icon
التغطية الحية

استقلالية منقوصة وتحديات.. هيكلية الشرطة العسكرية وإشكاليات النفوذ الفصائلي

2024.11.03 | 06:46 دمشق

53
صورة أرشيفية - AFP
حلب - خاص
+A
حجم الخط
-A

تُعرَف الشرطة العسكرية كإحدى الوحدات الأساسية التي تشكّل جزءاً من قيادة الجيوش في معظم الدول، وتُعنى بمهمة فرض الانضباط العسكري داخل القوات المسلحة، وعلى هذا الأساس، وضمن مناطق نفوذ الجيش الوطني السوري شمالي وشرقي حلب، أُنشئت إدارة الشرطة العسكرية عام 2018 بإشراف الحكومة السورية المؤقتة ووزارة الدفاع التابعة لها، بهدف معالجة الانتهاكات المتزايدة التي ارتكبتها بعض الفصائل، خاصة بعد السيطرة على مدينة عفرين في العام نفسه.

تمتلك إدارة الشرطة العسكرية هيكلية واسعة تتوزع على تسعة فروع، تقع ضمن مناطق عمليات "درع الفرات"، و"غصن الزيتون"، و"نبع السلام"، مع قيادة مركزية في قرية قطمة الواقعة بين مدينتي اعزاز وعفرين شمالي حلب.

ورغم التنظيم النظري، تعاني هذه المؤسسة من تحديات عديدة مرتبطة بالنفوذ الفصائلي، مما يحدّ من استقلالية الإدارة ويؤثر على قدرتها في تطبيق القوانين بشكل فعّال.

تنوّعت مهام الشرطة العسكرية منذ تأسيسها لتشمل مكافحة الإرهاب، ومواجهة شبكات تهريب المخدرات، وضبط الخروقات الأمنية، لكنها غالباً ما تعمل بالتنسيق مع فصائل الجيش الوطني. ورغم الجهود لضبط الاشتباكات بين الفصائل، لا تزال الإدارة تعاني من نقص الإمكانات العسكرية، مما يجعلها تعتمد بشكل كبير على التفاوض لحل النزاعات.

ويؤثر ضعف التجهيزات وقلة العدد والتسليح الكافي للعناصر على فعالية الشرطة العسكرية، إضافة إلى ذلك، تعاني الإدارة من تدني الرواتب التي تدفع العناصر للجوء إلى ممارسات غير مشروعة لكسب الدخل.

"أداة" غير مباشرة لعدة أطراف

عانت الشرطة العسكرية بداية تأسيسها من تدخل فصائل الجيش الوطني في آلية عملها، ويرتبط بذلك بحسب الفصيل المسيطر على المدينة التي يقع فيها كل فرع من فروع الشرطة.

وبعد ذلك، بات الجانب التركي العامل المؤثر الأول ضمن الشرطة، مع تراجع نسبي لنفوذ الفصائل، ورغم أن إدارة الشرطة العسكرية تتبع ظاهرياً لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، فإنها تتلقى التعليمات في الغالب من الجانب التركي.

ونجحت الشرطة في تحقيق إنجازات أمنية خلال السنوات الماضية، كضبط كميات من المواد المخدرة، واعتقال عدد من تجار الممنوعات، وضبط الأمن عبر حواجزها، وتفكيك عدة خلايا للنظام السوري و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وتنظيم "داعش"، والحد من التفجيرات وغيرها، إلا أنها ما زالت تعاني من مشكلات أخرى، إذ أظهرت الشرطة عجزها في أكثر من مناسبة عن الحد من الاشتباكات بين الفصائل أو إيقاف المواجهات بعد اندلاعها.

ولم تسلم الشرطة نفسها من ارتكاب انتهاكات في شمال غربي سوريا، حيث نفذت خلال السنوات الماضية عمليات اعتقال شملت ناشطين وصحفيين قبل أن تطلق سراحهم، مع قمع عدة مظاهرات، كما أن بعض الحواجز التابعة لها ابتزّت المارة بهدف الحصول على المال، فضلاً عن فرض مبالغ مالية على المرحلين من تركيا، أو أولئك الذين يُلقى القبض عليهم في أثناء محاولتهم الدخول إلى الأراضي التركية بطريقة غير شرعية.

