icon
التغطية الحية

"استئناس البعث" في سوريا: ديمقراطيةٌ تحت سقف "القيادة"

2024.06.12 | 06:17 دمشق

3654543
بالرغم من أن عملية "الاستئناس الحزبي" تبدو ديمقراطية في ظاهرها، إلا أن القرار النهائي للبت بأسماء المرشحين يبقى بيد "القيادة الحزبية"
إسطنبول - خالد حمزة
+A
حجم الخط
-A

يجري "حزب البعث العربي الاشتراكي" في سوريا عمليات "الاستئناس الحزبي" التي تهدف إلى اختيار أعضاء قائمته لانتخابات برلمان النظام "مجلس الشعب" المقبلة.

ويحاول الحزب من هذه الخطوة الإيحاء بأن الاستئناس هو إشراك قاعدته الشعبية (الأعضاء العاملين) في عملية اختيار ممثليهم في البرلمان، بينما تثبت الإجراءات المتعلقة بالاستئناس الحزبي أنها مجرد دور وهمي لأعضاء "البعث" تتجاوزه قيادة الحزب بجرة قلم عند اعتماد الأسماء النهائية للمرشحين.

وكان النظام السوري أعلن عن إجراء انتخابات الخاصة بـ"مجلس الشعب" في 15 تموز القادم وهي رابع انتخابات برلمانية تجري في سوريا بعد عام 2011، وعادة ما تكون الحصة الأكبر من الأعضاء الفائزين هم من أعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي.

ويتكون مجلس الشعب في سوريا من 250 عضواً، بينهم 167 عضوا من حزب البعث العربي الاشتراكي، ومن حلفائه في الجبهة الوطنية التقدمية، بينما يحصل حزب البعث وحده عادة على نحو 134 إلى 150 مقعداً، وهذه الأرقام تتغير أحياناً بشكل طفيف.

ما هو الاستئناس؟

في عملية الاستئناس، يقدم أعضاء حزب البعث الراغبون بالترشح لانتخابات مجلس الشعب، باسم الحزب، أسماءهم إلى قيادات الفروع، ليتم انتخابهم من قبل أعضاء الحزب ضمن عملية الاستئناس.

ويحق لكل فرع التقدم بضعف عدد الأعضاء الذين سيتم ترشيحهم لمجلس الشعب، على أن ترسل لاحقاً النتائج إلى "القيادة" التي تختار بدورها الأسماء المشاركة في القائمة النهائية.

وبلغ عدد المرشحين الحزبيين للاستئناس الحزبي أكثر من 10 آلاف مرشح يمثلون كل الشرائح وهذا الرقم لا يشمل سوى البعثيين وقد يشمل أعضاء في أحزاب أخرى تحت الجبهة الوطنية التقدمية، وفقاً لما أعلنه الأمين العام المساعد للحزب إبراهيم الحديد في مقابلة على قناة "البعث ميديا" في يوتيوب، وهذا الرقم الكلي للمرشحين الحزبيين قبل عملية الاستئناس وقبل الاختيارات النهائية التي تجريها "قيادة البعث".

يذكر أن أعضاء "مجلس الشعب" لعام 2020، من حزب البعث، بلغ 166 عضوا بنسبة 66.4 بالمئة من أعضاء المجلس، إضافة إلى 17 عضوا من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية (عدا حزب البعث) وبلغت نسبتهم 6.8 بالمئة. في الوقت الذي لم يتجاوز فيه عدد الأعضاء المستقلين 67 عضواً بنسبة 26.8 بالمئة من أعضاء المجلس.

كيف يجري الاستئناس الحزبي؟

تجري عملية الاستئناس الحزبي في "حزب البعث" عبر عدة خطوات؛ أولاً، تجرى انتخابات داخلية تشمل كل مستويات قواعد الحزب، حيث يختار الأعضاء ضعف العدد المطلوب من المرشحين في كل فرع من المحافظة. وقد بلغ عدد المرشحين في بعض الفروع نحو 500 مرشح، بينما يصل عدد الأعضاء في بعض الفروع إلى 7 آلاف عضو.

