتقبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي لباكستان، بحسب ما أعلنت المتحدثة باسم وزارة خارجية باكستان.
وأثار التصنيف الباكستاني الجديد لميليشيا مدعومة من إيران تساؤلات حول الدافع الحقيقي والتوقيت بعد جولة من تراشق صاروخي متبادل بدأه الحرس الثوري الإيراني مطلع العام الجاري على الأراضي الباكستانية، لا سيما أن آخر تصنيف باكستاني لجماعة شيعية متطرفة يعود لآب 2020 وكانون الأول 2016، عندما حظرت وزارة الداخلية الباكستانية على الترتيب جماعتين شيعيتين مسلحتين أقل شهرة، هما أنصار الحسين وخاتم الأنبياء بتهمة التحريض على أعمال الشغب الطائفية في باكستان وإرسال الشباب إلى الخارج، وخاصة سوريا، للقتال.
من هم زينبيون؟
يعرف زينبيون بالتشكيل العسكري المكون من مقاتلين معظمهم باكستانيون وقلة من الأفغان جندتهم إيران ودعمتهم للمشاركة والقتال إلى جانب جيش النظام في الحرب السورية مستغلة يافطات وشعارات دينية وطائفية كحماية مرقد السيدة زينب بدمشق.
وفي هذا الصدد، يبين موقع ميزان الإيراني أن مجموعة من الشباب الباكستانيين الذين كانوا موجودين في إيران، والذين صادف أن يكون جزء كبير منهم من الطلاب، أنشؤوا مجتمعا في طهران في عام 2014.
وفي نهاية المطاف، تمكنت هذه المجموعة من تشكيل نواة الزينبيون الأولى والمكونة من 24 شخصاً، وبعد بضعة أسابيع، تمكنت المجموعة الأولى من مقاتلي زينبيون من الوصول إلى سوريا، وفي عام 2015، أطلق لواء زينبيون حملة تجنيد على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل علني، معلناً أن المجندين سيحصلون على راتب شهري قدره 1,200 دولار أميركي و 15 يوما إجازة كل ثلاثة أشهر.
على الرغم من أن التجنيد تم من جميع أنحاء باكستان، إلا أن الغالبية انضمت من باراشينار والمناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية، وكراتشي. وفي حين تم تجنيد بعض البلوش أيضاً، إلا أنهم لم يعرف بعد ما إذا كانوا ينتمون إلى بلوشستان الباكستانية أو بلوشستان الإيرانية.
وقال مدير الاستخبارات المركزية عمر شهيد لصحيفة إندبندنت إن جميع أنواع الشيعة من باكستان، بما في ذلك الشيعة الناطقين بالأردية في باراشينار وجيلجيت ذهبوا إلى لواء زينبيون، مقدراً تعداد عناصر زينبيون الذين ذهبوا من باكستان إلى سوريا بين 2,000 إلى 8,000.
وشارك لواء زينبيون في العمليات العسكرية للميليشيات الإيرانية في أطراف حلب ونبل والزهراء وتدمر وحماة ودمشق، وقدمت كثيرا من القتلى خلال السنوات الماضية (7 قتلى عام 2015، 11 عام 2017، 18 عام 2019، 11عام 2020).
وتناوب على قيادة لواء زينبيون في سوريا أكثر من خمسة قيادات إيرانية وباكستانية متنوعة جميعهم قتلوا في سوريا، مما يدلل أن أصعب أجزاء الحروب والعمليات تركت لمحاربي زينبيون في كثير من الأحيان.
وتفسر كذلك عمليات القتل الجماعية لعناصر زينبيون خلال السنوات الأولى العشر من الثورة السورية لماذا وصفهم المرشد الإيراني بأنهم "يحاربون بشكل جيد".
ما أحدث نشاطات زينبيون في سوريا؟
على الرغم من وجود أنباء إيرانية منتشرة على الفضاء الافتراضي حول قتلى زينبيون في سوريا خلال السنوات الماضية، إلا أن تسليط الضوء الإعلامي على النشاطات الحية والمباشرة لزينبيون في سوريا نادرة أو تكاد تكون معدومة.
مقارنة بفاطميون وبقية الميليشيات متعددة الجنسيات في سوريا، فإن زينبيون هم أقل من قيل ونشر وكتب عنهم في وسائل الإعلام الإيرانية.
وفي بعض من الأحيان، كان يفرض تكتم إعلامي إيراني على صعيد القتلى من قيادات هذا الكيان، مع الاستمرار في استخدام الأسماء الحركية للقيادات الحساسة.
على سبيل المثال، أخفت إيران لمدة عامين تقريباً هوية أحد القادة الإيرانيين لزينبيون، حسين جنتي (حيدر)، الذي قتل في نيسان 2017 بمنطقة تل الترابي بسوريا.
ويوضح موقع دفاع برس الإيراني أن جنتي كان مقرب من سليماني وتخصص في العلوم العسكرية وعمل كمستشار عسكري لجميع الجماعات العراقية والباكستانية والسورية والأفغانية واللبنانية، وكان يتقن العربية والباكستانية.
ويعزى هذا النهج السري إلى ترتيبات أمنية تظهر أن إيران فعلياً لم تعتمد على زينبيون للقتال في سوريا فقط، رغم أن نشاطهم الرئيسي يتركز هناك، بل استخدمتهم أيضاً لتنفيذ نشاطات أمنية وعسكرية داخل باكستان نفسها، وربما في مواقع أخرى حول العالم.
