رغم وفرة المياه والينابيع ووجود عدة أنهار وسدود صممت للاستفادة من المياه الجوفية، يواجه الساحل السوري شحاً في مياه الشرب ومياه الري، حيث تعالت أصوات المواطنين أكثر من مرة مطالبين بتحسين وضع المياه، ففي العام المنصرم عانى المزارعون من نقص في المياه ما أثر سلباً على وضع موسم الحمضيات والزيتون وبقية المحاصيل الزراعية.
في اللاذقية.. الأرض عطشى والناس عطاش
إسماعيل (طلب عدم ذكر اسمه كاملا) مزارع من إحدى القرى الواقعة بين جبلة واللاذقية، يملك أرضاً معظمها أشجار حمضيات، في العام السابق خسر موسم الليمون بسبب قلة المياه رغم شرائه صهاريج المياه عدة مرات ليمنع موت المحصول.
هذا العام يؤكد إسماعيل لموقع تلفزيون سوريا أنه لن يستطيع سقاية الشجر، فالليمون يحتاج لسقاية مستمرة لضمان سلامة الثمار، وانقطاع الكهرباء وشح المياه يخلق مشكلة حقيقية للمزارعين.
"كل عام نواجه المشكلة نفسها، لا كهرباء ولا مياه تضخ للسقاية، وكل عام نضطر لشراء مياه لسقاية أشجار الليمون، هذا العام لم تمطر بالقدر الكافي وسنخسر الموسم بكل تأكيد". يضيف إسماعاعيل.
مشكلة المياه لا ترتبط فقط بسقاية المحاصيل، بل وصلت إلى مياه الشرب والاستخدام اليومي. فقد وصل سعر الخزان الذي تصل سعته لـ 5 براميل ما لايقل عن 35 ألف ليرة والسعر يتفاوت حسب بعد المنطقة عن مصدر المياه. ويتخوف أهالي الريف هذا العام من اضطرارهم لشراء المياه رغم أن الصيف ما زال في بدايته، ولكن ضخ المياه قليل جداً.
أبو محمد مواطن يقطن في قرية في ريف جبلة القريبة من نهر السن الشهير يعاني كل عام من قلة المياه، رغم قرب القرية من النهر إلا أن المياه لا تصلهم بشكل جيد. فالسن يغطي قرى ريف جبلة ويصل لقرى ريف اللاذقية حسب تنظيم ضخ المياه في الساحل، ومشكلة ضخ المياه أن مؤسسة الري تضخ المياه لخزانات كبيرة وبعدها يتم ضخ المياه من هذه الخزانات للقرى المحيطة بها. وهذا كله يتغير حسب توفر الكهرباء وكمية الضخ، وبحسب أبو محمد، أحياناً يتم ضخ المياه لقريته نصف ساعة وهي لا تكفي لتعبئة مياه شرب، وأحياناً في وقت وصل الكهرباء يبدأ السكان في سحب المياه عبر (الدينامو) فلا تصله أحياناً المياه.
أبو محمد يعاني كغيره من سكان الساحل من مشكلة المياه، فيجد حياته منحصرة بين مراقبة ضخ المياه ووصل الكهرباء ولا يجد وقتاً ليفكر بشيء آخر، هو وغيره يبرمجون حياتهم حسب ضخ المياه. "تخيل أنك تستيقظ الساعة 3 فجراً لتنتظر المياه، وتتأكد من امتلاء الخزانات، وتعيش يومك حسب ضخ المياه ووصل الكهرباء، ياللذل!" يضيف أبو محمد لموقع تلفزيون سوريا.
المياه تجري في شوارع اللاذقية
تنتشر كل فترة وأخرى منشورات على فيس بوك تتحدث عن أنهار تجري في الشوارع، ساخرين من سيلان مياه الري والشرب في الشوارع. والواقع أنه بسبب سوء شبكة الري فإن معظم أنابيب ضخ المياه تعاني من التسرب مما يجعل قسماً كبيراً من المياه يسيل في الشوارع. مشكلة شبكة الري التي نفذتها حكومة النظام السوري أنها لا تلتزم بمعايير الجودة أو السلامة؛ مما يجعل هذه الأنابيب تتخرب عند وجود ضخ قوي للمياه.
مسعود، مهندس مدني في مؤسسة المياه "طلب عدم ذكر اسمه كاملا"، يؤكد لموقع تلفزيون سوريا، أن قسماً كبيراً من أزمة المياه يعود لسوء شبكة المياه، وأن متعهدي الطرقات لم يلتزموا بمعايير الجودة فيما يخص تمديدات المياه والصرف الصحي.
