انتهت 16 ساعة من البحث لعشرات فرق الإنقاذ، صباح الإثنين، بإعلان العثور على رئيس إيران إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته أمير عبد اللهيان وعدد آخر من المسؤولين مقتولين داخل حطام مروحيتهم التي سقطت في منطقة جبلية معزولة ولا تصلها شبكات الإنترنت شمال غربي البلاد.
سيناريو مقتل الرؤساء والمسؤولين جواً، بسقوط طائراتهم ومروحياتهم، لم يكن يوماً غريباً، فالأمثلة كثيرة على ذلك وأقربها مقتل الرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي في تحطم طائرة فوق روسيا عام 2010 مع 96 شخصاً. وقبله بست سنوات حادثة مقتل رئيس مقدونيا بوريس ترايكوفسكي بتحطم طائرته.
ولا يمكن أيضاً المرور على هذا النوع من الحوادث من دون ذكر حادثة مقتل زعيم فاغنر يفغيني بريغوجين العام الماضي، في حادث تحطم مروحيته بعد تمرده على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ومحاولته الزحف بقواته تجاه العاصمة الروسية موسكو.
إلا أن حادثة مقتل الرئيس الإيراني ووزير خارجيته وباقي مرافقيهم من المسؤولين، أثارت جدلا واسعا بسبب طريقة تعاطي وسائل الإعلام والوكالات مع المعلومات المتعلقة بموقع المروحية ومصير ركابها، وانتشار العديد من المعلومات المغلوطة بشكل واضح بينها تصريح لنائب وزير، بعد ساعات قليلة من سقوط الطائرة، تحدث فيه عن تلقيه اتصالين من أحد المسؤولين في الطائرة والذي أكد له سماع أصوات سيارات الإسعاف.
في هذا التقرير، نسلط الضوء على تسلسل الزمني لحادثة سقوط مروحية رئيسي حتى إعلان وفاته، وكيفية تعامل الإعلام الإيراني مع الحادثة ومدى التخبط في التصريحات الرسمية.
افتتاح السد.. الرحلة الأخيرة
يمكن القول إن تغطية الإعلام الإيراني للتسلسل الزمني لحادثة سقوط طائرة الرئيس الإيراني يبدأ من الإعلان عن وصول رئيسي إلى مطار تبريز الدولي شمالي البلاد، صباح يوم الأحد، واستعداده لركوب مروحية الانطلاق إلى الشمال للقاء الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، لافتتاح السد المشترك "قیز قلعسي" الواقع على نهر آراس على حدود البلدين.
ويبعد مطار تبريز الدولي عن موقع السد نحو 130 كيلو متر وتتخلل هذه المسافة تضاريس صعبة وكتل صخرية مما يعيق حركة السيارات ويجعل الانتقال إلى موقع الافتتاح بالطيران حتميا.
وقبل لقاء رئيسي نظيره الأذري أعلى السد، أشارت وسائل الإعلام إلى أنه تفقد، في التاسعة والنصف من صباح الأحد، أجزاء من مشروع طريق آراس وممر عبور السكك الحديدية بالنقطة الحدودية الشمالية الغربية للبلاد.
وفي العاشرة و20 دقيقة، بدأت وسائل الإعلام الإيرانية تبث تسجيلات مصورة للقاء الذي جمع رئيسي مع علييف أعلى منشأة سد "قیز قلعهسي"، مع لقاء رسمي جمع الطرفين في مكان مغلق.
وعلى أنغام آلة البزق، بثت وسائل الإعلام فيديو رسمي للافتتاح، وظهر الرئيسان وهما يضغطان على زر تشغيل منظومة السد وبدأ بعدها تدفق المياه في النهر الحدودي المشترك.
