icon
التغطية الحية

التعديلات والكشف عن الفساد: ما الذي يخطط له النظام السوري داخل البعث؟

2024.08.08 | 07:04 دمشق

2578
التعديلات والكشف عن الفساد: ما الذي يخطط له النظام السوري داخل البعث؟
إسطنبول - خالد حمزة
+A
حجم الخط
-A

ملخص:

  • النظام السوري أجرى تغييرات جذرية في قيادة حزب البعث وكشف عمليات فساد كبرى بين قياداته.
  • يجيب التقرير عن تساؤلات حول الأهداف التي يسعى النظام لتحقيقها من خلال هذه الحملة، والعلاقة بين كشف الفساد والتعديلات على القيادة الحزبية.

بعد سنوات من تمسك حزب البعث العربي الاشتراكي بقياديين ثابتين في مناصبهم، قرر النظام السوري إعادة خلط الأوراق وتبديل الشخصيات عبر إجراء انتخابات بدل فيها معظم المسؤولين، وأخيراً عمد إلى كشف عمليات فساد لبعض المتنفذين في الحزب وعلى رأسهم الأمين العام المساعد هلال هلال.

وكان آخر اجتماع موسع للجنة المركزية لحزب البعث جرى عام 2017، ووقتئذ تقرر بالإجماع الإبقاء على القيادة المركزية للحزب، في حين جرت تغييرات طفيفة في القيادة المركزية ولجنة الرقابة الحزبية. وكانت آخر انتخابات أجراها حزب البعث العربي الاشتراكي عام 2013 والتي شهدت تغيراً كاملاً في القيادات عدا منصب الأمين العام الذي يشغله رئيس النظام بشار الأسد.

وكما هو متوقع، انتهت الانتخابات الحزبية 2024، بسقوط أعضاء بارزين من المشهد، بينما طالت آخرين بعد إزاحتهم تهم فساد وسرقة مليارات الليرات السورية من موازنات الحزب.

وسربت وسائل إعلامية تعرف بقربها من أجهزة استخبارات النظام تفاصيل لما يجري من تحقيقات داخل حزب البعث أدت إلى توقيف مديرين نافذين في قيادة الحزب وكشف فساد مالي وهدر للمال العام يقدر بعشرات المليارات، واسترجاع مئات آلاف الدولارات.

وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد قد مهّد في وقت سابق لهذه الإجراءات بوصفه المرحلة القادمة بتاريخ الحزب بأنها "انتقالية ومفصلية".

وفي حين تحاول بعض وسائل الإعلام المحسوبة على النظام تصوير ما يجري على أنه محاولة لإضعاف سطوة الحزب وإبعاده عن مفاصل الدولة وربما يكون بداية تحييده عن الحكم في سوريا، إلا أن رئيس النظام السوري لمّح نهاية العام المنصرم لما يجري اليوم في كلمة خصصها للحديث عن انتخابات البعث.

مرحلة مفصلية؟

وأكد رئيس النظام السوري في كلمة خلال اجتماع اللجنة المركزية لحزب البعث منتصف كانون الأول الماضي، الإجراءات المزمع تطبيقها في قيادة البعث بأنها تأتي في مرحلة "انتقالية وقد تكون مرحلة مفصلية لحزب البعث".

وشبّه رئيس النظام الإجراءات تلك، بتعليق الدستور في بلد ما "بسبب أزمة كبيرة" لحين إيجاد دستور جديد، واصفا (الفترة التي سبقت الانتخابات الحزبية الأخيرة) بأنها مرحلة انتقالية عطّلت فيها جميع أنظمة الحزب لحين الوصول إلى نظام جديد.

وحينها، تحدث الأسد عن مقترحات قدمت إليه تشمل "تغييرا وتجديدا" في منظومة العمل ليس الحزبي وحده، بل لاحقاً في المجتمع والدولة.

وفعلا، أجريت انتخابات اللجنة المركزية في أيار الماضي وطرأ عليها كما هو متوقع تغير كبير في أسماء الأعضاء، فشهدت القيادة المركزية تغيير جميع أعضائها.

