لم تكن حادثة تحطم طائرة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ومرافقيه مجرد حدثاً عابراً يلقي بظلاله على المشهد الداخلي والإقليمي، بل كشفت عن التناقضات العميقة في السياسة الإيرانية بين التصريحات والحقائق.
ورغم ادعاءات طهران بأنها أصبحت من الدول الكبرى في صناعة وامتلاك الطائرات دون طيار العسكرية وتصديرها إلى حلفائها في المنطقة، إلا أنها وجدت نفسها مضطرة للاستعانة بطائرة مسيرة تركية مجهزة بتقنيات حديثة للعثور على طائرة رئيسها بعد مرور ساعات على فقدانها.
وبينما يسعى مسؤولون إيرانيون إلى تصدير دولتهم بأنها دولة متطورة تكنولوجيا وتشهد تطوراً علمياً، وأصبحت في مصاف الدول العظمى مستندين إلى برنامجهم النووي، لكن الحادثة الأخيرة كشفت عن هشاشة النظام الداخلي والضعف التقني في مواجهة الكوارث الطبيعية وإدارة الأزمات بفعالية.
هذا الضعف التكنولوجي يتناقض مع الصورة التي تحاول إيران رسمها عن نفسها كدولة متقدمة وقوية من خلال هيمنتها على قرارات أربع دول عربية عبر زرع أذرع وميليشيات لها، إلا أن "الحقيقة تبقى أن قوة إيران المزعومة تعتمد بشكل كبير على غياب أي استراتيجية لمواجهتها من دول المنطقة، أكثر من كونها نتيجة لتفوق تكنولوجي حقيقي"، حسب محللين لموقع تلفزيون سوريا.
اللا-دولة الإيرانية
فقدت طائرة الرئيس الإيراني، يوم الأحد، في منطقة جلفا الجبلية شمال غربي إيران، بعد لقائه الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، وافتتاح سد مشترك في أذربيجان الشرقية.
وكان برفقة رئيسي كل من وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، وإمام الجمعة في مدينة تبريز علي آل هاشم، ومحافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي، ورئيس الفريق الأمني للرئيس الإيراني، مهدي موسوي، إضافة إلى "العقيد طيار سيد طاهر مصطفوي، والعقيد طيار محسن دريانوش، واللواء الفني بهروز قديمي".
ولم تكن حادثة "طائرة الرئيس" الأولى من نوعها في إيران التي تظهر ضعف الدولة في مجال التقنيات التكنولوجية، فقد سبقتها حوادث وكوارث طبيعية كشفت هشاشة النظام وضعف أمن المعلومات في الدولة والفشل الذريع في التجهيز والاستجابة السريعة.
خلال السنوات الماضية، تعرضت إيران إلى هجمات سيبرانية استهدفت مؤسساتها الحكومية، مثل القضاء والبرلمان، كما أعلنت وزارة النفط، أواخر العام الماضي، تعطيل ما لا يقل عن 60 في المئة من محطات الوقود في البلاد.
لكن في المقابل عملت الحكومة الإيرانية على تعطيل الإنترنت والهواتف المحمولة والمراقبة والتجسس على متظاهرين في الاحتجاجات التي تشهدها بين الحين والآخر، حسب ما ذكرت منظمات وتقارير حقوقية.
كما تعرضت العديد من المحافظات الإيرانية، خلال الأسبوع الماضي، إلى سيول وفيضانات وانقطاع الخدمات وتضرر كبير في البنية التحتية، ما أثار انتقاد وسائل الإعلام الإيرانية لعدم وجود خطة ممنهجة لإدارة الأزمات، خاصة وأن إيران تعتبر من الدول المعرضة بشكل دوري لكوارث طبيعية.
ويعود ذلك إلى "غياب الدولة في إيران وحضور نمط اللادولة"، حسب ما يرى الباحث في الشأن الإيراني، عمر عبد الستار، الذي وصف كيان النظام الإيراني بأنه "هرِم".