التأسيس والهيكلية

تأسس جهاز إدارة الشرطة العسكرية مطلع عام 2018 بإشراف من الحكومة السورية المؤقتة ووزارة الدفاع التابعة لها بهدف مواجهة التجاوزات التي تقع من العناصر المسلحة المحسوبة على بعض الفصائل، والتي بلغت ذروتها في الفترة الأولى لدخولها مدينة عفرين، على اعتبار أن نسبة كبيرة من الانتهاكات والاختراقات تمت بطريقة أو بأخرى من قبل مجموعات مسلحة غير منضبطة.

تقوم الشرطة العسكرية من الناحية النظرية على تسلسل هرمي، ويوجد مقر قيادة إدارة الشرطة العسكرية في قرية قطمة قرب كفر جنة شمالي حلب، التابعة إدارياً لمنطقة عفرين، ويقودها حالياً العميد خالد الأسعد.

تتألف الشرطة العسكرية من وحدات وفروع اختصاصية، من أبرزها: وحدة مكافحة الإرهاب، ووحدة المراقبة والتفتيش، وفرع التحقيق، وفرع المباحث، وفرع العمليات، وفرع الشؤون الإدارية، وفرع السجون، وفرع المعابر والمنافذ، وفرع الشؤون الفنية، الذي يختص بالسيارات وباقي أنواع الآليات التابعة للإدارة.

ورغم عدم وجود إحصائية رسمية منشورة عن عدد عناصر الإدارة، فإن التقديرات تشير إلى أن عددها يتراوح بين 2500 و3000 عنصر.

وبحسب التوزيع المناطقي، يتبع للشرطة العسكرية تسعة فروع، ستة منها في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون، وثلاثة فروع في منطقة نبع السلام، وفق التوزيع الآتي:

  • فرع اعزاز: يقوده حالياً غسان كنو، المقرب من "تجمع الشهباء" في الجبهة الشامية.
  • فرع عفرين: يقوده حالياً أحمد كبصو، كان مقرباً من الجبهة الشامية، وحسّن علاقته مؤخراً مع القوة المشتركة.
  • فرع جرابلس: يقوده حالياً علاء الدين عمقي، الملقب زيكو، المرتبط بفرقة السلطان مراد.
  • فرع بلبل: يوجد الفرع الرئيسي في بلبل بريف عفرين، مع وجود مفرزة تابعة للفرع في ناحية راجو، يقود الفرع محمد الدخيل أبو عزيز (شرطي منشق، من منطقة منبج).
  • فرع الباب: يقوده حالياً المقدم راكان العسس، المقرب من جيش الإسلام وفرقة السلطان مراد.
  • فرع جنديرس: يقوده حالياً الرائد إبراهيم الجاسم، المقرب من فيلق الشام، وحسّن علاقته مؤخراً مع القوة المشتركة.
  • فرع تل أبيض (محافظة الرقة): يقوده حالياً الرائد مؤيد الأحمد، المقرب من الجبهة الشامية.
  • فرع سلوك: تتبع له مفرزة حمام التركمان "نبع السلام". يقوده حالياً العميد جراح الكماري، المقرب من حركة التحرير والبناء.
  • فرع رأس العين (محافظة الحسكة): يقوده حالياً الرائد علاء حمزة، صاحب العلاقات الجيدة مع فرقة الحمزة _ القوة المشتركة بالدرجة الأولى، كما أنّ له علاقة جيدة بفرقة السلطان مراد.

ويتبع لقيادة الشرطة العسكرية أيضاً خمسة سجون مركزية، هي: سجن معراتا قرب مدينة عفرين، وسجن في الراعي، وسجن رأس العين، وسجن اعزاز، والسجن الأسود في راجو.

مهام الشرطة العسكرية

منذ تأسيسها عام 2018، شهدت مهام الشرطة العسكرية تزايداً ملحوظاً، حيث أتاح الواقع والثغرات الأمنية التي تواجه المنطقة مساحة عمل واسعة، ما جعل مهامها لا تقتصر على التصدي لانتهاكات العناصر التابعة للفصائل بحق السكان، بل باتت تضطلع بمهام تمس الأمن العام، مثل تتبع خلايا تنظيم "داعش" و"قسد" والنظام السوري، ومكافحة المخدرات والتهريب، ومساعدة الشرطة المدنية في ملاحقة مرتكبي الجنايات في بعض الأحيان.

