كان ليل موسكو في منطقة "كروكوس ستي هول" في ضواحي العاصمة في أحد المسارح بتاريخ 22 آذار الحالي، على موعد مع مجزرة بشعة نفذتها يد الإرهاب بحق زوار المسرح حيث ذهب ضحيتها أكثر من 137 قتيلا و100جريح. يوم مربك ذكّر أهل المدينة بمراحل الحرب الشيشانية الروسية التي كانت المدينة مسرح لعمليات إرهابية مختلفة، ضج الأهالي العُزل كان آخرها في 23 أكتوبر في مسرح" دوبروفك" الذي كان يستعد لإحياء حفل غنائي قبل 22 عاما انتهت العملية وقتها بموت العديد من الرهائن على يد القوة الأمنية الروسية ولم تستطع القوى المهاجمة من تنفيذ خطتها باحتجاز رهائن أبرياء وصل عددهم إلى 900 رهينة من الجمهور والفنانين.
لكن طوال هذه الفترة الممتدة ما بين عمليات "دوبروفك" وعملية مسرح "كروكوس" كانت هناك عمليات واضحة ضد الدولة الروسية ومصالحها من قبل تنظيم "داعش" الذي بات يعتبر المواجهة من الغرب ومن بينها روسيا أولوية لحربه ضد "أعداء الإسلام". فكانت أبرز هذه العمليات التي تعرضت لها روسيا مقتل سفيرها في أنقرة "أندرية كارلوف" بالرصاص في 19 من سبتمبر /أيلول عام 2016، ومهاجمة السفارة الروسية في كابول في سبتمبر عام 2022 ، وهناك العديد من العمليات في القوقاز وسوريا من قبل تنظيم الدولة.
بالطبع هناك دوافع قوية تبررها داعش في مواجهة روسيا أولها تدخلها في حرب سوريا في العام 2015 وتلقيها ضربات موجعة من قبل روسيا أضعفت وجودها في سوريا كما حال العراق التي كانت تحارب فيه ضد التحالف الغربي .
داعش تعتبر روسيا من بين الدول الغربية التي تضطهد المسلمين وتشارك في قتلهم وخاصة أنه يوجد نحو أكثر من 7000 مقاتل في سوريا والعراق من ذوي الأصول الإسلامية المنحدرين من الاتحاد الروسي ودول آسيا الوسطى والقوقاز ولهم ملاحظات كثيرة على روسيا في تعاملها معهم كإسلاميين .
النقطة المهمة أن داعش فرع "خراسان" وهو الأكثر دموية في التنظيم كان على صراع مباشر مع حركة طالبان في أفغانستان وبمواجهة علنية، ويعتبر "داعش خراسان" روسيا صديقة في تحالفها مع عدوتها طالبان .
خراسان الفرع الجديد الذي أعاد تنظيم قدراته في مناطق أفغانستان والقوقاز وآسيا الوسطى وروسيا هذا الفرع بدأ تنظيم وجوده من خلال مجموعات جديدة تلقت تدريبات متطورة قاتلت ضد الروس في سوريا وأفغانستان استطاع التنظيم من تجديد قدراته والمواجهة مجددا انطلاقا من أفغانستان والمنطقة المجاورة حيث نفذ عمليات ضد الولايات المتحدة وباكستان وروسيا وطالبان .
بالطبع التنظيم تعرض لضربات موجعة على يد طالبان والولايات المتحدة منذ العام 2018 حتى العام 2021. حين خروج الولايات المتحدة من أفغانستان حيث تمكن التنظيم المتجدد في فروعه الآسيوية والأفريقية من تنظيم نشاطه وانتخاب قادة شورى جديدة لأول مرة من خارج أفغانستان وباكستان.
وبالرغم من التحذيرات الأميركية التي جاءت من قائد القوات الأميركية في المنطقة الوسطى الذي أشار إلى أن الإرهاب يحاول تنفيذ عملية ضد المصالح الغربية والأميركية في المنطقة وستكون المواقع العامة أهدافًا للإرهاب المتوقع وبالتالي روسيا من ضمن هذه الأهداف . وفي السابع من آذار الماضي حذرت السفارة الأميركية عبر قناتها االدبلوماسية (السفارة في موسكو) من عملية إرهابية قد تتعرض لها موسكو فعلى المواطنين توخي الحذر والانتباه .
نشرت السفارة الأميركية هذا التحذير من على موقعها الإلكتروني في محاولة لتحذير مواطنيها وتم تبنيه من قبل جميع السفارات الغربية، بينما روسيا لم تأخذ هذا التحذير بعين الاعتبار وخاصة أن العلاقة الروسية الأميركية مقطوعة ولا يوجد خط اتصال ساخن بين البلدين. حيث تذكر وكالة سبوتنيك الروسية بأن الخط الساخن بين موسكو وواشنطن مقطوع منذ دخول وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى المسشفى.
