icon
التغطية الحية

الاغتيالات السياسية في سوريا.. أداة للقمع أم استراتيجية للبقاء؟

2024.07.09 | 15:40 دمشق

سبسي
الاغتيالات السياسية في سوريا.. أداة للقمع أم استراتيجية للبقاء؟
 تلفزيون سوريا ـ خاص
+A
حجم الخط
-A
  • استخدم نظام الأسد الاغتيالات السياسية لتصفية الخصوم وترهيب المعارضين.
  •  حافظ الأسد استخدم الاغتيالات بذكاء، بينما اتسم عهد بشار بالاندفاع والغباء.
  • كانت الاغتيالات وسيلة لفرض الهيمنة السورية على الساحة اللبنانية.
  • مع الثورة السورية، ازدادت وتيرة الاغتيالات واستهدفت الشخصيات المؤثرة في الحراك الشعبي.
  • استخدم النظام الاغتيالات لترتيب التحالفات الداخلية وضمان الولاء التام.

شكلت الاغتيالات السياسية جزءا لا يتجزأ من أسلوب إدارة الحكم في نظام الأسد، وهو ما يعكس الطبيعة الاستبدادية والشمولية لهذا النظام.

واستخدم حافظ الأسد، الأب المؤسس للنظام، الاغتيالات كأداة لبناء سلطته وتثبيتها. بينما ورث بشار الأسد هذه الأداة، إلا أنه أضاف إليها طابعا أكثر "اندفاعا وغباء"، وفقا لضيوف برنامج "منتدى دمشق" الذي عرض على شاشة تلفزيون سوريا.

ويقول المحامي والسياسي اللبناني نبيل الحلبي إن الفرق الأساسي بين حافظ الأسد وبشار الأسد يكمن في الأسلوب. حافظ الأسد كان أكثر مكرا ودهاء، يعرف كيف يلعب على الأوتار السياسية والدبلوماسية من دون أن يخسر كثيرا من أوراقه. في المقابل، يتسم بشار الأسد بالاندفاع والغضب السريع، مما أدى إلى ارتكابه أخطاء استراتيجية كبيرة مثل اغتيال رفيق الحريري، الذي كان يمكن تطويق معارضته بطرق أخرى أقل دموية.

استراتيجية الإذلال والاستئناس.. سياسة حافظ الأسد

يقول الباحث والكاتب حسام جزماتي إن حافظ الأسد كان يفضل إذلال خصومه واستئناسهم بدلا من تصفيتهم جسديا. هذا الأسلوب كان يهدف إلى تحقيق عدة أهداف. أولا، إبقاء خصومه على قيد الحياة وفي حالة ذل وخنوع يعزز من سلطته وهيمنته. ثانيا، استخدامهم كأدوات داخلية للتجسس والإبلاغ عن أي تحركات معارضة. هذا النهج يعكس تفكيرا استراتيجيا عميقا، حيث إن قتل الخصوم قد يحولهم إلى "شهداء" ويزيد من شعبية قضيتهم، بينما إذلالهم يبقيهم كرموز فاشلة ومهزومة.

من الأمثلة البارزة على هذا النهج هو تعامل الأسد مع رفاقه في الحزب. عندما قام بانقلاب الحركة التصحيحية، لم يصف رفاقه جسديا بل حبسهم وأذلهم. كان هذا النهج سائدا في معظم تعاملاته الداخلية، إلا في الساحة اللبنانية، حيث كان يواجه تحديات مختلفة تتطلب أحيانا اللجوء إلى الاغتيال. ويضيف جزماتي أن حافظ الأسد كان يستخدم هؤلاء الخصوم كأدوات داخلية للتجسس والإبلاغ عن أي تحركات معارضة.

اغتيالات لبنان.. إعادة تشكيل النظام السياسي والاجتماعي

كانت الساحة اللبنانية تمثل مسرحا رئيسيا لعمليات الاغتيال التي نفذها نظام الأسد. لبنان كان يشكل تحديا خاصا للأسد بسبب تنوعه الطائفي والسياسي ووجود قوى إقليمية ودولية مؤثرة فيه. كانت اغتيالات الشخصيات اللبنانية تهدف إلى تحقيق عدة أهداف: أولا، تصفية المعارضين الذين يشكلون تهديدا مباشرا لنفوذ سوريا في لبنان. ثانيا، إرسال رسائل ترهيب إلى بقية القوى السياسية والمجتمع اللبناني ككل بأن يد النظام طويلة وقادرة على الوصول إلى أي شخص يعارضها.

من الأمثلة البارزة هو اغتيال كمال جنبلاط، زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني، الذي كان يعارض التدخل السوري في الحرب الأهلية اللبنانية. كذلك، اغتيال الصحفي سليم اللوزي، الذي كان ينتقد النظام السوري بشدة. كانت هذه الاغتيالات تهدف إلى كسر شوكة المعارضة اللبنانية وفرض الهيمنة السورية على المشهد السياسي اللبناني.

يقول الحقوقي نبيل الحلبي إن اغتيال كمال جنبلاط جاء نتيجة لمعارضته القوية للتدخل السوري في لبنان وتصريحاته الجريئة التي شبه فيها "النظام العلوي" في سوريا بالنظام الماروني في لبنان. هذا الأمر أثار غضب حافظ الأسد الذي قدم نفسه كحامٍ للأقليات وكنظام علماني.