على سبيل المثال، إذا كان الحزب يريد ترشيح 5 أشخاص عن مدينة معينة، يتم اختيار 10 مرشحين، ثم تُرفع نتائج هذه الانتخابات إلى قيادة الحزب التي تختار بدورها المرشحين النهائيين.
وقد تختار "القيادة" أسماء من خارج قائمة الأسماء الناجحة في الاستئناس، لأن عملية الاستئناس التي يجريها الأعضاء غير ملزمة للقيادة.
كما يتعين على المرشحين تلبية شروط محددة، مثل مرور 4 سنوات على الأقل في العضوية العاملة وعدم التعرض لعقوبات حزبية أو قضائية، وأداء الخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية.

ديمقراطية تحت مستوى "القيادة"

وبالرغم من أن عملية "الاستئناس الحزبي" تبدو ديمقراطية في ظاهرها، إلا أنها تستند إلى العلاقات والمصالح بين الأعضاء المرشحين و"القيادة" وما يربط الأطراف من تشابكات اقتصادية أو اجتماعية. والقرار النهائي للبت بأسماء المرشحين يبقى بيد "القيادة الحزبية"، مما يجعلها استشارة رمزية وليست ملزمة. وهذا ما يشير إليه الأمين العام المساعد للحزب إبراهيم الحديد بالقول إن اختيار المرشحين يجري استنادا إلى "المصلحة الوطنية العليا"، وإن مصلحة الحزب هي التي تفرض معاييرها.

وفي فيديو تعريفي بالاستئناس، بثّه "حزب البعث" على حساباته في مواقع التواصل، وجاء فيه أن الاستئناس "فرصة للبعثيين للتعبير عن آرائهم حول المرشحين ومدى شعبيتهم كما يقدم فرصة لاختيار الأفضل منهم"، وأن الاستئناس الحزبي يجري وفق "تجمعات تشبه الانتخابات تنظمها وتشرف عليها اللجان الانتخابية الخاصة بالحزب". مما يدل على أن الحزب لا يستند في اختيار أعضاء قائمته إلى آراء الأعضاء الحزبيين، ومما يعكس الطبيعة "الرمزية" للاستئناس الخالية من أي تأثير فعلي في عملية اختيار المرشحين النهائيين، والتي تظل محصورة بيد "القيادة الحزبية".

كما يؤكد رئيس اللجنة العليا للإشراف على الانتخابات الحزبية، خليل مشهدية، عدم إلزامية هذا الاستئناس في اختيارات القيادة الحزبية للمرشحين بالقول: "صحيح أن الاستئناس الحزبي يحقق إرادة الرفاق (أعضاء الحزب)، وهو ملزم بشكل ما في الاختيار بحسب التسلسل، إلا إذا كان هذا الخيار لا يحقق المصلحة الوطنية والحزبية ضمن ظروف المجتمع وضمن ظروف كل فرع على حدة".

ورغم أن عمليات الاستئناس في الفروع جرت عبر التصويت الإلكتروني، إلا أنّ حالات ضغط من قبل المرشحين على الأعضاء لترشيحهم سجلت في عدد من الفروع، واعترف بها "مشهدية" في مقابلة مسجلة على يوتيوب، قائلا بأن الضغوط الممارسة من بعض المرشحين على الأعضاء "بعيدة عن قيم وأخلاق ومعايير العمل الحزبي".

وأوضح أن بعض المرشحين الحزبيين خلال الأيام الماضية مارسوا ضغطا "ترغيبا أو ترهيبا" على الأعضاء، مشيرا إلى محاسبة المتورطين بالضغط على الأعضاء بالمحاسبة، لافتاً إلى أن هذه الحالات وثقت سابقاً بتدخل في الانتخابات السابقة لبرلمان النظام على مستوى المستقلين.

