نشر "سرهات إركمان" البروفيسور في قسم العلاقات الدولية التابع لجامعة "ألتنباش" في إسطنبول مقالاً تحليلاً أجاب فيه عن الأسئلة المطروحة حول إمكانية إعادة العلاقات بين أنقرة والنظام السوري.
وبدأ "إركمان" مقاله في موقع "Fikir Turu" بالأسئلة التالية: ما هي القضية التي يمكن أن تتفق عليها أنقرة والنظام السوري؟ هل يريد النظام عودة السوريين؟ هل يريد النظام حقاً استعادة المناطق الخاضعة للسيطرة التركية؟ متى وتحت أي ظروف يمكن أن تتحسن العلاقات؟
وفيما يلي ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا للمقال:
قبل أسابيع قليلة، كان أهم بند على جدول الأعمال فيما يتعلق بسوريا هو العملية التي ستنفذها تركيا ضد حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا، لكن أولاً، تم إحياء عملية أستانا الهادفة إلى تحديد مستقبل سوريا والتقت إيران وتركيا وروسيا، ثم غيّر اجتماع الرئيس رجب طيب أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي الأجندة، وفجأة بدأ السؤال عما إذا كان يمكن التوصل إلى حل وسط بين أنقرة ودمشق.
لن أتحدث في هذا المقال عن الخلفية التاريخية للتطورات أو الأبعاد الهيكلية للعلاقات الثنائية، سأبدأ الكتابة من منتصف الكتاب - إذا جاز التعبير - لأن هذا السؤال يتطلب تحليلاً مفصلاً للغاية ومتعدد الأبعاد.
من الحوار إلى تغيير النظام ومن تغيير النظام إلى الحوار الإجباري
كانت أحدث عملية، والتي يمكن وصفها بالحوار البناء بين العاصمتين، في منتصف عام 2011 عندما بدأت الأحداث في سوريا مع الربيع العربي، مع تأثير مناخ الربيع الاستثنائي في العلاقات في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، قامت تركيا بزيارات متكررة للحكومة السورية لتقديم المشورة بشأن ما يجب القيام به، وفي ذلك الوقت، كان هناك حديث عن أن زيارات المسؤولين الأتراك سيكون لها تأثير كبير على بشار الأسد وأن "الحكومة السورية" ستتبع هذه التوصيات.
وعندما تحولت التظاهرات في سوريا إلى تمرد وتحولت محاولة وقف المظاهرات إلى استخدام القوة ضد الشعب، انقطعت العلاقات بين البلدين، وفي هذا الاتجاه، اتبعت تركيا سياسة لا تقبل وجود حكومة الأسد لفترة طويلة.
وبحسب تركيا، فإن سبب الأزمة الحالية في سوريا هي النظام الحالي في سوريا، المتمثل في شخصية بشار الأسد، لكنني أعتقد أن هذا النهج بدأ يتغير تدريجيًا منذ عام 2017.
نعم، لقد قرأت ذلك بشكل صحيح، وأنا أعلم ما كتبته، فمنذ 5 سنوات على الأقل، لم تتبع تركيا سياسات من شأنها إحداث تغيير في النظام في سوريا، ومن ناحية أخرى، تستفيد الحكومة السورية من الوجود التركي في سوريا، تحت صورتها القاسية التي لا هوادة فيها.
الآن قد تقول "يا له من أمر سخيف هذا"، ولكن أقترح عليك مواصلة قراءة المقال قبل أن تقرر، دمشق تطالب تركيا بالانسحاب الكامل من سوريا، وإذا لم يحدث هذا، فهي لا تقبل إجراء محادثات.
إذا أمكن تقييم الحقائق في العلاقات الدولية من خلال التصريحات التي تم الإدلاء بها، فسيكون العالم مكانًا مختلفًا تمامًا، لهذا السبب لا أعتقد أن مثل هذه الخطابات والمطالب المزعومة لها معنى كبير.