وغالباً ما كانت تتم هذه المهام بالتنسيق مع المكاتب الأمنية للفصائل، لكن هذا تناقص نسبياً مع الزمن بسبب الزيادة النسبية في عدد عناصر وتسليح الإدارة، من دون أن يؤدي حتى الآن إلى استقلالية كاملة في عمل الإدارة عن أمنيات الفصائل، وخاصة في القضايا المتعلقة بعناصر ومصالح الفصائل.

وسجلت الشرطة العسكرية نجاحاً نسبياً في الحد من الاشتباكات البينية ضمن المجموعات التابعة لفصائل الجيش الوطني، فتمكن رؤساء فروع الشرطة العسكرية بشكل متكرر من التدخل في فض اشتباكات وقعت في عفرين وجرابلس ورأس العين وغيرها؛ نظراً لحالة التوافق بين الفصائل على رئيس فرع الشرطة في كل منطقة، مما جعله شخصية مقبولة للتدخل في فض النزاعات.

وفي كانون الثاني 2023، أعلن "الجيش الوطني" البدء بتنفيذ خطة تسليم جميع الحواجز الأمنية إلى الشرطة العسكرية، وتسلّمت الإدارة بعد هذا الإعلان معظم الحواجز المنتشرة على الطرقات الرئيسة، في حين حافظت عدة فصائل على وجود بعض الحواجز التابعة لها ولم تقم بتسليمها للإدارة، مثل حاجز فرقة السلطان سليمان شاه/العمشات على الطريق الرئيسي بين عفرين والباسوطة عند مفرق قرية قرزيحل، كما حافظت بعض الفصائل على معظم حواجزها الفرعية في قطاعاتها العسكرية المنتشرة في أرياف منطقة عفرين.

وتأثر تشكيل الشرطة العسكرية والفروع التابعة لها في المناطق بهيكلية الجيش الوطني، حيث يوجد خلل في تبعية الفروع إلى الإدارة، ويكاد يكون الفرع مستقلاً بذاته إلى حد ما بسبب الحالة الفصائلية.

كما تأثرت الشرطة بطبيعة الفصائل نفسها وتوزيع المناصب فيها بناءً على المحاصصة الفصائلية، فمثلاً في اعزاز، الفصيل الأقوى هو الجبهة الشامية، ولذلك يجب أن يكون رئيس الفرع من الجبهة الشامية، ونائبه من الفصيل الذي يليه بالقوة في المنطقة نفسها.

مشكلات تعاني منها الشرطة العسكرية

استطلع موقع تلفزيون سوريا آراء عدد من السكان والعسكريين في شمالي سوريا للحديث عن المشكلات التي تعاني منها الشرطة العسكرية، وكان أبرزها:

  • نفوذ وتدخل الفصائل العسكرية: اعتمدت الشرطة العسكرية في بداية تشكيلها على المحاصصة الفصائلية فيما يتعلق بتوزيع المناصب، ومع محاولات وزارة الدفاع التخلص من الحالة الفصائلية بدعمٍ من الجانب التركي، تراجعت هذه الحالة لكن دون أن تنتهي بالكامل، حيث لا يزال للفصائل نفوذها داخل الإدارة، ولا تزال الفصائل ترسل ترشيحاتها لتسلّم المناصب ضمن هيكل الشرطة العسكرية. ونتيجة لهذه المحاصصة والتدخل الفصائلي، تأثر تشكيل الشرطة العسكرية والفروع التابعة لها بهيكلية الجيش الوطني، حيث يوجد خلل في تبعية الفروع إلى قيادة الإدارة، ويكاد يكون الفرع مستقلاً بذاته بسبب ارتباطات الفروع المناطقية وقادتها بالفصائل العسكرية. وبسبب الحالة الفصائلية، فإن قدرة الشرطة على مواجهة انتهاكات عناصر الفصائل تختلف تبعاً لقوة الفصيل المنخرط في الانتهاك، ونوع الانتهاك، والمستوى القيادي للشخصية المتهمة بالانتهاك، وهذا يمنع الشرطة حتى الآن من فرض نفسها كمؤسسة تعمل على تطبيق الانضباط العسكري على كل العسكريين بلا استثناء بشكل قانوني ومؤسساتي.
  • ضعف قوتها العسكرية: لا تمتلك الشرطة العسكرية العدد والعتاد العسكري المناسب والكافي لتنفيذ مهامها المختلفة، مما يجعلها عاجزة عن مواجهة الفصائل العسكرية وإلزامها بالتراجع عن المخالفات الانضباطية المرتكبة من قبلها "الانتهاكات". ولهذا، فإنها غالباً ما تعمل على حل النزاعات العسكرية بين الفصائل بالطرق التصالحية من دون وجود عقوبات رادعة.

