اندلعت اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة على أطراف مدينة اعزاز شمالي حلب يوم أمس الأربعاء، بين تشكيلين عسكريين يتبعان لـ "الجبهة الشامية" في الفيلق الثالث بالجيش الوطني السوري، ما أدى إلى وقوع قتيل على الأقل وعدة إصابات من العناصر.
وهدأت وتيرة الاشتباكات مساء بالأمس، مع تدخل لجنة لحل الخلافات، في حين أعلن قائد الفيلق الثالث حسام ياسين في تغريدة، عن إنهاء النزاع في اعزاز، وأنه سيتم فك الاستنفار ونزع المظاهر المسلحة مع الاتفاق على إعادة كامل الحقوق لأصحابها.
أسباب وسياق المواجهات
بدأت المواجهات بين لواء عاصفة الشمال بقيادة صالح عموري، واللواء 315 بقيادة علاء فحام (أبو العز أريحا) بعد ساعات من الإعلان عن تشكيل (الفرقة 37 - قوات خاصة) من قِبل 6 ألوية وكتائب عسكرية تعمل ضمن "الجبهة الشامية".
وقالت الألوية، إن الإعلان عن التشكيل، جاء "نظراً لتعثر بعض الخطوات الضرورية للنهوض بالجاهزية العسكرية في الجبهة الشامية ورغبة منا في أن تنصب جهودنا في هذا المسار لتحقيق المطلوب منا في البناء والتطوير العسكري دون عرقلة أي خطوات بناءة يتم العمل عليها، وحرصاً على الخط الأصيل للجبهة الشامية والمبادىء التي أسست عليها".
وضمّ التشكيل الجديد "لواء حلب المدينة" ويمثله علاء سقار (أبو الحسنين)، و"لواء صقور حلب"، و"لواء المغاوير"، ويمثله أبو فيصل الحمصي، و"اللواء 315" ويمثله (أبو العز أريحا)، و"كتائب الساجدون لله" (معظمهم من تل رفعت)، و"اللواء 717 - الباب"، وبحسب بيان الفرقة فإن "كل جهودها ستصب بإعداد المقاتل الثائر ورفع جاهزيته من جميع النواحي".
وأفادت مصادر من داخل الجيش الوطني السوري، لموقع تلفزيون سوريا، بأن التشكيل الجديد آثار غضب قيادة "الجبهة الشامية"، وعدداً من تشكيلاتها، لا سيما لواء عاصفة الشمال، وقوات الطوارئ بقيادة "أبو علي سجو".
واعتبرت قيادة الجبهة الشامية أن التشكيل الجديد، يأتي امتداداً للخلافات مع قائد الفيلق الثالث حسام ياسين، وما نتج عنها من مواجهات داخلية قبل أسابيع في مدينة تل أبيض شمالي الرقة.
وأشارت المصادر إلى أن الإعلان عن تشكيل الفرقة 37 تم بالتنسيق مع قائد الفيلق الثالث، بهدف خلق حالة من التوازن داخل الجبهة الشامية، ودعم موقف "حسام ياسين" على حساب موقف قائد الجبهة الشامية "أبو العز سراقب".
وبحسب المصادر، فإن معظم قادة الألوية المشكّلين للفرقة 37، عُرفوا بقربهم من قائد الفيلق الثالث، لا سيما "أبو العز أريحا"، ما دفع الجبهة الشامية، وتحديداً لواء عاصفة الشمال لاستغلال الموقف وإضعاف التشكيل الجديد بعد ساعات من الإعلان عنه، للحد من تأثير حسام ياسين على الواقع العسكري والاصطفافات داخل الجبهة الشامية.
اشتباكات وحصر الخلاف مع "أبو العز أريحا"
اندلعت المواجهات يوم أمس بين مجموعة "أبو العز أريحا"، ولواء "عاصفة الشمال"، بدعوى اعتداء الطرف الأول على أحد حواجز العاصفة في مدينة اعزاز، ما دفع الأخيرة لتوسيع رقعة المواجهات واعتقال عدة عناصر لـ"أبو العز" والسيطرة على مقاره ومصادرة كميات من الذخائر.