الإعلان عن تعرض مروحية الرئيس لـ "حادث"
وفي تمام الساعة الثالثة و26 دقيقة، أعلنت وكالات الأنباء الإيرانية الحكومية والخاصة عن تعرض المروحية التي تقل الرئيس في ولاية أذربيجان الشرقية باتجاه مطار تبريز الدولي لحادث، مشيرة إلى أن بعض مرافقي الرئيس في هذه المروحية تمكنوا من الاتصال بالمركز، وبالتالي زاد الأمل في انتهاء هذه الحادثة دون خسائر في الأرواح، ليكون ذلك أول خبر غير دقيق يوحي بأن المتصلين هم من ركاب ذات الطائرة، لكن الموكب كان مكونا في الأصل من 3 مروحيات اثنتان منهما، وصلتا وجهتهما بسلام مما يعني أن المتصل كان يركب في طائرة أخرى.
وتوالت بعد ذلك المعلومات غير الدقيقة، ففي البداية تحدثت التقارير عن مباشرة قوات الإنقاذ التابعة للهلال الأحمر والقوات العسكرية وقوات إنفاذ القانون المساعدة عملية بحث فوري عن طائرة الرئيس، إلا أن الأنباء اللاحقة بعد ساعات أكدت تعثر تحرك الفرق من مراكزها بسبب سوء الأحوال الجوية بداية من انتشار الضباب الكثيف والأمطار الغزيرة واستحالة انطلاق الطائرات وصعوبة تحرك السيارات بسبب الضباب إذ انخفضت قدرة الرؤية إلى إلى أقل 10 أمتار في تلك المنطقة وفقاً لمعلومات قدمها مراسلو واسائل الإعلام.
وضمن سياق المعلومات المغلوطة، تحدثت وسائل الإعلام عن اتصال هاتفي لأحد مرافقي الرئيس بمركز الإنقاذ بعد الحادث، والذي أشار إلى "آمال كبيرة في انتهاء هذا الحادث دون خسائر في الأرواح".
"هبوط صعب"
وانتشرت تصريحات أيضاً لوزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، بعد ساعة من الإعلان الأولي عن الحادث، قال فيها إن الرئيس والوفد المرافق له وفي طريق عودتهم بعدة مروحيات، اضطرت إحدى المروحيات إلى القيام بهبوط صعب بسبب سوء الأحوال الجوية والوضع في المنطقة، وتم إرسال فرق الإنقاذ إلى المنطقة، ولكن بسبب الضباب وقسوة المنطقة، قد يستغرق الأمر بعض الوقت للوصول إلى المروحية.
لكن الوزير اعترف بتعذر إجراء بعض الاتصالات مع مرافقي الرئيس بسبب تعقيد المنطقة، مبينا أن الجميع ينتظر وصول فرق الإنقاذ إلى منطقة الحادث وهبوط المروحية وتزويد الجهات الحكومية بالمعلومات.
وعند الساعة الخامسة، أعلن رئيس منظمة الهلال الأحمر الإيراني إرسال طائرات إنقاذ بدون طيار (درون) إلى مكان الحادث، تبعه إعلان عن تحديد موقع سقوط طائرة رئيسي في محيط قرية عوزي الواقعة في غابات ارسباران وتم إرسال فرق الإنقاذ إلى مكان الحادث.
وبدأ مراسلو القنوات التلفزيونية يتوافدون إلى موقع عمليات الإنقاذ بالقرب من منطقة سونغون، وهو آخر موقع بثه نظام الجي بي أس في المروحية. وشرح المراسلون طبيعة المكان الصعب جغرافيا والطقس السيء مشيرين إلى أنّ هذه الظروف تُأخر العمليات.
وفي الخامسة والنصف، قال رئيس جمعية الهلال الأحمر إن 40 فريق إنقاذ يبحث بالمنطقة ضمن ظروف جوية غير مناسبة للغاية ومكان يصعب التنقل فيه.
وعُقد في مطار تبريز اجتماع البحث والإنقاذ لمتابعة أزمة مروحية الرئيس بحضور الرئيس التنفيذي لشركة المطارات والخبراء المعنيين عند السادسة مساء أي بعد 3 ساعات من السقوط.