رغم ذلك، وبحسب ما رصدناه في تلفزيون سوريا، ما يزال لواء زينبيون يحافظ على هيكله ووجوده التنظيمي، وينفذ نشاطات ميدانية ويتمتع بقدرات عسكرية على قدر معين في سوريا، إذ يعود أحدث قتيل لديهم في سوريا إلى أبريل 2022، عندما أوردت مواقع إيرانية أنباء تتحدث عن مقتل ذيشان حيدر في دمشق.
بالإضافة لذلك، نقلت القناة الرسمية لزينبيون على تليغرام نباً مقتل اثنين من هذا اللواء في سوريا في نيسان من العام نفسه، دون ذكر مزيد من التفاصيل عن هويتهم ومكان مقتلهم.
وأشارت قناة تليغرام زينبيون نفسها إلى تشيع قتيل آخر يدعى غلزار حسين في أيلول2021 وقتيل آخر في أيار 2021.
يشير تدفق أخبار هؤلاء القتلى بشكل متقطع، رغم الانخفاض الهائل في معدل قتلى زينبيون مقارنة بالسنوات الأولى من الحرب السورية، إلى أن انتهاء كبرى العمليات العسكرية التي خاضتها إيران في سوريا لم يجعلها مقتنعة بعد بسحب ميليشياتها متعددة الجنسيات، خاصة تلك التي توصف بأنها صغيرة ولا تمتلك قواما بشريا وتنظيميا ضخما، كزينبيون.
ويعزى تراجع نشاط زينبيون في سوريا خلال السنوات القليلة الماضية إلى أن عدداً من المقاتلين عاد فعلياً إلى باكستان لتولي أنشطة أمنية هناك بتوجيهات من فيلق القدس بقيادة سليماني وخليفته قاآني، وهذا ما يفسر عمليات إلقاء القبض الباكستانية المتزامنة على محاربي زينبيون في تلك الفترة على يد القوات الباكستانية.
على سبيل المثال، في يوليو 2022 ، قال وزير الداخلية آنذاك صنع الله خان إنه تم العثور على مقاتلي زينبيون "متورطين بنشاط في أنشطة إرهابية" في باكستان من عام 2019 إلى 2021.
وأكد المتحدث باسم الجيش الباكستاني اللواء أحمد شريف شودري في حديثه للصحفيين في فبراير 2021 أن وكالات إنفاذ القانون ألقت القبض على العديد من المسلحين المنتمين إلى لواء زينبيون.
وفي الأيام الأخيرة، أوردت صفحات باكستانية أنباء تتحدث عن إلقاء القبض على بعض المسلحين المنتمين إلى لواء زينبيون في كراتشي.
لماذا التصنيف الباكستاني الآن؟
كان اسم زينبيون لا يظهر في السابق بشكل صريح في وكالات الأمن وإنقاذ القانون الباكستانية، لما لهذا اللواء المتطرف من ارتباط مباشر باسم إيران المجاورة، وذلك بهدف ألا تؤثر التصريحات على علاقات باكستان بإيران.
ويعتقد كثيرون أن التوترات الإيرانية الباكستانية المتبادلة الأخيرة التي بدأت باعتداء صاروخي للحرس الثوري الإيراني على الأراضي الباكستانية، ربما أسهمت في إزاحة هذه الحساسية، وجعل يد الحكومة الباكستانية مفتوحة لتصنيف وملاحقة أعضاء هذه المجموعة المتطرفة بشكل رسمي وقانوني.
رغم ذلك، قد يكون التصعيد الإيراني الأخير الذي قوبل برد باكستاني فوري له دور مهم، لكن القضية تمتلك أبعادا أكثر عمقاً تتعلق بمخاوف أمنية باكستانية حقيقية من تزايد نفوذ زينبيون ونشاطاتهم الداخلية، لا سيما أن كثيرا من أعضاء هذه المجموعة اتهموا باغتيال شخصيات دينية سنية حساسة أو مناهضة لحركات التشيع، كمحاولة اغتيال المفتي الباكستاني الأخيرة محمد تقي العثماني بداية العام الجاري.
يظهر التصنيف الباكستاني الحديث عدة نقاط أهمها على الصعيد السياسي وهي أن باكستان دولة قوية ومقتدرة ولا يمكن لإيران التي تدعي تشكيل ستة جيوش تابعة لها في دول ضعيفة في الإقليم أن تعيد نفس السناريو في باكستان.
ويبعث التصنيف برسائل على الصعيد الأمني تقول إن الجيش الباكستاني لن يسمح لعناصر زينبيون، الذين حاربوا لسنوات واكتسبوا خبرات قتالية وميدانية في سوريا، بتشكيل كيانات مرتبطة بالخارج وتنفيذ نشاطات عسكرية وأمنية خارج الهياكل العسكرية والأمنية الحكومية الباكستانية.
ويلعب العامل الإيديولوجي دوراً حاسماً، حيث يتكون معظم عناصر زينبيون من شيعة باكستانيين مدعومين من إيران في وسط باكستاني ذو أغلبية سنية تدرك الخطر الذي يمكن تشكله مثل هذه الجماعات على السلم الأهلي للبلاد.
وبالإضافة لامتلاكها نفوذا دينيا في دار الإفتاء الباكستانية، تمتلك عائلة المفتي الباكستاني العثماني، الذي كان هدفاً للاغتيال، نفوذا كبيرا داخل الجيش الباكستاني، وهو ما قد يكون سبباً حاسماً في قرار عملية التصنيف أيضاً.