يعتزم النظام السوري إجراء انتخابات "مجلس الشعب" في 15 تموز المقبل، في رابع انتخابات برلمانية تُجرى بعد اندلاع الثورة السورية في آذار 2011، ويعتمد فيها النظام الانتخابي "التصويت الكلي"، ضمن دوائر انتخابية للمحافظات السورية يحدد توزيعها رئيس النظام، بشار الأسد.
ويتكون "مجلس الشعب" في سوريا من 250 عضواً، بينهم 167 عضوا من حزب "البعث العربي الاشتراكي"، وحلفائه في "الجبهة الوطنية التقدمية"، بينما يحصل "البعث" وحده عادة على نحو 134 إلى 150 مقعداً.
وذكر تقرير أعده "المجلس الأطلسي" أن النظام السوري يسعى من خلال الانتخابات إلى إحداث ثلاثة تأثيرات أساسية، هي: زيادة تمثيل معاقله، والتلاعب بالمرشحين من خلال نظام الحصص، ومنع المنافسة الفعالة بين الأحزاب المتعددة، وهي تأثيرات تؤدي حكماً إلى انتخابات غير عادلة وغير متكافئة، تضمن استمرار هيمنة "حزب البعث"، وتمنع أي فرصة حقيقية للمنافسة الديمقراطية.
تخصيص عشوائي بناء على تقدير الأسد
لا توجد معايير محددة لعدد أعضاء "مجلس الشعب" المخصصين لكل محافظة، حيث يتم توزيع عدد المقاعد بناءً على تقدير رئيس النظام السوري فقط.
وفي الانتخابات الحالية، بقي توزيع المقاعد على المحافظات كما كان في انتخابات 2012 و2016 و2020، دون مراعاة للتغيرات الديموغرافية التي شهدتها البلاد منذ العام 2011، حيث إنه وفقاً لأحدث البيانات الرسمية، يبلغ عدد سكان سوريا 30 مليون نسمة، مقارنةً بتقدير الأمم المتحدة البالغ 23 مليون، فيما لم يُجرَ أي تعداد سكاني منذ العام 2004.
أفضلية لمحافظات وتمييز ضد أخرى
تكشف نظرة سريعة مدى عدم العدالة في توزيع المقاعد على الدوائر الانتخابية، مما يؤدي إلى تفاوت كبير في قيمة التصويت، ويشكّل هذا التوزيع تمييزاً مباشراً ضد ناخبي محافظات الرقة والحسكة ودرعا وحلب وريف دمشق، بينما يعطي التوزيع الأفضلية لناخبي محافظات القنيطرة واللاذقية وطرطوس ودمشق.
على سبيل المثال، تُظهر مقارنة البيانات الرسمية للسكان أن محافظة مدينة دمشق ممثلة في المجلس بضعف تمثيل ريف دمشق، وثلاث مرات أكثر من الحسكة، وفي مثال آخر، يحتاج 85 ألف ناخب لعضو واحد يمثل اللاذقية، بينما يحتاج 150 ألف ناخب في درعا للحصول على مقعد واحد في المجلس، الأمر الذي يظهر بوضوح التعارض مع المعيار الدولي للمساواة في التصويت.
تفاوت بين المرشحين
يحدد تقسيم الدوائر عدم المساواة في التصويت، وتؤكد الحصة المخصصة لفئتي العمال والفلاحين عدم المساواة بين المرشحين.
فمن بين 250 مقعداً في البرلمان، خصص مرسوم رئيس النظام السوري 127 مقعداً لفئتي العمال والفلاحين، و123 مقعداً لما سماه "القطاعات الأخرى من المجتمع"، دون أن يوضح ماهية هذه القطاعات، وكيفية تخصيص المقاعد بينها.
تلاعب بفئتي الفلاحين والعمال
نظرياً، تهدف حصة المقاعد المخصصة لفئتي العمال والفلاحين، التي أدخلت لأول مرة في العام 1973، إلى عكس القيم الاشتراكية، وضمان تمثيل الطبقة العاملة السورية، إلا أنه في الواقع، يسمح غياب معايير الترشح في هذه الفئة بالتلاعب، حيث رشّح العديد من رجال الأعمال أنفسهم ضمن هاتين الفئتين.
