يستمر مسلسل التضييق على اللاجئين السوريين في لبنان، فبعد حملة الترحيل القسري التي شملت العديد من العائلات السورية، أطلقت الحكومة اللبنانية، الأسبوع الفائت، حزمة جديدة من القرارات ضدهم وحملة مسح لتعدادهم وتسجليهم.
واتخذت الحكومة اللبنانية - في قراراتها - إجراءات أمنية بحق اللاجئين غير النظاميين، فيما حذّرت منظمات أممية وحقوقية من مخاطر إعادة اللاجئين إلى سوريا قسراً.
-
"مسح وطني" لتعداد وتسجيل النازحين (اللاجئين) السوريين
وجّه وزير الداخلية والبلديات بسام مولوي، كتاباً إلى المحافظين ومن خلالهم إلى مسؤولي المناطق والبلديات والمخاتير، لإطلاق حملة مسح وطنية لتعداد وتسجيل "النازحين"، وكل المقيمين، وإجراء مسح ميداني لجميع المؤسسات وأصحاب المهن الحرة التي يديرها السوريون والتثبت من حيازتهم التراخيص القانونية.
وطُلب من المخاتير عدم تنظيم أي معاملة أو إفادة لأي "نازح" (لاجئ) قبل ضم ما يُثبت تسجيله، والتشدّد في عدم تأجير أي عقار لأي لاجئ سوري قبل التثبّت من تسجيله لدى البلدية وحيازته إقامة شرعية.
كذلك توجّه "مولوي" إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين آملاً التجاوب بإقفال ملفات اللاجئين السوريين الذين يعودون إلى بلادهم طوعاً وعدم إعادة فتح ملفاتهم، وتزويد المديرية العامة للأمن العام بـ"داتا" مفصّلة عنهم.
- حالة هلع
تستجد حالة الهلع بين اللاجئين المقيمين خلسةً ومن حملة الأوراق القانونيّة، بعدما دعت البلديات في لبنان، السوريين في نطاق أراضيها إلى تسجيل أسمائهم لدى قلمها مع أفراد عائلاتهم، وإحضار أوراقهم الثبوتية وعقود الإيجار في حال وجودها وإقاماتهم المسجّلة لدى الأمن العام، ودفتر القيادة وأوراق التسجيل ضمن فترة زمنية محددة، وإلا يعتبر المتخلّف عن الحضور غير شرعي وغير قانوني ويُرحّل مباشرة مع عائلته إلى الحدود اللبنانية السورية.
وهذا الهلع يتزايد مع صعوبة تأمين إقامة، ناهيك أنّ الوقت الضيق المتاح أكثر ما يُعرقل مساعي اللاجئين في "قوننة" وجودهم، ويحول دون تسجيلهم في برامج الإغاثة والمساعدات.
المحامية والحقوقية اللبنانية ديالا شحادة، وصفت في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا، الكلام السياسي الذي يُسوَّق له اليوم ضد اللاجئين السوريين بـ"العلك السياسي"، وتأسفت أن يصدر عن وزير داخلية من طرابلس هكذا قرارات مخالفة للقانون، حين صرّح بأن "الدولة اللبنانية غير ملزمة بتطبيق اتفاقية اللاجئين"، علماً أن الوزير قاضٍ.
- بيانات اللاجئين لدى الأمن العام
أشارت "شحادة" إلى أن "البيانات الخاصة بالمقيمين في لبنان سواء كانوا من اللاجئين أو غيرهم، هي موجودة لدى الدولة، منذ عام 2016، لأنها هي من تُدخلهم عبر الحدود، أما مَن يدخلون خلسة فكان الأمن العام، حتى عام 2017، يُسوّي أوضاعهم، خصوصاً في المناطق الحدودية، من أجل إجراء هذا المسح، عبر تسهيلات وإنجاز إقامات بشكل مجاني لمدة 3 إلى 6 أشهر بدل عام".
وبالتالي "الدولة اللبنانية لا تمتلك بيانات مَن دخلوا خلسة ولم يسوّوا أوضاعهم، حتى إنهم غير مسجّلين في الأمم المتحدة، لأنّ الأخيرة مجبرة بالالتزام بقوانين الدولة المستضيفة لها، وبالتالي لا تستطيع مخالفة القانون والدخول في خصومة مع الدولة بحسب برتوكولاتها ومعاييرها الدولية".