وترى المصادر أن التصعيد كان متعمداً من طرف "عاصفة الشمال"، بهدف توجيه رسائل قوية لقائد الفيلق الثالث بأن التشكيل الجديد لا مستقبل له، خاصة بعدما أصرّت "العاصفة" على بسط سيطرتها على كل مقرات الطرف الآخر.
وكان هناك محاولة لحصر الخلاف مع لواء "أبو العز أريحا" والتهدئة مع التشكيلات الخمسة الأخرى المؤسسة للفرقة الجديدة، بالتزامن مع تصعيد "العاصفة" تجاه اللواء في سياق ترهيب بقية الأطراف، كون "العاصفة" غير قادرة على مواجهة الفرقة الجديدة مجتمعة.
امتداد لصراع تل أبيض
يحاول قائد الفيلق الثالث حسام ياسين تعزيز موقفه في منطقة ريف حلب الشمالي على حساب الجبهة الشامية، بعد الخلافات الأخيرة بين الطرفين، والتي بلغت ذروتها في منطقة تل أبيض.
وفي 28 من شهر تموز الماضي، اندلعت مواجهات، بين مجموعات تتبع للفيلق الثالث في الجيش الوطني السوري عند معبر تل أبيض بريف الرقة الشمالي، أسفرت عن مقتل شخصين وإصابة أربعة آخرين، بسبب خلاف وصراع قديم - متجدد على الاقتصاد والأمن في المنطقة.
وهاجمت القوات المحسوبة على "حسام ياسين" بقيادة أبو الليث الحمصي آنذاك، معبر تل أبيض بهدف تطبيق قرار عزل عنصر أمني يدعى "أبو الوليد" بالقوة، وأسفر ذلك عن مقتل شخصين وإصابة أربعة آخرين.
وجاء الهجوم بعد أن شعر تيار "حسام ياسين" بأن القوى المدعومة من "سمير عموري" و"أبو علي سجو" - وكلاهما مقربان من قائد الجبهة الشامية عزام الغريب - ستضغط من أجل عزل "أبو الليث" عن قيادة الفيلق الثالث في تل أبيض وتعيين بديل عنه، بالتالي الحد من نفوذ "ياسين".
وتقول المصادر: "بعدما نجح حسام ياسين بكسب المعركة في تل أبيض، يسعى الآن لتدعيم موقفه في شمالي حلب عبر استقطاب الموالين له، خاصة أنه بصدد العمل على نقل مبنى قيادة الفيلق من اعزاز إلى جرابلس شرقي حلب، بمعزل عن قيادة الشامية، وهذا ما يعزز الانقسام بين الطرفين، بالتالي التنافس على استقطاب الكتل العسكرية من قبل كل طرف".
وفي وقت سابق أكدت مصادر مطلعة لموقع تلفزيون سوريا، أن كتلتي عاصفة الشمال وقوات الطوارئ التي تسيطران فعلياً على معبر باب السلامة، لديهما مخاوف من سياسة قائد الفيلق الثالث الذي عمل على إعادة هيكلة تقوم على تأسيس قوات خاصة ومركزية وألوية عسكرية، حيث نظرت المكونات لهذه الخطة على أنها تستهدف تفتيتها على المدى البعيد، خاصة أن قادة القوات التي يتم تسميتها من قبل القيادة لا تنتمي بالغالب إلى ريف حلب الذي تنحدر منه الجبهة الشامية، ما دفع الأطراف إلى التوافق على تسمية "أبو العز سراقب" قائداً للشامية بهدف الحد من تأثير "ياسين".
ما دور "هيئة تحرير الشام"؟
ترى مصادر من داخل الفرقة المشكّلة حديثاً، أن هناك دوافع منطقية للإعلان عن تشكيل الفرقة، ومنها شعور مكوناتها بالظلم من تعامل قيادة "الشامية" معها، خاصة فيما يتعلق بالأولوية العسكرية والاقتصادية.