وشملت قائمة القيادة المركزية الأخيرة كلاً من: محمد عزت عربي كاتبي، صفوان سليمان أبو سعدى، محمود زنبوعة، إبراهيم محمد الحديد، فاضل مصطفى نجار، أيمن عبد الناصر علي الدقاق، طه حمادي الخليفة، سمير بهجت خضر، فاضل محمد وردة، ياسر شاهين، جمانة النوري، حموده الصباغ، حسين عرنوس، علي محمود عباس.

ومن أبرز الأعضاء الذين تم استبعادهم من قائمة القيادة المركزية (القيادة القطرية سابقاً)، هم: هلال هلال (الأمين العام المساعد)، يوسف أحمد، محمد عمار ساعاتي (رئيس سابق لاتحاد الطلبة وعضو سابق في مجلس الشعب، وزوج مستشارة رئيس النظام لونا الشبل)، محسن بلال (وزير إعلام سابق)، مهدي دخل الله (وزير إعلام سابق)، وغيرهم.

أما على صعيد قائمة "اللجنة المركزية" لحزب البعث فقد شهدت استبعاد أسماء شخصيات تعدّ من الدائرة الضيقة لنظام الأسد، على رأسها اللواء علي مملوك (رئيس مكتب الأمن القومي السابق، ونائب رئيس النظام السوري للشؤون الأمنية حالياً)، ولونا الشبل (المستشارة الإعلامية لرئيس النظام)، وبثينة شعبان (مستشارة بشار الأسد أيضاً)، وغيرهم من الأعضاء الذين شملتهم قائمة انتخابات "القيادة القطرية" للحزب في عام 2017.

في حين أبقت القائمة الجديدة لـ "اللجنة المركزية" كلاً من: ماهر الأسد (شقيق رئيس النظام)، وفيصل المقداد (وزير الخارجية) وهيثم سطايحي (أمين سر اللجنة المركزية للحزب والصديق المقرب لبشار الأسد)، بالإضافة إلى أسماء قليلة أخرى.

أما حقيقة "ضخ الدماء الجديدة" في الحزب والتغيير الكبير في الوجوه لتخطي "أزمته الداخلية"، فقد كشفت مصادر حزبية مطلعة بدمشق أن التغيير هو إيهام للسوريين ومن ضمنهم البعثيون بـ"انتقال البعث لمرحلة جديدة في البلاد".

وأكدت المصادر الحزبية لموقع تلفزيون سوريا أن "كل من نجح كان متفقاً على نجاحه بغض النظر عن نتيجة الاقتراع بين الأعضاء المرشحين" إذ بلغ عدد المرشحين لعضوية اللجنة المركزية 343 طلباً "نجح" منهم 80 عضواً، وعيّن الأسد 45 منهم.

كشف فساد بين قيادات حزب البعث

لكن وبعد أسابيع قليلة على إجراء الانتخابات الحزبية بدأ النظام يلاحق قياديين سابقين وآخرين على رأس مهامهم ففي مطلع حزيران الماضي، فرضت قيادة البعث عقوبة مسلكية بحق 19 عضوا في برلمان النظام بسبب "عدم التزامهم بتعليمات القيادة وعدم القدرة على رفع مستوى وعيهم العقائدي والتنظيمي والسياسي".

وفي مطلع تموز، سرّب موقع هاشتاغ المقرب من النظام السوري أنباء تفيد بتحرك في "برلمان النظام" لرفع الحصانة عن رئيس لجنة الإعلام والاتصالات في البرلمان العضو آلان بكر والذي كان قد حصل على أعلى عدد أصوات في الاستئناس الحزبي الأخير.

وأفاد الموقع أن رفع الحصانة مقدمة لمساءلته عن جرمي "إساءة الأمانة" و"التعامل بغير الليرة السورية"، وذلك استنادا إلى ملف ادعاء وارد من القضاء كان مسجلاً منذ عام 2018.

وتابع الحزب سياسة ملاحقة الأعضاء وخاصة المتنفذين منهم، وسرّب قبل أيام لموقع هاشتاغ أنباء القبض على مديرين نافذين في قيادة الحزب، منهم مدير المكتب المالي ومدير المكتب الفني ومدير الشؤون القانونية، والذين اعترفوا في التحقيقات بحالات فساد مالي وهدر للمال العام يقدر بعشرات المليارات.