- المفوضية سلّمت بياناتها
عن رفض المفوضية مشاركة بيانتها مع الحكومة اللبنانية، قالت "شحادة" إنها "شاركت بياناتها مع الأمن العام بطلب من السلطة اللبنانية، عام 2015، لمعرفة مَن يذهب نحو سوريا ويعود للبنان، باعتبار أنّه لا يمكن اعتبارهم هاربين من الاضطهاد، وعلى أساسها شطبت الأمم المتحدة العديد من الأسماء من قوائمها وتوقّفت عن تسجيل اللاجئين الداخلين إلى لبنان، إلا في حالات استثنائية بطلب من الدولة اللبنانية".
وتابعت: "لذا البيانات موجودة لدى الأمن العام، لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما المقصود بالبيانات، وعلى الدولة اللبنانية أن تحدّد نوعية البيانات التي تمتنع المفوضية عن تسليمها، فهل يقصدون بالبيانات (الملف الكامل للعائلة أو الشخص) عن تفاصيل الجرائم التي تعرّضوا لها في سوريا مثلاً، بماذا تسفيد الدولة من هذه المعلومات؟ فهذه الأمور أمنية وتهدّد اللاجئ، خاصةً أن النظام الحاكم في لبنان بمعظمه حليف للنظام السوري الذي ارتكب بحق اللاجئ تلك الجرائم".
- "المسح ليس من صلاحيات البلدية"
وعن تكليف البلديات في إجراء مسح للاجئين، استغربت "شحادة" تكليفها بهذه المهمة، ورأت أنّ البلديات غير قادرة لجهة أنها غير مدربة لـ مسحٍ من هذا النوع من جهة، وليس لديها الموارد البشرية الكافية في بعض المناطق لتنفيذ هذه المهمة".
وأكّدت على أن هذه المهام من حيث جمع بيانات وأرقام وإحصاءات عن السكّان ليست من صلاحية البلديات، بالتالي من غير المفهوم إقحامها في ذلك"، متسائلةً: "هل الغاية من هذا المسح معرفة السوريين المقيمين في لبنان بشكل غير قانوني، لأنّ اللاجئين المقيمين بشكل قانوني تاريخ وأسباب دخولهم وخروجهم موجودة لدى الأمن العام التابع للداخلية".
- أرقام غير دقيقة
طرح مسألة عودة اللاجئين إلى "المناطق الآمنة" في سوريا وإحصاء أعدادهم ليس جديداً، لكنْ هذه المرة يبدو أنّ الحملة اتخذت منحى أكثر جدّية، وبات الحديث يتمحور أكثر حول التخوّف من التغيير الديمغرافي وخطورة وجود أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ (مليونان في بعض التقارير)، سيتحولون بحسب وصف البعض إلى "أصحاب الأرض".
حتى إنّ هذه الأصوات وصلت إلى حد احتساب عدد ولاداتهم مقارنة بولادات اللبنانيين، إذ أفيد بأن لكل 63 ألف ولادة لبنانية هناك 50 ألف ولادة سورية، وأنّه بعد عامين ستفوق الولادات السورية الولادات اللبنانية. لتصبح هذه القضية عند البعض ومنهم وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار، قضية حياة وموت، محذّراً بالقول: "سنصبح لاجئين في بلدنا".
من جانبه، المدير العام للشركة الدولية للمعلومات جواد عدرا، أكّد لـ موقع تلفزيون سوريا، أنّ "جميع الأرقام المتداولة عن أعداد اللاجئين في لبنان غير دقيقة، مستغرباً كيف يحدّد البعض أعداد اللاجئين وإحصاءهم، مردفاً: "نسعى لمعرفة الأرقام والوقائع، لكن حتى الآن من الصعب تحديدها".
وعن إمكانية البلديات من إجراء المسح للاجئين في مناطقها، قال "عدرا" إنها قادرة بالتعاون مع إدارة الإحصاء المركزي التي تمتلك الكفاءة اللازمة للعمل، وهو بالطبع بحاجة إلى نوع من التمويل ولكنه ليس بالأمر المستحيل".
واستغرب أن يتنبّه المسؤولون السياسيون لوضع اللاجئين السوريين وعددهم في لبنان اليوم، متسائلاً: "لماذا أغفلوا هذا الملف طوال هذه الفترة، وما الداعي اليوم من إثارته بشكل يثير القلق لدى المواطنين ويهدّد الوضع الأمني؟"، لافتاً إلى أنّ كيفية طرف الملف يَطرح علامات استفهام، وقد يتم استخدام اللاجئين وقوداً من أجل المصالح السياسية والرئاسية".
