icon
التغطية الحية

التوسع في عدد الجامعات شمال غربي سوريا.. ما الجدوى؟

2024.08.06 | 06:20 دمشق

66
تخريج دفعة من طلاب جامعة حلب الحرة - تلفزيون سوريا
تلفزيون سوريا - ثائر المحمد
+A
حجم الخط
-A

تحتل قضية التعليم الجامعي في الشمال السوري مكانة مهمة، حيث شهدت المنطقة زيادة ملحوظة في عدد الجامعات خلال السنوات الماضية رغم عدم الاعتراف الدولي بها.

يفسّر خبراء سبب إنشاء عدد كبير من الجامعات في الشمال السوري بأنه يعود إلى الحاجة الملحة لتوفير فرص تعليمية للشباب في المنطقة، ومع ذلك، فإن عدم الاعتراف الدولي بهذه الجامعات يشكل تحدياً كبيراً لخريجيها، فالخريجون يواجهون صعوبة في إيجاد فرص عمل ملائمة خارج حدود الشمال السوري، حيث يتم تجاهل شهاداتهم من قبل معظم الجهات الحكومية والخاصة في الدول الأخرى.

لا يرى كثير من الطلاب في مسألة عدم الاعتراف مشكلة بحد ذاتها، كونهم يهدفون إلى تحصيل العلم بصرف النظر عن الاعتراف بالشهادة أو عدمها، خاصة أن معظمهم يرغبون بالعمل محلياً بعد التخرج، مع اعتقادهم أن الاعتراف قد يأتي في أي وقت، كون المانع حالياً هو سياسي بالدرجة الأولى ولا يتعلق بجودة الجامعات ومستواها.

في هذا السياق، يبقى السؤال قائماً حول ما إذا كان التوسع في عدد الجامعات في هذه البقعة الجغرافية الصغيرة يحقق فائدة تعليمية أو اقتصادية، فالبعض يتخوف من أن يؤدي ذلك إلى تشتيت الجهود والموارد، مما يعيق تحقيق معايير جودة التعليم المطلوبة.

الجامعات في شمال غربي سوريا

تتوزع الجامعات الحكومية والخاصة في شمال غربي سوريا على منطقتي إدلب وريف حلب الشمالي والشرقي، بإشراف وترخيص "حكومة الإنقاذ" في إدلب، ومجلس التعليم العالي في الحكومة السورية المؤقتة شمال وشرقي حلب.

وإلى جانب جامعة إدلب، أعلنت "حكومة الإنقاذ" قبل أيام عن تأسيس "جامعة حلب الشهباء" في مدينة الدانا بريف إدلب الشمالي، على أن تتبع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي وترتبط بها مباشرة.

وكذلك أعلنت الحكومة عن إنشاء "الجامعة الإسلامية الخاصة" في إدلب، وافتتاح فرع لجامعة إدلب، ضمن مدينة سلقين بريف إدلب الشمال الغربي.

ومن الجامعات الخاصة في إدلب (جامعة ماري - جامعة الشمال - جامعة المعارف - جامعة الحياة).

وأسست جامعة إدلب في عام 2015، وتم افتتاحها وبدأت الدراسة فيها في العام الدراسي 2015 - 2016، وبحسب الموقع الرسمي الجامعة، فإن ذلك جاء تلبية للحاجة المجتمعية والعلمية، وبهدف تأمين الخريج الجامعي المختص والمؤهل بالعلوم اللازمة في سوق العمل، وتضمنت في البداية عدة كليات ومعاهد، ثم تلاها افتتاح فروع وكليات وأقسام جديدة في السنوات اللاحقة، وتم افتتاح فرع لجامعة إدلب في مدينة الدانا عام 2020.

وفي ريف حلب الشمالي، هناك جامعة حكومية (جامعة حلب في المناطق المحررة) و9 جامعات خاصة مرخصة لدى مجلس التعليم العالي في الحكومة المؤقتة، وهي الجامعة الدولية للعلوم والنهضة، جامعة الشام، جامعة باشاك شهير، جامعة الزهراء، جامعة آرام للعلوم، جامعة المعالي، الجامعة السورية للعلوم والتكنولوجيا، جامعة الأمانوس، جامعة الرواد للعلوم والتقانة.

افتُتحت جامعة حلب الحرة في عام 2015 بقرار من "الحكومة السورية المؤقتة"، وانتشرت كلياتها حينذاك في كل من حلب وإدلب وريف حمص والغوطة ودرعا، وبعد سيطرة قوات النظام على معظم تلك المناطق، تركز نشاطها في شمال غربي سوريا، ومقرها الرسمي حالياً في مدينة اعزاز شمالي حلب.