خمسة أسباب رئيسية لسياسة تركيا تجاه سوريا في السنوات الخمس الماضية
حسناً، ما أسباب التغيير في سياسة تركيا تجاه سوريا في السنوات الخمس الماضية؟ إذا تغيرت سياسة تركيا، فلماذا لم يتم اتخاذ خطوة واضحة منذ خمس سنوات؟ سأحاول الإجابة عن هذه الأسئلة، لكن دعني أولاً أذكرك أن الحروب الأهلية يمكن أن تبدأ بسرعة كبيرة وتنتشر في لحظة، إلا أن إنهاءها يستغرق وقتًا طويلًا.
بالعودة إلى السؤال عن سبب عدم اتخاذ خطوات واضحة في هذه السنوات الخمس، يمكنني القول إن هناك خمسة أسباب رئيسية لذلك، وفي إطار هذه الأسباب، سأحاول شرح التغيير في سياسة تركيا وتصور التهديدات من قبل البلدين من قضايا مماثلة.
التدخل الروسي
وقفت روسيا إلى جانب النظام السوري منذ بداية الحرب الأهلية، واتخذ هذا الدعم شكل عمليات سرية ودعم عسكري عن بعد لفترة طويلة جداً، إلا أنه وبحلول نهاية عام 2014، أدى فقدان النظام السوري للسيطرة على معظم أرجاء البلاد إلى تدخل روسيا المباشر في سوريا.
وفي ذلك الوقت، كانت المعارضة وداعش ووحدات حماية الشعب قد فرضت سيادتها على المناطق التي فقد فيها النظام سيطرته، وكان جيش النظام قد وصل إلى مرحلة التفكك الكامل، وكان المعارضون يعدون الأيام للسيطرة الكاملة على حلب والتقدم إلى دمشق، وفي مثل هذا الوسط، هبطت روسيا، إحدى أعظم القوى العسكرية في العالم، بشكل مفتوح ومباشر في الميدان في خريف عام 2015، وهو ما أدى إلى تغيير التوازن في سوريا.
وسيطرت روسيا، التي سرعان ما بدأت بتفقد المناطق الحساسة حول دمشق، على حلب بعد نحو عام، وأزالت التهديد الوجودي على النظام، وبصراحة، أدركت جميع الدول أن النظام في دمشق لن يسقط بعد فترة من وصول روسيا إلى الميدان، وعلاوة على ذلك، عندما تم الكشف عن أن إدارة أوباما لا تدعم تغيير النظام في دمشق، بدأت التوازنات الدولية تتباعد.
كان عام 2015 هو العام الذي لم يتم فيه مشاهدة روسيا فقط، بل أيضاً الولايات المتحدة الأميركية بشكل مباشر وعلني في سوريا، وبدأت الولايات المتحدة ببناء منطقة خاضعة لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال شرقي البلاد، في إطار مبررات القتال ضد تنظيم الدولة.
في هذه العملية، تخلت دول الخليج، المملكة العربية السعودية أولاً ثم قطر، تدريجياً عن سياسة تغيير النظام في دمشق، وهذا الأمر انعكس بالطبع في سياسة كل هذه الدول على تركيا أيضاً.
تغييرات مهمة جداً في تركيا
كما نعلم جميعاً، كان عام 2016 أحد أكثر الأعوام تحدياً في التاريخ السياسي التركي، لم تغير محاولة الانقلاب التي قامت بها منظمة فتح الله غولن الإرهابية (FETÖ) السياسة الداخلية لتركيا فحسب، بل أدت أيضًا إلى تغيير سياستها الخارجية وتصوراتها عن التهديدات.
وأدى موقف الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، في أثناء محاولة الانقلاب وبعدها، ودعم بعض دول الخليج للاضطرابات الداخلية في تركيا، إلى تحسن العلاقات بين أنقرة وموسكو، على الرغم من أن البلدين وقفا وجهاً لوجه عبر إسقاط طائرة روسية كانت قد انتهكت الحدود التركية في العام الذي سبق محاولة الانقلاب.
وتأثرت سياسة تركيا تجاه سوريا لا محالة بحقيقة تضرر العلاقات مع العالم الغربي بعد محاولة الانقلاب، إلى جانب التقارب في العلاقات الروسية التركية.
