تواصل أسعار المواد الغذائية بالارتفاع في مختلف أسواق المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، على الرغم من انخفاض سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة في الأيام القليلة الماضية، وسط غياب شبه تام لـ "وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك" عن المشهد.
فبحسب تقرير أوردته صحيفة "الوطن" المقربة من النظام، فقد سجّلت أسعار المواد الغذائية، وخاصة الفروج، ارتفاعاً قياسياً خلال الفترة الممتدة منذ يوم الخميس الفائت وصولاً إلى اليوم الأحد.
وقالت الصحيفة إن كيلو شرحات الفروج على سبيل المثال، ارتفع نحو 10 آلاف ليرة بدون معرفة الأسباب، خاصة أن سعر الصرف كان مستقراً نسبياً خلال تلك الأيام مع تسجيل انخفاض أيضاً أمس السبت، ما أدّى إلى ثبات سعر الأعلاف وعدم تعرضه لزيادة غالباً ما يتذرّع بها التجار لتبرير رفعهم أسعار الفروج. كما أن الأيام الحالية خالية من مختلف الأعياد الاجتماعية التي تستخدم كذلك لتبرير الغلاء.
قلّة الإنتاج ورفع الأسعار!
وعقب صدور مرسوم "رئاسي" يقضي بـ "تعديل قانون ضريبة الدخل" وإعفاء المداجن والمباقر من الضرائب والرسوم، في أواخر آب الماضي، كان من المفترض أن يخفض ذلك التعديل من تكاليف العملية الإنتاجية، وأن يساهم في دخول مربي دواجن جدد، وتشجيع المربين الذين دفعهم الغلاء إلى إغلاق مداجنهم للعودة مجدداً إلى خط الإنتاج، ما يؤدي إلى زيادة حجم الإنتاج الحيواني بمختلف أشكاله؛ من فروج وبيض ولحوم وألبان وأجبان وغيرها، وطرح تلك المواد بكثرة في الأسواق، مع انخفاض سعرها أيضاً، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث.
وبحسب ما ورد في نصّ المرسوم الصادر في الـ28 من آب الفائت، فقد قضت التعديلات بإعفاء كامل أرباح منشآت المباقر والمداجن من الضريبة على الدخل اعتباراً من العام الفائت (2022)، وقبول تخفيض نفقات المسؤولية الاجتماعية والتبرّعات المدفوعة من قبل المكلفين بما لا يتجاوز 4 بالمئة من الأرباح الصافية الخاضعة للضريبة.
"رفع أسعار المحروقات وضعف القدرة الشرائية"
ووفق ما ذكر المصدر، فقد لوحظ وجود حركة ضعيفة جداً وتكاد تكون معدومة على شراء الفروج في بعض محال منطقة جديدة عرطوز بريف دمشق الغربي، وذلك بسبب ضعف القدرة الشرائية عند المواطنين، ما أدى إلى عزوف الباعة عن شراء كميات كبيرة خشية عدم بيعها ومن ثم تلفها لعدم وجود أماكن لتخزينها.
وأرجع أحد تجار الفروج ارتفاع سعره إلى غلاء مستلزمات الإنتاج، من أعلاف ومحروقات وأدوية ويد عاملة، مؤكداً أن "الأسعار الحالية لا تتناسب مع الكلفة"، ولكن ضعف القدرة الشرائية لدى المواطن أدى إلى عزوفه عن شراء المادة، لتصبح عملية شراء الفروج محصورة بالعائلات الميسورة الحال.
وكشف المصدر أن "مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك" بريف دمشق لم تردّ على الاستفسارات المتعلقة بأسباب ومبررات ارتفاع أسعار الفروج، مشيراً إلى أن آخر نشرة تسعير للفروج كانت قد صدرت من "حماية المستهلك" قبل نحو أسبوع.
ألبان وأجبان حماة خارج منازل المواطنين!
أما محافظة حماة الشهيرة منذ القِدم بأجبانها وبمختلف مشتقات الحليب، فقد تأثرت هي الأخرى برفع أسعار المازوت والبنزين الذي أعقب مرسوم زيادة الرواتب (100 بالمئة) في منتصف آب الماضي، وبالرفع الثاني لأسعار المادتين المذكورتين، والذي أُعلن عنه في الـ28 من نفس الشهر، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الألبان والأجبان في المحافظة بنسبة 80– 90 بالمئة، بسبب تكاليف وأجور النقل المرتفعة.
وتذكر صحيفة "الوطن" في تقرير آخر، اليوم الأحد، أن العديد من المواطنين أضافوا مادتي الجبن ولبن الغنم إلى قائمة المواد الغذائية المحظورة داخل منازلهم، كبقية المواد التي أضحى الحصول عليها بمنزلة حلم بسبب ثمنها المرتفع.
ونقل المصدر عن الموظف (محمد) وهو رب أسرة مكونة من 5 أشخاص، أن مادتي لبن الغنم والجبن لم تدخلا منزله منذ نحو شهر لعدم قدرته على شرائهما. وقال إنه كان قبل تلك الفترة يشتري الجبن للأولاد الصغار بالقطعة، أي بما يعادل ربع كيلو غرام وفي أحسن الأحوال نصف كيلو غرام، ومن اللبن (عبوة بسعة كيلو غرام واحد). أما اليوم، فقد قفز سعر كيلو لبن الغنم إلى 13 ألف ليرة، وكيلو الجبن تجاوز الـ30 ألفاً.
