icon
التغطية الحية

تقسيمات إدارية جديدة وقانون انتخابات.. "قسد" تسير نحو التقسيم

2024.05.31 | 12:13 دمشق

قوات سوريا الديمقراطية في الرقة، أرشيف ـ رويترز
تلفزيون سوريا ـ باسل المحمد
+A
حجم الخط
-A

أصدرت "الإدارة الذاتية" ما سمته قانون التقسيمات الإدارية في مناطق سيطرتها شمال شرقي سوريا، في الأول من شهر أيار الجاري، وبناء على القانون فإن هذه المناطق باتت تعتبر إقليماً واحداً ًمقسماً إلى 7 مقاطعات رئيسية، وهي الجزيرة، دير الزور، الرقة، الفرات، منبج، عفرين والشهباء، والطبقة؛ بحيث تتكون المقاطعة من مدن وبلدات وقرى ومزارع ووحدات سكنية.

وقد جاء هذا القانون ترجمةً لما نصَّ عليه العقد الاجتماعي، الذي اعتمدته "الإدارة الذاتية" أواخر العام الماضي، والذي تضمن تسمية جديدة وهي "الإدارة الذاتية الديمقراطية في إقليم شمال وشرق سوريا"، إضافة إلى اتخاذ خطوات لاستحداث بعض المؤسسات مثل “مؤسسة الرقابة”، وستكون تابعة لـ”مجلس الشعوب”، بدلاً عن المجلس التنفيذي، و"محكمة حماية العقد الاجتماعي" وهي بمنزلة محكمة دستورية، إضافة إلى نصوص تتعلق باللغات الرسمية للإقليم، وضمان الحقوق الاقتصادية والسياسية والثقافية للأكراد والسريان، والحفاظ على الخصائص التاريخية والبنى الديموغرافية الأصيلة للمناطق المذكورة آنفاً.

إلى جانب ذلك كانت مناطق سيطرة "قسد" بتقسيماتها الجديدة على موعد مع أول انتخابات بلدية في المنطقة يوم 30 أيار الجاري، إلا أن المفوضية العامة للانتخابات التي أعلنت "قسد" عن تشكيلها في شهر كانون الثاني الماضي أعلنت عن تأجيل هذه الانتخابات إلى شهر حزيران المقبل.

هذه القوانين والإجراءات التي اتخذتها "قسد" تشير إلى تغييرات واضحة في الخريطة السورية، على المستوى الجغرافي والاجتماعي والسياسي، ما زاد مخاوف السوريين من محاولات “الإدارة الذاتية” المتواصلة لشرعنة وجودها في المنطقة، وتمكينها أكثر من الهيمنة على مناطق سيطرتها، في خطوات قد تمهد للفيدرالية مستقبلاً، وهو ما لاقى رفضاً واسعاً من مختلف القوى السياسية السورية المعارضة.

الخارجية الأميركية تعلق على انتخابات "قسد"

علّقت وزارة الخارجية الأميركية على الانتخابات التي تعتزم "الإدارة الذاتية" إجراءها في المنطقة، مؤكدة أن "شروط الانتخابات الحرة والنزيهة في شمال شرقي سوريا غير متوفرة".

وقال نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، إن "أي انتخابات تجري في سوريا يجب أن تكون حرة ونزيهة وشفافة وشاملة، كما يدعو قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254"، مضيفاً أن الولايات المتحدة "لا تعتقد أن هذه الشروط متوفرة بالانتخابات في شمال شرقي سوريا".

وأشار المسؤول الأميركي إلى أن وزارة الخارجية الأميركية "نقلت ذلك إلى مجموعة من الجهات الفاعلة في شمال شرقي سوريا".

إعطاء شرعية للأمر الواقع

حرصت "قسد" منذ إعلان تشكيلها عام 2013 وسيطرتها على مناطق شمال شرقي سوريا بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على إصدار عدة قوانين وتشريعيات، هدفت من خلالها إلى كسب غطاء قانوني لسلطة الأمر الواقع التي تفرضها بالقوة على سكان المنطقة.