تحولات استراتيجية بعد 2011.. دمج الاغتيالات ضمن استراتيجيات القمع

مع انطلاق الثورة السورية في عام 2011، شهدت سياسة الاغتيالات في نظام الأسد تحولا كبيرا. الثورة أفرزت تهديدات جديدة ومتنوعة للنظام، مما استدعى استخداما مكثفا ومتطورا لأسلوب الاغتيالات. في هذه الفترة، لم تعد الاغتيالات تستهدف فقط الشخصيات السياسية والعسكرية البارزة، بل شملت أيضا الناشطين المدنيين، الصحفيين، ورموز المعارضة المسلحة.

يشير الباحث في العلوم السياسية عزام القصير إلى أن الاغتيالات أصبحت جزءا من استراتيجية النظام لمواجهة الثورة. بدلا من مواجهة المعارضة بشكل مباشر فقط، سعى النظام إلى توجيه الحراك الشعبي وإضعافه من خلال استهداف الشخصيات المؤثرة فيه. هذا الأسلوب يعكس فهما عميقا لطبيعة الحراك الشعبي وكيفية تفكيكه من الداخل.

يقول حسام جزماتي إن الثورة السورية أدت إلى تغيير كبير في استراتيجية الاغتيالات في نظام الأسد. مع تصاعد الحراك الشعبي، أصبح النظام أكثر اعتمادا على الاغتيالات كوسيلة لقمع المعارضة وإضعافها من الداخل.

استهداف الشخصيات المؤثرة والمدنية

في البداية، ركزت الاغتيالات على الشخصيات التي كان لها دور كبير في توجيه الرأي العام والحراك الشعبي. هؤلاء الأشخاص كانوا يمثلون الجناح المدني للحراك، الذي يسعى إلى تغيير سلمي وديمقراطي. استهدافهم كان يهدف إلى قطع الرأس الفكرية والثقافية للثورة، مما يضعف من قوتها التنظيمية ويجعلها أكثر عرضة للاختراق والقمع.

أحد الأمثلة البارزة هو اغتيال الأب باسيليوس نصار، الذي كان مؤيدا للثورة وله علاقات واسعة مع المجتمع الدولي. هذا الاغتيال لم يكن فقط محاولة لإسكات صوت معارض، بل كان أيضا رسالة للمجتمع الدولي بأن النظام لن يتهاون مع أي شكل من أشكال المعارضة، بغض النظر عن مكانة الشخص أو انتماءاته الدينية.

استهداف الشخصيات العسكرية والمؤثرة

يوضح جزماتي أن النظام السوري لم يقتصر في استخدام الاغتيالات على الشخصيات المدنية فقط، بل شملت أيضا القادة العسكريين الذين شكلوا تهديدا مباشرا للنظام. من أبرز هذه الاغتيالات كانت اغتيال زهران علوش، قائد جيش الإسلام، وعبد القادر الصالح، قائد لواء التوحيد. هذه الاغتيالات كانت تهدف إلى إضعاف المعارضة المسلحة وتفكيك قيادتها.

الاغتيالات كأداة لإعادة ترتيب البيت الداخلي

إضافة إلى استهداف الشخصيات المدنية والمعارضة، يشير جزماتي إلى أن النظام السوري استخدم الاغتيالات كأداة لإعادة ترتيب البيت الداخلي وضمان تماسك النظام في لحظات حرجة. تفجير خلية الأزمة في 2012 واغتيال شخصيات بارزة مثل رستم غزالي وجامع جامع يظهر كيف أن النظام لم يتردد في التخلص من حتى المقربين منه إذا ما شعر بأن ولاءهم لم يعد مضمونا.. هذا النهج يعكس حالة من البارانويا والقلق الدائم داخل النظام، حيث إن أي انشقاق أو تغير في الولاء قد يؤدي إلى انهيار النظام بكامله.

التحالفات الداخلية والصراعات

النظام السوري ليس كيانا متجانسا بل هو مجموعة من التحالفات الداخلية والصراعات بين مختلف التيارات والشخصيات المؤثرة. في السنوات الأخيرة، ومع تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، برزت تيارات محسوبة على إيران وأخرى على روسيا داخل النظام. هذه التحالفات المتضاربة تسببت في بلبلة داخل النظام، مما جعل استخدام الاغتيالات كأداة لحسم الخلافات الداخلية أمرا شائعا.

حالة لون الشبل، المستشارة الإعلامية في القصر الجمهوري، التي أثيرت حولها العديد من التساؤلات بعد وفاتها في حادث سير، قد تكون مثالا على هذا النوع من التصفيات الداخلية. الشبل كانت تعتبر من الشخصيات المقربة من النظام، ولكن في ظل الصراعات الداخلية والمصالح المتضاربة، قد تكون تم استهدافها كجزء من إعادة ترتيب التحالفات الداخلية.

يقول عزام القصير إنه في الفترات الأخيرة، شهد النظام صراعات داخلية بين تيارات مختلفة، مما أدى إلى حالة من الفوضى والبلبلة. يعتقد أن بعض الاغتيالات كانت نتيجة لهذه الصراعات الداخلية، حيث يسعى كل تيار إلى تعزيز نفوذه والسيطرة على القرار.

في النهاية، يتفق المحللون على أن الاغتيالات السياسية في نظام الأسد ليست مجرد أداة للتخلص من الخصوم، بل هي جزء من استراتيجية شاملة لإدارة الحكم والسيطرة على المجتمع. هذا النهج يعكس قناعة النظام بأن البقاء في السلطة يتطلب استخدام جميع الوسائل الممكنة، بما في ذلك القمع والترهيب وتصفية الحسابات الداخلية.