ومع تعثر الفرق في الوصول إلى الموقع وضعف المعلومات الواردة، أخذت وسائل الإعلام تنشر صورا وتسجيلات مصورة من مواقع مختلفة في البلاد لأفراد من الشعب "يدعون من أجل صحة الرئيس".
واستمر تسليط الضوء على أن المنطقة التي وقع فيها الحادث تعتبر من المناطق التي يصعب الوصول إليها ولا يمكن السفر إليها بالسيارة، وأن هذه صعبت مهمة قوات الإنقاذ. إضافة إلى هطول أمطار وضبابية شديدة، سبقه تحذير برتقالي من الطقس لهذه المناطق يوم السبت. مما يعني أن الموكب الرئاسي كان على علم بمخاطر الطيران في هذه المنطقة.
كما أشارت وسائل الإعلام إلى وجود صخور ضخمة يبلغ ارتفاعها أكثر من 70 مترا في الموقع المتوقع، مما حال دون قيام رجال الإنقاذ والأشخاص بالبحث والتقدم بسلاسة.
ومع تقطع السبل للوصول إلى الرئيس وانعدام بالإنترنت في المنطقة، أعلنت وسائل الإعلام أن السلطات شكلت مجموعات وفرق شعبية في منطقة قره داغ للبحث عن مروحية الرئيس. وتقوم الفرق الشعبية والهلال الأحمر والباسيج والسباه (الجيش) وأهالي القرى المجاورة بالبحث، وجميعها لا تستطيع التقدم بسبب الظروف الجوية السيئة.
وعند الساعة السابعة (بعد أربع ساعات من إعلان سقوط المروحية)، تواردت الأنباء أن فرق الهلال الأحمر وفرق الإنقاذ والمتسلقين والتجمعات الشعبية ستصل إلى الإحداثيات المحتملة لحادث مروحية الرئيس خلال أقل من نصف ساعة.
ومرت النصف ساعة من دون تحقيق أي تقدم، وحل الظلام واشتدت الأمطار في المنطقة، بالتزامن مع تصريحات لعدد من قادة مجموعات الإنقاذ والإغاثة الذين أكدوا صعوبة عمليات الإنقاذ، وأن الطرق المؤدية إلى موقع الحادث غير مسفلتة، فلا يمكن مرور السيارات في المنطقة، وأن على رجال الإنقاذ الوصول إلى هناك سيرا على الأقدام.
وأشارت المعلومات المتداولة في تلك الساعة إلى أنّ 46 فريقا توجه مع كلاب إلى موقع هبوط مروحية الرئيس للبحث والإنقاذ.
متحدث الحكومة يدلي بتصريحه الأول
وأمام هذا العجز عن الوصول إلى الموقع، اعترف المتحدث الرسمي باسم الحكومة بهادري جهورمي بأن العمليات تمر بظروف صعبة ومعقدة؛ وأنه "من حق الناس ووسائل الإعلام أن يكونوا على علم بآخر الأخبار حول حادث مروحية الرئيس"، وأضاف: "لكن بحسب إحداثيات موقع الحادث والأحوال الجوية لا يوجد أي خبر جديد حتى الآن".
وعند الساعة الثامنة، جرى الحديث عن إرسال 100 سائق دراجة نارية من "الوحدة الخاصة" إلى موقع الحادث المحتمل بالقرب من قرية دوزي التي سقطت فيها المروحية.
كما أرسلت للمرة الثانية مروحيات من القاعدة القتالية السادسة في هافانيروز تبريز إلى منطقة فرزغان لإجراء عمليات البحث لكنها فشلت بسبب الظروف الجوية غير المواتية.
