رغم تساهل وزارة التربية التابعة للنظام السوري بما يتعلق باللباس المدرسي، وطلبها من مديريات التربية عدم التشدد به، إضافة إلى التخفيف من القرطاسية نتيجة الظروف الاقتصادية وضمان استمرار العملية التعليمية وفقاً لبيان صادر عنها، إلاّ أن العائق الأكبر الذي يقف أمام الطلاب ويهدد العملية التعليمية حالياً هو تكاليف الوصول إلى المدرسة عبر وسائل النقل، والتي باتت مرهقة جداً لكثير من الأسر التي أصبحت أمام خيارات قليلة أحدها إرسال أبنائها سيرا على الأقدام إلى المدارس.
"حتى لو كانت المدارس مجانية وهناك تساهل بكل شيء، يبقى الإنفاق على المواصلات يومياً مكلفاً جداً وخاصةً للطلاب المسجلين في مدارس بعيدة عن سكنهم" يقول نور الدين وهو من سكان جرمانا مضيفاً "نحن نسكن في منطقة حي البعث قرب ساحة الرئيس في مدخل جرمانا ومدرسة ابني وابنتي في آخر المدينة بحي الجناين ويحتاجان إلى سرفيسين ذهابا وإيابا، ما يعني دفع 4 آلاف ليرة يومياً، أي في الشهر 88 ألف ليرة".
يؤكد نور الدين أن الحصول على وسيلة نقل سواء في الصباح أو ظهراً للعودة إلى المنزل أمر صعب جداً، حيث يعاني أبناؤه من ذلك ويلحّون عليه للتسجيل بوسيلة نقل جماعية، لكن كلفتها بحسب نور الدين أكبر من أجرة السرافيس، ما يجبرهم على التأخر عن المدرسة أو المنزل يومياً إما لاضطرارهم إلى التنقل مشياً على الأقدام أو لانتظارهم السرافيس لوقت طويل.
تكاليف باهظة تبعاً للأجور في دمشق
سجّل إبراهيم ابنه في الثانوية بمدرسة في مساكن برزة ذات سمعة حسنة بمستوى التدريس، وهو من سكان الجادات. يقول إبراهيم لموقع تلفزيون سوريا "بحثت عن أفضل مدرسة حكومية لابني وفقاً لسمعتها ووقع اختيارنا على واحدة في مساكن برزة، لكن يحتاج ابني إلى سرفيسين في الذهاب والإياب، أحدهم من الجادات إلى الجسر الأبيض أو من شارع الثورة ثم آخر إلى المدرسة، ما يعني أنه بحاجة إلى 4 آلاف ليرة يومياً للنقل فقط".
يقول إبراهيم إنه صدم في الواقع، حيث لا تتوفر السرافيس يومياً نتيجة قلتها والازدحام الكبير صباحاً، ما يدفع ابنه لركوب السيارات الجماعية من شارع الثورة بـ2500 ليرة إلى مساكن برزة وكذلك للعودة، ما يرفع الكلفة اليومية للمواصلات إلى نحو 7 آلاف ليرة أي ما يصل إلى 154 ألف شهرياً.
وتحتاج الأسرة التي لديها 3 أبناء في المدرسة إلى سرفيس واحد للوصول إليها، نحو 6 آلاف ليرة يومياً أي نحو 132 ألف ليرة شهرياً، دون نفقات أخرى كالخرجية (مصروف يومي)، أو أية مصاريف أخرى خاصة بمتطلبات الدراسة والمدرسة، وتعتبر هذه التكاليف باهظة تبعاً للأجور.
ووفقاً لعدد من الأهالي، فإن كلفة التسجيل في وسيلة نقل جماعي للذهاب إلى المدرسة يتراوح شهرياً بين 150 - 200 ألف ليرة، وهو مبلغ لا تستطيع تأمينه أغلب الأسر.
النقل أغلى من التعليم في سوريا
ارتفاع تكاليف النقل ظهر جلياً في تأمين نقل الأطفال إلى رياض الأطفال الخاصة كون هذه المرحلة العمرية لا يستطيع الطفل فيها الذهاب والإياب وحده بوسائل النقل العامة، حيث تراوحت أقساط التسجيل في الرياض الخاصة وسطياً للمستوى العادي منها بين 1.7 – 2 مليون ليرة في السنة، بينما تراوحت أقساط التسجيل في وسيلة النقل الخاصة بالرياض بين 2 – 2.5 مليون ليرة سنوياً، أي أن التسجيل في وسيلة نقل الروضة أغلى من التسجيل في الروضة نفسها، ما يرفع تكاليف التسجيل إلى 3.7 – 4.5 ملايين في السنة (دون قرطاسية أو لباس).
الذهاب إلى المدرسة مشياً على الأقدام
أغلب الأسر التي لا تستطيع تأمين مبالغ مالية يومية لأبنائها للوصول إلى مدارسهم، يدفعونهم للذهاب مشياً على الأقدام مهما كانت مرحلتهم العمرية، ما يعرضهم للمخاطر، وفقاً لأحد المدرسين في دمشق الذي فضل عدم ذكر اسمه، وتابع "يجبر الطفل بعمر الـ7 أو الـ6 سنوات على المشي يومياً نحو كيلومتر على الأقل وحده وعلى ظهره دفاتره وكتبه ليصل إلى مدرسته ثم ليعود إلى منزله تحت الحرارة العالية.
وتابع "لاحظنا من الأسبوع الأول وجود تأخر كبير من قبل الطلاب نتيجة الاعتماد على المشي للوصول إلى المدرسة"، مشيراً إلى أن هذه الحالة تعرض الطفل لمخاطر خاصةً عند تقطيع الشارع أو مخاطر مثل الخطف والسرقة والضياع.
وأعلنت محافظة دمشق الشهر الماضي، عن رفع أجور السرافيس وحافلات النقل الداخلي، بعد رفع أسعار المشتقات النفطية، حيث تم تحديد أجور السرافيس وحافلات النقل الداخلي بـ1000 ليرة سورية بعدما كانت 500 ليرة.
وكانت وزارة التجارة الداخلية قد رفعت قبل يوم من إعلان المحافظة، أسعار مادتي البنزين والمازوت لمختلف الفئات، ليصبح المازوت المدعوم بسعر 2000 ليرة بعد أن كان بسعر 700 ليرة، والبنزين 95 أوكتان 13500 ليرة بعد أن كان سعره 10 آلاف ليرة.
قرار رفع أسعار المحروقات رافقه تضخم كبير في الأسعار نتيجة ارتفاع تكاليف النقل، ما دفع وزارة التريبة لأن تطلب من المديريات في المحافظات التعميم على المدارس بعدم التشدد باللباس المدرسي شريطة أن يكون اللباس مناسباً، والتخفيف من القرطاسية اللازمة للطلاب المتعلمين والاكتفاء بما هو ضروري قدر الإمكان. وأشارت إلى أن هذه التسهيلات تهدف لتخفيف العبء المالي عن الأهالي، ولضمان سير العملية التعليمية.