الاهتمام بحقوق المؤلفين في سوريا جاء متأخراً، إذ إن أول قانون تم تشريعه لحماية حقوق المؤلف كان القانون رقم 12\2001، الذي صدر في شهر شباط من عام 2001، وقد تم تعديل القانون بموجب المرسوم التشريعي رقم 62 عام 2013، الذي ما يزال سارياً حتى اليوم.
هذا القانون يضمن نظرياً حقوق المؤلف، لكن معظم بنوده تبين أن الاهتمام منصّب بشكل كامل على النصوص المطبوعة، المحمية من النسخ والتوزيع والقرصنة على الإنترنت، أما حقوق النصوص المعدّة للتقديم ضمن أعمال درامية، في التلفزيون أو السينما، فلا توجد أي بنود توضّح بشكل جلي عواقب الاعتداء عليها، مما يجعل مسألة ضمان حقوق الملكية الفكرية لهذا النوع من النصوص في سوريا أمراً شائكاً؛ يزيد من صعوبته توزع السوريين الجغرافي ما بين الداخل والخارج وفي كل أصقاع الأرض.
نتيجةً لذلك، فإن معظم الخلافات التي دارت حول حقوق الملكية الفكرية للنصوص الدرامية التلفزيونية كانت تجري على المنصات الإعلامية بدلاً من أروقة القضاء. الخلافات بين الكتّاب السوريين والاتهامات المتبادلة بالسرقة تتكرر في كل سنة بأسماء مختلفة، وبطرق مختلفة، حيث تتفاوت الردود فبعض الكتاب المتهمين بالسرقة يفضلون تجاهل كل التصريحات الإعلامية الموجهة ضدهم، والبعض الآخر لا يتوانون عن الرد لتتحول منصات الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة تحتضن حرب التصريحات الإعلامية بين الكتاب ومن يصطف إلى جانبهم.
السرقة الفنية والأدبية وخلط المصطلحات
في مواقع الإعلام الفني وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، دائماً ما يُشار إلى مسلسلات سورية ومشتركة واتهامها بأنها مسروقة، إذا ما كانت هذه الأعمال قد اقتبست بعض خطوط حبكتها أو استنسخت أجزاء من أعمال درامية سابقة، سواءً كانت هذه الأعمال عربية أو أجنبية، وهنا لا بد من الإشارة إلى اللغط الذي يحدث حول الموضوع، الناتج عن التعبير "السرقة الفنية \ الأدبية" الذي يبدو فضفاضاً ويحتمل كثيرا من الجدل. في هذا السياق يقول الناقد، عمار المأمون، لموقع "تلفزيون سوريا": "إن أردنا الحديث ضمن الرومانسيات، فكل ما يكتب هو سرقة أدبية، الحكايات والصراعات في عالم الأدب، معدودة، و لها قوائم، (سؤال كيف هو السؤال الفني، لا سؤال ماذا حدث)، أي أن نقول إن كل ابن يقتل أباه أو عمه، هي حكاية مسروقة من أوديب أو هاملت فلن ينتهي الموضوع، خصوصاً أن النظرية الأدبية، تحوي الكثير من المصطلحات فيما يخص السرقة، هناك الاقتباس والتشابه والبارودي والباستيش والتلاص والتناص وغيرها، لكن في السياق القانوني، أي ضمن عقود الملكية الفكرية، هناك محددات قانونية لعملية السرقة، لا تتوقف على مفهوم التشابه، وهي تختلف من بلد لآخر، حسب طبيعة حقوق المؤلف، لا أحاول هنا أن انتصر للص على حساب الضحية، لكن دون بنية قانونيّة واضحة، سيكون الأمر مجرد اتهامات علنيّة، ويمكن لأي أحد أن يتهم أي أحد بالسرقة".