كما طالت الملاحقات مديرين مهمين في جامعة الشام التابعة للحزب، وكذلك رؤساء الجامعة الحاليين والسابقين وحلقات الترابط بين الجامعة وقيادة الحزب.

ورغم أنّ التحقيقات سرية، إلا عددا من الشخصيات المقربة من النظام مثل رجل الأعمال السوري فارس شهابي وعضو برلمان النظام السابق نبيل صالح، وغيرهم من الشخصيات المقربة من النظام لمحت إلى أنّ المتهم الرئيسي في التسريبات الأخيرة هو الأمين العام المساعد السابق للحزب هلال هلال.

ويرى الباحث المساعد في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية محسن المصطفى، أن الهدف الرئيسي من هذه الحملة هو استرداد الأموال المنهوبة من مخصصات وموارد الحزب المالية، بعد سنوات طويلة من الفساد المستشري داخل أروقة القيادة المركزية للحزب.

وقال المصطفى في تصريحات لموقع تلفزيون سوريا: "يبدو أن بشار الأسد قد منح الأمين العام المساعد الجديد، إبراهيم الحديد، الصلاحيات والضوء الأخضر لتنفيذ التحقيق، في محاولة لاسترداد الأموال المنهوبة".

وأكد المصطفى أن النظام يسعى من خلال هذه الحملة إلى إظهار الحزب كمؤسسة ذات شفافية تخضع للمراقبة والتقييم، مما يعزز صورة حكومة النظام ومؤسسات الدولة في مكافحة الفساد.

من جانبه، أكد القيادي السابق في حزب البعث العربي عبد العزيز ديوب أن الخطوة تهدف إلى التضحية ببعض القياديين لتبرئة النظام من ثقافة القيادة التي باتت تشكل خطراً عليه.

وقال ديوب في تصريحات لموقع تلفزيون سوريا: "ادعى الأسد أن انقلابه جاء بناء على رغبة البعثيين ونداء الجماهير". وأضاف ديوب أن الحملة تهدف أيضاً إلى إرسال رسالة للداخل بأن النظام يكافح الفساد، وللخارج بأنه ديمقراطي ويمارس الحياة السياسية بكل شفافية.

وحول ما إذا كانت حملة مكافحة الفساد خطوة استباقية لمواجهة الضغوط الداخلية أو الخارجية، أشار المصطفى إلى أن الحملة ليست نتيجة ضغوط خارجية أو داخلية مباشرة على الحزب، بل تنطلق من مقاربات بشار الأسد نحو مزيد من الضبط والتحكم داخل الحزب.

وأوضح: "هذه الحملة هي رسالة للأعضاء الجدد بأنهم تحت المراقبة وخاضعون للمساءلة في أي وقت، وبالتالي خلق حالة من التوجس الدائم لديهم للعمل بشكل منضبط". متوقعا أن تتوسع الحملة لتشمل كل المؤسسات في الدولة، مع احتمالية تعيين حكومة جديدة خلال الشهرين القادمين.

واعتبر المصطفى أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين كشف الفساد والتعديلات على القيادة الحزبية. وقال: "جاء التحقيق بعد مرور ثلاثة أشهر فقط على وجود قيادة مركزية جديدة للحزب. ولولا وجود قيادة مركزية جديدة بالكامل، لما أمكن كشف الفساد". وأضاف أن القيادة القديمة الفاسدة مالياً لم تكن لتكشف التجاوزات التي ارتكبتها، بل كانت ستخفي آثار فسادها.

من جهته، أكد ديوب أن القيادات السابقة واللاحقة لا تملك تأثيراً فعلياً، ووصفها بأنها مجرد "أحجار شطرنج". وقال: "الاختلاط بينهما وهمي، وهي مجرد أدوات بيد النظام".

وفي الختام، يتضح أن حملة كشف الفساد بين قيادات حزب البعث ليست مجرد خطوة إدارية، بل تمثل استراتيجية مدروسة من النظام السوري لتعزيز صورته ككيان قادر على مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي. ومع ذلك، تبقى الأسئلة قائمة حول مدى جدية هذه الإجراءات وفاعليتها الحقيقية، واحتمال أن تكون مجرد وسيلة للتخلص من بعض القيادات غير المرغوب فيها ولإعادة ترتيب أوراق النظام بما يخدم أهدافه ومصالحه الاستراتيجية.