ومن أهداف الجامعة بحسب موقعها الرسمي؛ تأمين الدراسة الجامعية للطلاب السوريين المستجدين بالسنة الأولى أو المنقطعين عن الدراسة في باقي السنوات، وحماية "الأكاديمي السوري المنشق"، واللاجئ أو النازح، وتقديم برامج تعليمية متميزة في منهجها وطريقة تدريسها تسهم في إعداد "المواطن الصالح"، والتركيز على البحث العلمي وتعزيز ماهيته في التطوير والنماء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.

تباين في وجهات النظر

تتباين وجهات النظر حول الجدوى من الزيادة الكبيرة في عدد الجامعات شمال غربي سوريا، خاصة أن جميعها تفتقد للاعتراف الدولي، كما يطرح البعض تساؤلات عن سبب عدم التركيز على تدعيم وتطوير الجامعات الرئيسية في المنطقة، بدلاً من تشتيت الجهود ضمن كثير من الجامعات، بالتالي المعاناة من شح الكوادر التدريسية.

وقال الرئيس السابق للحكومة السورية المؤقتة الدكتور جواد أبو حطب، إن البدء بإنشاء الجامعات من قبل مؤسسات الثورة تم في عامي 2014 و2015، وتحديداً جامعة حلب في المناطق المحررة وجامعة إدلب، نظراً للحاجة إلى جامعات تحتضن الطلاب الذين انقطعوا عن الدراسة في الجامعات ضمن مناطق سيطرة النظام.

وأضاف أبو حطب في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، أن المشكلة ليست بعدد الجامعات، فيُفترض أن يكون لدينا نحو 200 ألف طالب جامعي مقارنة بعدد السكان في شمال غربي سوريا، لكن الطلاب الجامعيين لا يتجاوز عددهم حالياً الـ 50 ألفاً.

وأشار إلى أن عدم الاعتراف بالجامعات ليس دافعاً لعدم الدراسة وتلقي العلم، مضيفاً أن المشكلة تكمن أيضاً في نقص الاختصاصات، مع ضرورة العمل على رفع مستوى الجامعات وتحسين جودتها.

من جهته قال الباحث الأكاديمي الدكتور عقبة العيسى، إن كثرة عدد الجامعات في الشمال السوري ظاهرة إيجابية، كونها تفتح كثيراً من الخيارات أمام الطلاب، خاصة بما يتعلق بالموقع الجغرافي، مع العلم أن إحدى المشكلات هي تمركز بعض الجامعات في منطقة جغرافية واحدة، كما يحصل في مدينة اعزاز، ما يضطر الطالب إلى استئجار منزل في المدينة، أو زيادة الأعباء المالية بسبب المواصلات.

ولفت العيسى في حديث مع موقع تلفزيون سوريا، إلى أن المنطقة بحاجة إلى هذا العدد من الجامعات، إذا ما قورن ذلك بالعدد الكبير للطلبة الناجحين كل عام في امتحانات الثانوية العامة.

وأردف: "لنصل إلى جودة تعليم جيدة يجب أن يكون هناك توزيع منهجي للطلاب، بحيث لا يتجاوز عددهم في الشعبة الواحدة 40 طالباً، وهذا الأمر مرتبط بعدد الكوادر التعليمية الموجودة في الجامعة الواحدة، وإذا طبّقنا هذا المعيار نجد أن عدد الجامعات غير كاف".

ويعتقد العيسى أن التوسع في عدد الجامعات يحقق جودة في التعليم، كون عدد الطلاب في كل جامعة يصبح أقل، لكن ذلك سيتسبب في الوقت نفسه باستنزاف جهود الكوادر العلمية بالأعمال الإدارية، فإذا كان لديك 10 جامعات، فأنت بحاجة إلى 10 رؤساء جامعات، مع العمداء ورؤساء الأقسام".

ترحيب وفق شروط

قال مضر درويش - الطالب في كلية الطب البشري بجامعة حلب - إنه "في الواقع ليس لدي اعتراض من حيث المبدأ على افتتاح جامعات جديدة في الشمال السوري، نحن نتكلم عن مؤسسات تعليمية سترقى بشكل أو بآخر بمجتمعنا السوري، ازدياد هذه الجامعات من وجهة نظري جيد، لكنْ ضمن شروط محددة، بحيث لا يكون الأمر عشوائياً وبشكل غير منضبط".

وأضاف درويش في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "الرقي التعليمي سيكون له تأثيره الإيجابي ووقعه المجدي على مجتمعنا، تكلمت عن شروط دقيقة ومعايير يجب توافرها في هذه الجامعات كي لا نصل إلى مرحلة من تسطيح العلم الأكاديمي بالتأكيد، منذ فترة وجيزة انتشرت ورقة امتحانية لإحدى المؤسسات التعليمية غير المنضبطة، لاحظ الجميع فيها تسفيهاً حقيقياً للعلم الأكاديمي بذريعة الثورة.. (سؤال من أنشد الأنشودة الفلانية؟) لا يرقى لمستوى طالب مرحلة إعدادية أو ربما حتى مرحلة التعليم الأساسي"، حسب وصفه.

