مازال السباق على أشده عبر شاشات التلفزة بين مسلسلين سوريين استطاعا حتى هذه اللحظة حصد أعلى المشاهدات.
كسر عضم.. اليأس أصدق ما في المسلسل
يتناول مسلسل "كسر عضم" فساد بعض المتنفذين الكبار على صعيد "الشريحة العليا" في المجتمع والدولة، من خلال قيام بعض رموز هذه الفئة بأعمال الاتجار بالمخدرات وشراء ذمم الجمارك وخطوط التهريب وإدارة شبكات الدعارة بين طالبات المدن الجامعية وسرقة الأعضاء البشرية، كل هذا يحدث وكأنه فقط صراع بين حيتان المال الذين سرقوا البلد، وكأن هؤلاء الحيتان مستقلون ليس لهم أي ارتباط بقمة الدولة إن لم نقل بقمة الهرم وتحديداً برئيسها ومنظومته المافيوية الحاكمة.
وعلى "ذمة" المسلسل وحده الجيش من كان لهم بالمرصاد وتصدّا لشرور أعمالهم. فالضابط "النزيه" (ريّان) بعد أن عمل لعدة سنوات في التهريب فجأة يصحو ضميره وينتحر بعد أن أحبط عملية تهريب يقودها والده (أبو ريّان) الرجل القوي المتنفذ والذي تبين فيما بعد أنه مصاب بالإيدز.
بالمقابل وبعيدا عن هذه الشرائح "المترفة مادياً" نرى في المسلسل حياة مجموعة من الطلاب الذين ضاقت بهم السبل لحياة لائقة وأصبحوا موزعين ما بين العطالة عن العمل، والتعاطي للمخدرات والبحث عن طرق غير شرعية للبقاء أو لمغادرة البلد. أجواء من اللامبالاة والعدم واليأس ربما كانت أصدق ما في هذا المسلسل.
من الواضح أن هناك جهودا مبذولة لإنجاز هذا العمل سواء على صعيد النص المكتوب أو على صعيد أداء الممثلين (بغض النظر إذا كان هذا السيناريو مسروقاً أو لا). حكاية المسلسل مسلّية ولا غرابة أنها استحوذت على الكثير من المشاهدين، فحضور الآكشن وكثرة الأحداث من غدر وقتل وضغينة كانت دوماّ ثيمات درامية ناجحة، اللافت الجميل أنه يوماً بعد يوم تظهر الدراما السورية كفاءات جيدة من الممثلين والممثلات وخاصة الكثير من الوجوه الشابة والجديدة بغض النظر عن رسالة المسلسل الرديئة. أما الشكل الفني للمسلسل من تصوير ومونتاج ومستوى الإخراج فلا شيء جديد، علاقة تقليدية في إدارة الممثلين وكادر الصورة وباختصار كأي عمل في ورشة ميكانيك سيارات، كل شيء بمكانه مرتب ومنظم لتشغيل هذه السيارة / المسلسل.
مع وقف التنفيذ وشخصية بابلو إسكوبار
أما مسلسل "مع وقف التنفيذ" فهو يحاول أن يكون أكثر ذكاءً وجرأة من كل المستويات، سواء من حيث الموضوع أو الشكل. فسيناريو العمل احتوى على خطوط درامية جذابة أكثر، كونها تتناول بحسب المسلسل الشريحة "الدنيا أو الوضيعة" من المجتمع أي عموم الناس، على عكس المسلسل الأول الذي ركّز على فساد الحيتان الكبار، هنا يتناول حياة "العوام" ويحاول أن يبدو أو يدّعي أنه يمثلهم وهنا تكمن خطورة هذا المسلسل" الجذّاب" تماما كالذي يضع السم في العسل.
