تداول ناشطون سوريون وأتراك خلال الأيام الماضية مقطعاً مصوراً لمقابلة شارع وثقت جدالاً نشب بين شاب سوري يدعى أحمد إسماعيل كنجو (17 عاماً)، ومواطنين أتراك في إحدى ساحات إسطنبول العامة.
حاول "كنجو" خلال المقابلة إثبات معلومة تفيد بأن عدد السوريين الذين حصلوا على الجنسية التركية نحو 200 ألف سوري عبر إخراج هاتفه المحمول للبحث عن إحصائيات وزارة الداخلية التركية، إلا أن أحد المواطنين رفض قبول الإحصائيات بالقول "أنا لا أثق بغوغل"، وادعى بأن الذين حصلوا عليها يفوق 700 ألف سوري.
يستند المواطن، وغيره من المواطنين، في معلوماتهم على تصريحات السياسيين المناهضين لوجود اللاجئين في تركيا، خاصة السوريين منهم، والتي تتضمن شائعات مثل الرواتب والجنسية التركية الممنوحة للسوريين، بهدف كسب الحشد الجماهيري تزامناً مع اقتراب موعد الانتخابات التركية منتصف حزيران المقبل.
شعبوية الإعلام
يلعب الإعلام في تركيا دوراً مهماً في تسويق هذه الشائعات والتصريحات بين الجمهور بهدف زيادة التفاعل على منصاتها الإلكترونية وصفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
ولعل الأسلوب التحريري المتبع لدى بعض وسائل الإعلام التركية، الذي لا يعتمد على وضع خلفيات للخبر، أو متابعة الحدث بعد وقوعه، والتعامل معه على اعتباره مادة ذات بعد واحد لا يحتمل أوجهاً، هو من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تسويق هذه الشائعات داخل الوسط التركي.
إضافة إلى ذلك، زج مسألة اللاجئين السوريين في تركيا ضمن الأجندة التركية من قبل الأحزاب السياسية، جعل منها مادة دسمة ترضي "شراهة" الوسائل الإعلامية لزيادة عدد القراءات، وهو ما يجرها نحو "الشعبوية".
"الدولة الأكثر تعرضاً للأخبار الكاذبة"
وفق تقرير رويترز ديجيتال نيوز الصادر عام 2018، تحتل تركيا المرتبة الأولى بين الدول الأكثر تعرضاً للأخبار الكاذبة، حيث تكشف الدراسة الأشخاص الذين يثقون بالأخبار التي يرونها أو يشاهدونها في تركيا هم 38 في المئة.
وهذه النسبة تعتبر كبيرة إذا ما علمنا بأن وسائل مثل (Fox TV - Cumhuriyet - Sözcü) تعتبر من ضمن أكثر خمس الوسائل الإعلامية متابعة في تركيا، وهي وسائل إعلامية مناهضة للاجئين السوريين في تركيا.
وتبلغ الثقة في الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي 23 في المئة عالمياً، في حين تبلغ هذه النسبة في تركيا 33 في المئة، وهذا يعني أن شخصاً من بين ثلاثة أشخاص يثقون بما يشاهدون على وسائل التواصل الاجتماعي، في حين أن نسبة الأشخاص المهتمين بدقة المعلومات التي يواجهونها على الإنترنت في تركيا لا تتجاوز 60 في المئة.
أجندة سورية أم تركية؟
عبر متابعة وسائل الإعلام التركية، يمكن ملاحظة العديد من الأخبار التي تنقل شجاراً بين مواطنين أتراك ولاجئين سوريين، أو لاجئين سوريين فيما بينهم، أو مسيرة عشائرية سورية في جنوبي تركيا، في حين توجد ندرة أو تأخر في نقل الأخبار المتعلقة بالأجندة التركية الداخلية.
في مطلع الشهر الحالي، نشرت وكالة "الأناضول" التركية خبراً عن إيجاد ثاني أكبر احتياطي للعناصر الأرضية النادرة في العالم ضمن منطقة "بيلي كوفا" في ولاية "أسكيشهير" التركية.