وفي حين استمرت عملية درع الفرات، التي بدأت بعد شهرين من تحييد محاولة الانقلاب، فإن نقص الدعم من الولايات المتحدة، التي يفترض أنها تقاتل داعش في سوريا، أثر على تركيا أكثر.
دعني أذكرك بالمناقشة في ذلك الوقت، تم تنفيذ عملية درع الفرات ضد تنظيم الدولة، لكن الهدف الاستراتيجي الرئيسي للعملية كان منع تنظيم YPG الإرهابي من تشكيل منطقة غير منقطعة من عفرين إلى القامشلي في سوريا، وهذا الموقف جعل الولايات المتحدة تتعامل مع العملية بشكل نقدي للغاية، في حين تبنت روسيا موقفًا أكثر براغماتية، فهي لم تقف في وجه عملية درع الفرات، بل على العكس من ذلك، فقد استفادت استفادة كاملة من انسحاب الجيش السوري الحر القادم من حلب لدعم العملية من هذه المناطق. في الواقع، حيث بدأت عملية درع الفرات في آب / أغسطس 2016 وفي كانون الأول / ديسمبر 2016 سيطرت روسيا وإيران والجيش السوري على حلب.
باختصار، منذ عام 2016، ركز تصور تركيا للتهديد على أولئك الذين يريدون تحريك البلاد من الداخل، وإنشاء دولة يقودها حزب العمال الكردستاني في شمالي سوريا.
وحدات حماية الشعب حلت محل داعش
لا شك في أن داعش، كمنظمة إرهابية، يهدد الشرق الأوسط بكامله، بما في ذلك تركيا، لكن زوالها شكل تهديداً جديداً لكل من أنقرة ودمشق، في حين أن بعض المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة أصبحت تحت سيطرة النظام السوري بدعم من إيران وروسيا، واستولى حزب الاتحاد الديمقراطي على مناطق حساسة، لا سيما حقول النفط في شمال شرقي سوريا والأراضي الزراعية الخصبة شرق الفرات.
علاوة على ذلك، على عكس داعش، كان خلف حزب الاتحاد الديمقراطي أكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم، حيث شكل درع الحماية الذي قدمته الولايات المتحدة لـ PYD تهديداً دائماً لكل من أنقرة ودمشق.
في عام 2012، باتفاق سري، ترك النظام السوري عفرين وعين العرب والحسكة، التي يمكن للمعارضة السيطرة عليها، إلى حزب الاتحاد الديمقراطي، وكان حزب الاتحاد الديمقراطي في ذلك الوقت ضعيفاً لدرجة أنه واجه صعوبة في ممارسة نفوذه حتى في هذه المناطق، وفي واقع الأمر، لم يستطع الصمود ضد داعش، ولكن مع الدعم الذي تلقته من الولايات المتحدة، أصبحت في وضع يمكنها من تحدي النظام من حيث التنظيم والتدريب والأسلحة والمعدات والقوة الاقتصادية، ولذا فإن احتمال ظهور دولة يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني في جنوبي تركيا يهدد أنقرة، وهو ما يهدد دمشق أيضاً.
الاتحاد الأوروبي تراجع مع ظهور مشكلة اللاجئين
بدأ موقف دول الاتحاد الأوروبي، التي دعمت تغيير النظام في دمشق في بداية الأحداث في سوريا، بالتغير مع التدفق الهائل للاجئين، فبينما جاء ملايين السوريين إلى تركيا، اعتبرت العديد من الدول الأوروبية ذلك نتيجة طبيعية للحرب الأهلية في سوريا.
لكن عندما رأى الأشخاص الفارون من بلدانهم تركيا كمحطة توقف وتوافدوا على أوروبا، تحولت أولوية الاتحاد الأوروبي إلى إنهاء الصراع في سوريا في أقرب وقت ممكن، ومنذ عام 2017 تقريباً، لم يكن الشغل الشاغل للاتحاد الأوروبي بشأن سوريا هو من انتصر في الحرب الأهلية، وليس من يحكم البلاد، حيث يمكن تلخيص النهج الأساسي لدول الاتحاد الأوروبي على أنه "فليحكم كل من لا يتسبب في ظهور اللاجئين".