وحول شرعية هذه القرارات أكد مركز الحوار السوري في دراسة حول الخطوات والقوانين التي أصدرتها “الإدارة الذاتية” في الآونة الأخيرة وخاصة "العقد الاجتماعي" وما تضمنه من قوانين انتخابات وتقسيمات إدارية أنها فاقدة لشرعية الجهة التي يمكن أن تُصدر مثل هذه الوثيقة، وكذلك تفتقد المسار الإجرائي من جهة عدم وجود مشاركة مجتمعية في صياغته، وتهميشه رُؤى الناس من مختلف المكوّنات، بما فيها "المكوّن الكردي".

وأوضح المركز أن العقد اقتصر على منطقة جغرافية معينة، بما يعنيه ذلك من إمكانية أن يشكّل مثل هذا السلوك عاملاً إضافياً للشروخ المجتمعية القائمة أصلاً. ولذا لا يمكن بحال من الأحوال وصف الوثيقة تلك بـ”عقد اجتماعي”؛ فهي رؤية حزبية خاصة بـ”قسد” لإدارة المنطقة، غُلفت بنصوص عامة وشعارات إنسانية يسهل معها تسويق الوثيقة باعتبارها “عقداً اجتماعياً” يؤسس مستقبلاً لشرعية التقسيم والانفصال.

من جهته يوضح الباحث في الشأن الكردي بمركز عمران للدراسات أسامة شيخ علي أن ما تقوم به "قسد" في الآونة الأخيرة فاقد لأي شرعية قانونية أو سياسية، وهو محاولة لإعطاء نوع من الشرعية السياسية أو الاجتماعية للواقع الذي فرضته "قسد" بالقوة.

ويضيف شيخ علي في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن هذه الخطوات تندرج ضمن سعي "قسد" للعب على الوقت ومحاولة فرض أمر واقع لأي جولة مفاوضات مستقبلية للضغط وكسب أوراق تفاوضية، وبالتالي هذه القرارات تحاول قسد من خلالها ترسيخ الفيدرالية، التي لطالما دعت إليها في أدبياتها.

تفكيك كتل سكانية لصالح "قسد"

سعي "قسد" للسير بطريق "الفدرلة"، وتثبيت حدود المناطق التي تسيطر عليها، تجلى أيضاً بقانون "التقسيمات الإدارية"، إذ عملت "قسد" على التلاعب به من خلال القفز على قانون الإدارية المحلية الذي كان معمولاً به أيام النظام السوري رغم أنه لم يكن منصفاً ولا عادلاًـ وأتت بتسميات جديدة لها أبعاد حزبية وسياسية؛ مما يشكّل خطراً على هوية المنطقة والملكيات وقوانين الاستملاك وحقوق المواطنين.

وفي سياق الحديث عن هذه التقسيمات الإدارية يكشف الباحث أحمد القربي مدير وحدة التوافق والهوية المشتركة في مركز الحوار السوري أن "قسد" استخدمت شيئاً أقرب إلى التغيير الديمغرافي، من خلال تثقيل للمناطق التي لها حضور مقابل تفتيت أصوات المناطق المعارضة لها.

ويضرب القربي مثالاً على ذلك بالقول نعرف أن المكون العربي موجود في ثلاث مناطق رئيسية هي الرقة ودير الزور ومنبج، وبالنظر إلى التقسيمات الإدارية التي أقرتها "قسد" نجد أن دير الزور جرى تقسيمها إلى 5 مدن، الرقة 3 مدن، الطبقة 3 مدن، ومنبج إلى مدينتين، فالمجموع أصبح 13 مدينة، بينما في المقابل نجد أن إقليم الجزيرة وحده 15 مدينة، يعني أن "قسد" جعلت من محافظة الحسكة مساوية لمحافظتي دير الزور والرقة ومدينة منبج على الرغم من الفرق الشاسع في المساحة.

