اختتم مؤتمر الاستثمار الأول في الشمال السوري أعماله في المدينة الصناعية ببلدة الراعي شمال شرقي حلب، بعد يومين من انطلاقه بتنظيم من الحكومة السورية المؤقتة وعدد من الشركاء الذين قالوا إن المؤتمر يهدف لتنمية مناطق الشمال اقتصادياً، والإسهام بتحسين مستوى المعيشة وزيادة فرص العمل، وذلك من خلال خلق بيئة استثمارية جاذبة، وتقييم واقع الاستثمار وتحديد متطلباته، والوصول لشراكات استراتيجية على المستويين الداخلي والخارجي في قطاع الاستثمار، ووضع خريطة للاستثمار من منظور التنمية المستدامة.
ومع اختتام المؤتمر، هناك تساؤلات عن النتائج الفعلية له، وانعكاسه الإيجابي على الواقع الاقتصادي والصناعي والتجاري والمعيشي في شمال غربي سوريا، وفيما إذ كان سيُحدث تغيراً حقيقياً في ملف الاستثمار على المدى المنظور.
البيان الختامي للمؤتمر
نشر منظمو المؤتمر البيان الختامي له، يوردها موقع تلفزيون سوريا كما جاءت في نص البيان:
- نفتح اليوم صفحة جديدة من صفحات المجد في تاريخ الثورة السورية عنوانها النهوض بقطاع الاستثمار وشعارها "استثمار.. استقرار.. تنمية وازدهار".
- المؤتمر الأول للاستثمار في الشمال السوري هو بداية لعمل جاد ودؤوب ومستدام لنهضة قطاع الاستثمار وفق مسارات الحوكمة، وإطلاق المشاريع والتشبيك المستمر بين المستثمرين المحليين والمغتربين.
- دعم الاستقرار في الشمال السوري يحتاج دعم الاستثمار وتأمين فرص العمل وإطلاق مشاريع استراتيجية.
- التأكيد على مواصلة الحكومة السورية المؤقتة إصدار التعليمات التنفيذية التي تستجيب لتطلعات المستثمرين وتسهم بنهضة قطاع الاستثمار.
- العمل على حوكمة لقطاع الاستثمار والتأكيد على تكامل الأدوار بين المؤسسات الحكومية والجامعات ومراكز الأبحاث والمجتمع المدني والقطاع الخاص في نهضة قطاع الاستثمار.
- تشكل غرف الصناعة والمدن الصناعية حوامل فعلية للارتقاء ببيئة الاستثمار.
- التأكيد على أهمية التنسيق والتعاون مع الجانب التركي والدول الصديقة والمنظمات الدولية لتمكين القطاع الاستثماري في الشمال السوري.
- احتضان المشاريع الريادية للشباب والشابات عبر تشجيع الشبكات الشبابية والطلابية.
- إن دعم القطاع الاستثماري يساهم في توفير مقومات العودة الطوعية الكريمة للاجئين السوريين.
- التأكيد على أهمية إشراك الإعلام في نهضة قطاع الاستثمار وتسويق نقاط القوة الاستثمارية في مؤتمر الاستثمار الأول بالشمال السوري.
- دعوة المستثمرين السوريين المغتربين والمستثمرين العرب والدوليين للاستثمار في الشمال السوري.
- التأكيد على أهمية دور مراكز الأبحاث في الإسهام بإيجاد بدائل وحلول إبداعية تناسب الواقع في الشمال السوري مثل تطوير آلية لعمل الصناديق الاستثمارية، وذلك للارتقاء بالبيئة الاستثمارية، ووضع خارطة التنمية عبر وكالة أو هيئة مختصة، وتطوير القدرات المحلية عبر ربطها بكفاءات إقليمية ودولية.
"مؤشر إيجابي"
وخلال كلمته في المؤتمر، ذكر رئيس الحكومة المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، أن "عقد مؤتمر الاستثمار الأول في الشمال السوري المحرر مؤشر إيجابي على الجهود الصادقة التي تسعى للنهوض بالواقع الاقتصادي للمنطقة، رغم التحديات والظروف الصعبة على مدار سنوات طوال؛ بسبب الحرب التي يشنها النظام المجرم والميليشيات الإرهابية الانفصالية على الشعب السوري، والتي حصدت الأرواح، وأدت إلى إفقار الشعب وتدمير البلاد وسرقة مقدراتها".
وقال مصطفى: "نحن عازمون على تنمية مناطق الشمال المحرر وتطويرها عبر توفير الاحتياجات اللازمة للمناخ الاستثماري الملائم، الذي يؤدي إلى جذب الاستثمارات وتشجيع المشاريع، والاستفادة من الطاقات المتوفرة وإيجاد فرص العمل وتحسين الظروف المعيشية، وكل ما يسهم في إيجاد بيئة استثمارية ملائمة، تدعم عملية البناء والتنمية".
وأضاف: "إن دعم عملية الاستثمار، يحتم علينا أن نستفيد من المقومات المتاحة عبر الاستخدام الأمثل للموارد البشرية والمادية المتوفرة، منها توفر اليد العاملة الماهرة القادرة على الإبداع والابتكار، كما أن المنطقة غنية بمواردها الزراعية التي تلبي معظم الاحتياجات من المواد اللازمة للعديد من الصناعات، هذا فضلا عن اتساع السوق الداخلية وحاجاتها إلى المنتجات المحلية، لقد وضعت الحكومة هدفاً استراتيجياً، وهو إيجاد بيئة استثمارية آمنة مستقرة تشجع على استقطاب الاستثمارات إلى الداخل السوري، وفي هذا السياق حققت وزارة الدفاع والجيش الوطني نجاحاً ملحوظاً في ضبط الوضع الأمني، والحد من وقوع اختراقات أمنية، واتخاذ العديد من التدابير الأمنية عبر ضبط وإحباط الهجمات الإرهابية قبل وقوعها، مما أدى إلى انخفاض تلك الهجمات إلى درجة كبيرة"، حسب قوله.