ويتابع "عندما تقتصد في تمديدات المياه ولا تنفذ الخطوات اللازمة لضمان عدم وجود تسريب مياه أو ضمان استمرارية سلامة التمديدات لزمن كافٍ فمن الطبيعي أن تتأثر شبكات المياه بعد عام".
حسب قول مسعود "يفترض أن تقاوم شبكات المياه لوقت طويل من الزمن، فالشبكات القديمة لم تعانِ من مشكلات التسريب كما يحصل اليوم، ولكن استخدام المتعهدين لمواد رخيصة وسرقتهم للمشاريع هذا كله سيؤثر سلباً على شبكات المياه وبالتالي سينقص وارد القرى من مياه الشرب والري".
في العام السابق فاضت سدود الساحل، وكان منسوب المياه أكبر من المعتاد. وحسب مزاعم حكومة النظام فقد تم تخزين كمية كبيرة في السدود وتم استخدام الفائض وتخزينه، لكن الواقع يقول عكس ذلك.
يوضح المهندس مسعود أن سد تشرين المقام على نهر الكبير الشمالي قادر على تغذية قسم كبير من سهول ريف اللاذقية وإمداد هذه المناطق بمياه الشرب، ولكن حتى اللحظة لم يتم اتخاذ خطوات فعلية في هذا الخصوص. وحسب المتداول في أوساط مؤسسة المياه في اللاذقية فهناك مشروع لمد خط مياه شرب لتغذية المدينة إضافة لخط نهر السن بعد تنقية المياه، ويفترض أن يدخل حيز التنفيذ هذا العام. ويقول مسعود إنه "كان يوجد خط ري من سد تشرين ولكن نتيجة عدم صيانته فقد توقف عن العمل ونمت فوقه الأشجار".
يؤكد المهندس أنه لا توجد خطط مستدامة لضمان توفر المياه واستمرار استجرارها، فيفترض أن يتم استثمار فائض العام السابق من المياه واستثمار مياه الأمطار ولكن دائماً لدى حكومة النظام حجج من قبيل عقوبات اقتصادية وتكاليف كبيرة والميزانية غير كافية.
ويضيف "سابقاً كان سكان الأرياف يحفرون لعدة أيام بحثاً عن مياه جوفية؛ آبار ارتوازية، ولكن هذه العملية مكلفة ولا قدرة اليوم للمزارعين على تحمل تكاليف الحفر، رغم غنى ريف جبلة واللاذقية بهذه الآبار".
مستقبل جاف وتصدعات في شبكات المياه
ينتظر سكان ريف جبلة الجبلي سنوياً موسم الصيف ليبيعوا منتجات أراضيهم التي ستعيلهم في فصل الشتاء. حيث تشتهر جبال ريف جبلة بزراعة الكرز والتفاح الصيفي وتحتاج هذه الأنواع لحرارة منخفضة في فصل الشتاء وري كثيف خلال أوقات العام إضافة لزراعتهم التبغ، وما ساعد المزارعين هذا العام هو هطول أمطار في شهور آذار ونيسان وأيار على غير عادة، ما خفف على المزارعين سقاية مشاتل التبغ وإلا لكانت الخسارة كبيرة.
وفي فصل الصيف تكون فواكه موسمية لا تتوافر في شهور أخرى، لكن موسم الحمضيات هذا العام والبندورة هو ما سيكون سيئاً وخاسراً لكثير من المزارعين.
رنيم مهندسة زراعية، تتحدث عن سوء وضع المياه في الساحل السوري وانعدام وجود خطط مستدامة. فمن غير المنطق حسب رنيم هو عدم توفر المياه لسكان الساحل في الوقت الذي تصرف فيه بلديات جبلة واللاذقية كثيراً من المياه لغسيل الشوارع بحجة الحفاظ على النظافة العامة في حين أن عدداً كبيراً من أحياء اللاذقية لا يجد مياها كافية للاستخدام اليومي.
وبحسب المهندسة فإن شبكة الصرف الصحي وشبكة المياه في كل الساحل تحتاج لصيانة بعد زلزال شباط المدمر وهو ما ستظهر نتائجه في المستقبل، فالتصدعات في الأنابيب لن تظهر نتائجها فوراً ولكن سكان الساحل سيعانون منها لاحقاً. إضافة إلى أن شبكات الري في كل قرية معدة لتغذية عدد محدد من المنازل ولا تستوعب التزايد السكاني الحاصل، وما يفعله موظفو المياه هو أنهم يزيدون الضخ ويزيدون ضغطه خلال وقت قصير ما ينجم عنه تصدعات في شبكات المياه وأعطال مستمرة.