من نتائج التَّهجير الذي طال معظم السوريين ورحلة لجوء الكثير منهم إلى بلدانٍ أكثر أمناً، أملاً في الحصول على ظروفٍ حياتيةٍ أفضل، كانت هجرة نسبة ليست قليلة من فئة الشباب دون إكمال تعليمهم أو الحصول على خبراتٍ مهنيَّةٍ تخولَّهم الدخول إلى سوق العمل.
محمد رشواني من مواليد حلب 1997، لجأ إلى تركيا مع أهله وهو في سنِّ السادسة عشرة إلى ولاية بورصة غربي تركيا، وحقّق نجاحاً فريداً، بناءً على ما مرَّ به من ظروفٍ والنتيجة الَّتي وصل لها.
يتحدّث محمد لـ موقع تلفزيون سوريا، عن قصّته التي بدأت من مشغل خياطة من دون أيِّ خبراتٍ سابقة أو تجربة في هذا المجال، وكان عمله بهدف المساندة بإعالة أهله.
وبعد عامين شعر بالحاجة إلى تطوير قدراته، ووفق قوله: "بدأتُ بتعلُّم اللُّغة التركيَّة، ثم بحثتُ عن عملٍ آخر، فلم أكن راضياً عن عملي من وراء الماكينة أو في المعامل، بحثتُ في عدة مجالات، لكن لم أقتنع وشعرتُ أنَّ عليَّ الاستفادة من المهنة الَّتي تعلَّمتُها خلال الفترة الَّتي مضت، وفكرتُ في مجال التصميم".
وخلال ما يقارب عامين، درس "رشواني" تصميم الملابس، وبعد إتقانه له تدرَّجَ مهنيَّاً كمساعد مصمّم، ثمَّ مصمم في شركة تركيَّة، إضافة إلى السنوات الَّتي مضت، تكون حصيلة عمله في مجال الخياطة خمس سنواتٍ من "2014 حتى 2019".
وتابع "رشواني" قائلاً: "عملتُ مساعد مصمّم ستَّة أشهر، وبعدَ عملي كمصمم لمدة عام، أصبح لديَّ خبرة ومعلومات وشعرتُ بمتعة الوصول - بفضل اللَّه - فلماذا لا أساعد غيري على الوصول كذلك".
ومن هنا تبدأ نقطة التحوُّل، من شخص عمِل على تطوير خبراته ليعيش حياة أفضل، إلى شخصٍ أرادَ مساعدة مَن لهم تجربة شبيهة في هذا المجال، خاصةً السوريين العاملين وراء ماكينات الخياطة، وهي نسبةٌ كبيرةٌ.
ووفق رأي ومشاهدات "رشواني"، الكثير من العاملين السوريين ليسوا راضين عن عملهم، للأسباب ذاتها، من البحث عن عمل بهدف إعالة أنفسهم أو أسرهم من دون خبرات كافية أو مسبقة وصعوبات التطوِّير، منها التَّكاليف الباهظة نسبةً لرواتبهم، والتزماتهم في حال أرادوا الحصول على تدريبٍ/ دورةٍ في مجال تصميم الملابس على سبيل المثال.
هداية مشلَّح - فتاة سورية تبلغ من العمر 23 عاماً - تحدَّثتْ لـ موقع تلفزيون سوريا عن قصتها المشابهة لقصة محمد رشواني، وقد لجأت إلى تركيا مع عائلتها، عام 2016، وعمِلت في المجال نفسه أيضاً، بلا هدفٍ واضحٍ بدايةً، عدا الهدف المادِّي.
وعندما حاولت "مشلّح" التطوِّير من قدراتها المهنيَّة اصطدمت بالأجور العالية لدورات التصميم، مشيرةً إلى تجاوز هذه العقبة: "بدأ هذا الحلم بالتَّلاشي تدريجياً، حتَّى ظهر أمامي إعلانٌ لدورة تصميم وباللُّغة العربيَّة وبسعرٍ مناسب، فشعرتُ أنَّها الفرصة المناسبة والوقت المناسب، وكان أستاذ الدورة (محمد رشواني) متعاوناً جداً معي، وصبرَ عليَّ حتَّى استطعتُ شراء (لابتوب)، ولم يجعلني أشعر بعبء تكاليف الدورة".
"رشواني" بدأ في إعطاء دورات تصميم الملابس، عام 2020، وخصّص قسماً من وقته ومجهوده للسورييِّن بأجور تُعتبر رمزيَّة، مساهماً بتجاوز الصعوبات، الَّتي خبِرَها لما يقارب المئة من المتدرِّبين، العشرات منهم بدؤوا وأثبتوا أنفسهم في سوق العمل.
كذلك، تحدَّثَ محمد طفي (23 عاماً) عن هذه التجربة قائلاً: "بدأتُ في مجال الخياطة عند وصولي إلى تركيا عام 2014 حتَّى عام 2021، ثمَّ أردتُ التَّطوير من عملي، فسألتُ عن كلفة دورة تصميم أزياء الأطفال وكانت نحو 3000 دولار، ليشاهد بعدها إعلان التَّدريب أيضاً، ويتعلَّم التَّصميم من بدايته، وكيف أحدث ذلك فارقاً في حياته المهنيَّة وخلال فترةٍ وجيزةٍ.
وأضاف: "قبل أن أنهي التَّدريب بشهرٍ تقريباً، توفقتُ بفرصة عملٍ بدعمٍ من محمد رشواني، حتَّى تمكنتُ من نفسي، والآن استلمتُ شركةً الحمد للَّه، يوجد فارقٌ كبيرٌ بينَ الآن وعملي السابق على ماكينة الخياطة 12 ساعة وبأجور زهيدة".
وتشير الشابة السورية هداءة إلى أهمية نقل الخبرات للآخرين، قائلةً لـ موقع تلفزيون سوريا: "الحمد للَّه أنَّه ما زال هناك أشخاص لديهم حسٌّ المسؤولية تجاه أي عمل يعملونه، ومحمد رشواني كان منهم، فلم يكن ينظر إلى الناحية الماديَّة، بل كان يتابع معنا خطوةً بخطوةٍ ويجيبُ عن أسئلتنا بصدر رحب".
اقرأ أيضاً.. لاجئات سوريات يؤسسن علامة تجارية في إسطنبول
يواصل "رشواني" إطلاق مثل هذه التَّدريبات، والوصول إلى أشخاص آخرين لمساندتهم في تطوِّير مهنتهم، ما ينعكس على حياتهم بشكلٍ عام، أشخاص عاشوا ظروفاً مشابهة لما عاشه أو غيرها من الظروف، لكنَّها شكَّلت تراكماتٍ وعوائق أمام حياةٍ أفضل، معتمداً أسلوباً يرَّكزُ على تطوير مهارات الشخص بما يسمح له بمعيشةٍ كريمةٍ.