وبحسب مصطفى، أصدرت وزارات الدفاع والداخلية والعدل "التعليمات والأوامر إلى الوحدات العسكرية والشرطية لضبط الأمن والمخالفات، ومحاسبة العناصر المسيئة وإحالتهم إلى القضاء المختص".
وختم: "باشرت مديرية حماية الملكية التجارية والصناعية لدى وزارة المالية والاقتصاد أعمالها، حيث تسجل العلامات التجارية والصناعية واعتمادها باسم أصحابها لحماية المنتجات من التقليد والمنافسة غير المشروعة، بالتعاون والتنسيق مع الغرف التجارية في المنطقة، ونسعى بكافة السبل القانونية والتنظيمية إلى إصدار شهادة المنشأ للبضائع والمنتجات المحلية التي تمنح الصناعيين في الداخل السوري المحرر إمكانية تسويق منتجاتهم خارجياً، فضلاً عن المزايا الأخرى للمستثمرين كالإعفاءات الضريبية والجمركية، وتنظيم المعارض في الداخل السوري بهدف الترويج للصناعات المحلية، ومنح تسهيلات للصناعيين المحليين للمشاركة في المعارض الخارجية لتسويق منتجاتهم على أوسع نطاق".
لا يوجد وصفة سحرية
من جهته، ذكر نائب رئيس الائتلاف الوطني السوري، عبد المجيد بركات، أنه "لا يوجد وصفة سحرية لتغيير الواقع بين يوم وليلة، كما أنه لا يمكن تأجيل العمل إلى أن يتم تحقيق بيئة مناسبة بنسبة 100% في أي منطقة من سوريا، إذ يجري العمل على خطوط متوازية ومتزامنة لتحقيق الخطط، ولكنها ستكون ككرة الثلج التي كلما قطعت مسافة ستزداد في حجمها وتسارعها".
وأشار بركات إلى وجود توجه إلى تأمين بيئة مناسبة ومشجعة للاستثمار في الشمال السوري، وثمة "عمل آخر يركز على تعزيز دور المجالس المحلية وقدراتها على تقديم الخدمات وانضوائها ضمن وزارة الإدارة المحلية، مع وجود معوّقات بخصوص التصدير للمنتجات واستيراد المواد الأولية، وضرورة تسهيل حركة السوريين والمستثمرين الأجانب عبر الحدود، كما الخدمات المصرفية، وقد تم تحديد هذه المعوّقات من أجل العمل على إيجاد حلول لها، بالتعاون مع الحكومة التركية".
وتحدث نائب رئيس الائتلاف، عن أن سوريا "تحتاج لجهود جميع أبنائها للنهوض باقتصادها ومواردها البشرية"، لافتاً إلى توافر الكثير من ظروف الاستثمار المناسبة في الشمال السوري، والموارد التي تنتظر من يستثمر فيها، وأهمها وفرة اليد العاملة والحرفية، ووفرة المواد الخام، والمواد الأولية زراعياً وصناعياً، فضلاً عن أن البيئة ما زالت بكراً ومليئة بالفرص، إضافة إلى رأس مال بشري كبير، وخبرات حرفية واسعة.
هل يُحدث المؤتمر تبدلاً في واقع المنطقة؟
استبعد الباحث في مركز "جسور" للدراسات، بسام السليمان، أن يحدث المؤتمر تغيراً ملحوظاً في الواقع الاستثماري في المنطقة على المدى المنظور، وذلك بسبب التحديات الأمنية التي تواجه الاستثمار، سواء التحديات الخارجية المتمثلة بقصف النظام السوري و"العمليات الإرهابية من قبل قسد"، أو التحديات الأمنية الداخلية الناجمة عن فوضى السلاح وضعف الحوكمة وسلطة القانون، وممارسات بعض فصائل الجيش الوطني وتدخلها بالإدارة المدنية للمنطقة، مشيراً إلى أن هذه الأمور تشكل بمجموعها عوامل طاردة للاستثمار الخارجي.
وأضاف السليمان في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "تحقيق مستويات أفضل من الاستثمار يجب أن يكون بخلق مسار موازٍ يعزز الأمن والحوكمة وسيادة القانون، ويحقق إصلاحاً جذرياً على صعيد الأمن والقضاء، ويلزم بعض الفصائل العسكرية بالالتزام بمهامها العسكرية، وينهي تدخلاتها في الحياة المدنية".
وحول استمرار التحديات الأمنية الخارجية والداخلية، يرى السليمان، أنه يمكن تشجيع الاستثمار من خلال إنشاء مدن صناعية داخل المعابر الحدودية مع تركيا، مع الإشراف الأمني للجانب التركي عليها، بما يخلق مناطق صناعية محمية من التحديات الخارجية والداخلية، وقادرة على تشغيل أعدادٍ كبيرةٍ من الشباب السوري، وتساعد في رفع مستوى معيشة السكان.