باختصار، دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الشرق الأوسط تخلت عن سياسة تغيير النظام في دمشق، والتوازي التركي بين عدم الاستقرار في الداخل والدول الغربية واحتمال قيام دولة بقيادة حزب العمال الكردستاني في سوريا دفع تركيا للتخلي عن سياستها لتغيير النظام في دمشق.
تبادل التهديدات والعلاقة بين أنقرة ودمشق
أصبحت المعادلة أعلاه واضحة في أواخر عام 2017، فلماذا لم تحدث أي تغييرات في العلاقات الثنائية حتى الآن؟
السبب بسيط، بالنسبة لتركيا، لا تزال التطورات القادمة من سوريا مشكلة أمنية على المستوى الاستراتيجي، فلا يمكن حل القضايا الأمنية على المستوى الاستراتيجي في غضون بضعة أشهر أو في بعض الأحيان سنوات، وعلاوة على ذلك، لا يمكن القول إن هذا التغيير لم ينتج عنه شيء حتى الآن.
بمعنى آخر، أدت بعض التطورات في السنوات الخمس الماضية بشكل غير مباشر إلى "منفعة مشتركة" في مجال الأمن على مستوى أنقرة - دمشق.
اسمحوا لي أن أقدم أمثلة على الفور: على سبيل المثال، عملية غصن الزيتون في عفرين في بداية عام 2018، وعملية نبع السلام في عام 2019 هي نتائج عملية أستانا، والتي غالباً ما يتم الحديث عنها في بلدنا، والتي في رأيي هي عملية غير مفهومة حقاً.
منفعة النظام
عملية أستانا هي في الأساس عملية تهدف إلى الحد من الوجود الأميركي في سوريا وإنهاء الحرب الأهلية بالإجماع السياسي، فإذا كنت تتذكر، حددت أستانا أربع مناطق خفض تصعيد في سوريا، وهي درعا في جنوبي البلاد، والغوطة الشرقية ومحيطها في دمشق، ومناطق سيطرة المعارضة في حمص وإدلب.
وكان هدف روسيا هو السيطرة على هذه المناطق بشكل تدريجي، وبمجرد السيطرة على هذه المناطق، سيكون لدى النظام القدرة على الجلوس على الطاولة كعنصر فاعل منتصر ضد المعارضة.
في واقع الأمر، منذ منتصف عام 2017، وضعت العمليات العسكرية المدعومة من روسيا دمشق وحمص تحت السيطرة الكاملة للنظام السوري، وبعد فترة وجيزة من اقتراب جيش النظام من إدلب، بدأ غصن الزيتون بداية عام 2018، وفي نهاية العام نفسه، سيطرت روسيا على درعا وعادت إلى إدلب.
وفي النصف الأول من عام 2019، سيطرت موسكو والنظام على المناطق الجنوبية من إدلب، في حين نفذت تركيا في النصف الثاني من العام نفسه عملية نبع السلام، فبينما كانت روسيا تتخذ خطوات لتقوية النظام السوري، كانت تركيا توجه ضربة لوجود وحدات حماية الشعب في شمالي سوريا، الذي كان يشكل تهديداً رئيسياً لها.
الآن ستقول: طردت تركيا حزب الاتحاد الديمقراطي من هذه المناطق، لكن المعارضة سيطرت عليه، فهل هذا مقبول لدمشق؟ نعم، هذا مقبول.
دعونا نترك الديماغوجية الجافة جانباً ونناقش الحقائق، ماذا حدث لمئات الآلاف أو حتى الملايين من الناس الذين يعيشون هنا عندما سيطر جيش النظام السوري على حلب وحمص وحماة والغوطة الشرقية وجنوبي إدلب؟ أين ذهبت الجماعات المسلحة هنا؟ هل قاتلوا جميعاً الجيش السوري حتى النهاية؟ طبعاً لا.
