منذ بداية الحرب السورية في عام 2011، مهدت إيران الطريق أمام أساليب مختلفة لزيادة نفوذها العسكري والأمني في سوريا، إذ يعتمد أول أسلوب انتهجته على التعامل مع الميليشيات الأجنبية بشكل مباشر مع تجنيد ميليشيا محلية. أما الأسلوب الثاني فقد ولد من رحم الأول، وهدفه الأساسي هو دمج الميليشيات الإيرانية المحلية ضمن جيش بشار الأسد وفروعه الأمنية لإسباغ صفة الشرعية على وجوده في سوريا، ولمنحه مظلة حماية أمام أي ضربة جوية محتملة من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة.
ولكن مع انحسار العمليات العسكرية في سوريا، بدأت إيران بالبحث عن طرق وأساليب جديدة لتعزيز سيطرتها ونفوذها في محافظات سورية مختلفة، لا سيما بعد النجاح الذي حققته عبر اختراق قوات النظام وأجهزته الأمنية.
ومنذ بداية عام 2017، حولت إيران شيئاً من اهتمامها نحو اختراق المجتمع السوري، وتمتين صلاتها وعلاقاتها مع رجال الأعمال السوريين. وهنا يقدم لنا صندوق الحقائق موجزاً مختصراً حول النفوذ العسكري والأمني لإيران في سوريا، كما يكشف إلى أي مدى تهيمن إيران على المجتمع والاقتصاد السوري.
النفوذ والوجود العسكري الإيراني في سوريا
خلال السنوات الأخيرة الماضية، زاد التدخل العسكري الإيراني في سوريا وأصبح ظاهراً بشدة، ما جعل أمر استهدافهم من قبل القوات الجوية الإسرائيلية سهلاً. وبالنتيجة، أصبح على إيران أن تجد أسلوباً جديداً لتدخلها العسكري لتحمي ميليشياتها. حدث ذلك ما بين عامي 2017-2018، بعد ذلك بدأت إيران بمخطط طموح قررت من خلاله إعادة تعريف وجودها في سوريا عبر إنشاء قوات الدفاع المحلي التي تدعم كتائب محددة داخل الجيش السوري، كما عمدت إيران مؤخراً إلى تأسيس شركات أمنية خاصة محلية.
وتبين الخريطتان التاليتان التحول الهائل الذي طرأ على نفوذ إيران وسيطرتها ما بين عامي 2013 و2020. ففي عام 2013، كان النفوذ العسكري لإيران غير مباشر بما أنه كان يتم عبر وجود ميليشيا حزب الله اللبنانية (الخريطة رقم 1).
تجنيد الميليشيات الإيرانية
الميليشيات المحلية
شجعت إيران الأقلية الشيعية في سوريا على تشكيل ميليشيات خاصة وتجنيد السنة، خاصة أبناء العشائر في محافظات حلب والرقة ودير الزور. كما قامت بعض الميليشيات الشيعية في سوريا بتجنيد الشباب بالاعتماد على أسس طائفية بحجة الدفاع عن أماكن تعتبرها الطائفة الشيعية مقدسة، إذ عمدت مثلاً إلى إطلاق حملات في مناطق تشتمل على مقامات شيعية مقدسة كما حدث في منطقة السيدة زينب بدمشق.
وهكذا وبعد تجنيد الشباب، يتم إرسالهم ليخضعوا لتدريب لمدة تتراوح ما بين 21 إلى 45 يوماً على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وفي بعض الأحيان يمكن للتدريب أن يمتد لستة أشهر ليشمل التدريب على الأسلحة الثقيلة. بيد أن الميليشيات السورية التي شكلتها إيران ودعمتها تنقسم إلى عدة مجموعات، وهي:
- قوات الدفاع الوطني: بدأ تشكيل قوات الدفاع الوطني في عام 2012 بتوجيه من إيران ودعم منها في مدينة حمص، وتشمل عناصر من كل الطوائف: السنة والعلويين والدروز، ولها مقر في كل محافظة. وتعتبر قوات الدفاع الوطني أكبر ميليشيا سورية من حيث العدد والتغلغل ضمن كامل الطوائف، إذ يقدر تعداد جنودها بأربعين ألف مقاتل. وقد طلبت إيران من النظام السوري أن يقوم بشرعنة وجود تلك القوات على غرار قوات الحشد الشعبي الشيعية في العراق، كما طالبت بدمجها في جيش نظام الأسد. وفي 2016 قام النظام بتفكيك قوات الدفاع الوطني ما أجبر إيران على تجاهل تلك الميليشيا والتركيز بشكل أكبر على قوات الدفاع المحلي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الروس بدؤوا بالتواصل مع قوات الدفاع الوطني في أواخر عام 2018 بغية دمجهم في الفيلق الخامس، حيث كان من المقرر ضم الميليشيات والعناصر التي سبق أن قاتلت ضمن صفوف الجيش السوري الحر لجيش الأسد لتحارب على جبهات حماة ودرعا وحمص.