- حملات مشابهة
المعلوم أن محاولة الدولة اللبنانية جمع "داتا" عن اللاجئين السوريين ليست الأولى، فقد أطلقت حملة مشابهة، العام الفائت، من دون أن تصل إلى نتائج نهائية، حين ألقت المهمة أيضاً على عاتق البلديات، مزوّدة إياها بنموذج عن الأمن اللبناني لاستمارة "المعلومات الشخصية".
وفي العام 2018، عمّمت أيضاً على البلديات ضرورة إحصاء أعداد اللاجئين، إلا أنها لم تستمر مع بداية الأزمة الاقتصادية، وما رافقها من تحركات شعبية، إضافة إلى انتشار جائحة كورنا والحجر الصحي.
- البلديات عاجزة
بينما تأنّ البلديات في لبنان، مع تراجع مداخيلها بشكل كبير متأثرة بالأزمة المالية ما أدى للتخلّي عن خدمات قسم كبير من موظفيها، يشكو عدد كبير منها من توكيلها بمهام جديدة مرتبطة بملف السوريين؛ مع تكليفها بإجراء حملة مسح وإحصاء وتسجيل شامل لأعدادهم، وتسجيل كل المقيمين ضمن نطاقها وملاحقة المخالفين.
علماً أن البلديات ونتيجة الأزمة المالية لم تعد، منذ العام 2019، قادرة على القيام بأبسط واجباتها وخصوصاً في البلدات والقرى الصغيرة؛ لكون الأموال التي تجبيها وتحصل عليها من الصندوق البلدي المستقل ما تزال على سعر صرف 15000 ليرة للدولار، علماً بأن سعر الصرف الفعلي يقارب الـ100 ألف ليرة.
بشير مطر - رئيس بلدية القاع اللبنانية - أشار في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا، إلى العبء الكبير الذي وُضع على عاتق البلديات بشأن إجراء المسح الوطني للاجئين، وأنه يشكّل ضغطاً كبيراً عليها لا سيما في ظل الأزمة المالية التي تمر بها البلاد والتي أرخت بظلالها على البلديات وعملها، لكنه أردف: "أولاً وأخيراً ورغم كل الصعوبات، البلدية ملزمة بقرارات الداخلية".
وحول الصعوبات التي تواجه بلدية القاع، قال: "على سبيل المثال في نظامها وهيكلها وشرطتها وموازنتها نظمت على أساس خدمة 10 آلاف مواطن كحد أقصى، في حين أن عدد سكّان البلدة يتخطى الـ45 ألف مواطن بموازنة لا تتخطى الـ7 آلاف دولار".
وأشار إلى أن "كتاب الداخلية زاد الأعباء على البلدية التي يقع على عاتقها اليوم إحصاء نحو 33 ألف لاجئ في القرية الحدودية بين لبنان وسوريا بحسب مطر، وهو ما يتطلب إمكانات مالية ولوجستية ناهيك عن تكاليف الأوراق والحبر لهذه العملية".
وتابع: "البلدية تعمل على برنامج معين تستطيع من خلاله جمع البيانات والمعلومات المتعلقة بمسقط رأس كل لاجئ سوري، من لديه أملاك خاصة كسيارات عدد الزيجات في لبنان والأطفال وغيرها، كل هذه الأمور مكلفة ماديا ولكن البلدية مجبرة على إنجازها حتى لو سنضطر للاستدانة"، مشدّداً على أنّه "يجب التمييز بين النازح المطلوب في سوريا ومَن ما يزال على تواصل مع سوريا ونحن ضحايا النظام السوري أيضاً وعلينا تطبيق القانون".
وبحسب أوساط معنية بالشأن البلدي، إنجاز إحصاء نهائي ودقيق يبدو شبه مستحيل نظراً لوضع البلديات، لا سيما أن العمل الذي كُلّفت به يتطلب فريق عمل واسع، خصوصاً في البلدات التي يوجد فيها اللاجئون بأعداد ضخمة. كما أن إطلاق هذه الحملة بعد سنوات لا يبدو أنه سيحقق الغاية من تقديم داتا مفصلة ودقيقة.
- تصاعد الحملة ضد اللاجئين
تتزامن الإجراءات الجديدة مع تصاعد الحملة السياسية والتحركات الحكومية لإعادة اللاجئين. ورغم عدم وجود إحصاء لعمليات المداهمات التي تعرضت لها المخيمات، إلا أن مركز "الوصول" لحقوق الإنسان، المتخصص بجمع بيانات ومتابعة أوضاع اللاجئين السوريين، وثّق ما لا يقل عن 200 عملية ترحيل في نيسان الفائت.