الخلط بين المصطلحات يؤدي إلى حالة من الهرج في الصحافة الفنية السورية التجارية، التي تهدف لحصد الأرقام من خلال العناوين المثيرة التي لا تتبعها سوى مقالات فارغة؛ فعلى سبيل المثال، ظلت الاتهامات تلاحق صنّاع المسلسلات المشتركة لسنوات، لكونها تقتبس نصوصها عن أفلام ومسلسلات عالمية، ليكون رد الشركات المنتجة بإضافة كلمة "مقتبس عن فيلم أجنبي" إلى شارة العمل، ليزيد ذلك الموضوع هزلاً. الغريب أن بعض الكتاب السوريين المعروفين تعاملوا مع الأفكار التي صدرتها المنصات النقدية الفنية والسوشيال ميديا كحقيقة، واستخدموها كحجة لتبرير الانتهاكات الأخلاقية التي ارتكبوها اتجاه زملائهم بالمهنة، كما فعل الكاتب خالد خليفة، الذي قام بالاستيلاء على عمل "العراب" للكاتب رافي وهبي، ليكتب الجزء الثاني من المسلسل دون أن يضع أي اعتبارات للحقوق الأدبية لكاتب الجزء الأول. الغريب أن الحكاية تم تصديرها إلى الفضاء العام من خلال منشور لخالد خليفة، كان يطالب فيه بوجود نقابة لحماية حقوق المؤلفين السوريين، ليرد عليه وهبي وينتقده على استيلائه على نصه؛ ليأتي الرد الصادم من خليفة حينذاك، حين قال: "لا حقوق للسارق" في إشارة إلى أن وهبي لم يستأذن بدوره من الكاتب الأميركي ماريو بوزو، حين استنسخ بنية سلسلة أفلام "العراب" لصناعة مسلسله.
العراب ـ تحت الحزام وكسر عضم
في حادثة "العراب – تحت الحزام"، هناك العديد من الانتهاكات التي قام بها خالد خليفة لحقوق الكاتب رافي وهبي، منها الاستيلاء على شخصياته التي صاغها والبناء الدرامي الذي صنعه. الأمر ذاته تكرر مع الممثل الراحل زهير رمضان، الذي اعتدى على حقوق الكاتب ممدوح حمادة، مؤلف مسلسل "ضيعة ضايعة"، حين استولى نقيب الفنانين الراحل على شخصية "عبد السلام بيسة" التي قدمها في المسلسل، وصاغ لها مسلسلا مختلفا بالتوجهات والروح، هو "يوميات مختار"؛ الذي أدى إلى تصعيد إعلامي واتهامات متبادلة عندما عُرض. رد رمضان حينذاك على حمادة بأن الممثل هو من يملك الشخصية وليس الكاتب؛ الرد الذي من الممكن تقبله ومناقشته، لكنه تمادى في تصريحاته حين تحول من الدفاع إلى الهجوم، وانتقد ممدوح حمادة، واتهمه بأن نص "ضيعة ضايعة" كان فارغاً، وأن الممثلين هم من صنعوا الشخصيات وجعلوا العمل ينجح".
إلا أن الأمر يزداد سوءاً في الحالات التي لا يحصل فيها الكاتب على حقه الأدبي كاملاً، كما هو الحال في حكاية فؤاد حميرة الأخيرة مع مسلسل "حياة مالحة"، الذي باعه لشركة "كلاكيت" قبل 11 سنة، ليبقى حبيس الأدراج طيلة هذه المدة، قبل أن يتم إنتاجه هذه السنة باسم "كسر عضم"، وتحت اسم كاتب مختلف؛ الكاتب علي معين صالح. لأن نصوص الدراما التلفزيونية لا تُنشر مطبوعة، وبالتالي فإن العمل سينسب إلى الكاتب الذي صدرته شركة الإنتاج، حتى وإن كان دوره في تأليف المسلسل يقتصر على إعادة نسج خيوط حكاية درامية لكاتب آخر، بما يتماشى مع التغييرات التي طرأت على الواقع. إذا ما صحت ادعاءات فؤاد حميرة؛ حيث إن حميرة قد أشار في تصريحاته الصحفية وفي منشوراته وفيديوهاته على "فيس بوك" إلى أن الخط الرئيسي في مسلسل "كسر عضم" مسروق من مسلسله "حياة مالحة"، متهماً بذلك المخرجة رشا شربتجي والمنتج عماد نجار.