- قوات الدفاع المحلي: قامت إيران بتجنيد مقاتلين من محافظات حلب ودير الزور والرقة تحت مسمى قوات الدفاع المحلي التي تعتبر جزءاً من الجيش السوري وقد وصل تعداد قواتها إلى أكثر من خمسين ألف مقاتل. ومن أبرز الميليشيات ضمن هذا الهيكل نذكر كتائب النيرب (العمليات الخاصة) وفيلق السفيرة، وكتيبة الباقر، وكتائب نبل والزهراء، وقوات القاطرجي.
- الميليشيات الشيعية السورية: قامت إيران بتجنيد عناصر من الأقلية الشيعية في سوريا، معظمهم من شمال حلب وشمال حمص وبعض أجزاء الرقة. ويتراوح عدد الميليشيات الشيعية السورية ما بين خمسة آلاف إلى ثمانية آلاف مقاتل، أبرزها إمام الحجة فرع حلب، وجنود المهدي وجيش المهدي في نبل والزهراء، وكتيبة رقية فرع دمشق، وفيلق الوعد الصادق فرع إدلب، وقوات الإمام رضا فرع حمص، وكتيبة زين العابدين، والكتيبة 313 فرع دير الزور، وبصرى الشام في درعا، وكتيبة المختار الثقفي (في اللاذقية وحماة) وغيرهم كثير.
الميليشيات الأجنبية
تعتمد إيران على آليات عدة لتجنيد المقاتلين الأجانب، فهي تقوم بتوظيف العنصر الأيديولوجي عبر فرق الكشافة في حسينياتها لتجنيد المتطوعين الشيعة تحت شعار: "حماية المراقد الشيعية".
كما تجتذب إيران المقاتلين وتغريهم بالتوجه إلى سوريا عبر تقديم رواتب لهم، فمثلاً، كل مقاتل في لواء فاطميون يحصل على راتب شهري يتراوح ما بين 450 إلى 700 دولار أميركي، وهو أكبر راتب تقدمه إيران لعناصر الميليشيات. وبالنسبة للميليشيات الأخرى، تدفع إيران رواتب تتراوح ما بين 200 إلى 300 دولار أميركي، أما بالنسبة للميليشيات المحلية مثل كتائب نبل والزهراء فمقاتلوها يتقاضون أقل من 100 دولار شهرياً. ويقوم الحرس الثوري الإسلامي الإيراني بتمويل رواتب عناصر الميليشيات من ميزانيته التي تصل إلى 7.6 مليار دولار تقريباً.
ويقوم الحرس الثوري وحزب الله عادة بتدريب عناصر تلك الميليشيات في معسكرات أقيمت في مشهد في شمال شرق إيران، ومن ثم تتولى أمر نقلهم إلى سوريا إما براً عبر العراق أو جواً. وفي حال عدم إرسالهم إلى إيران، يمكن للحرس الثوري أن يعتمد على العديد من القواعد والمعسكرات التي أقيمت في سوريا مثل مطار دمشق الدولي ومطار الطيفور، وقاعدة إزرع، وقاعدة السيدة زينب، ومعسكر الكسوة، ومعسكر الزبداني، ومعسكر القصير.