تبدأ الحكاية من مشهد قتل (ملطوش حرفياّ) شكلاّ ومضموناّ من مسلسل إسكوبار، بارون المخدرات الكولومبي والذي أنتجته منصة نتفليكس الشهيرة. من يشاهد أداء هاشم (يقوم بالدور الممثل فادي صبيح) يتذكر فوراّ شخصية بابلو إسكويار، حركات الوجه، المكياج بل وحتى كادر الصورة الواسع كلها من إيحاء أجواء مسلسلات أميركا اللاتينية الممتعة. من الواضح التأثر الكبير في هذا المسلسل بنتاج وطريقة عمل نتفليكس، طريقة افتتاحية الحلقات وتقديم الشخصيات، بناء السيناريو وطريقة الإخراج، البناء الدرامي العالي الإيقاع، المشاهد المختزلة والابتعاد عن الإطالة التي لا معنى لها. الرشاقة في السرد وأزمنة تسلسل أحداث الحكايات ،كلها بل وحتى طريقة الانتقال ما بين الماضي والحاضر كانت تتم كما في نتفليكس بكتابة تنويه بسيط إلى الزمن المعني. لا بد من القول إن أجواء التصوير والإضاءة في مسلسل "مع وقف التنفيذ" تكاد تكون الأفضل بين المسلسلات السورية لهذا العام.
الأحداث الأساسية في المسلسل تجري ما بعد عام 2011، أي ما بعد الانتفاضة الشعبية في سوريا ضد نظام الاستبداد.
شخصيات المسلسل الرئيسية قادمة ومقيمة في الحارات الشعبية أو بحسب ما يسميها المسلسل "الضواحي"، حيث تقسم أحداث الأزمنة ما بين (ما قبل الخروج، الخروج، ما بعد الخروج). شخصيات المسلسل الرئيسية تتنوع ما بين أدوار "ضابط سابق" في الأمن قُتلت زوجته وطفلته برصاص قناص أثناء هروبهم من الحي وهو يعمل الآن سائق تكسي يقيم العدل على طريقته الانتقامية.
وطبعاً بحسب المسلسل "العصابات المسلحة" هي المسؤولة عن جريمة القتل وعن الدمار الفظيع الذي لحق بالبلد. في المسلسل دور معتقل يساري سابق يحاول كتابة رواية ومعرفة تفاصيل اعتقاله. وشخصية فتاة وصولية فاسدة ابنة شيخ الحارة، كانت محجّبة ولكنها خلعت حجابها لتصبح شخصية متنفذة في مجلس الشعب تعمل في التهريب والسمسرة.
في المسلسل فوزان (عباس النوري) رفيق حزبي وأب ضاقت به الحياة ليعمل قوّاداً على بناته. بالإضافة إلى عدد من الصبايا والشباب الذين يعيشون حياة صاخبة متنوعة مابين البارات وموسيقا "الهاوس" بانتظار مغادرة البلد.
تشتمل حوارات المسلسل على كم كبير من الجمل "الرنانة" التي تبدو للوهلة الأولى وكأنها جمل تحمل أبعادا نقدية ضد النظام وضد الظلم، أو حتى جملا ذات أبعاد فلسفية وإنسانية، لكنها في الحقيقة بالنظر إلى رسالة المسلسل بدت مجرد كلمات ميتة ومفرغة من أي محتوى مهم وثمين. وللأسف تظهر فيها عدم احترام المشاهد واستغبائه، بل ووضع اللوم عليه لما وصلنا إليه.
كان من الممكن أن يكون مسلسل "قيد التنفيذ" من أهم الأعمال لو أنه كان صادقاً ومخلصاً للموضوعات التي تناولها، لو أنه أشار ولو إشارة خفيفة إلى أن هذا الصراع المرعب والدمار المادي والإنساني والخواء الروحي في المجتمع السوري، المسؤول الأساسي عنه "مكتب القصر الجمهوري" في المهاجرين وليس مكتب الرفيق فوزان العقاري في الضواحي. كان للمسلسل "قيد التنفيذ" أن يكون أكثر قيمة لو أنه كان أقل عدوانية وطائفية ومتاجرة بمصائب الناس البسطاء.