لم تنته حالة التوتر لدى اللاجئين السوريين في تركيا بعد احتواء السلطات التركية المشكلات الأمنية التي شهدتها العاصمة التركية أنقرة، الشهر الماضي، وما رافقها من هجمات عنصرية على منازل ومحال لسوريين، حتى صدموا بسلسلة من القرارات الصادرة عن الإدارة العامة للهجرة التركية، منها ما هو خاص بالموجودين في أنقرة كملاحقة المخالفين، أو فتح باب طلبات الراغبين بالعودة تحت ما يسمى "العودة الطوعية".
وتأتي هذه التحركات في سياقين، الأول أنها جاءت بعد خطاب عنصري يحض على الكراهية من قبل سياسيين معارضين للوجود السوري وعلى رأسهم المعارضة إيلاي أكسوي، أما السياق الثاني فإنها تأتي قبل الانتخابات المحلية التي ستجري في تركيا عام 2023، وتحاول المعارضة استخدام ورقة السوريين كضغط على الحكومة الحالية.
وفي ظل تصدر ملف اللاجئين حديث الأحزاب المعارضة، خلال الأسابيع الماضية، وتوقعات باستمراره، وتزامناً مع هذه القرارات وما يرافقها من تصريحات سياسية حول إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، يزداد التخوف لدى السوريين من المرحلة المقبلة.
رسائل تزيد المخاوف
في منطقة إسنيورت، التي تعد مركز تجمع عدد كبير من السوريين في ولاية إسطنبول، ومن دون سابق إنذار، وصلت خلال الأسبوعين الماضيين رسائل نصية إلى عشرات السوريين تحثهم على ما يسمى العودة الطوعية إلى سوريا.
وبتحقق من موقع تلفزيون سوريا تبين أن هذه الرسائل وصلت من قبل بعض البلديات التابعة للمعارضة التركية، وتتضمن توفير باصات مجانية وخدمات لمن يريد "العودة الطوعية" من السوريين إلى بلاده، الأمر الذي أربك وزاد التخوف لدى السوريين في المنطقة.
وتقول اللاجئة السورية، سماح البالغة من العمر 60 عاماً وتقطن برفقة زوجها في المنطقة، إن رسالة وصلت إلى هاتفها مضمونها :
"ضيوفنا الأعزاء.. بدأنا بتسجيل من يريد العودة إلى وطنه طواعية، وسيتم تخصيص حافلات مجانية لضيوفنا الذين يرغبون في العودة إلى بلدانهم ومساعدتهم في الوثائق اللازمة".
وأعربت سماح عن قلقها من حدوث أي مشكلة قد تعرضها للترحيل بعد وصول الرسالة لها ولعائلاتها، معتبرة أن التعامل مع قضية اللاجئين قد تغير وأنها عندما سمعت بالرسالة سابقاً لم تصدق ظناً منها أنها مجرد شائعة.
تجاوز لحقوق اللاجئ السوري في تركيا
وعلى الرغم من أن هذه الرسائل تتضمن "العودة الطوعية" بحسب نصها، فإن الناشط في قضايا اللاجئين في تركيا، طه الغازي، اعتبر أنها "تجاوز لحقوق اللاجئين السوريين في تركيا، ونوع من الضغط النفسي عليهم، والذي سيؤثر على استقرارهم النفسي والاقتصادي وعلى مختلف الأصعدة".
كما أكد الغازي، في حديث لـ موقع تلفزيون سوريا، أن الرسائل "ستزيد من مشكلات اللاجئين أصحاب الوضع النظامي لتشعرهم بعدم الاستقرار في حياتهم، وتعد خطوة في سبيل الضغط غير المباشر لدعوتهم للعودة الطوعية القسرية".
بدوره أكد رئيس طاولة الحلول في إسطنبول، الدكتور مهدي داوود، أن "الرسائل هذه ليست بجديدة، وإنما تم إرسالها بأوقات سابقة لبعض القاطنين في منطقة إسنيورت، وهناك بعض العائدين الذين استعانوا بالبلدية في عودتهم لنقلهم ونقل حاجياتهم من إسطنبول إلى مناطق سيطرة الجيش الوطني في السنوات الماضية".
حالات ترحيل للاجئين سوريين في تركيا
وحول أسباب هذه القرارات، اعتبر "داوود"، في حديثه لـ موقع تلفزيون سوريا، أن "القرارات صدرت مع قرب الانتخابات في تركيا، وأن حزب العدالة الحاكم حاليا غير جاهز للمغامرة بخسارة أي صوت من ناخبيه بسبب اللاجئين، فهو يعمل على احتواء غضب الشارع".
وأكد داوود وجود حالات ترحيل لا تخفى على أحد، تتم بشكل قسري بعد إجبار بعض المخالفين تحت الضغط النفسي، أو من دون معرفة اللاجئ بأن هذه ورقة ترحيل فيتم إخباره أنها لإطلاق سراحه، ويوقع على أوراق العودة الطوعية.
طمأنة حكومية وتحرك خارجي
من جهته أكد نائب مدير دائرة الهجرة التركية جوكشه أوك، أن الحملات على مواقع التواصل الاجتماعي ضد وجود السوريين "لا تمثل الشعب التركي الذي يتقاسم رزقه وخبزه ولقاحاته مع السوريين في إسطنبول وإزمير ومرسين وكلس وأنطاكية"، مشيراً إلى أن "لغة مواقع التواصل الاجتماعي تختلف كلياً عن لغة الشارع الذي تغيب عنه أي مؤشرات تثير القلق".
ولفت أوك في تصريحات سابقة خاصة لـ موقع تلفزيون سوريا، أن وعود سياسيي المعارضة بإعادة السوريين "غير مسؤولة"، إذ لا يحق لأحد أن يثير جمهوره بادعاءات مفادها بأن إعادة السوريين مسألة تحل ببضعة أيام – بحسب رأيه. كما وصفها بالـ "منفصلة عن الواقع والحقوق والقيم العالمية".
أما وزير الداخلية، سليمان صويلو، فقال في تصريحات صحفية الشهر الماضي، إن "السوريين في تركيا هم تحت الحماية المؤقتة وإخوة للشعب التركي، ولا حديث عن ترحيلهم إلى مناطق الصراعات في سوريا"، مضيفاً أن "نحو 400 ألف سوري عادوا إلى مناطق آمنة في إدلب من تلقاء أنفسهم بعد تأمين تركيا لتلك المناطق".
وفي موازاة هذه التطمينات من مسؤولين، يجري تحرك على مستوى الخارجية التركية بالتعاون مع الأمم المتحدة لإعادة السوريين بشكل طوعي، وهو ما أكده وزير الخارجية التركية، مولود تشاووش أوغلو، الذي قال إنهم "أخذوا زمام المبادرة كدول مجاورة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلدانهم.
وقال جاويش أوغلو، في تصريحات في ولاية أنطاليا الأحد الماضي، "نحن نعمل مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لإعادة اللاجئين، وخاصة السوريين"، مضيفاً أنه ليس بدفعهم قسرا، بل من خلال تنفيذ المشاريع التي توفر التعليم والصحة والتوظيف للعائدين في مناطق سيطرتهم.
وقبل أيام نشرت منظمة العفو الدولية، تقريراً تحدثت فيه عن الانتهاكات التي يمارسها نظام الأسد بحق اللاجئين السوريين العائدين إلى سوريا، مؤكدة خطورة عودة السوريين في الوقت الحالي إلى بلادهم، حيث وثقت انتهاكات بحق 66 شخصاً من العائدين، شملت الإخفاء والتعذيب والاغتصاب.