ويشدد القربي على أن قانون "التقسيمات الإدارية" لم يفكك الكتل السكانية فقطـ وإنما وزَّن كتلاً سكانية، وأن هناك مناطق غير موجودة على الجغرافيا أعطاهم أصواتاً وحضوراً مثل منطقتي عفرين والشهباء، المتمثلة بـ7 مدن وهي بهذه الحالة أكثر من دير الزور أو منبج، وهي طريقة النظام نفسها الذي حول بها طرطوس من مدينة صغيرة إلى محافظة ليكسب وزنها وأصواتها.

يشار إلى أن القانون شمل مناطق خارجة عن سيطرة “قسد”، ومن بينها رأس العين التابعة لمحافظة الحسكة، وتل أبيض التابعة لمحافظة الرقة التي خسرتها في عملية “نبع السلام” في تشرين الأول 2019، إضافة إلى مدينتَي عفرين وجنديرس اللتين أيضاً خسرتهما في عملية “غصن الزيتون” في كانون الثاني 2018، وتقع جميعها حالياً تحت سيطرة الجيش الوطني والقوات التركية.

أهداف مستقبلية لـ"قسد"

لا تقتصر أهداف "قسد" من هذه الخطوات الاستباقية على فرض واقع عسكري وسياسي أو ممارسة حكم لا مركزي في المناطق الخاضعة لسيطرتها فقط، وإنما المراقب لسلوك “الإدارة الذاتية” في الآونة الأخيرة يجد أن هناك أهدافاً أخرى تتعلق بمستقبل سوريا عامة، تسعى "قسد" لتحقيقها.

وهذا ما يؤكده الباحث أسامة شيخ علي بالقول إنه "إذا وضعنا إطاراً عاماً أو سياقاً لما تقوم به قسد، نجد أنها تفكر بتحضيرات اليوم التالي، وتحاول أن تزيد أوراق القوة لديها، بحيث يكون لها دور وتأثير بصناعة الحل المستقبلي في سوريا".

ويشير الباحث شيخ علي إلى أن "قسد" من "خلال أوراق القوة التي تملكها؛ ومنها القوة العسكرية الصلبة والعلاقات الدولية القوية، والتنظيم الإداري القوي، إضافة إلى الخطوات التي اعتمدتها في الآونة الأخيرة تحاول من خلال ذلك كله الظهور بمظهر الجهة التي تفكر بمنطق الدولة وليس بمنطق الميليشيا أو منطق الأقلية". وبالتالي هي "تتحدث عن موضوع انتخابات و"عقد اجتماعي" وهذا الأمر بصراحة قد يؤتي بنتيجة، من خلال مواقف بعض الدول تنظر إلى قسد نظرة إيجابية". 

ويوضح شيخ علي أن "قسد" تلقت هذه الإشارات وتمشي في هذا الاتجاه، لأن الوضع الدارج في سوريا هو موضوع (الميليشياتية والفصائلية) سواء عند النظام أو المعارضة أو "قسد"، التي تحاول الظهور بشكل مختلف أمام الرأي العام الدولي وتحاول أن تسوق لهذا الموضوع عبر حملات مناصرة تقوم بها في الأمم المتحدة وفي أوروبا بشكل عام.

وكان "مظلوم عبدي" زعيم "قسد" أكد في تصريحات صحفية سابقة أنه لا يمكن العودة لسوريا ما قبل عام 2011، مؤكداً أهمية مشاركة الكرد والمكونات السورية كافة في مفاوضات الحل السياسي.

وادعى عبدي أن "كل محاولات حل الوضع السوري والمفاوضات التي حصلت طوال السنوات الماضية في ظل غياب ممثلين عن الإدارة الذاتية، لم تحقق إلى الآن أي نتائج يمكن أن تلبي حاجة السوريين".

يذكر أن أكبر عقبة تواجه مشروع "قسد" في المنطقة هو معارضة الجانب التركي الذي يعدها امتداداً لتنظيم حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) المصنف على قوائم الإرهاب التركية، بالمقابل تحظى "قسد" بدعم دولي وخاصة من الولايات المتحدة التي تعتبرها حليفاً أساسياً في محاربة تنظيم "داعش".