  • ضعف تجهيزاتها الخاصة بالنواحي الأمنية: لا تمتلك الشرطة العسكرية معدات وأدوات حديثة للكشف عن المخدرات والمتفجرات وغيرها من الأجهزة اللازمة لتطوير أدائها على الصعيد الأمني.

  • الاعتماد على أشخاص غير مختصين: تسببت المحاصصة الفصائلية في وصول أشخاص مدنيين لا يمتلكون مؤهلات أكاديمية عسكرية لتسلّم مناصب قيادية.

  • ضعف الرواتب والمخصصات المالية للعناصر: تتراوح رواتب عناصر الشرطة العسكرية بين 2500 و3000 ليرة تركية تبعاً للمهمة وعدد ساعات الدوام (2800 ليرة وسطياً). وهذا الراتب لا يكفي لتغطية حاجة العائلة، مما يدفع العناصر إلى طرق ملتوية لتحصيل الدخل، مثل عرقلة سير سيارات شحن البضائع وحافلات نقل الركاب بهدف الحصول على مبالغ مالية منهم.


توصيات لتحسين عمل الشرطة العسكرية

طرح المشتكون من آلية عمل الشرطة العسكرية خلال حديثهم مع موقع تلفزيون سوريا عدة توصيات للارتقاء بعمل المؤسسة، ومنها:

  1. تعزيز العمل المؤسساتي بتراتبية عسكرية واضحة تتشكل من الضباط المختصين، وإنهاء تكليف بعض قادة الفروع غير العسكريين ممن لا يمتلكون معرفة وخبرة بأنظمة الخدمة وقوانين العقوبات العسكرية.

  2. تعزيز القدرات العسكرية للإدارة من خلال تجهيزها بآليات عسكرية ومنحها الصلاحيات اللازمة لتنفيذ مهامها، وزيادة عدد عناصرها، وتطوير تسليحها.

  3. تعزيز قدراتها الأمنية من خلال دعمها بمعدات لوجستية حديثة تساعدها في مكافحة التفجيرات والمخدرات، مثل أجهزة المراقبة الحديثة والكلاب البوليسية، وتأهيل كوادر متخصصة للعمل على هذه اللوجستيات الحديثة.

  4. دعم وتعزيز دور منظومة القضاء العسكري وإنفاذ أحكامها على جميع العسكريين بغض النظر عن مناصبهم، مما يعزز دور وهيبة إدارة الشرطة العسكرية من خلال مهامها التي تتكامل مع القضاء العسكري باعتبارها الذراع التنفيذية له.

  5. إنهاء هيمنة الفصائل وتأثيرها على فروع الشرطة العسكرية.

  6. إقرار عقوبات تشمل الأفراد العاملين في الشرطة، الذين يمارسون انتهاكات على السكان، لا سيما على الحواجز.

ختاماً، تُظهر التوصيات المقترحة الحاجة الملحة لتعزيز عمل الشرطة العسكرية من خلال إعادة هيكلة قياداتها وتأمين الموارد العسكرية والأمنية اللازمة، في حين يبقى التحدي الأكبر هو تحقيق التوازن بين الاستقلالية المؤسسية وتقليص النفوذ الفصائلي، لضمان أداء فعّال يحمي حقوق المدنيين ويعزز الأمن في المنطقة.