نجح إنشاء تركيا للمناطق الآمنة في شمالي سوريا بشكل جيد بالنسبة للنظام، مهما قالت حكومة النظام "على تركيا أن تترك هذه المناطق".. حيث يعيش حالياً نحو 5.5 ملايين شخص في إدلب والمناطق التي تسيطر عليها جماعات المعارضة المدعومة من تركيا، والعدد الإجمالي لمقاتلي الجماعات المسلحة في هذه المناطق يزيد على 100 ألف مقاتل، والحكومة السورية التي تعاني من أزمة اقتصادية كبيرة والتي لم يتعاف جيشها منها بعد، ليست قادرة على رعاية 5.5 ملايين شخص إضافي، كما أنها ليست قوية بما يكفي للتعامل مع ما يقرب من 100 ألف مسلح، ولهذا السبب، لا تشعر أنقرة وحدها، بل دمشق أيضاً، بالضغوط الديمغرافية الناجمة عن القضية السورية.
زيادة إدراك التهديد المشترك
لنتطرق إلى السؤال الرئيسي: هل ستتوافق أنقرة ـ دمشق؟
هناك عنصران رئيسيان للإجابة عن السؤال، أولاً، لا، على المدى القصير (حتى 6 أشهر) لا يبدو من الممكن أن تتصالح أنقرة والنظام السوري، لهذا السبب لا أعتقد أنه سيتم اتخاذ خطوات ضخمة خلال المستقبل القريب.
إلا أنه من الواضح أن هناك زيادة في تصور التهديد المشترك للأطراف، حيث يناقش المسؤولون في كلا البلدين المشكلات في سوريا من منظور أمني، ولذلك يتم إجراء الاتصالات بشكل أساسي من قبل البيروقراطية الأمنية.
قبل عامين على الأقل، أعلن الرئيس أردوغان بالفعل عن وجود اتصال بين أجهزة المخابرات في البلدين، فهو ليس خبراً جديداً أن هناك تواصلاً بين الطرفين، كما كشفت كلمات وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو قبل أيام قليلة أن الاتصال كان أكثر قليلاً مما كنا نعرفه، إلا أن هذا لا يعني بأنه سيكون هناك توافق بين الطرفين.
العنصر الثاني للإجابة هو أن الاتصالات ستستمر في الزيادة، السبب الرئيسي لهذا التفكير هو العامل الروسي، فمن الواضح أن روسيا تريد أن ينتهي الأمر في سوريا، لذلك تستغل الصعوبات الاقتصادية الأخيرة التي تواجهها تركيا وابتعاد أنقرة عن الغرب، وبعبارة أخرى، تريد موسكو المصالحة بين أنقرة والنظام أكثر من أي وقت مضى وتضغط في هذا الاتجاه.
إذن، هل سيؤدي هذا الموقف المستمر لروسيا إلى نتائج؟ وإذا كان نعم، فمتى ستظهر تلك النتائج؟
عنصران مهمان من المنظور الأمني
اليوم، المنظور الأمني الذي يحدد العلاقات بين أنقرة والنظام له عنصران حيويان: التهديد من حزب العمال الكردستاني والمشكلة الديمغرافية.
النظام السوري غير مرتاح للبنية الجديدة التي ظهرت نتيجة دعم الولايات المتحدة لحزب الاتحاد الديمقراطي بقدر ما تشعر أنقرة بعدم الارتياح، فهناك حزب الاتحاد الديمقراطي يتجذر في شمال شرقي سوريا يوماً بعد يوم، ويحظى بدعم سياسي من معظم الدول الغربية إلى جانب الولايات المتحدة، ولا يملك النظام القوة لمواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي وحده، وذلك نظراً لأن تركيا هي القوة الوحيدة التي يمكنها مواجهة حزب الاتحاد الديمقراطي في المنطقة، فإن كل إشارة عملية من أنقرة هي في الواقع مصدر فرصة للنظام، لأن أنقرة تقوم بعملية أو تشير إلى عملية، فإن حزب الاتحاد الديمقراطي مجبر على الاقتراب من النظام.