- الميليشيات العراقية: سجل أول ظهور للميليشيات الشيعية العراقية في سوريا بنهاية عام 2012، بعدما وجهتهم إيران لدعم نظام الأسد، ويأتي على رأس تلك الميليشيات كتيبة ذو الفقار، ولواء أبو الفضل العباس، ولواء أسد الله الغالب، وكتيبة الإمام علي، ولواء الصيب الحق. إلا أن عدداً من تلك الميليشيات اضطر إلى العودة إلى العراق في أواسط عام 2014 وذلك للوقوف في وجه توسع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، بعد استيلائه على مدينة الموصل.
- الميليشيات الأفغانية: جند الحرس الثوري الشيعة الأفغان في العراق وأفغانستان ليشكلوا لواء فاطميون، الذي ظهر لأول مرة في سوريا في تشرين الثاني من العام 2012. ويقدر عدد المقاتلين فيه ما بين ثلاثة آلاف وأربعة عشر ألف تم توزيعهم على ثلاث كتائب في دمشق وحلب وحماة. وقد قاتل بعض قادة لواء فاطميون في كتيبة أبي ذر في الحرب العراقية-الإيرانية ما بين عامي 1980-1988 كما قاتلوا في جيش محمد خلال الحرب السوفياتية-الأفغانية ما بين عامي 1979-1989.
- الميليشيات الباكستانية: جند الحرس الثوري الشيعة الباكستانيين ليشكلوا لواء زينبيون، والذي سجل أول ظهور علني له في سوريا في مطلع عام 2013، ويتراوح عدد مقاتليه ما بين ألف وخمسة آلاف تم نشرهم في دمشق وحلب ودرعا وحماة.
- الميليشيات اللبنانية: تدخل حزب الله منذ بداية الأزمة السورية في أيار 2011، حيث قدمت هذه المجموعة المقاتلة اللبنانية التدريب والدعم الفني للقوات الأمنية ولجيش النظام. كما قام حزب الله بعمليات ميدانية منذ عام 2013، ويتراوح عدد مقاتليه في سوريا ما بين خمسة إلى ثمانية آلاف.
الشركات الأمنية السورية الخاصة المرتبطة بإيران
اقتصرت أنشطة الشركات الأمنية الخاصة في سوريا قبل أيار 2013 على تأمين مراكز التسوق والمصارف والحفلات الموسيقية. إلا أن زيادة الحاجة لوجود قوات مسلحة شرعية وقانونية غير مرتبطة بالحكومة أدى إلى صدور المرسوم التشريعي رقم 55 والذي يشرعن العقود التي تسمح للميليشيات بالعمل في سوريا واستخدام القوات العسكرية وذلك بناء على العقد الذي بين أيديها، والذي بموجبه يصبح من حق أي كيان أن يعمل بحرية دون الحاجة لرفع تقارير حول أعماله لجيش الأسد أو لأي من فروعه الأمنية.
وقد استعانت إيران بشركات أمنية خاصة لبسط نفوذها في مناطق سورية حساسة، منها العاصمة دمشق، دون أن تقلق حيال استمرار وجودها مستقبلاً، وذلك لأن الشركات الأمنية الخاصة أصبحت تقام تحت ستار شركة سورية مرخصة ومسجلة. وهكذا أقامت إيران شركاتها الأمنية الخاصة لتصبح الحل الأمثل للحفاظ على وجودها في مواقع استراتيجية مثل الطريق الدولي الذي يربط بغداد بدمشق في منطقة البادية السورية.
النفوذ والوجود الإيراني الذي يتجاوز المسائل العسكرية والأمنية
إن المكاسب التي حققتها قوات المعارضة السورية ما بين عامي 2014-2015 كانت المحرض الرئيسي لإيران لدعم وجودها العسكري وتدخلها المباشر في سوريا، إذ تظهر الخريطة رقم (2) واقع السيطرة والنفوذ الإيراني على المناطق السورية حالياً بالإضافة إلى أماكن وجود ميليشياتها المحلية والأجنبية.