إضافة لذلك، تعتقد الفرقة أن تكتل مكوناتها بات ضرورة، لحماية نفسها من أي توغل لهيئة تحرير الشام مستقبلاً، وفي ظل وجود تكتل آخر منافس في "الشامية" يعتمد على "المناطقية" ويركّز على أبناء ريف حلب خاصة في اعزاز ومارع والباب، بمنأى عن المهجرين.
وعلم موقع تلفزيون سوريا في وقت سابق من مصادر مطلعة، أن الكتلة المنحدرة من منطقة اعزاز في "الشامية" تتبنى التنسيق الاقتصادي مع هيئة تحرير الشام بهدف تحقيق وارد اقتصادي يعوضها عما خسرته خلال الفترات الماضية، بالمقابل هناك تيار داخل الجبهة من العناصر والقيادات السابقة في أحرار الشام تعتبر أن العودة للتنسيق مع تحرير الشام خطاً أحمر.
وقالت المصادر من داخل الفرقة إنّ "قيادة الشامية عملت مؤخراً على إضعاف وتفكيك الألوية التي قاتلت تحرير الشام، وقد اتخذت قراراً بالتنسيق مع الهيئة وإعادة الفرقة 50 التي يتزعمها أبو توفيق عساف (تل رفعت) إلى الشامية بعدما انشقت عنها ووقفت سابقاً في حلف الهيئة، ولذلك اجتمع قادة هذه الألوية وأخذوا قراراً بالتكتل ضمن الشامية باسم الفرقة 37 من باب حماية أنفسهم من خطر الهيئة".
وبعد المعارك بين الفيلق الثالث وهيئة تحرير الشام في منطقتي عفرين واعزاز في تشرين الأول الماضي، وتوصل الطرفين لاتفاق وقف إطلاق للنار، تتجه أصابع الاتهام للهيئة بتفكيك الفيلق، حيث انشقت مجموعات تل رفعت عن الفيلق الثالث وشكلت الفرقة 50، ثم انتقلت الخلافات إلى داخل الجبهة الشامية (أكبر مكون في الفيلق الثالث) لتصل إلى حد إزالة حسام ياسين عن منصب قيادة الشامية وبقائه قائداً للفيلق الثالث فقط، ثم تطورت الخلافات إلى اشتباكات.
"اتفاق صلح"
توصل لواء عاصفة الشمال واللواء 315 لـ "اتفاق صلح" اليوم الخميس، نصّ على الآتي:
- إطلاق سراح المعتقلين
- تسليم نقاط اللواء 315 في جبل برصايا.
- فك الاستنفار بين الطرفين.
- إعادة حقوق اللواء 315 من آليات وعتاد من قبل لواء عاصفة الشمال على أن يتم التنفيذ خلال 24 ساعة.
- تشكيل لجنة لتحديد التعويضات لضحايا النزاع والتزام الطرفين بتنفيذ أحكامها، ودفع الدية خلال مدة لا تتجاوز أسبوعين من تاريخ توقيع الاتفاق.
- إعادة السلاح والذخائر لأصحابها خلال مدة لا تتجاوز أربعة أيام من تاريخ تسليم نقاط جبل برصايا.
جدير بالذكر أن "عاصفة الشمال" استغلت النقمة الشعبية في مدينة اعزاز ممن يصفهم الأهالي بـ "الغرباء" لتحقيق أهدافها في تحجيم التشكيلات المعروفة بمناهضتها للهيئة، في ظل تخوّف هذه التشكيلات من الآثار المترتبة على الأحداث الحالية، لا سيما ما يخص تسليم نقاط جبل برصايا للعاصفة، كونها خط "الدفاع الأول" في مواجهة أي تقدم محتمل للهيئة وأكثرها فاعلية في صد الهجوم إذا ما حدث.