ما بين إلغاء أو تخفيض، تتواصل قرارات المؤسسات التابعة للأمم المتحدة بإيقاف مشاريع وبرامج المساعدات الإغاثية والغذائية المخصصة لشمال غربي سوريا، في وقت وصل فيه عدد العائلات الواقعة تحت خط الفقر في المنطقة إلى 91.10 في المئة، والعائلات التي وصلت إلى حد الجوع 40.78 في المئة، في حين ارتفعت نسبة العائلات التي تعتمد على المساعدات الإنسانية إلى 85.5 بالمئة، وسط مخاوف من ارتفاع آخر مع قدوم فصل الشتاء، ما ينذر بكارثة إنسانية في العام المقبل، في حال لم تتدارك الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الأمر.
وبالتزامن مع إعلان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة عن انتهاء برنامج مساعداته الغذائية العامة في جميع أرجاء سوريا في يناير/كانون الثاني 2024 بسبب نقص التمويل، باستثناء حالات محددة، رصد موقع تلفزيون سوريا بالأرقام الانخفاض المتسارع الذي طرأ على كمية المساعدات الواردة إلى شمال غربي سوريا خلال الأعوام الأربعة الماضية، لتبلغ نسبة الانخفاض بين العام والآخر 100 في المئة، وفي بعض السنوات وصلت النسبة إلى 150 في المئة.
منذ 2019.. انخفاض هائل بكمية المساعدات عبر الحدود
تدخل المساعدات الأممية إلى شمال غربي سوريا عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا في غالب الأحيان، بناء على توافق في مجلس الأمن الدولي يُصوّت على تجديده كل ستة أشهر، وتعترض عملية التصويت صعوبات كبيرة، بسبب استخدام روسيا لحق النقض الفيتو في أكثر من مناسبة، لتمرير قرارات تتوافق مع توجهاتها في إبقاء ملف المساعدات في يدها كورقة ابتزاز ترفعها متى أرادت في وجه المجتمع الدولي.
وفي عام 2021، اقترحت روسيا تعديلات على مشروع نرويجي أيرلندي قبل الموافقة عليه في مجلس الأمن الدولي، يتعلق بإدخال المساعدات إلى شمال غربي سوريا، ومن أبرز تلك التعديلات، إدراج آلية دخول المساعدات عبر خطوط النزاع المعروف باسم "كروس لاين"، وبعد ذلك، بدأت كمّيات المساعدات الواردة عبر الحدود بالتقلّص، بدعوى دخولها أيضاً عبر خطوط التماس مع قوات النظام السوري في ريف إدلب الشرقي، رغم تأكيد "فريق منسقو استجابة سوريا"، بأنه لا يمكن مقارنة آلية إدخال المساعدات عبر الحدود مع مثيلتها عبر خطوط التماس، وخاصة أن نسبة مساهمة المساعدات عبر الخطوط لا تتجاوز نسبة 1 في المئة من عمليات الاستجابة الإنسانية في المنطقة.
ولم يطرأ الانخفاض على المساعدات الأممية الواردة عبر باب الهوى فقط، بل شمل أيضاً المساعدات التي تدخل عن طريق المعبر باسم المنظمات الإنسانية، وهي مساعدات منفصلة عن تلك المقدمة من الأمم المتحدة، وهذا ما تؤكده معلومات وإحصائيات حصرية حصل عليها موقع تلفزيون سوريا من إدارة معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.
وتوضح الإحصائيات كمية المساعدات الأممية الواردة عبر باب الهوى، منذ عام 2019 حتى عام 2023، وكانت كالآتي:
- في عام 2019 دخلت 6927 شاحنة محملة بالمساعدات الأممية إلى شمال غربي سوريا من المعبر المذكور (147 ألف طن).
- في عام 2020 دخلت 10412 شاحنة (227 ألف طن).
- في عام 2021 دخلت 9608 شاحنات (215 ألف طن).
