قبل اندلاع الحرب في سوريا، كان محمد الحمود خياطاً ناجحاً يقدم خدماته لأبناء الطبقة الراقية بدمشق. لكن بعد فراره إلى ألمانيا، كافح كثيراً حتى يعود لمهنته من جديد. واليوم، استطاع هذا الشاب أن يطلق علامة تجارية صغيرة في مجال الأزياء، كما قدم أحدث مجموعة له ضمن عرض أقيم بمدينة برلين، وذلك بمساعدة فريق ضم العديد من اللاجئين أمثاله.
يحدثنا المصمم محمد الحمود عن مجموعة الأزياء الجديدة التي قدمها فيقول: "أطلقت على هذه المجموعة اسم المدن لأنها تشبه المدن التي دمرتها الحرب، إذ حاولت أن أبني مدناً من خلال مجموعتي لأعيد بناء المدن السورية بطريقة جديدة، لأنها في مخيلتي مدمرة إلى أبعد الحدود، فهذا ما حدث بالضبط لمدينتي دمشق التي طالها الكثير من الدمار".
بيان ضد الحرب
من يدقق في الأزياء التي قدمها الحمود خلال ذلك العرض، يشعر بأنها عبارة عن بيان مناهض للحرب، وهذا ما أكده الحمود بقوله: "استلهمت ذلك من الهندسة العمرانية للأشياء الجميلة غير المعهودة، إذ يمكنكم ملاحظة الشبابيك والخطوط في تصميماتي التي عبرت من خلالها عن صورة المدن، فعندما نشيد بناء، يمكن بعدها للمرء أن يمضي فيه عشرة أو عشرين عاماً، ما يعني بأن روحه لا بد أن تتعلق هناك بذلك المبنى، لذا من المؤسف بنظري أن تدمر الحرب كل شيء، لكونها لا تبقي ولا تذر، لتجد نفسك بعدها مضطراً للبدء من الصفر، وهذا ما حدث في أوكرانيا وفي أفغانستان، ولهذا جعلت من مجموعتي بياناً ضد الحرب".
مبدعون لاجئون
جمع فريق عرض الأزياء الذي يترأسه المصمم السوري محمد الحمود لاجئين مبدعين أتوا إلى ألمانيا من دول مختلفة
تقول إحدى العارضات واسمها ماندانا بهداد: "تمثل الأزياء بالنسبة لي شيئاً تصنعه مما كان حولك أيام طفولتك، أي من بلدك ومن قلبك وروحك، ومما تعلمته في مجتمعك. لطالما حلمت بأن أكون امرأة حرة، إلا أن المرأة في بلدي إيران لا تتمتع بما يكفي من الحرية، وكذلك الأمر بالنسبة للفنانات والعارضات، إذ ليس بمقدورهن التعبير عما يعشقنه".
وتعقيباً على ذلك يخبرنا أحد العاملين في فريق حمود وهو مصور اسمه حافظ الموسى: "أعشق الأزياء لأن موضوعها يدور حول حب المرء لذاته والانتماء لثقافة معينة وتقديم تاريخها، إلى جانب قدرتي على التعبير عن افتخاري بالبلد الذي أتيت منه".
ثم يحدثنا الحمود عن نشأته في دمشق وكيف تعلم الحياكة، فيقول: "إن تصميم الأزياء يجري مجرى الدم في عروق أسرتي، فلقد كانت أمي خياطة، ولعلي ورثت ذلك عبر حليب أمي، إذ منذ أن كنت في الخامسة من عمري كانت قطع القماش والخيوط والأزرار تملأ حياتي، كما عملت مصمماً ومنتجاً للأزياء في سوريا، إذ كان لدي مشغل كبير يشتمل على نحو 15 عاملا، إلا أني تركت كل ذلك خلفي بسبب الحرب".