وقال عبد الستار لموقع "تلفزيون سوريا" إن "الدولة هي التي تواجه الكوارث الطبيعية، أما اللادولة مثل إيران فهي غير جاهزة، وتتحدث فقط عن النووي ومسيرات وصواريخ باليسيتية وتحالفات مع دول أخرى مثل روسيا، لكنها تعجز عن العثور على جثة رئيسها ووزير خارجيتها".
وأضاف عبد الستار أن "نمط اللادولة الذي أخذ به نظام خميني سابقاً وخامنئي حالياً، هو نمط هيمنة طائفي متمدد"، مشيراً إلى أن هذا "النمط الديني" العابر للحدود يصرف أموالاً هائلة ويبدد موارد إيران في تنفيذ مخططاته في الشرق الأوسط.
أما الباحث في الشؤون الإيرانية، محمود البازي، اعتبر أن إيران على مدار 45 عاماً الماضية، تفتقر إلى القدرة على التنبؤ بالكوارث أو الأزمات والاستعداد لها بشكل مسبق، حيث إن كل حادثة جديدة تتعرض لها، تجبر السلطات على التعامل مع المشكلات المماثلة القادمة دون وجود خطط مسبقة للتعامل مع الأزمات.
وقال البازي لموقع "تلفزيون سوريا" إن التعامل مع الأزمات والكوارث في إيران يعتبر "أولوية ثانية"، حيث تعتبر السلطات أن الخطر الرئيسي الذي يواجه البلاد هو التهديد العسكري من القوى الخارجية، لذلك يتم التركيز على تجهيز القوات والاستعداد للتهديدات العسكرية بدلاً من الكوارث الطبيعية.
وأشار إلى أن هذا التركيز العسكري يأتي على حساب الاستعداد للأزمات مثل الزلازل والأزمات المناخية، مما يجعل الاستجابة لهذه الكوارث بطيئة وغير منسقة.
وأكد البازي أن مع كل أزمة جديدة، تعمل السلطات على تجهيز نفسها للتعامل مع الأزمات المشابهة في المستقبل بشكل أفضل، بهدف تحسين سرعة وكفاءة الاستجابة، ومع ذلك، يبقى النقص في الاستعداد المسبق واضحاً في مواجهة الكوارث الطبيعية والإنسانية التي تتطلب خططًا منهجية ومنسقة.
ترسانة دون فاعلية
مع مرور الوقت على فقدان طائرة الرئيس وعدم قدرة فرق الإنقاذ من الوصول إلى الموقع عبر السيارات، اضطرت طهران إلى الاستعانة بالاتحاد الأوروبي وتركيا للمساعدة في عمليات البحث.
وأعلنت وزارة الدفاع التركية إرسال طائرة مسيرة من طراز "أكينجي" ذات قدرة على الرؤية الليلية للمساعدة في البحث عن مروحية الرئيس الإيرانية، بناء على طلب طهران.
وحسب مصادر لشبكة "CNNTURK" فإن طهران طلبت أولاً من تركيا المساعدة في استقبال إشارة من "جهاز ALC " الموجود في المروحية، لكن دون جدوى، حيث صرح وزير النقل التركي عبد القادر أورال أوغلو: "نعتقد أن نظام الإشارة لم يكن مفعلاً على الأرجح لسوء الحظ، أو أن الطائرة الهليكوبتر لم يكن لديها نظام الإشارة هذا".
وعقب ذلك طلبت إيران إرسال مروحية مزودة بنظام الرؤية الليلية من تركيا، لكن سوء الأحوال الجوية حال دون ذلك أيضاً، ما دفع بأنقرة إلى اقتراح إرسال طائرة "أكينجي" التي تمكنت لاحقاً من تحديد موقع المروحية عبر استخدام تقنيات التصوير الحراري، حيث تمتلك أنظمة استشعار وكاميرات متقدمة تجعلها قادرة على اكتشاف المركبات والأشخاص.
الأسطول الجوي الإيراني
ويمكن تقسيم الأسطول الجوي الإيراني إلى قسمين، الأول الذي يوصف بأنه متهالك وقديم بشقيه المدني والعسكري، حيث يقول نائب رئيس هيئة الطيران المدني السابق علي رضا منظري، إنه "يوجد في إيران أكثر من 350 طائرة، يستخدم منها فقط 150 طائرة، و250 طائرة تحتضر".
