أزمة الهجرة الجديدة في أوروبا
لقد أدخلت الأزمة الجديدة ضوابط موسعة بين البلدان في الاتحاد الأوروبي، وخاصة بين بولندا وألمانيا ،حيث أعلنت وارسو، أنّها تدرس تعزيز الضوابط على الحدود مع ألمانيا بسبب مخاوف من تدفق المهاجرين غير الشرعيين من هذا الاتجاه إلى بولندا. ويشير ذلك إلى التدفق غير المرغوب فيه من إيطاليا، التي تشهد موجة أخرى من الهجرة غير الشرعية، وفي السابق شدّدت بولندا ضوابط النقل على الحدود مع سلوفاكيا لمكافحة تدفق الهجرة غير الشرعية من اتجاه البلقان، وقد عززت ألمانيا وجود شرطتها على الحدود مع بولندا، وهي تعتبر هذا البلد مركزًا يدخل عبره المهاجرون غير الشرعيين إليها.
تحاول بولندا بدورها تعزيز السيطرة على الحدود في وقت مبكر بسبب التخوف من الهجرة غير الشرعية التي تغزو أوروبا عن طريق البحر حيث باتت إيطاليا الممر المطلوب للعبور من قبل اللاجئين الذين يعملون على نقل الناس عبر البحر لإرسالهم إلى البر الأوروبي.
والجدير بالذكر بأنّ بولندا تعرضت لموجات موجهة من المهاجرين الذين عبروا حدودها من البوابة الروسية والبيلاروسية على مدار عدة أعوام في أكبر ضغط سياسي مارسته مينسك وموسكو على الاتحاد الأوروبي، مما أجبرها على تعزيز دفاعاتها اللوجستية والعسكرية للتصدي لهذه الهجمة التي تتعرض لها، وإقامة الجدران الفاصلة على الحدود المشتركة بينهما دفاعًا عن الحدود المشتركة للاتحاد الأوروبي.
لذلك يحاول ممثلو الدول الأوروبية بظل الهجمات البحرية الموجهة من المافيات الدولية الإسراع بوضع خطط سريعة للتنسيق فيما بينهما لمنع دخول اللاجئين الى أراضيهم عبر خطط سريعة وتعزيز الحدود كما حصل بين ألمانيا وبولندا وقبلها بين بولندا والتشيك وبين بولندا ولاتفيا .
إذن أوروبا تغرق باللاجئين والبحر يغرق بالناس القادمين بحثًا عن حياة أفضل والمافيات تبني شبكات عالمية، تتحدى الدول من أجل مصالحها الخاصة. فهل تنجح الدول الأوروبية منفردة أو مجتمعة بالتصدي لهذا السيل الغربي من اللاجئين دون المساس بالقيم الغربية؟.
في الوقت الذي باتت قضية المهربين قضية أمن تخص الأمن القومي الأوروبي في التصدي له ومحاربته ووضع آلية جديدة لمحاربة دخول اللاجئين غير الشرعيين من خلال إجراءات سريعة للحدّ من تدفق الهجرة والتي باتت ترتبط بـ عصابات المهربين الدوليين، والتي قد يكون متورطًا فيها الكثير من موظفي الدول نفسها حيث باتت الرشوة والفساد واضحة لبعض ممثلي القانون.
ووفقًا للإحصاءات، فإن ما بين 20 إلى 25% من حالات العبور غير القانوني للحدود الألمانية التي تحدث هي نتيجة لخطط المهربين. وبحسب بوابة مجلة بوليتيكو الأميركية. ففي الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023، قدّم نحو 204 آلاف شخص طلبات اللجوء في ألمانيا، وهو ما يزيد بنسبة 77% عن نفس الفترة من العام الماضي.
لذلك فستطبق ألمانيا هذا الأسبوع ضوابط موسعة على الحدود مع بولندا وجمهورية التشيك للحدّ من الهجرة غير الشرعية. وأشار الوزير إلى أنّ الزيادة الحادّة في عدد المهاجرين الوافدين تكشف عن وجود تصدعات في نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي.
وتشير المصادر الغربية إلى أنّ الدول التي لم تتمكن من تأمين حدودها الخارجية بشكل أفضل، فإنّ حدودها المفتوحة داخل الاتحاد الأوروبي ستكون معرضة للخطر. لذلك تشديد الرقابة على الحدود وحده لن يؤدي بالضرورة إلى انخفاض عدد المهاجرين. لأنه من الضروري التعاون مع دول الجوار وتنفيذ الحلول على مستوى الاتحاد الأوروبي. والحلول الأوروبية وحدها هي التي يمكن أن تكون فعّالة وتخفّف العبء باستمرار عن السلطات المحلية، أي السيطرة على الحدود الخارجية، وليس على "الحدود الداخلية".
طبعًا هناك خطر حقيقي واضح تواجهه منطقة الشنغن من خلال الإجراءات التي قد تتخذ من قبل بعض الدول التي ترى نفسها في مواجهة فعلية مع الهجرة الشرعية، كحال بولندا ودول أخرى .
الوضع صعب جدا، العصابات تعمل بطريقة متعبة لأمن هذه الدول التي لم تكن جاهزة للتصدي لهذه الأعداد الكبيرة من طالبي اللجوء والمهاجرين، التي لم تواجهها أوروبا سابقًا بالإضافة إلى أنّ القيم الأوروبية تقوم على احترام حقوق الإنسان، وبالتالي حق اللجوء هو من ضمن هذه الحقوق الإنسانية التي تقوم عليها الديمقراطية والعدالة والقيم الأوروبية، فإنّ عملية التصدي للاجئين سيترتب عليها ليس فقط أعباء جسدية واقتصادية ولوجستية للدول، بل ستعرّض القيم الأوروبية والإنسانية لأكبر ضربة في التاريخ الأوروبي الحديث.
لذلك ستكون اتفاقية الشنغن على المحك! فهل تصمد بظل غياب الآليات الفاعلة التي تضمن خططًا لمواجهة العصابات من جهة والكميات الكبيرة من القادمين طالبي اللجوء من جهة أخرى؟
إذن أوروبا تغرق باللاجئين والبحر يغرق بالناس القادمين بحثًا عن حياة أفضل والمافيات تبني شبكات عالمية، تتحدى الدول من أجل مصالحها الخاصة. فهل تنجح الدول الأوروبية منفردة أو مجتمعة بالتصدي لهذا السيل الغربي من اللاجئين دون المساس بالقيم الغربية؟