"اقتصار المائدة على زيت القلي والزعتر"!
من جانبها، أفادت (بثينة) وهي مهندسة وأم لولدين، بأن الغلاء الفاحش الذي ضرب الأجبان والألبان في حماة جعلها تلغيها من مائدة الفطور أو العشاء، وأصبحت تلك المائدة تقتصر على "زيت القلي (أونا) والزعتر فقط، بعد تحليق أسعار البيض الذي أدى إلى اختفاء تلك المادة عن المائدة أيضاً"، بحسب ما نقلت الصحيفة.
وذكر بعض الباعة في سوق اللبن بحماة أن أسعار الألبان والأجبان شهدت ارتفاعات متتالية ما نسبته نحو 80– 90 بالمئة عن الشهر الماضي. وأوضحوا أن كيلو لبن الغنم كان يباع في شهر نيسان الماضي بنحو 5 آلاف ليرة قبل أن يرتفع في شهر أيار ويصبح بنحو 8 آلاف ليرة، ووصل في آب لقرابة 9500 ليرة. أما اليوم فصار لبن الغنم يباع بـ13 ألف ليرة سورية، ولبن البقر بنحو 8 آلاف ليرة سورية.
وكذلك الأمر بالنسبة لسعر جبن الغنم (الصافي)، إذ كان يباع الكيلو الواحد منه في شهر نيسان الماضي بنحو 15 ألف ليرة، وفي أيار وصل لنحو 18 ألف ليرة، وفي مطلع آب كان يباع بـ22 ألفاً، ليقفز اليوم إلى 36 ألف ليرة سورية، أما الجبن المغشوش (المخلوط بجبن البقر) فيباع بقرابة 30 ألف ليرة سورية.
بسبب ارتفاع سعر الحليب وأجور النقل
عدد كبير من منتجي الألبان والأجبان ومن أصحاب معامل إنتاجها، برروا ارتفاع أسعار منتجاتهم بارتفاع سعر الحليب الذي كان بنحو 4 آلاف ليرة ليصبح اليوم بنحو 7 آلاف ليرة "وبسعر الجملة!"، إضافة إلى أجور النقل التي ارتفعت لأكثر من 80 بالمئة نظراً لارتفاع البنزين والمازوت.
ولفت بعض المنتجين إلى أن "أسعار العلف التي ارتفعت مؤخراً بشكل مريع، أسهم بالطبع في رفع أسعار الألبان؛ إذ وصل سعر الطن الواحد من الخلطة العلفية إلى نحو مليونين ونصف المليون ليرة سورية".
أما مديرية "حماية المستهلك" في المحافظة، فاكتفت بالقول إن تسعير الألبان والأجبان "يتم بعد تقديم المنتجين والتجار بيانات كلفة مع تحديد هامش ربح معقول". وكعادتها، زعمت حماية المستهلك أن دورياتها "تتابع عمليات البيع وفق الأسعار المحددة والمعلنة، وكل مخالفة تستوجب العقوبة"، مشيرة إلى أنها نظّمت خلال الشهر الماضي "عشرات الضبوط بحق المخالفين بالسعر والمواصفات"، من دون أن تطرح حلاً من شأنه أن يرضي الباعة والمستهلكين على حد سواء.
الخضر والفاكهة وزيت الزيتون
بالإضافة إلى الألبان والفروج، سجّلت أسعار الخضر والفواكه هي الأخرى ارتفاعاً كبيراً في الأيام القليلة الماضية، فس حين بلغ سعر الصفيحة الواحدة من زيت الزيتون (17 كيلوغراماً) مليون ليرة سورية بالرغم من حلول موسمه.
وذكرت صحيفة "الثورة" الناطقة باسم النظام السوري أن الخضر والفواكه -ولنفس الأسباب المذكورة سالفاً- ارتفع سعرها كثيراً "رغم أن بعضها في موسمه ومنها التفاح والعنب والباذنجان، حتى الحشائش. أما البندورة فهي تتجه صعوداً وأصبح سعرها في سوق الهال بـ5500 ليرة"، وفق ما نقلت الصحيفة عن أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزة.
ارتفاع سعر البطاطا رغم توقّف تصديرها!
وبخصوص مادة البطاطا، فقد وصل سعر الكيلو منها إلى 5600 ليرة في بعض مناطق العاصمة دمشق بالرغم من قرار "وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية" القاضي بإيقاف تصدير مادة بطاطا الطعام بدءاً من الخامس من الشهر الجاري وحتى بداية شهر تشرين الثاني المقبل.
عضو لجنة تصدير الخضر والفواكه في سوق الهال بدمشق محمد العقاد، وصف قرار وزارة الاقتصاد بأنه "خطوة مهمة". وأوضح في تصريحات صحفية أن الإنتاج المحلي من البطاطا لا يكاد يكفي حاجة السوق المحلية، لافتاً إلى أن الكميات التي كانت تصل إلى سوق الهال في دمشق تتراوح بين 300- 400 طن يومياً "علماً أن محافظتي دمشق وريفها تحتاجان إلى 500-600 طن يومياً من المادة". أما في ريف دمشق، فقد وصل سعر كيلو البطاطا في بعض المناطق والأسواق إلى 7500 ليرة، بدون أن ينخفض -كما يُفترض- بعد إعلان إيقاف التصدير.