- في عام 2022 دخلت 7600 شاحنة (175 ألف طن).
- منذ مطلع عام 2023 حتى بداية شهر كانون الأول الحالي دخلت 3537 شاحنة (76 ألف طن).
أما بما يخص كمية المساعدات غير الأممية الواردة عبر المنظمات الإنسانية عن طريق المعبر المذكور، فقد شهدت الكمية في العام الحالي انخفاضاً أيضاً مقارنة بالعام الماضي.
ووفق الأرقام التي اطلع عليها موقع تلفزيون سوريا، فقد دخلت 5241 شاحنة محملة بمساعدات غير أممية عبر باب الهوى (84 ألف طن) منذ مطلع العام الجاري، حتى بداية شهر كانون الأول الحالي، في حين بلغت كمية المساعدات غير الأممية في عام 2022 نحو 6400 شاحنة (115 ألف طن).
ما أسباب انخفاض حجم المساعدات؟
لمعرفة الأسباب وراء الانخفاض الكبير في كمية المساعدات، سواء الأممية أو الواردة عبر المنظمات غير الأممية، تواصل موقع تلفزيون سوريا مع "مكتب تنسيق العمل الإنساني" التابع لـ"حكومة الإنقاذ"، الذي رفض الإجابة، وذكر أنه سيشرح الأسباب عبر بيان سينشره لاحقاً.
في الوقت نفسه تواصل موقع تلفزيون سوريا مع رؤساء منظمات إنسانية وناشطين في المجال الإنساني، لخّصوا أسباب تخفيض كمية المساعدات الإنسانية بعدد من النقاط، وهي:
- الأسباب العامة تتعلق بانخفاض كمية الدعم المالي المقدم لسوريا من المانحين الدوليين.
- بعد وقوع كارثة الزلزال، وصلت مبالغ إضافية للمنظمات تصل إلى نحو 400 مليون دولار، والآن بدأ أثرها بالتقلص.
- الولايات المتحدة خفّضت دعمها لملف الإغاثة الخاص بسوريا بنسبة 43 في المئة، بينما وصلت نسبة تخفيض الدعم الألماني 30 في المئة، كما يوجد تخفيض من قبل دول أخرى مثل بريطانيا.
- العديد من المانحين وجهوا الدعم المالي من سوريا إلى مناطق أخرى حول العالم، منها أوكرانيا وغزة والسودان والمغرب وليبيا.
سلسلة تخفيضات تنتهي بتوقف المساعدات الغذائية
وفي حزيران الماضي، أعلن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إيقاف مساعداته الغذائية لما يصل إلى 45 بالمئة من السوريين المحتاجين، بسبب "أزمة تمويل غير مسبوقة في سوريا"، وقرر البرنامج استمرار دعم 3 ملايين سوري فقط من أصل 5.5 ملايين كانت تشملهم المساعدات، ما جعل ناقوس الخطر يدق إزاء كارثة كبرى لا تقتصر على المجاعة فحسب.
وفي الرابع من الشهر الحالي، عبّر برنامج الأغذية العالمي، في بيان حصل موقع تلفزيون سوريا على نسخة منه، عن أسفه للإعلان عن انتهاء برنامج مساعداته الغذائية العامة في جميع أرجاء سوريا في يناير/كانون الثاني 2024 بسبب نقص التمويل، على أن يواصل دعم الأسر المتضررة من حالات الطوارئ والكوارث الطبيعية في جميع أرجاء البلاد من خلال تدخلات طارئة أصغر وموجهة أكثر.
كما سيواصل برنامج الأغذية العالمي أيضاً مساعدة الأطفال دون سن الخامسة والأمهات الحوامل والمرضعات من خلال برامج التغذية، والأطفال في المدارس ومراكز التعلم من خلال برنامج الوجبات المدرسية، وكذلك الأسر الزراعية المدرجة في برنامج دعم سبل العيش. بالإضافة إلى ذلك، سيواصل البرنامج تدخلاته لدعم تعافي النظم الغذائية المحلية، مثل إعادة تأهيل أنظمة الري والمخابز.