لاحظ أنه خلال وبعد عملية نبع السلام، سيطر النظام على العديد من القرى في شمالي البلاد من دون إطلاق رصاصة واحدة، وعندما ظهرت العملية ضد تل رفعت ومنبج على جدول الأعمال، بدأ ما يسمى بمسؤولي حزب الاتحاد الديمقراطي برفع علم النظام السوري في أماكن حرجة، متجاوزين القول "نحن منفتحون على كل أنواع التعاون مع دمشق"، وهذا يعني أن كل تدخل أو تهديد بالتدخل من قبل تركيا يقوي النظام ضد حزب الاتحاد الديمقراطي، ألا تعتقد أن هذه فرصة للنظام؟
هل تريد سوريا عودة السوريين؟
لا يمكن القول إن أنقرة والنظام السوري لديهما وجهات نظر مماثلة للمشكلة الديموغرافية.
تريد تركيا عودة المواطنين السوريين الذين استضافتهم على أراضيها إلى بلادهم، لأن "عملية الاستضافة" أصبحت أحد عناصر الاستقطاب السياسي الكبير داخل البلاد يوماً بعد يوم، والطريقة الرئيسية لعودة السوريين في تركيا هي إنهاء الحرب في سوريا وتهيئة بيئة آمنة، لكن النظام لا يتفق مع أنقرة في هذا الموضوع.
النظام الذي لا يستند على أي أساس قانوني، يتهم المواطنين السوريين الذاهبين إلى تركيا أو أوروبا على أنهم عملاء لتلك البلاد التي لجؤوا إليها، حيث يُفهم من الأخبار أن المعاملة المطبقة على العائدين ليست إنسانية ولا قانونية على الإطلاق، والسبب الرئيسي لعدم رغبة النظام في عودة الذين غادروا البلاد هو الوضع الاقتصادي.
يبلغ تعداد السوريين حالياً نحو 20 مليوناً، ووفقاً للأرقام الرسمية، يعيش 3.6 ملايين من هؤلاء السكان في تركيا ومليونان في دول الشرق الأوسط الأخرى.
يضاف إلى ذلك ما يقارب 5.3 ملايين نسمة في إدلب والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة، أي أن حكومة النظام ليست حالياً في وضع يمكنها من تلبية احتياجات نحو نصف السكان السوريين، فإذا كان عليه أن يدير إدلب فقط والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة غدًا، فسيتعين عليه "رعاية" نصف السكان الذين يسيطرون عليه حاليًا.
أضف إلى ذلك، لم يعد هناك أي "رابط" بينهم وبين جزء كبير من هؤلاء الناس، حيث يوجد خلاف عميق بين أنقرة والنظام حول المكان الذي يجب أن يعيش فيه المواطنون السوريون، وكيف يمكن دمج آلاف المسلحين في النظام الأمني في سوريا.
باختصار، الحرب في سوريا تقترب من نهايتها، ستنتهي يوماً ما، ومن المهم للغاية أن تعمل أنقرة والنظام معاً لإنهاء الحرب في سوريا وإقامة دولة مستقرة، ويجب التوصل إلى هذا الإجماع في يوم من الأيام.
هل باب التوافق مفتوح؟
تعتبر روسيا في الوقت الحالي القوة الدافعة التي تريد أن يتصالح الجانبان في أسرع وقت ممكن، ولا يمكن الاستهانة بجهودها للتوفيق بين الطرفين، لكنها لا تكفي وحدها، حيث إن الميدان السوري دائماً ما يكون مسرحاً لتطورات جديدة.
إن تحويل مفهوم التهديد المشترك إلى فرصة للتعاون يمكن أن يخلق قوة دفع في العلاقة بين أنقرة والنظام السوري، وهذا يعتمد على عملية عسكرية جديدة، من يعلم، ربما ستشن تركيا قريباً عملية عسكرية ضد وحدات حماية الشعب في تل رفعت أو في أي مكان آخر، وهذا يعزز يد النظام ضد وحدات حماية الشعب ويتقدم في بعض المناطق بما في ذلك شمالي الرقة، وإذا عززت فكرة التهديد المشترك من توقع حل مشكلة حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي من خلال التحركات المشتركة، فسيتم فتح باب المصالحة.
الثقة ضرورية للسياسيين رفيعي المستوى للالتقاء في الإطار نفسه للصورة، وأعتقد أن هذا سيستغرق المزيد من الوقت، حيث يبدو أن لبنات هذه العملية ستوضع بتعاون ملموس في هذا المجال.