"استشارة رمزية"

ويرى القيادي السابق في حزب البعث الدكتور عبد العزيز ديوب أن "الاستئناس الحزبي في حزب البعث ليس إلا مسرحية ديمقراطية "مزيفة"، فقد يبدو للوهلة الأولى أن هناك نوعاً من المشاركة الشعبية داخل صفوف الحزب، حيث يتم إجراء انتخابات داخلية لاختيار المرشحين".
ويضيف ديوب في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن "الحقيقة مختلفة تماماً.. فقرار القيادة الحزبية هو الذي يحدد المرشحين النهائيين، بغض النظر عن نتائج الانتخابات الداخلية، ما يجعل العملية برمتها مجرد استشارة رمزية لا تعكس الإرادة الفعلية للأعضاء".

وأوضح: "عملية الاستئناس كذبة مغلفة بقالب ديمقراطي فقيادات الفروع هي التي تستأنس عددا من الأعضاء العاملين وذلك على شكل مقابلات فردية يخضع خلالها (الرفيق) لبعض الأسئلة، وأخيرا يتم رفع الأسماء على شكل قائمتين، أساسية واحتياطية، ومن ثم تنتقي القيادة أو اللجنة المركزية أسماء المرشحين"، نافياً وجود أي شكل من أشكال الديمقراطية في اختيار المرشحين.

وأضاف الدكتور عبد العزيز ديوب: "أسماء القائمة لا تُرفع إلى دمشق إلا بعد أخذ الموافقة عليها من جهازين أمنيين".

العقوبات الحزبية تمنع الأعضاء من الترشح "لمجلس الشعب"

من جانب آخر، فإن العقوبات "الكيدية" التي تستطيع "القيادة الحزبية" فرضها على الأعضاء المؤهلين للترشح لتطيح بأي عضو مهما علت مناصبه داخل الحزب وتمنعه من الوصول إلى "مجلس الشعب"؛ دليل آخر على افتقاد أي إجراءات ديمقراطية في الحزب من فحواها.

وأقرب مثال على ذلك ما صدر عن "القيادة المركزية لحزب البعث" في السادس من حزيران الجاري بمعاقبة عدد من الأعضاء عبر تخفيف عضويتهم. وتخفيض العضوية هنا يعني عدم تحقيقهم الشرط الأساسي للترشح إلى البرلمان وهو أن يكون عضوا عاملا في حزب البعث لمدة 4 أعوام.
ولا تحتاج "القيادة" هنا للاستناد إلى أي مبررات واقعية لفرض العقوبات فـ"عدم القدرة على رفع مستوى وعيهم العقائدي والتنظيمي والسياسي" كان السبب في فرض العقوبة، وفقاً لما ورد في نص قرار العقوبات الذين بلغ عددهم 19 عضوا.

ويشغل بعض النوّاب المعاقبين، إضافة إلى عضويتهم في "مجلس الشعب" مناصب قيادية في "مؤسسات ونقابات الدولة"، من بينهم "نقيب المهندسين السوريين" غياث قطيني، و"نقيب الفنانين السوريين" محسن غازي الذي أعلن قبل مدة قصيرة عن ترشحه لعضوية البرلمان للمرة الثالثة عبر "الاستئناس الحزبي" عن فرع محافظته حماة، بعد أن كان عضواً لدورتين تشريعيتين.

وطبقت عملية الاستئناس الحزبي لأول مرة في انتخابات "مجلس الشعب" عام 2020، والتي علق عليها وقتئذ رئيس النظام السوري بشار الأسد بالقول إنها: "تجربة نجحت في خلق حراك وحوارات ليس على المستوى الحزبي فقط بل على المستوى الوطني العام".

وزعم الأسد في تصريحات نقلتها وكالة سانا التابعة للنظام بأنّ هذا الاستئناس أسهم في "تقليص دور الفساد الانتخابي أو الولاءات الضيقة وغير الموضوعية".

يذكر أن عملية الاستئناس بدأت يوم السبت الماضي من فرع القنيطرة على أن تستمر في مناطق النظام السوري حتى 2 تموز القادم، وفقاً لما أعلنته وسائل إعلام مقربة من النظام.