بات الازدحام في الشوارع أمراً اعتيادياً لدى سكان العاصمة السورية دمشق، في ظل تفاقم الأزمات في مناطق سيطرة النظام، وانتشار طوابير المواد الأساسية (خبز، رز، سكر، محروقات)، والتي يضاف إليها ظاهرة طوابير المواصلات التي ظهرت عقب نجاح رئيس النظام بشار الأسد في "الانتخابات الصورية" التي أجراها أواخر أيار الماضي.
وما يزيد من معاناة الأهالي، هي الممارسات "التشبيحية" لعناصر قوات الأسد على طوابير الانتظار وفي أي مكان يخضع لسيطرة النظام، إذ رصدت مصادر موقع تلفزيون سوريا عدداً من الانتهاكات بحق المدنيين من قبل أشخاص يرتدون الزي العسكري فقط، دون أي رتب أو إشارة تعرف بهويتهم "الشبيحة".
"تشبيح" واتهام بعد احترام "البوط العسكري"
تحدثت الآنسة (ر. ش) عن معاناتها في تأمين وسيلة نقل داخل العاصمة السورية، بعد أن عكفت عن ركوب حافلات النقل العامة، إثر تعرضها للضرب من قبل أحد عناصر "الشبيحة" في أثناء محاولتها الحصول على مقعد داخل حافلة للنقل الداخلي تحت "جسر الرئيس".
تقول (ر. ش) "كنت منهكة من ساعات العمل الطويلة، وزادت دقائق الانتظار التي تجاوزت الـ 35 دقيقة من إرهاقي، ما جعلني أتصرف كباقي الموجودين في طابور الانتظار، حيث بدأت بالمزاحمة في سباق الحصول على كرسي داخل الحافلة".
وأضافت "حظي العاثر جعلني أزاحم أحد (الشبيحة) لأتفاجأ بلكمة ترتطم بوجهي وتطرحني أرضاً، تبعها سيل من السباب والشتائم، فالمشهد كان صادماً لدرجة توقف المزاحمة"، وقالت مبتسمةً: "صحيح أنني تعرضت للضرب لكنني حصلت على مقعد بعد تعاطف الحاضرين".
وأشارت (ر. ش) إلى ما تعرضت له داخل الحافلة، إذ لم يكتف (الشبيح) بضربها وشتمها، بل بدأ بالتحرش اللفظي بها، وتوجيه اتهامات الخيانة والعمالة، باعتبار أنها لم تحترم "البوط العسكري"، فيما عجز الركاب والسائق عن وقف ما يحصل خشية تعرضهم لموقف مماثل.
وبعد تعرضها لحادثة الضرب قررت (ر. ش) أن تبتعد عن المواصلات العامة، ولجأت إلى حل التعاقد مع سيارة أجرة (تاكسي) مع 3 أشخاص من سكان الحي الذي تقطنه، لقاء مبلغ شهري يصل إلى 100 ألف ليرة سورية عن كل شخص أي ما يعادل أكثر من نصف راتبها، وتضيف "عملت متل ما بقول المثل: ذل فلوسك ولا تذل نفوسك".
النظام فشل بحل المشكلة والأهالي اعتادوا الازدحام
وأفاد (ع. ن) أحد العاملين على خط "ضاحية قدسيا" في العاصمة دمشق، لموقع تلفزيون سوريا أن مشاهد الازدحام أصبحت أمراً عادياً، حيث بدأ الأهالي بالتعامل معها بطرقهم الخاصة، بسبب فشل سلطات النظام في حل أزمة المحروقات، التي تسببت بنقص عدد الحافلات في معظم خطوط النقل داخل دمشق.
وأوضح أن الأهالي باتوا يدركون أنهم لن يحصلوا على مقعد أو مكان داخل وسائل النقل، دون القتال والمزاحمة، مضيفاً: "حتى عادتنا بمنح كبار السن والنساء مقاعدنا بدأت تتلاشى".
وأشار إلى أن الحافلات الصغيرة التي تتسع لـ 14 راكباً، باتت تقل 18 راكباً على أقل تقدير، لا سيما أن الأهالي ينتظرون وصول الحافلات لمدة لا يقل عن 45 دقيقة، ويمكن أن تصل إلى 3 ساعات في وقت الذروة.
ولفت إلى أن العديد من الأهالي يلجؤون في الوقت الحالي للمشي لمسافات طويلة، هرباً من ازدحام المواصلات، في ظل عجزهم عن ركوب سيارات الأجرة، بسبب ارتفاع أسعارها، إذ يمكن أن تصل الأجرة لأكثر من 10 آلاف ليرة مقابل قطع مسافة لا تتجاوز بضعة كيلو مترات.
وأكد أن فتح باب سيارة الأجرة والسير لمسافة لا تتجاوز نصف كيلو متر، ستكلف الراكب مبلغ 3 آلاف ليرة، فيما قد تصل الأجرة في المسافات الطويلة داخل دمشق، إلى مبلغ يتراوح بين 25 و30 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل نصف راتب الموظف لدى حكومة النظام.
وحول أكثر المناطق ازدحاماً بسبب قلة المواصلات، قال (ع. ن) إن المناطق التي امتلأت بالمهجرين مثل قدسيا ودمّر البلد ومعظم ضواحي دمشق، إضافة إلى الأحياء الفقيرة، تشهد أزمة خانقة في المواصلات، في حين تنعم المناطق التي يسكنها رجال الأعمال ومسؤولون وضباط النظام، بوفرة جيدة لوسائل النقل، خاصة أن معظم قاطني تلك الأحياء يعتمدون على سياراتهم الخاصة في تنقلاتهم، لا سيما مناطق باب توما والمهاجرين وأبو رمانة والمالكي والشعلان.
سلطات النظام توفر الخدمات المفقودة بأسعار مضاعفة
ويبدو أن أزمات المحروقات وعدم توافر المواد الأساسية في مناطق سيطرة النظام، قد أصبحت وسيلة لمؤسسات النظام لتحصيل مزيد من الأرباح على حساب الأهالي، لا سيما أنها أعلنت عن توافر عدد من الخدمات خارج نطاق "البطاقة الذكية" مقابل دفع مبالغ مضاعفة، رغم صعوبة الحصول عليها عبر المنافذ الرسمية بأسعار "مدعومة".
وفي 13 تشرين الثاني 2021، بدأ بيع البنزين (أوكتان 90) والمازوت بسعر الكلفة وعبر البطاقة الذكية، وذلك لأصحاب السيارات الخاصة الذين لا تكفيهم مخصصاتهم المدعومة.
وسعرت "وزارة النفط" حينها ليتر المازوت الحر بـ 1700 ليرة سورية، وليتر البنزين الحر بـ 2500 ليرة سورية، مع تخصيص 40 ليتراً شهرياً من كل مادة، لتُباع إلى جانب المخصصات المدعومة، ثم رُفعت الكمية إلى 60 ليتراً شهرياً في 27 تشرين الثاني 2021.
وارتفع سعر البنزين المدعوم من 750 إلى 1,100 ليرة سورية، وقبلها ارتفع ليتر المازوت المدعوم من 180 إلى 500 ليرة سورية، فيما بقي ليتر البنزين غير المدعوم (أوكتان 95) بـ3 آلاف ليرة سورية.