اتصال آخر من ركاب الطائرة بعد سقوطها
وعادت وسائل الإعلام الإيرانية للحديث عن تواصل جرى مع اثنين من ركاب مروحية الرئيس، واعتمدت عليه للقول بأن "خطورة الحادث لم تكن كبيرة.. لأن شخصين اتصلوا بنا في عدة مناسبات"، مضيفة أن السلطات استندت على هذين الاتصالين لتحديد نطاق الحادث في دائرة نصف قطرها كيلومترين وجاري متابعة العمل.
أنباء العثور عن الطائرة
وعند الساعة التاسعة والنصف، ومع المسار الأفقي لعمليات البحث التي ظهر أنها لا تفيد مع حلول الظلام، بدأت بعض وسائل الإعلام الخاصة تتحدث عن العثور على المروحية التي تقل الرئيس، مما دفع الهلال الأحمر الإيراني للإدلاء بتصريح خاص لنفي هذه الأنباء جملة وتفصيلاً مؤكداً عدم نجاح الجهود المبذولة للعثور على المروحية المنكوبة حتى الساعة التاسعة والنصف مساء.
وأعلنت السلطات الإيرانية أنها طلبت من تركيا طائرة هليكوبتر للبحث والإنقاذ ذات رؤية ليلية مع أفراد متخصصين بالبحث والإنقاذ، والتي أرسلت أيضا إرسال طائرة أكينجي بدون طيار ومروحية تركية من طراز كوغار. تبع ذلك إعلان المفوضية الأوروبية لإدارة الأزمات تفعيل خدمات رسم الخرائط عبر الأقمار الصناعية للمساعدة في البحث عن المروحية بعد طلب المساعدة من إيران.
وفي الساعة العاشرة مساء، صرّح مسؤول الجيش الإيراني في منطقة أذربيجان الشرقية أنهم توصلوا إلى إشارة من المروحية والهاتف المحمول لأحد أفراد الطاقم في موقع الحادث معلنا عزم السلطات التوجه إلى الموقع مباشرة.
أسمع صوت سيارات الإسعاف
وضمن سير عمليات البحث البطيئة، خرج نائب وزير الخارجية مهدي سفاري في اتصال هاتفي على قناة تسنيم الإيرانية قال فيه إن السلطات تمكنت من التحدث مع أحد المسؤولين الذين كانوا برفقة رئيسي، ولمرتين. وأضاف أن المسؤول أخبرهم على الهاتف بما يلي: "إنني أشعر ببعض السوء وأستطيع سماع صوت سيارات الإسعاف".
وقبل حلول منتصف الليل بدقائق أفاد رئيس جمعية الهلال الأحمر بتحديد موقع جديد يتم البحث فيه بعد فقدان الأمل من إيجاد المروحية في المواقع التي جرى تفتيشها. وأنه ضمن دائرة نصف قطرها عشرة كيلومترات.
ليتبين لاحقا أن السلطات الإيرانية عجزت عن تحديد الموقع في المرتين.
وعند الساعة 12.30 ليلاً، بدأت تظهر المسيرة التركية المسيرة أكنجي على مواقع الرادار العامة، الأمر الذي التقطته وسائل الإعلام الإيرانية. ووصلت المسيرة التركية إلى الموقع العام للسقوط في الساعة 12.45 وبدأت العمل. وفي الساعة 02:36، توصلت المسيرة إلى الطائرة المروحية المنكوبة وأبلغت السلطات الإيرانية بإحداثيات الحطام، في ظل فقر بالمعلومات من الجانب الإيراني وتوقف كثير من وسائل الإعلام عن النشر.
وعند الساعة الخامسة (الرابعة بالتوقيت المحلي)، أعلن رئيس الهلال الأحمر عن موقع المروحية وتوافدت إليه فرق الإنقاذ، واستطاعت التحليق فوق الموقع المذكور وبثت تسجيلات من طائرات درون فوق موقع الحطام، لتعلن السلطات صباح الإثنين وفات جميع ركاب المروحية وهم: "رئيس الجمهورية إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، ومحافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي، ومحمد علي آل هاشم إمام جمعة محافظة تبريز، وبعض المسؤولين الآخرين".