وصل محمد الحمود إلى ألمانيا في عام 2014، وعن تلك الرحلة الخطيرة وتجربته مع اللجوء، يخبرنا بالآتي: "كان حلمي عندما وصلت إلى الحدود الألمانية أن أعثر على وظيفة هناك، سواء في مجال الخياطة أو التصميم. أي إن حلمي كان صغيراً جداً مقارنة بما حققته اليوم. بعد ذلك أصبحت عضواً في برنامج شبكة أمان البشر التي تدعم المشاريع التي يديرها أشخاص أطلقوها حديثاً في ألمانيا".
تجدر الإشارة إلى أن المصمم السوري محمد الحمود كان يعيش في محيط مدينة دمشق ويمتلك شركة أزياء ومشغلاً مجاوراً لها، إلى أن اعتقله نظام بشار الأسد في 2011 دون أن يعرف حتى الآن سبب ذلك، وقد تعرض للتعذيب خلال مدة اعتقاله، وهذا ما اضطره للهرب من سوريا بعد خروجه من المعتقل. وفي ألمانيا، تحول هذا الشاب الطموح إلى مثال ناجح للاندماج، حيث حصل على إقامة لمدة ثلاثة أعوام، تعلم خلالها اللغة الألمانية وعثر على عمل وسكن مشترك في عام 2016. وحتى تعترف به ألمانيا مصمماً محترفاً، كان عليه اجتياز امتحان مهني في هذا المجال، فاستطاع خلال شهرين أن يدرس ويتعلم المصطلحات التخصصية التي تلزمه، وكان ذلك على حد وصفه أصعب من تجربة اللجوء نفسها، لكنه تمكن في بداية عام 2017 من اجتياز ذلك الامتحان باقتدار. وعند وصول زوجته وابنتيه من سوريا، عثر محمد على عمل كخياط لدى شركة هيرمر استمر فيه لمدة عام ونيف قبل أن يفتتح ورشته الخاصة في تصميم الملابس التي سمّاها إيليف، وبعدها قدم عروض أزياء عديدة كان آخرها عرض المدن.
إيليف: ورشة تجتمع فيها ثقافات عديدة
وبالحديث عما تركه في دمشق يقول الحمود: "لقد كان لدي مشروعي الخاص في سوريا، لكني رغبت بأن أبدأ حياتي من جديد هنا، وأن أقف على قدمي وأصبح مستقلاً إلى جانب بقائي ضمن مجال مشروعي. ولهذا سارع كل من في المنظمة إلى دعمي ومساعدتي على تحقيق شيء بحياتي".
وعن مشروع إيليف، يقول المصور موسى: "أصبح هذا المكان جزءاً من عائلتي، فأنا لاجئ يعيش في ميونخ، ولكن بالنسبة لي تحولت تلك الورشة إلى مكان تلتقي فيه العديد من الثقافات".
رئيس ألمانيا في ديارنا
وعلى هامش عرض الأزياء، حظي الجميع بفرصة لقاء الرئيس الألماني خلال تلك الفعالية، وعن ذلك يخبرنا المصور موسى فيقول: "غمرني إحساس رائع عندما التقيت بالرئيس شخصياً وأخبرته عما أفعله. إذ إننا نفخر بقدرتنا على خلق شيء من تجاربنا السيئة وآلامنا، ولكن كل ما نريده هو أن نحس بالأمان ضمن المجتمع الذي نعيش فيه، إذ لا ينبغي أن نحس بأننا غرباء أو أجانب هنا، لأن من واجبنا أن ندعم هذا المجتمع ونقويه".
في حين يحدثنا الحمود عن انطباعاته بعد لقاء الرئيس الألماني فيقول: "فكرت للحظات قبل أن أقف بجانب الرئيس، ولكني استغربت عندما عرفني وقال لي: ألست أنت المصمم الذي قدم عرض الأزياء هذا؟"
وبالعودة للحديث عن المستقبل يخبرنا الحمود بأن أحلامه أصبحت كبيرة للغاية، لأن الإنسان يحلم ويستمر بتصور الأحلام وهي تتحقق على الدوام، إلا أنه لم تعد هناك مسافات شاسعة تفصل هذا المصمم السوري عن تحقيق حلمه الكبير.
المصدر: Info Migrants