|
التواجد العسكري |
الوصول إلى المطارات |
عبور الحدود |
الوصول إلى الطريق الدولي الرئيسي |
السيطرة على نقاط التهريب |
خبراء الحرس الثوري |
عالي |
نعم |
نعم |
متوسط |
لا |
الميليشيات الأجنبية |
عالي |
نعم |
نعم |
متوسط |
نعم |
الميليشيات المحلية |
عالي |
لا |
نعم |
عالي |
نعم |
وبالنسبة للميليشيات الأجنبية التي تدعمها إيران، استعان الحرس الثوري بخطة مختلفة تماماً في عام 2018 وذلك للحد من خطر الغارات الإسرائيلية، حيث قام أولاً بالحد من نشاط تلك الميليشيات واستعان بوسطاء محليين في العمل لصالحهم، مثل فيلق بدر العراقي، إذ ما تزال تلك الميليشيا تحتفظ بثلاث قواعد عسكرية في جنوب حلب وبالقرب من مطار حلب الدولي. وهنا لابد من الإشارة إلى أن كل حساباتها الموجودة على وسائل التواصل الاجتماعي قد كفت عن نشر أي شيء يتصل بنشاطها في تلك الأماكن، وأصبحت تعمل تحت مظلة قوات الدفاع المحلي السورية.
وكما يظهر في الخريطة فإن مخطط إيران كان مرسوماً ليمتد على كامل المناطق السورية وذلك بالاعتماد على الميليشيات المحلية والأجنبية. ويشرح الجدول التالي القوة والتدخل العسكري الفعلي لإيران وحلفائها في سوريا في عام 2020.
النفوذ الإيراني ما بين 2013-2020
ولم تعد السيطرة الإيرانية تقتصر على الوجود العسكري والأمني لأن إيران ما فتئت تواصل اختراق المجتمع السوري ودعم وجودها داخل النظام الاقتصادي السوري لضمان بقائها في سوريا خاصة في حال تم التوصل إلى اتفاقية دولية يتم بموجبها تحييد وجودها العسكري. وتظهر الأرقام التالية النفوذ الإيراني ومدى سيطرتها العسكرية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية ضمن المحافظات السورية، إذ على مستوى السيطرة الاقتصادية مثلاً، قامت إيران بإعادة تفعيل منتدى الأعمال السوري-الإيراني في عام 2018 والذي لعب دوراً أساسياً في نشر المشاريع الإيرانية ضمن مناطق عدة في سوريا، مع التركيز بشكل كبير على مشاريع توليد الطاقة.
وتتعامل إيران أيضاً مع المؤسسات الخيرية لتندمج بشكل أكبر داخل المجتمع السوري، ومن أشهر المؤسسات التي تدعمها إيران نذكر منظمة جهاد البناء التي تركز بصورة أساسية على قضية ترميم المدارس والمراكز الصحية، وحالياً تنشط هذه المؤسسة في محافظتي دير الزور وحلب.
ومؤخراً عمدت إيران أيضاً إلى التركيز على التعليم والتوعية وذلك عبر إنشائها عدد من المرافق التعليمية والتي وصل عددها اليوم إلى سبعة، هذا بالإضافة إلى المراكز الثقافية الإيرانية التي تلعب دوراً مهماً في نشر الثقافة الإيرانية داخل المجتمع السوري. فخلال عام 2019 قامت مؤسسة جهاد البناء بترميم 16 مدرسة في محافظة دير الزور وحدها، وعلقت على جدار كل منها لوحة تذكارية تؤكد بأن إيران هي من دعمت هذا المشروع.
كما تقوم هذه المؤسسة بتوزيع معونات غذائية على المدنيين من حين لآخر وذلك لكسب ولاء الأهالي في تلك المناطق. وخلال فترة انتشار جائحة فيروس كورونا، أسست إيران العديد من النقاط الطبية الصغيرة في دير الزور التي تزود المدنيين بفيتامين سي إلى جانب تزويدهم بالكمامات الطبية. وبالرغم من أنها لفتة بسيطة، إلا أن الكثير من المدنيين ينظرون إلى تلك المساعدات بعين الإكبار والتعظيم، في حين يرى البعض منهم بإنها إشارة من إيران توحي بأنها لن تتخلى عنهم أبداً.
وبتلك الطريقة ينتشر النفوذ الإيراني في سوريا بالرغم من أنها ليست طريقة سريعة وواضحة للعيان، فإيران في سوريا ستبقى لفترة طويلة من الزمان ولهذا فهي تأخذ حقها من الوقت لتحصل على ما تريده من نتائج.
المصدر: المجلس الأطلسي