وخلال العقود الماضية لقي العشرات مصرعهم من جراء تحطم طائراتهم بينهم مسؤولون وقياديون عسكريون في الحرس الثوري الإيراني، كان آخرهم رئيسي الذي كانت تقله طائرة أميركية من طراز "بيل 212" التي يزيد عمرها عن 46 عاماً.
أما القسم الثاني هو ترسانة الطائرات المسيرة، حيث أكد مسؤولون أميركيون وإسرائيليون لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، الشهر الماضي، امتلاك إيران مخزوناً ضخماً من الطائرات المسيرة، أهمها من طراز "شاهد" و"مهاجر" و"كامان" و"كيان".
وتصدر إيران مسيراتها إلى حلفائها في المنطقة، حيث أشارت تقارير أميركية إلى تسليم طهران أكثر من 400 طائرة مسيرة إلى روسيا، إضافة إلى استخدام الميليشيات الإيرانية في سوريا ولبنان والعراق واليمن طائرات مسيرة إيرانية في هجمات ضد إسرائيل.
كما هاجمت إيران، الشهر الماضي، تل أبيب بعشرات المسيرات من نوع "شاهد" رداً على قصف قنصليتها في دمشق ومقتل قادة بارزين بالحرس الثوري.
لكن رغم هذه الترسانة الكبيرة، إلا أنها فشلت في عمليات البحث عن الرئيس الإيراني ومرافقيه مؤخراً، ما يثير العديد من التساؤلات حول جاهزية وكفاءة النظام التقني والتشغيلي لهذه الطائرات للتعامل مع هكذا أزمات.
وفي سياق ذلك، تساءل الدبلوماسي الأميركي السابق والباحث في مؤسسة "كارنيغي للسلام الدولي"، آرون ديفيد ميلر، عبر حسابه في "إكس"، "كيف نفسر حقيقة مفادها أن قوة إقليمية على أعتاب تطوير أسلحة نووية لا تستطيع تحديد موقع طائرة هليكوبتر سقطت، وعلى متنها رئيسها ووزير خارجيتها، دون مساعدة خارجية، بعد نصف يوم من تحطمها".
وحسب رئيس المركز العربي الأسترالي للدراسات الاستراتيجية أحمد الياسري، فإن إيران رغم حديثها عن قدراتها العسكرية إلا أنها لا تمتلك التكنولوجيا الحديثة مثل نظام التتبع في الطائرات المسيرة كتركيا والدول الأخرى.
وقال الياسري لموقع "تلفزيون سوريا" إن إيران لا تعتبر من الدول المتطورة في مجال الصناعات، مضيفاً أن "طهران قوية على مستوى إدارة النفوذ والاستثمار في مساحات النزاع، لكنها ضعيفة على مستوى تصدير التفوق والمنافسة مع الدول الأخرى".
أما البازي اعتبر أن "العقيدة الإيرانية العسكرية تقوم على العامل الدفاعي أكثر من العامل الهجومي، وطالما أن الأزمات لا تدخل في الجانب الدفاعي، يمكن التغاضي عنها حسب رؤيتهم".
ويرى البازي أن إيران لا تمتلك طائرات مسيرة مجهزة بتقنيات متقدمة مثل أجهزة الاستشعار العالية الدقة، ويرجع ذلك إلى أنها تعتبرها ذات أهمية ثانوية وليس أولوية قصوى.
وقال إن الطائرات المسيرة الإيرانية مخصصة بكثافة من أجل اختراق الدفاعات الجوية للعدو، حسب وصف المسؤولين الإيرانيين، وهي غالباً تكون طائرات انتحارية، لكن لا تملك التقنيات العالية المتطورة.
وحسب تقرير لمجلة "ذا أيكونوميست" في 2021 فإن "إيران تستخدم تشغيل الطائرات من دون طيار من خلال أدوات تحكم راديوية، ولا تستخدم الأقمار الصناعية مثل الطائرات المتطورة".