حميرة استند في اتهاماته إلى حجج خطابية لا يمكن تقبلّها، حول عدم قدرة كاتب شاب على نسج حكاية كهذه وإلى شرح الخط الرئيسي من مسلسله الذي لا يبدو متطابقاً مع "كسر عضم"، بالإضافة للخلافات المرتبطة بالمواقف السياسية؛ لكنه دعّم كلامه بالوثائق التي تدعم ادعاءاته، منها ورقة سربها من نص "كسر عضم" سهى فيها الكاتب عن تعديل اسم الشخصية التي كانت موجودة في "حياة مالحة"، بالإضافة للإشارة إلى حواراته مع شهود، من كتّاب ومخرجين يعلمون بنية الشركة المنتجة إعادة صياغة النص، ونشر أجزاء من هذه الحوارات ليؤكد على صحة ادعاءاته. وبالنسبة للشركة المنتجة، فهي أعلنت بالبداية أنها سترد على هذه الاتهامات "المغرضة"، التي بررتها بنجاح المسلسل! قبل أن تتم المواجهة المباشرة بين فؤاد حميرة والمنتج عماد نجّار على قناة الجزيرة؛ مواجهة حاول نجّار أن يستثمرها للظهور بمظهر البطل الوهمي حين عرض على حميرة عرضاً لشراء النص مرة أخرى وإنتاجه، لكن حميرة لم ينجر وراء هذه اللعبة. بدورها اكتفت رشا شربتجي بالرد عبر منشور على صفحتها الخاصة على "فيسبوك" بدلاً من الظهور الإعلامي المرتقب؛ المنشور بيّن التخبط والخلل في المعطيات، ليؤكد ذلك على صحة ادعاءات فؤاد حميرة بدلاً من دحضها.
مسلسل الكاتب
حكاية مشابهة حدثت قبل ثلاثة أعوام، حين اتهم الكاتب خلدون قبلان المخرج رامي حنا وأخته، الكاتبة ريم حنا، بسرقة مسلسل "الكاتب"، حيث ادعى قبلان أن نص العمل مسروق من مسلسله "الخونة" الذي اشتراه المنتج إياد نجار عام 2013 ولم يعمل على إنتاجه. لكن رامي وريم حنا، لم يعلقوا بالنفي أو الإيجاب على هذه الاتهامات، وكذلك الأمر بالنسبة لنجار، الذي تكرر اسمه في العديد من المرات في الحوادث المشابهة.
لكن الأمر يصبح أكثر سوءاً وقسوةً عندما يتم سرقة حقوق الكتاب الجديد، دون أن تمنحهم شركات الإنتاج أياً من حقوقهم المادية والمعنوية، وهو ما حدث مع الكاتبين مضر عدس ونجوان علي، اللذين تعرضا لسرقة فكرة مسلسلهم من المنتج العراقي علاء الأنصاري، الذي اتفق معهما على كتابة مشروع مسلسل عراقي لقناة "يو تي في"، وبعد أشهر اكتشفا عن طريق المصادفة أنهما تعرضا للسرقة حين دعا مخرج مسلسل "حلم وخيال"، علي أبو خمرة، نجوان علي نفسها لتشارك في العمل كمخرجة منفذة. يعقب عدس حول الحادثة في لقاء مع موقع "تلفزيون سوريا": "إن حقوق المؤلفين السوريين ضائعة بسبب غياب القانون، وخصوصاً في الوضع القائم حيث أصبحت الجنسية السورية تشجّع الآخرين على انتهاك حقوقنا. يجب التفكير ملياً بالوصول إلى آلية لحماية الحقوق الملكية الفكرية، أينما كانوا يعيشون. فعلياً كل ما أطالب به، هو الحق الأخلاقي، الموضوع لا يتعلق بالمصاري، بل يتعلق بسوء المعاملة وضرورة الوقوف في وجه هذه التصرفات غير المهنية والتي تنم عن عدم الاحترام. هذه التصرفات يجب أن تتم محاسبتها حتى ولو كانت نتيجة المسلسل النهائية رديئة ونتعرى منها، وحتى لو كنا قد أرسلنا فكرة العمل فقط. فعلياً لا شيء فعلياً يبرر فعلتهم، ويجب أن يتوقف الناس عن لوم الضحية".