وتابع: "علينا أن نتفق جميعاً أن الثورة مجموعة قيم نبيلة، لا يمكن أن تكون عباءةً يحتمي خلفها أصحاب المشروع التخريبي للتعليم العالي في المحرر، فالثورة في الأساس تغيير جذري للمجتمع يجب أن تسمو به للأفضل وألا تنحدر به إلى الهاوية".

ماذا عن الاعتراف؟

بهذا الخصوص، قال درويش: "أرى أن أي حرب مهما علا ضجيج مدافعها، لا تنتهي في النهاية إلا على طاولة المفاوضات، وأعتقد جازماً أن أي حل سياسي سيتم اعتماده في سوريا المستقبل لا يمكن إلا أن ينطوي على القبول بهذه الأعداد الغفيرة من خريجي الجامعات، من هؤلاء الطلبة والخريجين الذين عانوا من ويلات القصف وويلات النزوح ومشقة العيش في هذه المناطق ودفعوا أعمارهم وأموال أهاليهم كي يكملوا دراساتهم في هذه الجامعات ويتخرجوا منها بعلمٍ ينفعهم وينفع شعبهم ووطنهم، وإن الأوطان لا تُبنى إلا بسواعد أبنائها المتعلمين، فهؤلاء لا بد من القبول بشهاداتهم على مستوى الوطن الكبير، الذي سيتحرر قريباً إن شاء الله من هذه الطغمة الفاسدة القاتلة التي شوهت الوجه الحضاري لسوريا".

وأكمل: "نحن نستقصي الأمل فعلاً في هؤلاء الطلبة الأحرار ضمن مؤسسات تعليمية همّها الطالب لا جيبه، ولهذا أجدد تأكيدي على مسألة تطبيق المعايير بصرامة على كل المؤسسات، لا بعضها كما يجري الآن ومتابعة شبهات الفساد الإداري".

أسباب قد تدفع لزيادة عدد الجامعات

ويرى أن الأسباب الرئيسة التي تدفع إلى إنشاء عدد كبير من الجامعات، قد يكون من بينها البعد الجغرافي، مضيفاً: "نعم صحيح أننا في المناطق المحررة كمساحة إجمالية ليست كبيرة لكنها مترامية الأطراف وموزعة على الشريط الحدودي، لذلك افتتاح فرع للجامعة الأم للطالب بالقرب من مكان سكنه سيوفر عليه ساعات طويلة من السفر، ومصاريف من إيجارات ومواصلات. فهذا مثلاً سبب منطقي لاستحداث فرع للجامعة".

وأضاف: "هناك أيضاً أسباب رئيسية كوجود أكثر من حكومة في مناطقنا وتعدد الإدارات التي تحكم هذه المناطق؛ وهنا أجد سبيلاً للحديث عن ضرورة توحيد ملف التعليم والذي من شأنه أن يقدم النفع للطلبة والخريجين؛ فالخريج مثلاً من جامعة حلب الحرة لن يكون بحاجة إلى أن يتقدم إلى مزيد من الاختبارات في مجلس التعليم العالي في إدلب إذا تم توحيد مجلسي التعليم العالي في منطقتي إدلب واعزاز".

ويعتقد درويش أن "هناك بعض المؤسسات لا تعنيها الجودة في التعليم، يعنيها فقط الحصول على أقساط من الطلبة والحصول على دعم من المانحين في الخارج، وهناك أمثلة واضحة ومعروفة لدى جميع المطلعين على ملف التعليم العالي في المناطق المحررة والتي ينبغي الحذر من قبل الأهالي والطلبة قبل التورط بالتسجيل فيها".

بالمقابل يضيف الطالب: "هناك جامعات نفتخر بوجودها في المحرر كجامعة إدلب وجامعة حلب الحرة اللتان تشتملان على عشرات آلاف الطلبة، بالإضافة لجامعة الشام المتميزة والجامعة السورية للعلوم والتكنولوجيا التي استقطبت العديد من الطلبة في العام الماضي نظراً لوجود كثير من الكفاءات التي تدرس فيها وتوفير العديد من المعدات وافتتاح مستشفى تعليمي في هذه الجامعة لطلبة كلية العلوم الصحية وافتتاح قسم الدراسات العليا لخريجي طب الأسنان بوجود كبار الأساتذة والدكاترة، لدينا أيضاً جامعات متميزة أخرى في المناطق المحررة كجامعة الحياة، كما أن افتتاح فروع للجامعات التركية في مناطق الباب واعزاز وجرابلس والراعي وعفرين له دور أيضاً، كل هذه المؤسسات من شأنها استقطاب العديد من طلبة العلم لاستكمال دراستهم فيها بعد المرحلة الثانوية، وهذا بحد ذاته إنجاز، حيث كنا منذ نحو ثماني سنوات نحلم بوجود هذه الجامعات في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام الذي أمعن في قتل الطلبة والدكاترة وكبار الأساتذة وقام بتهجير الآلاف منهم".