شهدت تركيا في الأيام الأخيرة حركة سياسية مكوكية وعلى أعلى المستويات فهذه الزيارات ما هي إلا دليل على أن الوضع السياسي المقبل لتركيا سيكون متقدماً ومهماً في الأزمة الروسية الأوكرانية وعلى أصعدة متعددة أخرى، فزيارة رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس لنظيره التركي رجب طيب أردوغان تعطي انطباعا بأن الصراع الأوروبي التركي يتجه نحو التهدئة، فاليونان والتي تعد رأس الحربة في هذا الصراع حملت تلك الرسالة إلى إسطنبول فالوضع في شرق أوروبا مقلق بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
وعلى الصعيد الآخر تأتي رسالة الدعم الثانية من الاتحاد الأوروبي عبر زيارة المستشار الألماني أولاف شولتس إلى أنقرة في زيارة استقبالية حافلة من قبل الرئاسة التركية فألمانيا ذات الوزن الاقتصادي الأكبر في الاتحاد الأوروبي وحتى على الصعيد الثنائي مع تركيا جاءت لتعطي دعماً واضحاً لتركيا لتستمر في الوساطة بين روسيا وأوكرانيا وأيضاً لتذكر تركيا أنها جزء من أوروبا وأنها معنية في حماية البوابة الشرقية لها وأن سياسة الحياد المتبعة الآن لا يمكن أن تستمر لفترة طويلة إذا طالت الحرب الروسية الأوكرانية وعليه فإن تركيا ستتعجل في تلك الوساطة المدعومة أوروبياً نوعاً ما فنجاح تركيا عبر وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو في جمع وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا قبل أسبوع أعطى انطباعاً بأن الدبلوماسية التركية لديها قنوات جيدة مع موسكو لإقناعها في تليين بعض المواقف لها تجاه أوكرانيا وأن الجهود التركية إذا حظيت بدعم فاعل وإيجابي ربما يُكتب لها النجاح.
عدة دول أخرى دخلت على خط الوساطة في الحرب الروسية الأوكرانية ولا شك في أن هذه الدول لها باع ونجاحات سابقة وربما زيادة عدد الدول التي تريد أن تكون واسطة حل في هذه الحرب قد تسبب ضغطًا إيجابياً على روسيا من أجل قبول الحل السلمي ولعله من الأفضل أن تتضافر جهود هذه الدول مجتمعة وبتنسيق كبير عبر دولة واحدة فتصبح بذلك أكثر فعالية في وساطتها بين موسكو و كييف وهنا لا بد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة تخفيف نبرة الهجوم على روسيا من الناحية الإعلامية وعدم شيطنة الرئيس بوتين أمام مجتمعاتها أو عبر ماكينة الإعلام الهائلة التي تمتلكها وذلك تجنباً للإحراج فلا يمكن لموسكو أن تقبل على نفسها صورة المنهزم، خاصة أنها دخلت هذه الحرب تحت شعار حماية أمنها القومي فأي انسحاب أو تراجع فستكون له تداعيات خطيرة على الرئاسة الروسية، لذلك لا بد من إيجاد صيغة مرضية للطرفين ولن تكون هذه الصيغة إلا عبر طرف محايد قوي قادر بالقيام بدور الوسيط مع دعم غربي له.
عدة دول أخرى دخلت على خط الوساطة في الحرب الروسية الأوكرانية ولا شك في أن هذه الدول لها باع ونجاحات سابقة وربما زيادة عدد الدول التي تريد أن تكون واسطة حل في هذه الحرب قد تسبب ضغطًا إيجابياً على روسيا من أجل قبول الحل السلمي
تركيا وإن كانت تمتلك أوراقا قوية و مهمة للضغط على روسيا إلا أنها لا تكفي من دون دعم وضغط من الكتلة الأوروبية و الأميركية، فبالرغم من أن تركيا قد تكون القوة العسكرية الوحيدة المنافسة لروسيا في البحر الأسود وشرق أوروبا والقوة الناعمة النافذة في دول الرابطة التركية والتي تشكل القوس الأمني الجنوبي لروسيا ذات النفوذ القوي في تلك الدول علاوة على تحكمها بمضائق البوسفور والدردنيل، لا يمكن اعتبار تركيا بأنها قادرة وحدها على الضغط على روسيا لإقناعها أو إرغامها على إيقاف الحرب، فالأدوات التي تمتلكها تركيا تحتاج لدعم أوروبي و أميركي لتصبح أكثر فاعلية ونفوذاً لتحقق نتائج إيجابية وجيدة.
لا شك في أن العقوبات الاقتصادية التي تواجهها روسيا ستؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على تركيا بل على عدة دول أخرى حتى الصين نفسها ولذلك الحرب الروسية الأوكرانية إذا طال أمدها فلن تبقى بين طرفين اثنين بل إن الأمور سوف تتعقد أكثر وسوف تنخرط دول أخرى في هذه الحرب وهذا ما يجب إقناع موسكو به بأن الخسائر المقبلة ستكون فادحة على روسيا وطبعًا على أوكرانيا بكل الأحوال فلن يقبل أحد باحتلال أوكرانيا أو تقسيمها أو حتى ضم أراضيها فكل هذا السلاح والمقاتلين المتدفقين على أوكرانيا لتعطيل مخططات موسكو أولاً واستنزافها ثانياً، فهذه الحرب بين دولة عظمى تحارب دولة تدعمها دول عظمى ولا يمكن لأحد أن يتوقع النتائج المستقبلية ولا يمكن لروسيا الاستمرار في الخسائر الاقتصادية والإعلامية وربما العسكرية لفترة طويلة وهنا لابد من دعم تركيا أو غيرها لإنجاح الوساطة بين روسيا وأوكرانيا.