روسيا اليوم لم تعد تتجاوب مع الرسائل الأميركية كما كان الحال في السابق عندما كانت موسكو تتلقى معلومات أمنية واستخبارية من واشنطن، لذلك تحاول روسيا أن تلقي اللوم على الولايات المتحدة. وفي الوقت الذي يُعرف عن الروس تاريخهم في تعاملهم مع الحركات الإسلامية بأنها واحدة ولا يستطيعون التمييز بين المصطلحات والأفكار والأدوار والأداء نتيجة الجهل الفعلي للاختصاصيين في دراسة الحركات الإسلامية المتنوعة والخلط ما بين المعتدلة والمتطرفة، والتي نشاهده دائما في أثناء المتابعة للأدبيات الروسية في الكتب والمقالات والأبحاث نتيجة عدم القدرة على التمييز .
ومن هنا نرى بأن روسيا كانت تسعى بكل الوسائل لربط العملية بأوكرانيا وهذا ما أخر بوتين إلى اليوم من أجل إطلاق تصريحه الذي يهدد بمحاسبة الأطراف والجهات المتطرفة بعملية عسكرية بالوقت الذي كانت فيه صواريخه تنفجر في 8 محافظات أوكرانية وقد استباح فيها قتل المدنيين الأبرياء والتدمير الممنهج للبنية التحتية للدولة الأوكرانية. لقد أطلق 150 صاروخا تفجروا في مدن مدمرة البيوت والأبنية والأحواض المائية والطرقات والجسور والمحطات الكهربية، معبرا في عمليته هذه بأنه سيخوض معركة حاسمة ضد الغرب وضد أوكرانيا متسلحًا "بفوزه" بالانتخابات، محاولا القول إن فوزه هو استفتاء شعبي على تنفيذ سياسة التدمير والقتل.
روسيا تدّعي بأن أوكرانيا هي من جهزت ونفذت هذه العملية بالوقت الذي شاهدنا فيه عمليات أوكرانية في روسيا لها طبيعة مختلفة وتبنتها كييف، طبعًا أوكرانيا رفضت الهلوسات الروسية الانتقامية وأعلنت بأن بوتين يريد تبرير أعماله العدائية ضد أوكرانيا بايجاد خيط رفيع.
عملية الربط التي تقوم بها روسيا هي نوع من التكلم مع الغرب بأن هذا النظام النازي يمكن أن يفعل أي شيء ولا يأتمر بأوامر التحالف الغربي ضد الإرهاب الذي يعرض بلادكم للاعتداءات وروسيا جزء من هذا الحلف الذي حارب الإرهاب والإرهاب اليوم يدق أبوابه .
إن خلط الأوراق لم يساعد روسيا، لأن التصميم من خلال ربط الهجوم الإرهابي بأوكرانيا لن تُقنع الغرب لجهة تقاعس روسيا في مخابراتها وشرطتها التي تعيد الأيام إلى الماضي حينما تولى بوتين السلطة وكانت المخابرات شريكة في تنفيذ عملية إرهابية ضد روسيا لتعطي بوتين أوراقا للترويج الدعائي والتسويق لأفكاره.
إذا لا بد من القول إن استغلال هجمة بوتين من خلال الترويجيين والبراغماتيين التابعين للنظام لربط العملية بأوكرانيا، من أجل دفع الروس لتأييد خططه ومشاريعه القاضية بتجهيز حملة تعبئة عسكرية لتنفيذ مهمة قضم سريعة، وهي رسالة للغرب ليجبرهم على قبول شروطه التي يعطيها الشعب قوة في تنفيذ الأعمال التي تحمي روسيا وشعبها فهل ينجح بوتين مرة جديدة في التلاعب على المشاعر الروسية وأخذها نحو الهاوية مستغلا الأعمال الدموية البشعة ضد الأبرياء.
من هنا نرى بوتين يتعمد عدم التوجه بالإدانة نحو داعش واتهامها بشن حرب على روسيا ومصالحها وكيف سيكون العقاب الذي يفترض أن ينفذه به بوتين لحماية دولته ومصالحه بوجه الهجمات الإرهابية التي تتطلب منه بالدرجة الأول الوصول للحقائق والمعلومات والعودة للتنسيق الأمني الإجباري مع الغرب. ولكن لابد من طرح السؤال الأساسي من يدعم تنظيم خراسان ومن يوظف أعماله الدموية لمصالحه الخاصة ؟.