يحاول محمد أبو النور، أن يضبط زاوية التصوير تارةً، وتقطيع حبات الطماطم تارةً أخرى، وأشياء كثيرة عليه التفكير فيها، خلال وقوفه أمام العدسة، وإعداده المحتوى المتخصص بـ"الطبخ والمأكولات" على منصّة "يوتيوب".
وفي استديو أهّله بجزء من منزلٍ غير مجهّز، يقدّم محمد أبو النّور المنحدر من مدينة حلب، محتوى على موقع "يوتيوب" بقناة تحمل اسم "الشيف المعاق"، وذلك من مكان إقامته في بلدة "سيجر" بريف إدلب الغربيّ.
فقد "أبو النور" (25 عاماً)، طرفيه السفليين، في عام 2015، بقصف جوي بالبراميل المتفجّرة على منزله السكني في حي "الحلوانية" في مدينة حلب، وتهجّر منها بعد عامٍ، إلا أنّ الرغبة في تأمين مصدر رزق يناسب حاله الصحيّ، وتجاوز أزمة النزوح والبطالة، دفعته باتّجاه استثمار هواية الطبخ، على طريقة "اليوتيوبر".
"محاولات مريرة للعمل"
يقول "أبو النور"، وهو أب لطفل يبلغ من العمر (5 أشهر)، لموقع تلفزيون سوريا، إنّ "فكرة إنشاء قناة يوتيوب تقدّم محتوى عن الطبخ، بدأت قبل نحو أربعة أشهر، بعد محاولات مريرة للحصول على فرصة عمل، وجميعها قوبلت بالرفض بسبب ظرفي الصحّي، وإعاقتي".
ويضيف: "كان المكان هذا ـ يشير إلى الأستديو ـ غارقا بالحجارة وبقايا الصخور نتيجة طبيعة القرية الجبلية.. بقيت لأيام بمساعدة عائلتي أنظّف وأجهّز في المكان، ومن ثمّ اتّجهت لإنشاء الاستديو، بدءاً من عدّة الطبخ، والعشب الأخضر، والشلال والحيوانات الأليفة التي تشاركه جميعها المحتوى المقدّم".
ويقول إنّ "رسالتي هي نقل أطباق تراثية وشعبية تعرف بها مدينة حلب، والمطبخ السوري، إلى جمهور اليوتيوب بمختلف أنواعه، مستفيداً مما تعلّمته من جدّتي وأمي، فهما طباختان ماهرتان".
"أمنتج بـ 50 ساعة"
وتبدو المهام، الكثيرة، التي بدأت من تجهيز موقع التصوير، إلى إعداد الطبق، وتصويره في وقتٍ واحد، وساعات طويلة من "المونتاج"، تبدو شبه مستحيلة، على شابٍ بظرف خاص، لكن الشغف بـ"الخلاص من ضغوطات الحياة، وسطوة المساعدات والطلب من المنظمات الإنسانية، والاعتماد الكلي على الذات"، وفقاً لما يقول "أبو النور"، هو حافز للاستمرار في التجربة الجديدة.
وتبقى التحديات الفنيّة، هي أكثر ما يواجه "أبو النور"، ويعزّي ذلك: "بسبب قِدم أدواتي، على رأسها، الحاسب الشخصي، إذ تستغرق عملية المونتاج قرابة 50 ساعةً، لأن الحاسب يفصل عدة مرات خلال عملية المونتاج".
وحول جمعه بين الطبخ والتصوير في آنٍ واحد، يقول "أبو النور" لموقع تلفزيون سوريا: "تساندني زوجتي من خلف العدسة، وأنا في ذات الوقت أراقب زوايا التصوير من هاتفي، بعد أن وصلته على آلة التصوير مباشرةً، وأوّجه زوجتي بالملاحظات للحصول على زوايا مناسبة".
ويشتكي "أبو النور" من طبيعة استديو التصوير، المكشوفة، إذ لن يكون قادراً على تصوير حلقات جديدة خلال فصل الشتاء، وهو ما يحاول إيجاد حلّ له خلال هذه الأيام، فضلاً عن أنّ أدوات الإضاءة وآلات التصوير المتعددة في الموقع، ما زال يفتقر إليها، بسبب عدم قدرته على تحمّل تكاليف شرائها.
وحول هذا الأمر، يردف: "الآن استوفيت شروط الربح من القناة، لكن لم أحصل على شيء حتى اللحظة.. كل ما أطمح إليه الآن، أن يبدأ المردود المادي للقناة، حتى أتمكن من إيفاء الديون المترتبة عليّ، وتطوير معدّاتي وتجهيز الاستديو بما يلزم، لمواجهة فصل الشتاء".
مشاهدات على قناة اليوتيوب
وحقّقت قناة "الشيف المعاق"، حتى اليوم، نحو 19 ألف مشترك، وبساعات تجاوزت الـ 5500 ساعة عمل، إلى جانب 350 ألف مشاهدة خلال شهر واحد.
ولا يخفي "أبو النور"، الصعوبات المترتبة عليه، خلال التنقّل، بسبب طبيعة منزله، الكائن على منحدر جبليّ قاسٍ.
ويختم حديثه، وهو يتنقّل على ساعديه بين زوايا المطبخ: "اليوم بدأت أحلم بحياة جديدة، كل ما أتمناه هو المساندة للوصول إلى هدفي، الذي سيساهم في إنقاذ ضحية من آلاف من ضحايا براميل النظام في سوريا".