وتُستخدم العناصر الأرضية النادرة في مجالات مثل الطيران والدفاع وصناعة الفضاء والطب الحيوي، حيث يقدر الاحتياطي المكتشف بـ 694 مليون طن، وبذلك تحتل تركيا المرتبة الثانية بعد الصين، التي تمتلك حالياً أكبر حقل عنصر نادر باحتياطيات تبلغ 800 مليون طن.
وبهذا الاكتشاف، يمكن لتركيا أن تكسر الاحتياط الصيني لإنتاج هذه العناصر في العالم، وهو ما يمكن دولاً مثل أعضاء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية من التخلص من الاحتكار الصيني لهذه الصناعة.
على الرغم من أهمية هذا الاكتشاف، فإن الوسائل الإعلامية التركية تداولته بشكل مقتضب بعد الاكتشاف، وبدأت بتداول الخبر بشكل موسع بعد نشره في صحيفة "The Times" البريطانية بتاريخ 12 تموز الحالي.
في المقابل، احتل خبر قافلة سيارات الزفاف الفارهة في ولاية شانلي أورفا جنوبي البلاد حيزاً كبيراً لدى بعض وسائل الإعلام التركية بعد أن تم تداول الخبر على أن القافلة تعود لعشيرة سورية، ليتبين فيما بعد بأن القافلة تعود لعشيرة "العنزه" السعودية.
الصحافة سلاح قاتل
وانتقدت نائبة رئيس الترويج الإعلامي لدى حزب العدالة والتنمية، والنائبة البرلمانية عن ولاية إسطنبول، تولاي كاينارجا، تركيا بكونها من أكثر الدول التي تحتوي على أخبار كاذبة ومضللة.
وقالت "كاينارجا" خلال حديثها أمام جمع من الصحافيين في مبنى المعلمين الكائن في منطقة "أفجلار" وسط إسطنبول، صباح يوم الأحد، بمناسبة "يوم الصحافيين والصحافة"، إن قضية الأخبار المضللة تعتبر من أكثر القضايا حساسيةً في الوقت الراهن.
وأشارت في حديثها إلى "صحافة المواطن" التي تنتشر بشكل كبير في تركيا، والتي غيرت كثيراً من شكل الصحافة في البلاد، حيث يمكن لشاب لا يقرأ الصحف، ولا يعرف رائحتها من أن يمسك هاتفه ويسجل مقابلات مع الناس في الشوارع.
وشبهت "كاينارجا" هذا الإعلام بكونه سلاحاً ذا حدين ومن الممكن أن يقوض حرية الآخرين، فإذا كان بيد مجرم فهو سلاح قاتل، في حين يكون منقذاً للأرواح إذا ما كان هذا السلاح بيد الطبيب، داعيةً إلى وجود عقوبات رادعة في هذه المهنة التي تملك تأثيراً كبيراً على الجمهور.
رأي عام إلكتروني
ومطلع حزيران الماضي، أشارت المديرية العامة للأمن في تركيا، عبر بيان نشرته على حسابها الرسمي بموقع "تويتر"، أنه تم نشر 145 مليون تغريدة عبر 12 مليوناً و 479 ألف حساب في تركيا في شهر أيار الماضي، وأن 23 في المئة من هذه الحسابات كانت حسابات بوت تديرها أجهزة الكمبيوتر.
وتوصلت المديرية إلى أن 52 في المئة من الحسابات المتفاعلة على "تويتر" هي حسابات "بوت" تدار من قبل أجهزة حاسوب بهدف التأثير على الجمهور، وإقناع الأفراد بالتصرف بطريقة معينة أو للتحريض على الكراهية والعنف.
وتستند عليه بعض وسائل الإعلام التركية في الأخبار التي تنشرها حول رواتب السوريين وأعدادهم، على مواقعها ومنصاتها الإخبارية كمصدر للمعلومات، من دون التأكد من موثوقية المصدر، وفي بعض الأحيان تتسبب هذه الحسابات بخلق قضية رأي عام تشغل الشارع التركي لفترة من الوقت.