وأضاف البيان: "على الرغم من أن الأمن الغذائي أصبح الآن أدنى من أي وقت مضى ورغم الانخفاض التدريجي في حجم الحصص الغذائية وقيمة القسائم الإلكترونية؛ إلا أن البرنامج غير قادر على مواصلة تقديم الغذاء بمستوياته السابقة في خضم أزمة تمويل تاريخية خانقة سيكون لها عواقب لا توصف على ملايين الأشخاص".
تخفيض لا يتناسب مع تقييم الاحتياجات الإنسانية
وذكر فريق "منسقو الاستجابة" أن القرار الأخير الصادر عن البرنامج لا يعني توقف المساعدات الغذائية بالكامل عن السوريين المحتاجين، وإنما هو بمثابة تخفيض جديد سابع بسبب الفجوة الكبيرة بين التمويل والاحتياجات، حيث تم تخصيص مبلغ أكثر من ملياري دولار خلال دورة التمويل الحالية للبرنامج من خلال مؤتمرات المانحين، إلا أن البرنامج لم يحصل على أكثر من 30.8% من إجمالي التمويل المطلوب
وأكد الفريق أن التخفيض القادم سواء من برنامج الأغذية العالمي أو الوكالات الأممية الأخرى، لا يتناسب مع تقييم الاحتياجات الإنسانية في المنطقة، معرباً عن استغرابه من عمليات التخفيض والإصرار عليها في ظل ما تعانيه المنطقة من ارتفاع كبير في أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية، دون الأخذ بالاعتبار حاجة المدنيين الملحة لتأمين الغذاء خاصةً مع فقدان الآلاف من المدنيين لمصادر الدخل.
وحذّر الفريق كافة الجهات الإنسانية من استمرار عمليات التخفيض في المساعدات، نظراً للآثار السلبية المترتبة على قرارات التخفيض، داعياً كافة الجهات الدولية للعمل على زيادة الدعم المقدم للمدنيين بالمنطقة، في ظل الوضع الاقتصادي المتردي، وعدم قدرة الآلاف على تأمين احتياجاتهم الأساسية من الغذاء.
هل هناك أمل بزيادة المساعدات الغذائية؟
أفاد المدير التنفيذي لهيئة الإغاثة الإنسانية IYD طارق الإخوان، بأن قرار برنامج الأغذية العالمي بتوقيف مساعداته الغذائية كان مفاجئاً، إذ كانت هناك تواصلات ولقاءات عدة مع المدير القُطري للبرنامج، ومبعوث البرنامج في تركيا، وكانت اللقاءات في مجملها تشير إلى أن الدعم سيستمر لكن بشكل منخفض.
وبشأن وجود أمل بإعادة الدعم كما كان عليه، ذكر "الإخوان" في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أنهم يجرون مباحثات مع برنامج الأغذية العالمي حول إمكانية استمرار تقديم المساعدات بعد شهر آذار/مارس العام المقبل.
وألمح إلى أن معايير تقديم المساعدات قد تكون "أشد ومختلفة"، مقارنة بالمعايير المتبعة في العام الحالي، مضيفاً أنهم لم يتلقوا حتى الآن المعايير المحتملة، أو عدد المستفيدين الذين قد يتم استهدافهم في العام المقبل.
ويعيش في مخيمات شمال غربي سوريا ما لا يقل عن مليون و58 ألفاً و198 شخصاً، بحسب دراسة لوحدة تنسيق الدعم، يعتمد أكثر من 85 في المئة منهم، على المساعدات الإنسانية الأممية التي تدخل عبر الحدود منذ عام 2014، وفقاً لقرارات أممية تخضع في كل عام للابتزاز الروسي.