على سبيل المثال، في انتخابات 2020، سجل 27.5% من المرشحين (456 من إجمالي 1658) للترشح عن فئتي العمال والفلاحين، مما جعل هذه المقاعد أقل تنافسية.
وبالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن النظام يتضمن حصة للعمال والفلاحين، إلا أنه لا يشمل حصة للنساء، رغم أن ذلك ليس الطريقة الوحيدة لحماية تمثيل النساء، إلا أن مثل هذه الحصة يمكن أن تعالج التمثيل المتدني تاريخياً للنساء، ففي انتخابات 2020، انتخبت 28 امرأة فقط، ما يمثل نسبة 11% فقط من أعضاء المجلس.
بسيط لكنه أكثر ضرراً
يستخدم النظام الانتخابي الحالي نظام "التصويت الكتلي"، ورغم أنه يبدو بسيطاً لكنه الأكثر ضرراً في الانتخابات، حيث يصوت الناخبون لعدد من المرشحين يساوي عدد المقاعد في الدائرة، ويترشح المرشحون كأفراد، وبعد فرز الأصوات، يتم ترتيبهم ببساطة حسب عدد الأصوات، ويفوز المرشحون الأعلى ترتيباً في المقاعد.
وتخفي بساطة هذا النظام الانتخابي التأثير الاستثنائي، حيث يُسمح للناخبين بالتصويت للمرشحين بشكل فردي، ولكن بشكل فعلي، يصوّت الناخبون لمجموعة من المرشحين، وغالباً باستخدام اقتراع مسبق التحديد بدلاً من التصويت على ورقة اقتراع فارغة.
نظام فريد لتعطيل المنافسة
عندما تحصل مجموعة من المرشحين على ميزة طفيفة، يتحول ذلك إلى الفوز بجميع المقاعد في الدائرة، وعلى الرغم من تخلي معظم الدول عن هذا النظام الانتخابي، بقيت سوريا الدولة الوحيدة في العالم التي تستخدمه في انتخاباتها، وهذا ليس من قبيل الصدفة، حيث صُمم هذا النظام لتعطيل المنافسة بين الأحزاب السياسية.
وتُظهر نتائج انتخابات 2020 تأثير هذا النظام، حيث فاز المرشحون الذين رشحتهم قائمة "الوحدة الوطنية" التي يسيطر عليها "حزب البعث" بجميع المقاعد التي تنافسوا عليها، بينما لم يكن لدى المرشحين الذين لم يكونوا على القائمة أي فرصة للفوز.
لا نتائج في نظام انتخابي مختلف
عملياً، من المستحيل تقدير النتائج إذا أجريت انتخابات "مجلس الشعب" وفق نظام انتخابي مختلف، ولأن كل ناخب يصوّت لعدة مرشحين، لا يمكن ببساطة إعادة حساب أصواتهم لتحديد مقدار ما سيحصل عليه كل حزب في ظل نظام تمثيل نسبي مفترض.
وإلى جانب فرز الأصوات، لنظام التصويت الجماعي تداعيات بعيدة المدى على المنافسة السياسية أيضاً، فهو يفترض المنافسة بين المرشحين الفرديين، مما يقوّض الخيارات لتنظيم سياسي والمنافسة بين الأحزاب السياسية، كما أنه يضمن تفتيت أحزاب المعارضة وتشرذم أصواتها.
ويمكن اعتبار إطار التصويت الجماعي الحالي مفيد للغاية لـ "حزب البعث"، فحتى لو فرضنا أن المعارضة مرحّب بها للتنافس في الانتخابات مع ضمانات بعدم استبعاد مرشحيها أو مضايقتهم، فلن تكون الأحزاب المعارضة فعلياً قادرة على الفوز بعدد كبير من المقاعد.